غزة.. والمنحازون للأمة
يدخل العدوان الإسرائيلي على غزة اليوم أسبوعه الثاني، وسط صمود غير متوقع أدهش كل المراقبين، سواء كان ذلك على المستوى الشعبي في غزة أو على مستوى المقاومة، التي استطاعت وبكل قوة أن ترد الاجتياح البري الصهيوني، وتوقع به خسائر غير معلنة في غالبية الأحيان، على الرغم من قدراتها العسكرية المحدودة مقارنة بتجهيزات الجيش الإسرائيلي. الخوف اليوم ليس على غزة أو على المقاومة فيها، فقد أثبتت قدرتها على مواجهة العدو، الذي لم يكن أمامه إلا الأبرياء والأطفال والمدارس.. فيما عجز عن الوصول إلى أفراد المقاومة؛ الذين حسب تأكيدات أفراد الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام العبرية يخرجون في لحظات ويوجهون ضربات، ثم سرعان ما يختفون عن الأنظار. الخوف الحقيقي اليوم من المبادرات “المشبوهة” التي تقدم على أنها “منقذة” لغزة، فيما هي في حقيقة الأمر تقدم للإسرائيليين “حبل نجاة”، وتعطيهم مكاسب لم يتمكنوا من الحصول عليها عبر مجازرهم التي ارتكبوها في “13” يوماً من العدوان الغاشم، وحرب الإبادة التي مارستها الآلة العسكرية الإسرائيلية ضد كل شيء في غزة. إسرائيل لم تستطع تحقيق أهدافها التي أعلنت عنها قبل العدوان حتى هذه اللحظة، فقد أكدت أنها ستنهي حكم “حماس” في غزة، وستوقف إطلاق صواريخ المقاومة الباسلة من هذا القطاع الصامد، وحتى هذه اللحظة لم تتمكن من تحقيق أي من هذه الأهداف، مما يعني فشل حملتها. فـ “حماس”- وفصائل المقاومة إجمالاً- مازالت تسيطر على القطاع، ولم يحدث أي فوضى أمنية على الرغم من هذا العدوان البربري، بل إن شعبية “حماس” في، أحدث استطلاع أجري خلال فترة العدوان وصل إلى أكثر من 81% ، أما الصواريخ فهي تنطلق يومياً من فصائل المقاومة كعامل ردع؛ على الرغم من عدم مقارنتها بطائرات الـ “اف 16 ” والآباتشي والميركافا والمدفعية والبارجات، بل إن مداها وصل الى ما هو أبعد مما كانت عليه قبل العدوان. ومهما قيل عن هذه الصواريخ، إنها “عبثية” حسب وصف رئيس عربي، إلا أنها وقفت أمام إسرائيل، وبادلتها الرد لمدة “14” يوماً، وهو أمر لم تستطع القيام به دول عربية مجتمعة. ثم إذا كانت هذه الصواريخ “عبثية” فلماذا كل هذا الانزعاج مادامت مجرد “طلقات” لا تسمن ولا تغني من جوع ؟. ثم من يقول إن سبب العدوان الإسرائيلي هو هذه الصواريخ فليرجع الى التاريخ، وإلى المذابح التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي منذ نشأته غير الشرعية، ضد الشعب الفلسطيني منذ مطلع القرن الماضي الى أيامنا هذه، هل جاءت بفعل اطلاق الصواريخ؟.. ثم هل تريد لشعب محتل ومحاصر في مساحة لا تزيد على 8 كيلومترات عرضاً، و40 كيلومتراً طولاً، ومهدد بحياته وعرضه وماله.. في كل لحظة، إلا أن يقاوم؟. المشكلة أن الذاكرة العربية الرسمية “مثقوبة”، ففي كل مرة تقدم “إسرائيل” على عدوان جديد ينسينا ذلك عدوانها السابق، و”إسرائيل” تراهن دائماً على أن العالم العربي سرعان ما ينسى كل الجرائم التي ترتكبها بحق الشعوب العربية، ولا أحد يحاسبها على أي عدوان تقدم عليه. اليوم يحاول البعض من بني جلدتنا ـ للأسف الشديد ـ ان يساوي بين الجاني والضحية، وأن يقدم التبريرات للعدوان الإسرائيلي الغاشم، ويلقي بتداعيات العدوان الحالي على “حماس” ، وأن الصواريخ التي تطلقها هي السبب، ناسين أو متناسين عن عمد، الحصار الجائر الذي تعرض له أهل غزة، وخلال فترة التهدئة أقدمت “إسرائيل” على خرقها عشرات المرات راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى، إضافة إلى عدم التزامها بما تم الاتفاق عليه من رفع للحصار وفتح المعابر .. فمن يا ترى مترسخة فيه الطبيعة العدوانية؟. لقد عجز العرب عن عقد قمة، على الرغم من الدعوة التي وجهها سمو الأمير المفدى أكثر من مرة للقادة العرب بضرورة عقد هذه القمة من أجل غزة، وذهبوا إلى مجلس الأمن ـ الذي لم يستطع حماية مرافقه في غزة ـ وهم على يقين أن مجلس “الخوف” ـ عفواً الأمن ـ لن يجلب لغزة الأمن، وها هم العرب “تائهون” في ممرات وغرف وطوابق المجلس دون الحصول ولو على قرار “أجوف” ، والأدهى والأمر أن الوفد الوزاري العربي الموجود في مجلس الأمن تفاجأ بطرح مبادرة مصرية، فأين هو الموقف العربي تجاه ما يحدث في غزة؟. كان المفروض على العرب أن يلتقوا في قمة قبل الذهاب الى مجلس الأمن، حتى يحددوا موقفهم، ويعرف العالم أن هناك موقفاً عربياً موحداً تجاه ما يحدث في غزة من عدوان جائر من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية، وانه إذا لم يتم التعامل باحترام مع الموقف العربي، فسيكون هناك موقف حازم وعملي آخر للدول العربية، لكن أن يتبارى العرب في تقديم “الغطاء” للإسرائيليين، وإيجاد “مخارج” لهم من غزة على الرغم مما ارتكبوه فهذه هي الكارثة. لقد أكد سمو الأمير المفدى في خطابه إلى الأمة العربية ” يجب أن يكون واضحاً أن هدف التحرك السياسي ليس حصاد نتائج العدوان أو ترجمة جرائمه إلى انجازات سياسية تخدم المعتدي، وبهذا المعنى فان اي وقف لاطلاق النار يجب أن يشمل رفع الحصار وفتح المعابر، فكل من يدعو لوقف متبادل للنار يساوي بين الجاني والضحية، ويبرر العدوان والحصار بأثر رجعي “. اليوم، “إسرائيل” وبدعم أمريكي، وغطاء بعض الأطراف العربية، تريد حصاد نتائج عدوانها على غزة، والمجازر التي ارتكبتها بحق الأطفال والنساء والأبرياء والمدارس الأممية التي لم تنج من ذلك، ويراد مكافأة هذا الكيان على عدوانه، بحيث يمنح مكاسب عبر وقف اطلاق نار لا يتضمن الانسحاب ورفع الحصار وفتح كل المعابر، إنما فقط وقف اطلاق النار!. وهناك ضغوط تمارس على المقاومة للرضوخ وقبول المبادرة المصرية دون الالتفات إلى شروط المقاومة، صاحبة الحق في الميدان، التي تدافع عن شرف الأمة وكرامتها، وليس فقط عن غزة. كان يفترض على العرب الوقوف مع المقاومة، وتبني شروطها، والدفاع عنها في مجلس الأمن… ، هذا أقل ما يمكن فعله لهذه المقاومة الشريفة، التي رفعت رأس الأمة، وتفاعلت الشعوب العربية والاسلامية وشرفاء وأحرار العالم في كل مكان مع هذه المقاومة، إلا بعض الأنظمة التي تعلن “تبرؤها” من المقاومة. المقاومة اليوم هي نبض الأمة، واستطاعت أن توحد الشعوب العربية والإسلامية خلفها، ورأينا كيف التصقت الشعوب العربية والإسلامية مع هذه المقاومة في صورة غير مسبوقة في كل مساحة بالوطن العربي والإسلامي، فلماذا تغيب بعض الأنظمة عن اللحاق بهذا الركب، ركب الالتصاق بالشعوب؟. القادة والزعماء المنحازون إلى شعوبهم هم الفائزون.. وهم المنتصرون، أما الذين يراهنون على قوى خارجية فسرعان ما يتم التخلي عنهم، والتضحية بهم، والتاريخ خير شاهد على ذلك. لقد انحازت قطر وقيادتها وشعبها على الدوام إلى الأمة، وتحملت في سبيل ذلك الكثير، إلا أنها ترفعت عن الصغائر دعماً لقضايا الأمة ووحدتها، ورفضت الانجرار إلى أي “مهاترات” تعمل من أجلها بعض الأطراف وفق أجندات ومصالح شخصية وخارجية، وحرصت قطر أن تكون عاصمتها الدوحة، عاصمة سلام، ونقطة التقاء لكل الفرقاء، وحسمت في هذه العاصمة الصغيرة بمساحتها ملفات كبيرة لم تستطع عواصم كبرى القيام بذلك. لقد دعا سمو الأمير المفدى إلى قمة عربية، وتهرب البعض منها، وعلقوها إلى ما بعد الذهاب إلى مجلس الأمن، والآن إلى ماذا يعلقون انعقاد القمة العربية الطارئة؟.. وإذا لم تعقد هذه القمة من أجل فلسطين ومن أجل ما يحدث اليوم في غزة فعلى ماذا ستعقد؟ نريد للقادة العرب أن يحتفظوا بالبقية الباقية من احترام شعوبهم، وعدم التفريط بذلك، وعدم الرهان على قوى خارجية.. الشعوب هي الأصل وهي الباقية.. وما دون ذلك فلا جدوى منه فماذا سيختار القادة والزعماء العرب وإلى ماذا سينحازون: إلى شعوبهم أم إلى… الأمل بالعودة إلى الشعوب والالتحام بهم، والالتصاق بالقاعدة الشعبية، التي هي الأساس وهي الأصل، وهي الباقية، هي المدافعة والمتصدية لأي قوى خارجية قد تتعرض لأوطاننا وقادتها.