مقالات

مخيم جنين.. إمبراطورية لا تقهر

لست هنا للحديث عن المواقف العربية حيال ما يتعرض له مخيم جنين من حرب بربرية من قبل القوات الإسرائيلية التي ترتكب الجرائم بحق سكان هذا المخيم، كما في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالمواقف العربية لم تتجاوز أسطراً بكلمات «منمقة»، وما تسمى بـ «بيانات» شجب واستنكار، فالوضع العربي «الضائع» و«المشتت» لم يعد محل بحث أو اهتمام الشعوب العربية، التي بُحت حناجرها وهي تنادي وتطالب بموقف عربي جاد للتصدي للغطرسة الإسرائيلية، وبالتالي فإن الضرب في «الميت» حرام.

وطبعاً ما تسمى بالسلطة الفلسطينية فموقفها أكثر ذلاً وخذلاناً لشعبها، فبالرغم من أن جنين يفترض أنها في «حماها» – ليست كما غزة – إلا أن السلطة باتت تشكّل «عوناً» للصهاينة في تنسيقها الأمني المخزي مع الكيان الإسرائيلي ضد أبناء شعبها المقاوم.

مخيم جنين بات أيقونة العمل المقاوم في كل فلسطين، هذه البقعة الجغرافية التي لا تتجاوز مساحتها «½» كيلو متر مربع، أصبح «إمبراطورية» يقف شامخاً في وجه العدوان الإسرائيلي، الذي استخدم كل أنواع الأسلحة من قطاعات برية (دبابات.. مدرعات.. آليات.. مركبات) مع قوات النخبة يدعمها سلاح الجو بمقاتلاته الحديثة وطيرانه المسيّر وأقماره الصناعية، كل ذلك ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من تحقيق أهدافها التي أعلنتها وهي تبدأ هجومها البربري على سكان هذا المخيم.

 

«إسرائيل» بكل إمكاناتها تخوض معركة مع «دولة» اسمها مخيم جنين، ولم تستطع تحقيق أهدافها، التي قالت إنها تريد «اجتثاث» الإرهابيين في هذا المخيم، فلم تتمكن من اعتقال أحد منهم، وعندما عجزت عن تحقيق ذلك، قامت بتجريف الشوارع والمنازل وارتكاب الجرائم ضد المدنيين في المخيم.

هذه ليست المرة الأولى التي تقتحم القوات الإسرائيلية هذا المخيم المقاوم، هناك الكثير من المرات التي اقتحمته، وفي كل مرة تعود خائبة، منكسرة، لكن في هذه المرة – والتي سبقتها – الأمر مختلف، فنحن لا نتحدث عن مرور سريع للدبابات والمدرعات والمركبات والجنود الصهاينة في «أزقة» هذا المخيم، واغتيال وتصفية من تشاء، وتدمير ما تريد، والخروج منه دون كلفة حقيقية، الوضع بات مختلفاً، الدخول إلى مخيم جنين باتت له كلفة، كما في غزة، وعلى الكيان الإسرائيلي وقواته أن تدفعها في المخيم وعلى أطرافه، فقد رأينا كيف كانت المواجهات العسكرية بين المقاومين من فصائل وكتائب، وبين الغزاة، ورأينا كيف فجرت وعطلت آليات ومركبات إسرائيلية، ورأينا كيف يقوم الاحتلال باستبدال قواته بأخرى، ورأينا جنود الصهاينة يهربون عند اشتداد المواجهات.

مخيم جنين «إمبراطورية» وإن كانت مساحته الجغرافية «½» كيلومتر مربع، إلا أن «زيارته» من قبل قوات الاحتلال لم تعد «نزهة»، وبات يحسب ألف حساب لأي مغامرة يقدم عليها.

في كل مرة يخرج مخيم جنين من المواجهات مع قوات الاحتلال أكثر قوة وصلابة، فلم تنجح المرات الماضية من الاقتحامات الصهيونية في إسكات المقاومة، ولن تنجح هذه المرة، بل إننا أمام مرحلة جديدة من المقاومة في مخيم جنين، الذي لم يعد يقاوم داخل جغرافيته المحدودة، ففي الوقت الذي كانت المقاومة تتصدى لاقتحامات قوات الصهاينة، كان مقاوم آخر يضرب قلب تل أبيب عبر دهس وطعن، فيوقع إصابات بالغة، ويفجر المقاومون عبوات في أكثر من مكان في مدينة جنين ومخيمها في مركبات ومدرعات القوات الإسرائيلية.

هذه الحالة الجديدة لم تكن موجودة في السنوات الماضية عند اقتحام القوات الإسرائيلية لمدينة جنين أو مخيمها، صحيح كانت هناك مقاومة لكن ليست بالصورة التي عليها اليوم.

الإعداد والتجهيز الإسرائيلي لاقتحام مخيم جنين، يعادل الإعداد والتجهيز لخوض حرب من دولة، وهذا وضع القيادات الإسرائيلية في مأزق، فبالرغم من كل هذه التجهيزات العسكرية فإن أهدافهم التي تحدثوا عنها لم يتحقق منها شيء، فلجأوا إلى خيار تدمير البنية التحتية للمخيم، بل إنهم عجزوا عن الوصول إلى أبطال المقاومة، وما يتحدثون عنه من اعتقالات فهي حيلة العاجز، فهؤلاء المدنيون من سكان المخيم ألقي القبض عليهم للتغطية على الفشل الذريع للعملية العسكرية الصهيونية.

 

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x