مقالات

طوفان الأقصى.. يُبشّر بفجر جديد

ليس الصهاينة اليوم في صدمة، بل العالم أجمع بات يعيش صدمة من وقع قدرات المقاومة في غزة المحاصرة منذ أكثر من 17 عاما.

ما حدث بالأمس من اجتياح قامت به المقاومة الفلسطينية تقودها كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، لما يعرف بغلاف غزة من ( مدن وقرى فلسطينية محتلة ) والسيطرة على عدد منها يمثل منعطفا جديدا في مسيرة تحرير فلسطين، كل فلسطين.

ليس أسلوب المباغتة الذي قامت به المقاومة هو الصدمة، بل ما أظهرته من قدرات وإمكانيات وخطط ميدانية وتحركات مدروسة، ليمثّل ذلك حرباً شاملة، حسب اعتراف الكيان الإسرائيلي، الذي اعلن حالة الحرب، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ 50 عاما ( حرب أكتوبر 1973 ).

لم نألف هذه الأجواء ونحن في حالة حرب، حسب تصريحات الصهاينة.

هجوم بري، رافقه دفعة أولى من الصواريخ تجاوزت 5000 صاروخ، ومعها انزال خلف قواعد العدو، وحرب إلكترونية شملت تشويشا على شبكات الاتصال الإسرائيلية وقطع لبعضها، في مشهد غير مألوف على الساحة العربية في مواجهة الكيان الإسرائيلي، الذي أثبتت هذه العملية البطولية أنه « بيت العنكبوت «.

 

أرقام قتلى الصهاينة في تزايد بالمئات ( حتى اللحظة 250 قتيلا باعتراف الصهاينة)، وأن مصابيهم تجاوزوا الألف، وأسراهم عدد لم يعلن عنه بعد، وتدمير دبابات ومدرعات وآليات عسكرية، والأكثر « فخامة « جرجرة جنود الصهاينة على الأرض في مشهد « يشفي صدور قوم مؤمنين «.

هذه العملية، وهذا التاريخ 22 ربيع الأول 1445، الموافق السابع من أكتوبر 2023 سيكون له ما بعده، فقواعد الاشتباك قد اختلفت، ولم تعد غزة تدافع عن جغرافية محدودة هي محاصرة فيها أصلا، بل باتت تمتلك زمام المبادرة، وتفرض على العدو معادلة جديدة، وأصبحت تختار توقيت ومكان المعركة، وهو أمر لم يألفه العدو الصهيوني، الذي لم يخض معركة فعلية مع أنظمة عربية منذ أكثر من 50 عاما.

ظنت أنظمة عربية أن هذا العدو « لا يقهر « ولا يمكن التصدي له، فما بالكم باتخاذ قرار بدء المعركة، كما فعلت المقاومة في فلسطين، وقادت معركة « طوفان الأقصى، انتصارا للمسجد الأقصى، وللأسرى والأسيرات في سجون العدو، لوقف العربدة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، والتعدي على الأعراض والنساء في القدس والمسجد الأقصى.

قد يقول البعض إن حركة حماس بهذا العمل « الجنوني « تدفع « إسرائيل « لاحراق غزة، والضحية سيكون الأبرياء من سكان غزة.

وهذا كلام العاجزين والمنهزمين والمثبطين والمحبطين والمستسلمين..

أولا الكيان الإسرائيلي ليس بحاجة إلى مبررات لاستهداف غزة أو أي مدينة فلسطينية، فهذا الكيان قائم على العدوان والجرائم والقتل الممنهج، ونرى ذلك يوميا في عدوانه على القدس والأقصى والشعب الفلسطيني بكل شرائحه.

هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، دون ذلك فهو استسلام، وكل التجارب التي دخلتها الأطراف العربية فيما يسمى بـ « السلام « شكلت وبالا على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومقدساته، من أوسلو 1993 إلى هذه اللحظة.

الأمر الآخر الكيان الإسرائيلي انسحب من غزة بفضل ضربات المقاومة، التي أجبرته على الانسحاب، بعد أن دفع أثمانا باهظة نظير احتلاله لقطاع غزة، وهو لو وجد مقاومة وضربات فعلية ـ وليس تنسيقا أمنيا ـ في الضفة الغربية لما بقي يوما واحدا.

ثم مَن قال إن تحرير الأوطان يأتي على طبق من ذهب، دون تضحيات وشهداء وآلام؟. أي شعب استرد حريته ووطنه دون ذلك، فما بالكم إذا كان المحتل هو الكيان الصهيوني، الذي أتى إلى أرضنا المقدسة بعقيدة دينية يهودية تلمودية، وبالتالي لا يمكن طرد هذا العدو إلا بعقيدة دينية.

الجبهة الداخلية للمجتمع الصهيوني لا تتحمل مشاهد الصواريخ التي تراها وهي تتساقط على مدن فلسطين المحتلة والمغتصبة، والتي يجثم على أرضها مستوطنون غرباء أتوا من مشارق الأرض ومغاربها، لأنهم يعرفون أن هذه الأرض ليست أرضهم.

ثم إن جيش الاحتلال أجبن من أن يصمد أمام مقاومين لديهم عقيدة قتال مترسخة فيهم، كما هو الحال مع كتائب القسام أو فصائل فلسطينية أخرى اثخنت في العدو عند المواجهة الحقيقية.

اليوم أسطورة الجيش الذي لا يقهر تحطمت بفعل هذه العملية النوعية التي سيكون لها ما بعدها، أسطورة الردع الصهيوني انهارت، كما انهارت قبلها القبة الحديدية التي زعموا أنها تحمي سماء الكيان الصهيوني، فإذا هي كـ « المشخال « أمام صواريخ المقاومة التي انهالت على مدن فلسطين المحتلة، بما فيها تل أبيب، التي أصبحت في مرمى الصواريخ.

هذه الصواريخ في يوم ما، كان مسؤولون عرب يسخرون منها، ويصفونها بـ « ألعاب نارية «، وإذا بها اليوم تمثّل رعبا للكيان الصهيوني، وردعا لمغامراته وعربدته في فلسطين.

غزة ـ التي قال عنها الهالك إسحاق رابين « أتمنى أن استيقظ يوما من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر « ـ هي اليوم كابوس للصهاينة، رغم أنها محاصرة، ورغم جغرافيتها الصغيرة التي لا تتجاوز 365 كيلو مترا مربعا، إلا أنها تقدم دروسا في الفخر والعزة والكرامة، في زمن « الهرولة « العربية نحن الكيان الصهيوني، والاحباط الذي أصاب الشارع العربي بفعل لغة الاستسلام والعجز التي تتحدث بها أنظمة عربية، وهي تتعامل مع الكيان الإسرائيلي.

طوفان الأقصى غيّر معادلة الصراع، وكسر هيبة الاحتلال، ومثّل مرحلة جديدة في المواجهة العسكرية، وأحيا لدى الشعوب العربية الأمل بالتحرير الكامل لأرض فلسطين.

طوفان الأقصى يؤسس لطوفان انتفاضة شاملة، ليس فقط بين غزة العزة والكيان الإسرائيلي، بل انتفاضة لفجر عربي جديد، وإن لم تظهر ملامحه الآن، لكنه يتشكّل في سنوات قليلة قادمة.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x