ما المنفعة التي تريدها قطر من ليبيا؟ هل قطر بحاجة إلى سيولة مالية ترغب في الحصول عليها من ليبيا؟ هل قطر في وضع اقتصادي صعب وتبحث عن مخارج لذلك؟ هل لقطر “أجندة” سياسية تعمل من أجل تنفيذها في ليبيا؟ هل صدر عن أي مسؤول قطري ما يوحي بوجود “أطماع” قطرية في ليبيا؟؟
منذ اللحظة الأولى للثورة الليبية أعلنت قطر دعمها للشعب الليبي، ولم تخف انحيازها إلى الشعب الذي أراد التحرر من حكم مستبد تجاوز 42 عاما من التسلط والقمع والكبت والإذلال.. وأعلنت مواقفها بوضوح حيال ذلك، شأنها في ذلك شأن كل القضايا التي تعلن قطر فيها مواقف ثابتة وأمام الملأ، دون ان تأخذها في الله لومة لائم.
قطر وقيادتها تحكمها مبادئ وقيم وأخلاقيات، وليس مصالح شخصية، أو “أجندات” سياسية، وأتحدى أي شخص يقول غير ذلك.
قطر ليست بحاجة إلى المال الليبي أو الثروات الليبية.. قطر ليست بحاجة إلى معونات ودعم ليبي.. قطر ليست بحاجة إلى إنقاذ اقتصادها عبر البوابة الليبية.. قطر ليس لديها ملفات خاصة تريد تنفيذها من خلال ليبيا..
العالم يعرف جيدا كيف هي قطر، وكيف وضعها المالي، ونموها الاقتصادي الذي يعد الأعلى في العالم دون منازع..
قطر ليست بحاجة إلى المال الليبي.. أو النفط الليبي.. أو الدعم المادي الليبي.. أو الاستنجاد بالاقتصاد الليبي لإنقاذ اقتصادها..
نعم البعض خاصة العرب مستغرب من المواقف القطرية، ومن المبادئ التي تنطلق منها، كون هؤلاء لم يعتادوا أن يروا مثل هذه المواقف النابعة من القيم والأخلاق والمثل.. ويعتقدون أن أي موقف لابد أن يكون بمقابل، ولم يقرأوا سيرة قطر ورجالاتها وحكامها.
لم يعرفوا أن قيادة قطر اليوم هي امتداد لرجالات قدموا الكثير لأمتهم، ولم يطلبوا مقابل ذلك درهما ولا دينارا..
لم يعرفوا سيرة مؤسس قطر المغفور له الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ومواقفه المشهود لها عربيا وإسلاميا حيال قضايا الأمة، لم يقرأوا أشعاره التي تتحدث عن وقوف قطر وأهلها ورجالاتها مع المظلوم، ومع من يلجأ إلى هذا البلد المعطاء..، كان من بين أقوال المغفور له المؤسس:
حن كعبة المظيوم الى من وزا بنا
نجيره ولا نرضى بغير رضاه
ولنا هضبة يأمن بها من نجيره
على رغم من ضده ومن عاداه
وكم قد دهتنا من خطوب ملمه
ولا ليّنت منا صليب قناه
صبر على صكّات بقعا فعاننا
اله علا من فوق عرش سماه
وربعي الى من جات من الدهر نايبه
الى قلت قول ما يرون سواه
هذه المواقف الناصعة البياض عبر التاريخ دعما لقضايا الأمة وشعوبها، تشهد على الدور الكبير لقطر وقيادتها، ونصرتهم للمظلوم دون مقابل.. “إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا”..
وقوف قطر وقيادتها اليوم مع الشعوب العربية هو امتداد للدور التاريخي المميز، والمشهود له بالانحياز إلى قضايا الأمة وشعوبها.
ليست الشقيقة ليبيا فقط وشعبها العزيز من وقفت معه قطر قلبا وقالبا، ارجعوا قليلا للوراء، مع علمي أن الغالبية من العرب تعيش حالة من فقدان الذاكرة.. من لملم جرح لبنان، وجمع الفرقاء على طاولة واحدة ليعيد اللحمة إلى لبنان بعد أن أوشك على الدخول في نفق مظلم، ليعيد الحياة من جديد إلى ذاك البلد العزيز.. أليست قطر وقيادتها؟.
من حقن دماء الأشقاء في دارفور، وعمل جاهدا على جمع الكلمة بين جميع الأطراف على حد سواء، وسعى طوال سنوات دون كلل أو ملل من أجل إعادة اللحمة بين الاخوة، ونجحت في ذلك بامتياز.. أليست قطر؟.
