حماة وحمص.. ما أشبه اليوم بالبارحة
مهما حاول النظام الاستعانة بقوى «الشر» الخارجية.. «ساقط لا محالة»
ولكن الفارق اليوم بين مجزرة حماة 1982 ومجزرة حمص 2012، أن حماة استسلمت لمصيرها، ولم يعرف العالم حجم الجرائم التي ارتكبت آنذاك، فلا وسائل اتصال أو تواصل، ولا إعلام يمكن أن ينقل تلك الصور، ولم يعرف عن تلك المجازر إلا القليل ممن كتب أو وثّق ما حدث..، أما اليوم فإن الوضع مختلف، فبالرغم من كل محاولات النظام إخفاء الحقيقة، وإخفاء الجريمة، إلا أنه بفضل الإعلام الحديث، والنقل المباشر اللحظي لما يدور في حمص وغيرها من المدن الثائرة، وتقنيات التواصل، فإن النظام عجز عن إخفاء تلك الجريمة.
ليس هذا فقط وجه الشبه، في حماة كان الأخوان حافظ ورفعت يديران تلك المجازر، واليوم الأخوان ماهر وبشار يشكلان نفس الحلقة، ولكن الشيء المختلف أن رقعة تلك الجرائم قد اتسعت، ومثّلت حمص نموذجاً لتلك الجرائم.. ما أشبه اليوم بالبارحة.
ما الفرق بين ما أقدمت عليه إسرائيل يوم دكت غزة في عدوان غاشم نهاية 2008، وما تعرضت له حمص وغيرها من المدن والقرى في سوريا عام 2012.. أليس العدوانان وجهين لعملة واحدة؟
من المؤسف جداً، ومن الخزي والعار أن نقارن جرائم ترتكب بأيدٍ عربية، وأنظمة عربية، بما تقوم به إسرائيل، هذا العدو المغتصب للأرض، والمحتل للمقدسات، ولكننا للأسف نعيش مرحلة من السوء في أنظمة عربية تدفعنا لأن نقارن جرائمها بالجرائم الإسرائيلية.
ما يحدث في سوريا اليوم على يد النظام وجيشه وشبيحته من قتل للأبرياء، وإصرار على مواصلة الجرائم ضد الشعب، لهو أمر تخجل منه الإنسانية جميعاً، الشرفاء منهم بالطبع، أما المتخاذلون والمتعاونون والمشاركون في الجريمة، وفي ارتكاب الفظائع، فهؤلاء لا يعنيهم الشعب السوري المغلوب على أمره، بل يعنيهم الحفاظ على مصالحهم، كما هو الحال مع روسيا، التي تمد النظام بالسلاح عبر الطائرات والباخرات، وتحمي النظام من الملاحقة القانونية في مجلس الأمن بالاشتراك مع الصين.
إلى الآن النظام يتحدث عن عصابات إجرامية تقتل الشعب، وأنه بريء من دم الشعب، وأن كل ما يحدث في المدن السورية هو خروج على القانون على يد تلك العصابات، وأن الجيش والشبيحة أتوا بطلب من سكان المناطق لحمايتهم.
أي سذاجة هذه التي يتحدثون بها، وهل يعتقدون أن الشعوب مازالت تعيش مرحلة الغفلة، ويمكن الضحك عليها بدعاية ممجوجة وعفا عليها الزمن.
2012 ليست 1982، هناك 30 عاماً فارق زمني بينهما، والأكثر من ذلك ما شهدته السنوات الممتدة بينهما من تقدم تقني، ووعي شعبي، إلا أن النظام يعيش بنفس العقلية القديمة، عقلية الحل الأمني، والإبادة الجماعية، والقصف والتدمير، وتحويل المنازل إلى مقابر جماعية، معتقداً أن كل تلك الجرائم ستظل طي الكتمان، وأن العالم لن يعرف بها، ولن يسمع بها أحد من قريب أو بعيد كما حصل في حماة.
توقفت أمس عند استقالة الرئيس المالديفي الذي تقدم بها بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات التي تحولت إلى عصيان مدني، والذي قال في استقالته إن بقاءه في السلطة سيتطلب استخدام القوة التي ستلحق الأذى بالمواطنين، كما سيشكل ذلك خطراً على البلاد، وأضاف “لا أريد أن أحكم البلاد بالقوة”.
