مقالات

عفواً سيادة الرئيس .. صحافتنا مع الحق

استغربت كثيراً من الاتهام الذي وجهه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «أبو مازن» للصحافة القطرية بأنها منحازة لحركة حماس على حساب «سلطته»،  المحدودة السلطة، والناقصة السيادة.

لا أتحدث بلسان الصحافة القطرية، ولكن أؤكد لسيادة الرئيس أننا لسنا معنيين بالدفاع عن فتح أو حماس أو الجهاد.. أو الفصائل الفلسطينية الأخرى، وليست لدينا أجندة خاصة على أي طرف، لكن في المقابل نحن معنيون بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، ومعاناته اليومية تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا تتورع الأجهزة الأمنية بالسلطة التي يترأسها السيد أبو مازن ـ المنتهية فترة رئاسته ـ عن التنسيق الكامل مع الإسرائيليين حتى في أحلك الظروف.

نحن نقف مع الحق الفلسطيني، ولا نقف مع فصائل أو منظمات هنا وهناك، نقف مع السيد ابو مازن عندما نلمس انه يحمل الهم الفلسطيني، ويدافع عنه، ويتصدى للاحتلال ويرفض سياساته على أرض الواقع قولا وفعلا ، وليس عبر “وهم” يحاول بيعه للشعب الفلسطيني، وتسويقه للشعوب العربية، وهو ما يسمى بعملية السلام، التي تقترب من 20 عاماً، دون أن تحقق مكسباً واحداً فعلياً للشعب الفلسطيني – وليس المنتفعين – طوال السنوات الماضية، بل إن ما خسره الشعب وما سرق من أراض فلسطينية، وما بني من مستوطنات إسرائيلية، وما هود من أحياء عربية.. خلال هذه الفترة، أكثر بكثير منه طوال العقود الماضية.

عندما يدافع السيد أبو مازن عن الحقوق الفلسطينية بحق، سيجدنا أول المدافعين عنه، وأول الداعمين لمواقفه، وهو يعرف جيداً قطر وأهلها ورجالاتها، ويعرف جيداً مواقفهم النبيلة تجاه القضية الفلسطينية طوال التاريخ، ويعرف جيداً هبّة أهل قطر في أحلك الظروف، وإن كان من طبع هذا البلد وأهله أنهم لا يرجون شكوراً، ولا يذكرون ذلك، إنما يفعلون ذلك، ويسجلون تلك المواقف إيماناً بواجبهم تجاه قضايا أمتهم.

ذكرت يا سيادة الرئيس خلال لقائك رؤساء تحرير الصحف القطرية – ولحسن الحظ لم أحضره لوجودي بالخارج – أنك لا تبني مواقفك على “الوهم”، ولا أعرف حقيقة اسماً آخر لمواقفك تجاه إسرائيل طوال السنوات الماضية، سوى أنك تبني على “الوهم”، وتحاول تسويق هذا “الوهم” للشارع الفلسطيني والعربي، فماذا تسمي الوعود الإسرائيلية لك – يا سيادة الرئيس – طوال الفترة الماضية، والتي لم يتحقق منها أي شيء، سوى “وهم” و”سراب”، أنت تلهث خلفه، وتحاول “تضليل” حتى القادة العرب، بأن هناك عملية سلام مازالت “حية”، وترتجي منها خيراً.

بماذا تسمي التنسيق الأمني القائم حالياً بين أجهزتك الأمنية وإسرائيل، ولا نعرف هذا التنسيق موجه ضد مَن، ولمصلحة مَن؟

الجنرال دايتون “المؤتمن” على تدريب قواتك الأمنية بالضفة الغربية، ويقيم في “إسرائيل” ماذا صنع لك، هل أوجد قوات تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية اليومية والتوغلات المتكررة في مدن الضفة، من أجل اغتيال النشطاء الفلسطينيين والمقاومين، وكان آخرهم عملية الاغتيال بدم بارد لثلاثة من نشطاء كتائب الأقصى في رام الله، والذين منحتهم أنت الأمن والأمان، وإذا بالقوات الإسرائيلية تغتالهم تحت سمع وبصر قواتك “المبجلة”؟!