من عمل ولايزال بكل ما أوتي من قوة من أجل الأشقاء في فلسطين، ومن أجل قضية العرب والمسلمين الأولى القدس، وسعى لتوحيد الجبهة الداخلية وتعزيزها في مواجهة المحتل، وقدم الغالي والنفيس من أجل مساعدة إخوتنا في فلسطين.. كل فلسطين.. طوال العقود الماضية، وضاعف ذلك العطاء خلال السنوات القليلة الماضية، وكان أول المغيثين لغزة خلال العدوان الذي تعرضت له في 2008/2009.. أليست قطر؟
من سعى إلى تحسين العلاقات بين الأشقاء في السودان العزيز وجواره الافريقي، وعمل على خلق أجواء من الثقة بين جميع الأطراف، وعمل قبلها على إصلاح ذات البين بين الاخوة في السودان بالداخل.. أليست قطر؟
من عمل على احتواء الأزمة في اليمن الشقيق، وسعى لحقن دماء الإخوة في هذا القطر العزيز، والحفاظ على وحدته وسيادته.. واحتمل في سبيل ذلك الأذى الكثير.. أليست قطر؟
من سعى إلى إغاثة الملهوفين في جزر القمر الشقيق.. هذا البلد المنسي والساقط من الأجندة العربية منذ عقود، ولم يقم أي زعيم عربي بزيارته إلا أمير قطر، كان الزعيم العربي الوحيد الذي ذهب في زيارة إلى ذلك البلد، وقدم المساعدات، وشكل فرقا من أجل إيجاد تنمية مستدامة لشعب جزر القمر.. أليست قطر؟
من وقف داعما ومساندا لأشقائنا في تونس ومصر بعد الثورة، وعمل على تقديم الدعم المادي من أجل الخروج من الأوضاع الاقتصادية التي مر بها الأشقاء في هذين البلدين بعد الثورة، ورفضت ترك هذين البلدين لمواجهة متاعب بعد الثورة.. أليست قطر؟
من سيّر القوافل من أجل إغاثة أشقائنا في الصومال والقرن الافريقي، وكان أول المغيثين لصرخاتهم، وسخّر كل الجهود من أجل إرسال القوافل الإغاثية.. أليست قطر؟
لا يتسع المجال لسرد مواقف قطر وقيادتها ورجالاتها التاريخية، دون أن يطلبوا أي مقابل نظير هذه الجهود الخيرة، وهذه المساعي الشريفة، ودون أن تكون لهم “أجندات” يقدمونها للأطراف التي يقدمون لها هذه المساعدات.
هذه نماذج من مواقف قطر، التي لا تعلن عنها عبر وسائل الإعلام، ولا تحب أن تذكرها أمام الرأي العام، فهي كما أسلفت تعمل ذلك انطلاقا من واجبها تجاه أمتها، وتجاه أشقائها في العالم العربي والإسلامي، ولا تنتظر جزاءً ولا شكوراً.
هي قطر دائما كبيرة، بأفعالها ومواقف رجالاتها.. تترفع عن كل المهاترات، وتتقدم الصفوف عندما يتطلب الأمر ذلك، وتقود المبادرات دون انتظار الآخرين، ودون أن تنتظر منافع دنيوية أو شخصية.
أقول لأصحاب القلوب المريضة والحاقدين على قطر والأمة.. قطر تحركها المبادئ وليس المنافع.. قطر لن تحيد عن نهجها الذي اختطه لها رجالاتها منذ المؤسس رحمة من الله تتنزل عليه.. قطر ستظل نصيرا للمظلوم ومدافعا عن الشعوب لا تأخذها في الله لومة لائم.
لخص سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نائب الأمير ولي العهد الأمين المواقف القطرية حيال مختلف قضايا الأمة العربية والإسلامية في أنها تنطلق من مبدأ، بعيدا عن أي أجندات سياسية، كما هو الحال بالنسبة للكثير من الدول.
عندما قال سمو نائب الأمير ولي العهد الأمين خلال استقبال سموه وفد قبائل الزنتان الليبية الأسبوع الماضي “إن موقفنا تجاه ليبيا لم يكن سياسيا، بل كان من منطلق مبدأ “، فهي الحقيقة بعينها، فلم يعرف التاريخ عن قطر وقيادتها أنها قدمت دعما وطلبت في مقابل ذلك أمراً أو منفعة شخصية، فقطر وقيادتها تنطلق من قوله تعالى “لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً “.