قطر في لبنان.. المبادئ تسبق الإعمار
الزيارة التي قام بها سمو الامير المفدى حفظه الله ورعاه الى لبنان الشقيق ليست فقط تأكيدا على متابعة سموه لإنجاز اتفاق الدوحة التاريخي في 2008، الذي اخرج لبنان من عنق الزجاجة، ومن النفق المظلم، وانقذه من حرب اهلية وشيكة كادت تعصف بهذا البلد الشقيق، بل هي زيارة تؤكد من جديد حرص سمو الامير المفدى على ترجمة كل الوعود التي يتعهد بها، وكل الاقوال التي يعلن عنها، الى افعال على ارض الواقع، وأن اي التزام تتعهد به قطر فإن طريقه التنفيذ، وما قرى ومدن الجنوب في لبنان إلا خير شاهد على ذلك.
لقد عملت قطر بصمت خلال دعمها لبنان الشقيق في مختلف المراحل، وعملت ليل نهار من اجل جمع الاشقاء لانهاء الانشقاق القائم بينهم، ووقفت مع مقاومته خلال العدوان الاسرائيلي في 2006، وكان سمو الامير اول زعيم عربي وعالمي يقوم بزيارة لبنان بعد العدوان، كما هو الحال بزيارته للجنوب ليكون اول زعيم عربي يقوم بزيارة الجنوب اللبناني.
ولم يكن الاستقبال الذي حظي به سمو الامير المفدى منذ اللحظة الاولى لوصوله مطار لبنان الى ان غادره، مرورا بقرى ومدن الجنوب التي لم يسبق لها ان أقامت مثل هذه الاحتفالية الا قبل اكثر من 10 سنوات عندما حررت المقاومة الجنوب في عام 2000.
ولم يسبق ان خرجت هذه الجموع من الشعب كما حدث خلال زيارة سمو الامير للجنوب، لم يكن هذا بالامر المستغرب من المحتفين او للمحتفى به سمو الامير الذي حرص ولا يزال على لبنان الشقيق الشعب والوطن.
قبل عام تقريبا قمت بزيارة الجنوب، واطلعت عن قرب على حجم المشاريع التي انجزتها الارادة القطرية على الارض في الجنوب، ولمست مدى التقدير الذي يكنه اهالي تلك المناطق لسمو الامير المفدى وللقيادة القطرية لمدى الالتزام بالتعهدات التي اعلنت عنها، ومتابعتها الحثيثة لجهود الاعمار دول كلل او ملل، ولمصداقية الوعود التي تعهدت بها ولم تخل بأي منها، لتقدم بذلك نموذجا في الوفاء بكل الالتزام، ولتقدم كذلك نموذجا في دعم الشقيق لشقيقه، ووقوف الأخ مع أخيه في المحن والازمات والشدائد، فالأخوة ليست مجرد شعارات ترفع، او أغاني تتردد، انما هي افعال تترجم، واعمال تتجسد على ارض الواقع. وموقف قطر مع لبنان ليس الوحيد فهناك العشرات من المواقف العملية في دول شتى شقيقة وصديقة، قدمت قطر فيها كل الدعم والمساندة، فكانت خير من يمثل القيم والمبادئ، وخير من يوفي بالعهود، وخير من يصدق في الوعود..
قطر وقيادتها لم تقم بإعمار في الجنوب لما خلفته الآلة العسكرية البربرية الصهيونية في عدوان 2006 فحسب، ولم تعمل على إطفاء نار الفتنة بين الاشقاء في لبنان الشقيق عبر انجاز اتفاق الدوحة 2008 فحسب، ولم تقم بمتابعة عملية وميدانية لما تعهدت به فحسب..، نعم هي قامت بكل ذلك، لكن قبل ذلك قدمت نموذجا متفردا في الشهامة والنبل والاخاء والمبادئ..، قدمت اخلاقا عالية ومثالية في تعاملها مع الاشقاء، بعيدا عن المنّ والأذى، انطلاقا من قوله تعالى (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).
قطر سخرت امكاناتها من اجل الامة ومن اجل مستقبلها ومن اجل ابنائها، فسعت الى حل الخلافات، واصلاح ذات البين، والتوسط بين الاشقاء، ودعم ومساعدة الشعوب العربية والاسلامية، والوقوف مع الحق العربي والاسلامي والدفاع عن قضايا الامة في مختلف المحافل..، لم تقدم كل ذلك وهي تنتظر كلمة شكر او ثناء، بل في سبيل الدفاع عن قضايا الامة تحملت الكثير من الاذى، وفي سبيل الدفاع عن الحق العربي وُجهت لها تهم، وفي سبيل الدفاع عن المبادئ والقيم شنت عليها بعض الاطراف “حروبا” إعلامية، وللاسف ان الكثير من الاذى جاء من الاقرباء قبل الغرباء، ولكن كل ذلك لم يجعلها تتراجع عما تؤمن به، ولم يجعلها تتزحزح عن مواقفها التي تؤمن بها، لأنها منطلقة من الحق والعدالة، ولأنه في نهاية الامر لا يصح الا الصحيح.
التاريخ سيسجل هذه المواقف المشرفة لقطر وقيادتها ولسمو الامير المفدى حفظه الله بأحرف من نور، والأجيال ستحتفظ ذاكرتها بهذه المواقف التي ستظل محفورة فيها، وستتناقلها جيلا بعد جيل.