مقالات

خطاب الأمير.. مبادئ وقيم لبناء شخصية المواطن

بناء الوطن والمواطن يتصدر اهتمامات القيادة

لا خوف على بلد طالما ملكت قيادته رؤية واضحة، ومنهاج عمل لما هي مقدمة عليه، وتترجم ذلك على الواقع عبر آليات عمل مؤسسي متكامل..

هكذا أجزم بأن قطر تسير على هذا النهج، وهذا ما لمسه كل من استمع الى خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه في افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى، الذي رسم من خلاله خريطة طريق لما نحن مقبلون عليه خلال المرحلة المقبلة، وفي الوقت نفسه طرح بتجرد تقييماً لعام مضى، ومراجعة الأداء على ضوء النتائج التي تحققت على أرض الواقع، وهو أمر في غاية الأهمية، فلا يمكن أن نبني استراتيجيات دون أن نقف قليلاً لنراجع خطواتنا، وما قمنا به من عمل، لكي نعزز ما تحقق من إيجابيات ومكاسب، وفي الوقت نفسه نتلافى الأخطاء أو القصور، التي ربما وقعنا بها.

لقد تضمن خطاب سمو الأمير المفدى مرتكزات مهمة في مسيرة تنمية المجتمع ورفاهية المواطن، وكان الخطاب مركزاً في مجمله على الشأن الداخلي، في شقه التنموي، البشر قبل الحجر، وهي الرؤية التي تحرص قيادتنا على جعلها في الصدارة، وهي المتعلقة بالاستثمار في الإنسان، استثماراً يخلق مجتمعاً حضارياً، ومواطنين يقودون قاطرة التنمية.

حقيقة.. المجال قد لا يتيح تسليط الضوء كثيراً على النقاط التي تحدث عنها سمو الأمير المفدى، إلا أن هناك قضايا لابد من الاشارة إلها، والتوقف عندها، كونها تمثل منطلقات أساسية في التنمية التي تنشدها الدولة.

هناك جهود كبيرة تبذلها الدولة عبر أجهزتها المختلفة لتعزيز مسيرة التنمية عبر الخطط التي وضعتها، خاصة في ظل المشاريع الجبارة التي تنفذ على الأرض حالياً، هذا الجهد بحاجة الى تنسيق وتعاون وتكامل في الادوار بين وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، وهو ما تحقق الى حد ما، لكن بالتأكيد في ظل تشعب وتوسع القطاعات والمشاريع التي تنفذ في جميع القطاعات، نحن بحاجة الى مزيد من الجهود على صعيد تدعيم العمل المؤسسي بصورة افضل، ومن المؤكد ان الجهاز التنفيذي لديه القدرة على التصدي لإنجاز الخطط والمشاريع في وقتها وبدرجة عالية من الكفاءة.

قطر اليوم تحت ” المجهر ” العالمي، والكثير من الأطراف الخارجية دولا وشركات وأفرادا تسعى للتواجد في الساحة القطرية، لأكثر من سبب، ربما أبرزها الأمن والاستقرار اللذان تتمتع بهما قطر، والمصداقية التي تحظى بها، والمكانة العالمية التي باتت تتبوأها، ومسيرة التنمية المتواصلة، والنمو الاقتصادي المستمر، والمشاريع العملاقة المطروحة في السوق، والمبادرات الخلاقة التي تقودها الدولة في الداخل والخارج..، هذه العناصر وغيرها تجعلنا نعيش في تحديات مستمرة، تفرض علينا الارتقاء الى أن نكون على قدر المسؤولية كأفراد قبل الجهاز الرسمي، للتصدي لها، والتأكيد على كفاءة العنصر القطري في قيادة مشاريع وإيصالها الى تحقيق أهدافها بكفاءة وجودة عالية.

تحدث سمو الأمير عن الاقتصاد والنمو المتواصل، والسياسات الناجحة التي تقودها الدولة، والتي خلقت قوة اقتصادية متنامية، دفعت لتحقيق مكاسب عالمية بارزة على صعيد المؤشرات الدولية المختلفة، وبالتالي المحافظة على تصنيف ائتماني متقدم، يعد الأعلى على مستوى العالم، إضافة الى مواصلة تنويع مصادر الدخل، والدفع بالقطاع الخاص لكي يتداخل بصورة اكبر في التنمية، وتأكيد سموه أنه حتى في حال ما إذا حدثت انخفاضات في أسعار النفط عالميا، فان الاقتصاد القطري لن يتأثر بمثل هذه التطورات، بسبب رؤية مستقبلية دفعت لوضع تقديرات محافظة لأسعار النفط، تجعل من أي انخفاض يمكن السيطرة عليه، دون حدوث أضرار أو إحداث ارباك للموازنات العامة، او توقف المشاريع، ولكن بالرغم من ذلك- كما أشار سمو الأمير – لا يدفعنا الى القيام بالتبذير والاسراف وسوء التعامل مع أموال الدولة، وعدم احترام الميزانية، والاعتماد على توافر المال للتغطية على الاخطاء، وهي سلوكيات لابد من التخلص منها، سواء أكانت أسعار النفط مرتفعة أو منخفضة.