احترمت هذا الرجل الذي لم يحاول البقاء ولو شهراً واحداً بعد الاحتجاجات، وفضّل مصلحة بلاده ومواطنيه على مصالحه الشخصية.
كان بإمكان الرئيس المالديفي أن يستخدم القوة للحفاظ على كرسي الحكم، كما يفعل اليوم النظام في سوريا، الذي أباد العباد، ودمر البلاد، من أجل بقاء حكم البعث في السلطة، علما بأن هذا الحزب يحكم البلاد منذ أكثر من نصف قرن.. 50 عاماً.. فماذا كانت النتيجة؟ وما هو حال سوريا بلداً وشعباً؟
سوريا بلد الحضارات، ولطالما قدمت العلماء، واحتضنت الخلافة الاسلامية.. فكيف عاشت في عقودها الخمسة الأخيرة؟ وكيف انتشر الفساد، بل والإفساد من قبل النظام.. اليوم عندما أراد الشعب تغيير واقعه المرير كان جواب السلطة القتل والترويع والتشريد..، على مدار عام تقريبا والشعب السوري يسام الخسف والنسف.. هذا الشعب الذي خرج ليطالب في البداية بالإصلاح ليس أكثر.. لم يكن يطالب بتغيير النظام أو إسقاط الرئيس، كل مطالبه محصورة بالإصلاح.. فماذا كان رد السلطة.. الرد كان بالرصاص والقتل..
كيف يقبل رئيس أن يحكم شعباً لا يريده.. وزير الطاقة والتغيّر البريطاني كريس هون يقدم استقالته قبل أيام لارتكابه مخالفة سرعة بقيادته سيارة تجاوزت السرعة المسموح بها، بينما الرئيس السوري يرفض التنحي عن السلطة رغم كل هذا القتل الذي يحصد الابرياء بالمئات يوميا.. متبعاً سياسة “أحكمكم أو أقتلكم”.. لا خيار ثالثاً..
الشعب السوري لن يتراجع، فحاجز الخوف قد تهاوى، وما بعد الثورة ليس كما كان قبلها، ولن تستطيع أي قوة دنيوية أن تركع الشعب السوري من جديد، مهما قدمت روسيا من دعم عسكري، أو حمت النظام بمشاركة الصين من إدانة دولية، أو وقفت أنظمة وحكومات ومنظمات تعد على أصابع اليد الواحدة مع النظام في دمشق، فإن الشعب في نهاية المطاف منتصر لا محالة.
هكذا هي السنن الكونية، وهكذا هي شواهد التاريخ، ثورة الشعوب لا تستطيع الأنظمة الوقوف أمامها، حتى ولو وقفت لحين، فإنها في النهاية ستسقط، وسيتحرر الشعب، ويكتب تاريخه من جديد، وهكذا سيكون الشعب السوري العظيم، الذي سيتغلب على كل الجراح والآلام التي يمر بها في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه.
◄ كلمة أخيرة:
إلى الشعب السوري العظيم.. الصابر والمصابر.. اصبروا وصابروا ورابطوا.. لا تنادوا “يا عرب”.. احذفوا حرف العين من ندائكم.. فالعين نامت.. ولم يبق سوى من “عينه لا تنام”.
بعد 30 عاماً يعيد التاريخ نفسه.. الأسد “الصغير” يكرر مجازر الأسد “الكبير”.. بفارق زمني فقط.
قبل أيام مرت ذكرى مأساة حماة التي شهدت مجازر في عام 1982، عندما تم إغلاق ومحاصرة المدينة وإبادة الآلاف من الأبرياء فيها، مع آلاف آخرين من المشردين والمعتقلين..
واليوم ها هي مدينة حمص تواجه نفس المشهد، ونفس المصير، فقد استخدم النظام كل ما لديه من قوة جوية وأرضية بهدف إسكات صوت الثورة الصادر من هذه المدينة الثائرة كغيرها من مدن وقرى وأرياف سوريا بأكملها..