يا فخامة الرئيس.. نحن مع الشعب الفلسطيني المظلوم والمنكوب والمغلوب على أمره، والذي تحاول أنت بقبولك للإملاءات الإسرائيلية أن تكبل هذا الشعب بمزيد من القيود، بذريعة عملية السلام التي تتخذها إسرائيل من أجل ابتلاع المزيد من الأرض، وتهويد ما بقي من القدس والأقصى الشريف، وزرع المزيد من البؤر الاستيطانية في الأرض الفلسطينية.

يا سيادة الرئيس.. لو كانت الصحافة القطرية منحازة لطرف فلسطيني دون آخر، لما منحتك صفحات لنشر لقائك بما فيه “تجنيك” واتهامك لها بالانحياز.

نحن مع من يحمل المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، ويدافع عنها، ولسنا مع من “يحلب” المصلحة الوطنية الفلسطينية ويستفيد منها.

ان صحافتنا ـ يا سيادة الرئيس ـ لا تدار بالاملاءات ، ولا بالتوجيهات ، بل تدار بالموضوعية المهنية ، والمعايير الوطنية والعربية والاسلامية، التي تحتم علينا توصيف الواقع ، فهل يعقل ان نتفرج على المجازر الاسرائيلية في غزة كما فعلت السلطة في الضفة فيما العالم بأسره يشجب ويستنكر؟ وهل يعقل ان نصفق لمن يعلن صراحة ان المقاومة ” عبثية ” ، والصواريخ التي تطلقها المقاومة ” عبثية ” ، فيما العدو الاسرائيلي يرتكب المجازر ، ويتوســع بالمستوطنات التي تكاد تقضي على كل امل باسترجاع القدس والاقصى الشريف ؟ .

نعم الصحافة القطرية منحازة .. ولكن للحق ، وهذا الحق الذي ننصره هو ما تسعى اليه المقاومة ، واكثر من ذلك يا سيادة الرئيس ، وهل تمكنت السلطة التي تتربع على عرشها من النشوء والوجود  لو لا المقاومة ؟ الم يكن ” اوسلو ” ثمرة مسيرة كفاح مسلح وانتفاضات تاريخية .. ؟ .. وليس في تاريخ فلسطين ما يثبت حصول الشعب الفلسطيني على حق واحد بالاستسلام العبثي. ولذلك فنحن منحازون الى الحق الذي يجسده مليون ونصف مليون فلسطيني محاصر في غزة ، ويجسده الشعب الفلسطيني المقطع الاوصال جغرافيا وسياسيا .

تعلمنا – يا فخامة الرئيس – في هذا البلد أن نقول الحق، و أن ندافع عن آرائنا التي نؤمن بها، ولا نجبر الآخرين على اعتناقها، وفي الوقت نفسه نرفض الوصاية علينا من أي طرف، ونمارس حياتنا – بحلوها ومرها – من فوق الطاولة وعلى الملأ، دون خوف أو وجل.

عموماً – يا سيادة الرئيس – لك الحق في أن تقول ما تشاء، فنحن نتقبل الرأي والرأي الآخر، ولا نضيق صدراً بمن يتهمنا باطلاً، فنحن نسير في نهجنا مادمنا مقتنعين به، تماماً كما أنت تسير في ما يسمى بعملية السلام مع إسرائيل، وإن كان الفرق بيننا أننا نسير على نهج واضح، وشفافية عالية، نعرف جيداً إلى أين سنصل، بينما أنت تلهث خلف “سراب”، وتبني على “وهم” في مسيرتك التي لا تعرف أنت إلى أين ستقودك

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x