«داحس والغبراء» بالقرن الـ(21)
على الدوام كان الحديث عن أن الرياضة تصلح ما تفسده السياسة، ولكن في العالم العربي كل شيء يفسد كل شيء!.
كل الأمم وكل الدول تتقدم إلا العرب، فإنهم الى الوراء يتراجعون، فما حدث في مباراة مصر والجزائر يذكرنا بوقائع عربية عربية لكنها حربية، تقاتل العرب فيما بينهم لأربعين عاما، من المؤكد انكم تذكرونها، انها داحس والغبراء، والاخرى حرب البسوس، ولكن كلتا الحربين لم تكونا على مباراة كرة قدم، انها من اجل سباق بين فرسين في الاولى، والثانية بسبب ناقة، واليوم يتكرر المشهد، لكن السبب “اتفه” من الحربين في جاهلية العرب قبل الاسلام، اي قبل 1500 سنة، انها كرة القدم، اي ليست عنصرا حيا على اقل تقدير، ولكن “الدماء” سالت بين شعبين شقيقين بسببها.
انه لأمر محزن ان يصل العرب الى هذه المرحلة من “اللاعقل” و”اللاوعي”، واجزم لو ان هذه المباراة كانت بين طرفين، عربي وآخر غير عربي، وخسر الطرف العربي التأهل لما نطق كلمة واحدة، وليس عملا على الارض او دماء وتكسير للممتلكات.
اليوم الإنسان المصري لا يطيق ذكر اسم اخيه الجزائري، والانسان الجزائري لا يطيق ذكر اسم اخيه المصري، وللاسف ان من اوصل هذه الامور الى هذه الدرجة من الاحتقان هما طرفان الاعلام وخلفه السياسيون، إعلام يدفع نحو تأجيج المشاعر والعصبية والدفع نحو الاقتتال، وساسة وجدوا في هذه المباراة غايتهم في “إلهاء” الشعبين عما هو اهم في كلا البلدين.
اليوم المصري والجزائري اذا التقيا في طريق فلن يسلم احدهما على الآخر، ولو ان القمة العربية القادمة ستعقد في القاهرة فان الرئيس الجزائري سيقاطعها، ولو ان القمة العربية ستعقد بالجزائر فان الرئيس المصري سيقاطعها، والسبب هذه المباراة.
امور صاحبت هذه المباراة لا يصدقها العقل السليم، ولا يمكن لعاقل ان يصدق لو لم يشاهد الاحداث التي وقعت قبل واثناء وبعد المباراة، من قتل وتدمير ومحاصرة وتوعد بالانتقام، بل واستدعاء للتاريخ المصري والجزائري.
والغريب في الأمر انه في نفس اليوم الذي اقيمت فيه مباراة مصر والجزائر، شهدت اوروبا اقامة 8 لقاءات رياضية حاسمة في تصفيات كأس العالم، لم نسمع عن احداث قتل وتدمير.
لقد شاهدنا كيف خرجت روسيا القيصرية على يد فريق من دولة كانت تحت العباءة السوفييتية، انها سلوفينيا وهي اصغر جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا التي اخرجت روسيا من التصفيات، فهل استخدمت الاخيرة صواريخها للانتقام من تلك الدولة الصغيرة؟.
وليس هذا فقط، لقد تعادلت فرنسا مع ايرلندا بهدف غير شرعي باعتراف من تسبب بتمرير الكرة الى اللاعب الذي سجل الهدف في المرمى الايرلندي، حيث قال اللاعب تيري هنري انه هيأ الكرة بيده قبل ان يمررها الى زميله غالاس الذي احرز الهدف، دون ان يشاهد ذلك الحكم، الذي اعتبر الهدف صحيحا.
ماذا سيكون الموقف لو ان مثل هذا الهدف جاء بفريق عربي بإمضاء لاعب عربي آخر؟
لا اقول إن دماء ستسيل هنا وهناك، انما اجزم ان “داحس والغبراء” ستتجدد بين عرب القرن الواحد والعشرين.
مؤسف جدا ان تجد اعلام العدو الاسرائيلي يشمت فينا، ويتحدث عن مباراة عصفت بالعالم العربي، وزخرت المواقع الاسرائيلية على الانترنت بالكثير من السخرية والشماتة ليس على المصريين او الجزائريين، بل على العرب، فمن بين التعليقات التي جاءت على موقع “واينت الاسرائيلي” اي عقلية حمقاء هذه.. بدل ان تطعموا شعوبكم تقومون بإرسالهم الى الملاعب”، وقال معلق آخر ساخرا “هذا يوضح كم الامة العربية موحدة”، وقال ثالث “اي اشخاص صغار حقيرين هؤلاء العرب.. فعلا هم متخلفون ودون المستوى”.
في كل دول العالم المتحضر والواعي يتم استثمار اللقاءات الرياضية من اجل مزيد من التنمية، ومن اجل ترويج سياحي وتحريك عجلة الاقتصاد واستقطاب مزيد من الاموال في كل القطاعات.. الا مباراة مصر والجزائر شهدت العكس، تدمير للممتلكات، وضياع للاموال، وتجميد لكل القطاعات في كلا البلدين، وفوق هذا كله دماء عربية زكية سالت من اجل كرة قدم.
للاسف ان حالة الاحتقان بين الشعبين المصري العزيز، والجزائري العزيز، بلغت القمة، ليس في داخل البلدين، بل حتى في البلدان التي يوجدون فيها، وهو امر مؤسف ومحزن ان يصل الحال بين الشعوب العربية الى هذه المرحلة، والمستفيد الاول والاخير هو عدونا، الذي ينظر الينا شامتا وضاحكا، ويدفع نحو اشعال المزيد من هذه الحرائق.
يا امة ضحكت من جهلها الامم.. نعم اليوم امم الارض تتندر بنا، وتضحك علينا، وتنظر الينا بازدراء، والسبب تصرفات غير مسؤولة تصدر من قبل البعض، ممن يسمون بالعرب.
يجدر ان تعيد واقعة هذه المباراة المشؤومة الينا العقول، وتعيد الينا الرشد، وان نفكر ولو قليلا بالمصير المجهول الذي نحن كأمة مقبلون عليه.
حصولنا على كأس العالم لن يجعلنا في مصاف الدول الصناعية، ولن يضيف لنا “سلمة” واحدة على طريق الصعود والنهضة والتقدم..، طالما بقينا بهذه العقلية وهذا التفكير وهذا الكلام “الغوغائي” المشين، فمتى سيصحو العرب من هذه الغفلة، وينظرون لمستقبلهم ومستقبل الاجيال؟.
نأمل ألا تطول هذه الغفلة، وهذه “السكرة” اكثر مما مضى من عقود، فيكفي ما مر بنا من احداث جسام اهتزت لها الجبال، ولكن للاسف لم يتغير على اثرها العرب.