وحقيقة هناك قضية من الاهمية بمكان التوقف عندها، وهي تتحدث عن بناء المجتمع، وبناء الأفراد، وهي القضية التي تتصدر اولويات سمو الأمير المفدى، وبالمناسبة ليس في خطاب الامس، انما من يتذكر على سبيل المثال خطاب العام الماضي في مجلس الشورى أكد سمو الأمير ان أهداف التنمية في رؤية قطر 2030 تتلخص في ثلاث كلمات: بناء الوطن والمواطن.

بالامس قال سموه ” فالعقلانية في الصرف مسألة اقتصادية من الدرجة الاولى، ولكنها ليست مسألة اقتصادية فحسب، بل مسألة حضارية متعلقة بنوع المجتمع الذي نريده، ونوع الفرد الذي ننشئ في دولة قطر “.

هذه هي الرؤية التي تحملها القيادة القطرية، القضية ليست مالا متوافرا ومن ثم الصرف الى درجة التبذير او الاسراف، المسألة قيم اخلاقية وتربوية تغرس لدى الافراد لكي يبنوا مجتمعا حضاريا.

مازلت اتذكر خطاب سمو الأمير المفدى عندما تولى الحكم العام الماضي، ومن بين ما قاله ” ليس التطور وارتفاع مستوى المعيشة ممكنا من دون نمو اقتصادي هذه مقولة بديهية، ولكن عندما يتعلق الامر بالتنمية البشرية لا يقتصر الموضوع على مفهوم النمو كزيادة في معدل دخل الفرد، بل يصبح الموضوع تحسن ادائه ونبل قيمه وجديته وانتاجيته في العمل واخلاصه لوطنه.. فما الثروة دون هذا كله.. قد تؤدي الثروة من دون ذلك الى افساد الفرد ونشوء الشخصية الاتكالية وغير المنتجة..، ومن هنا فان قياس نجاحنا في التعليم والتنمية لا يكون فقط بما نستثمره في هذه المجالات وانما ايضا بالمخرجات التي نحصل عليها “.

هذه هي الفلسفة التي تتحرك بها القيادة القطرية، وهي ترى أن اغداق المال دون ضوابط، ودون تقييم للمخرجات قد يتحول الى ظواهر سلبية تهدم المجتمع، وتخلق شخصيات غير منتجة، وهي شخصيات لا مكان لها في عالم اليوم، الذي يبحث عن الكفاءة والانتاجية والجودة والقدرة على التنافس في سوق العمل مع عناصر اخرى..

هناك قيم واخلاقيات ومبادئ.. تحملها الخطابات الاميرية، ليست مجرد الحديث عن مشاريع جامدة، بقدر ما تركز على المشروع الاكبر، والركيزة الاساسية، الا وهي بناء الانسان في هذا الوطن، لكي يستطيع حمل الامانة التي تنتظره تجاه وطنه ومجتمعه، بل وامته.

بالتأكيد خطاب سمو الأمير بالامس لم يكن مقتصرا على الشأن المحلي، وان ركز عليه، لكن الهم العربي كان حاضرا في خطاب سموه، وتطلعات الشعوب العربية كانت حاضرة، بدءا من البيت الخليجي، الذي ينتظر ابناؤه قمة الدوحة الشهر المقبل، لتعزيز مسيرة مجلس التعاون، وتعميق اواصر الاخوة، في ظل تحديات كبيرة ومخاطر متعددة تواجه المنطقة، ولا يمكن لدول الخليج مواجهة ذلك منفردة، مما يحتم الدفع نحو مزيد من التكامل والتعاون بين دول هذه المنظومة..

ثم كان الحديث عن الشعب السوري الذي يواجه نظاما قمعيا ظالما ويتعرض لحرب ابادة على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي، او في ليبيا والعراق واليمن.. وقبل هذا كله القضية الفلسطينية التي تتصدر اولويات القيادة القطرية عملا على الارض، قبل ان تكون كلمات تلقى، ودفاعا عنها في المحافل الدولية والمنابر الاممية.

 

.. ولنــا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x