مقالات

قمة الرياض .. تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة الأخطار الخارجية

مجلس التعاون .. وتحديات المرحلة

يعقد قادة دول مجلس التعاون الخليجي اليوم اجتماع قمتهم السنوية وسط تحديات ومخاطر جسام تواجه المجلس، وتعصف بالمنطقة.

لم يعد الحديث عن هذه المخاطر والتحديات « ترفا « سياسيا، بل انتقل اليوم إلى « كابوس « يهدد كيان هذا المجلس، الذي أضحى في وجه « العاصفة «، وأصبح محاطا بـ « حزام « ناري يكاد يلتف حوله.

فليس هناك « بقعة « حوله إلا وتجد فيها اضطرابا وعدم استقرار، إلا هذه البقعة الخليجية، التي يراد لها أن تنزلق إلى حالة الاضطراب وعدم الاستقرار، ونسأل الله أن يحفظها من المكائد التي تنصب لها، والمؤامرات التي تحاك ضدها.

في ظل هذه المعطيات، فإن قمة الرياض مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بالتعامل وفق رؤية جديدة مع هذه الأحداث الآخذة بالتطور، والتي تهدد بالانتقال إلى الداخل الخليجي، وبالتالي تهديد الجبهة الداخلية، لهذا الكيان الخليجي، وهي القضية الأخطر باعتقادي .

صحيح أن القمم الخليجية صاحبها طوال مسيرتها منذ تأسيس هذا الكيان الخليجي في 1981 تحديات كبيرة، بل قد نشأ وسط «نيران} مشتعلة حوله آنذاك، وهي الحرب العراقية ـ الإيرانية، ولم تستقر المنطقة طوال هذه السنوات، فهي تخرج من أزمة لتدخل أخرى أكبر منها، في دوامة مستمرة، مخطط لها لأهداف تخدم أطرافا خارج المنطقة، وأخرى تستفيد منها بالمنطقة، رغم كل هذه التداعيات والتحديات، إلا أن المرحلة الحالية من المؤكد هي الأخطر.

نحن اليوم لسنا أمام حروب يتقاتل فيها أطراف بعيدة عنا، أو نظل في مأمن عنها، بل اليوم «صنعت} لنا جماعات ومنظمات تستهدف مجتمعاتنا في الداخل، وتعمل على «تجنيد} أبنائنا، والزج بهم في المهالك، وأتون حروب مدمرة.

اليوم الجبهة الداخلية الخليجية هي المطلوب حمايتها بالدرجة الأولى، فهي صمام أمان أمام كل التحديات والمخاطر التي تعصف بالمنطقة، وهذا الجهد لن يتأتى بـ « نظريات « هنا وهناك، أو جهد فردي، أو دور لمؤسسات « متناثرة «، إنما هي إستراتيجيات واضحة المعالم، تستهدف تحريك قوى المجتمعات الخليجية جميعها على كل الأصعدة، وفق منظومة متكاملة، أفرادا وجماعات ومؤسسات وأجهزة رسمية  .

دعونا من « الخلافات « أو « الاختلافات « الجانبية والثانوية التي قد نختلف بشأنها، اليوم المخاطر تواجهنا جميعا، لا استثناء لأحد، وأي تهديد لأي دولة هو تهديد لجميع دول مجلس التعاون .

هذا المصير الواحد يحتم علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى العمل يدا بيد، في سبيل حماية هذا الكيان الخليجي، الخطر داهم و» قاب قوسين أو أدنى» من الوصول إلينا، فلابد أن نكون على قلب رجل واحد للتصدي لهذه المخاطر التي تحدق بنا .

نعم هناك تحديات وأزمات متفاقمة تعصف بالمنطقة، ربما أبرزها الملفان اليمني والسوري، إضافة إلى القضية المركزية للأمة وهي القضية الفلسطينية، حيث يعمل الاحتلال على تهويد القدس من خلال تفريغها من سكانها، وزرع المستوطنات في كل مكان من أرض فلسطين المحتلة .

اليمن التي سارعت دول الخليج وعدد من الدول العربية لإعادة الشرعية إليها، بعدما حاولت عصابة وقوات المخلوع علي عبدالله صالح الاستيلاء على مؤسسات الدولة بالقوة العسكرية، يمثل ملفا غاية في الأهمية، ومطروح بقوة أمام القادة في اجتماع قمتهم اليوم .

إن المبادرة العسكرية التي تولت إدارتها الشقيقة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في عاصفة الحزم، كانت خطوة أنقذت دول المجلس من تهديد خطير كان يستهدفه من قبل عصابة الحوثي والمتحالفين معها، الذين أرادوا أن يعيثوا فسادا ليس في اليمن فحسب، بل إن مطامعهم ومن خلفهم كانت أكبر، كان الهدف « ابتلاع « دول الخليج خطوة خطوة، فلم يكن هناك خلاص إلا بهذه العاصفة الحازمة المباركة لوقف الفوضى التي أراد الحوثيون والمخلوع إدخال اليمن بها، ومن ثم نقلها إلى دول الجوار .

الشقيقة السعودية التي تقود تحالف عاصفة الحزم بمشاركة شقيقاتها بدول الخليج، هي نفسها تقود حملة إعادة الأمل، جنبا إلى جنب، وهو ما يبرهن على النوايا الصادقة تجاه الأشقاء في اليمن وشعبه العزيز، فخطوة التحالف تستهدف إنقاذ اليمن من السقوط عبر استيلاء عصابة وتنظيم عسكري على مؤسسات الدولة بقوة السلاح، وبالتالي فإن دول الخليج لن تسمح بضياع اليمن، أو تحوله إلى « خنجر « في خاصرة الأمة، وليس فقط في خاصرة الخليج.

الملف السوري في عامه الخامس يمثل ملفا ساخنا أمام القادة في قمة الرياض، خاصة في ظل التدخل الروسي والإيراني الرسمي في سوريا، والذي بات يمثل « احتلالا « لهذا البلد العربي، الذي يصارع شعبه في ثورة عارمة منذ مارس 2011، فاستخدم النظام ضد الشعب الثائر كل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا، فقتل أكثر من 500 ألف، وشرّد ما لا يقل عن 10 ملايين ما بين لاجئ ونازح .

قضية الشعب السوري حاضرة وبقوة في هذه القمة الخليجية، التي من المؤكد أنها سوف تنتصر للشعب السوري .

إلا أن الملفات الداخلية الخليجية، خاصة تلك التي لها علاقة بالمواطن ستكون حاضرة بشكل أكبر، وهي محل اهتمام القادة بشكل متزايد من قمة لأخرى، وما التكريم الذي حظيت به 54 شخصية خليجية متميزة في مختلف القطاعات من قبل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلا خير دليل على الأهمية التي يولونها لمواطني المجلس، فخلال رئاسة قطر للقمة الخليجية في دورتها الحالية عقدت أكثر من 450 اجتماعا ما بين وزاري ووكلاء وزارات ولجان مختلفة، ركزت في مجملها على قضايا زيادة التعاون، وتحقيق مكاسب جديدة للمنظومة الخليجية  .

قضايا الاقتصاد وانخفاض أسعار البترول واستكمال مسيرة التعاون الاقتصادي والاتحاد الجمركي والسكك الحديدية والمواطنة الخليجية .. وغيرها من الملفات ستكون محل تفعيل واتخاذ قرارات مناسبة حيالها

إننا متفائلون بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لرئاسة القمة الخليجية ـ والذي هو أيضا رئيس للقمة العربية ـ أمريكا الجنوبية ـ وعلى ثقة تامة من أن المنظومة الخليجية سوف تحقق بقيادته المزيد من النجاحات والإنجازات، وسوف تنتقل إلى مرحلة جديدة من التكامل وتعزيز مسيرة العمل المشترك، وسوف نشهد إضافة لبنات جديدة إلى صرحنا الخليجي، الذي يمثل بيتا لكل خليجي قائدا ومواطنا .

 

ولنا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x