جميل أن يكون هناك حوار في المجتمع ، بين مختلف الأطياف والقطاعات، حيال مختلف القضايا.. تعليمية كانت أو صحية أو رياضية أو بنى تحتية.. ، فهذا يمثل ظاهرة صحية، ومؤشرا إيجابيا على حيوية المجتمع ، خاصة إذا ما “خلصت” النوايا من أجل خدمة الوطن .
لكن من المؤكد أن الأجمل من هذا أن نرتقي بالحوار حيال قضايانا المختلفة ، بفكر واع ، بعيدا عن التجريح أو الإساءة، أو “شخصنة” المواضيع.
ليس عيبا أن نختلف حول قضية، وأن يعتقد كل شخص فينا أن الحل هو في اتجاه آخر، غير الاتجاه الذي يعتقد به الشخص الآخر، وهذا هو الاسلوب الراقي في الحوار، وتحمل المسؤولية الواعية تجاه المجتمع، بأفراده ومؤسساته.
يدور جدل واسع هذه الأيام حول “أشغال” على خلفية ما تركته الأمطار من سلبيات كبيرة في بعض البنى التحتية، وتحديدا شارعي دخان والشحانية، وسبق ذلك جدال يتجدد في كل عام حول التعليم مع بداية كل عام دراسي تقريبا، والأمر ربما مماثل مع وزارات أخرى، خاصة الخدمية منها.
دعوني بداية أضع النقاط على الحروف، حتى لا يحمل مقالي هذا على غير محمله..
نعم هناك قصور في أشغال .. نعم هناك سلبيات تصاحب عملها في بعض المواقع .. نعم هناك أخطاء تتكرر في عدد من المشاريع .. نعم هناك تأخير في إنجاز بعض المشاريع .. نعم هناك حفريات أنى اتجهت في مناطق قطر..
لكن لا يعني هذا أبدا إلغاء أو نسف كل ما قامت وتقوم به أشغال أو أي جهة أخرى.. ولا يعني هذا إغفال الجهود التي يقوم بها القائمون على هذه الهيئة.. ولا يعني أن نهدم ما انجزته في مواقع شتى.. ولا يعني أن نمسح بـ “جرة” قلم، او بـ ” تغريدة ” تويترية في حالة انفعال و”حرقة” وطنية كل ما قامت به من مشاريع، وما تشرف عليه حاليا من مشاريع كبرى في أرجاء الوطن، ليس في الدوحة فحسب، بل في جميع المناطق، فقطر اليوم ورشة مفتوحة، خاصة فيما يتعلق بمشاريع البنية التحتية، التي تشكل النسبة الأكبر من المشاريع المفتوحة اليوم على مستوى قطر.
هناك أخطاء في هذه المشاريع، وربما أخطاء تتكرر في بعض المشاريع، لكن يجب أن نتفهم أن من يعمل يخطئ، وهذا ليس تبريرا للخطأ، او دفاعا عن “أشغال”، فالجميع استاء من المشاهد التي رآها بتجمع تلك الكميات الكبيرة من المياه تحت الجسور وفي شوارع جديدةـ لا اعرف إن كانت أشغال من نفذتها أو جهات أخرىـ دون أن تجد لها طرقا حديثة للتصريف، وهي مشاهد بالتأكيد ” مؤذية “، وغير لائقة في بلد يستحق الافضل ، حسب الشعار الذي رفعته اشغال.
لست ضد إظهار هذه العيوب، بل “الفضائح”، بل من اشد الداعين إلى الانتقاد البناء، والطرح الموضوعي ، والنقاش الإيجابي، والشفافية في الحديث عن أماكن الخلل، والمعالجات المطلوبة ، وكيفية تفاديها مستقبلا..، وتشكيل لجان تتولى مسؤولية التحقيق في المشاكل التي تحدث خلال تنفيذ المشاريع، او بعد الانتهاء منها، وما يطرأ عليها من عيوب “فادحة”.
لكني لست مع الإساءات للأفراد أو المؤسسات والوزارات، ولست مع التجريح أو “شخصنة” القضية، ولست مع استخدام الفاظ او كلمات او مصطلحات تنتقص من الافراد..
أحيي الذين يتحدثون عن معالجات للقضية ، ويطرحون القضايا للبحث والنقاش، ويبدون آراءهم التي تخالف وتختلف مع مسؤولي القطاعات أو الوزارات، بكل احترام وتقدير، فخلافنا مع أي مسؤول أو جهة يجب أن نحصره في القضية المثارة ، وان نطرحها بكل موضوعية ومهنية، بعيدا عن التجريح أو الإساءات أو التقليل من شأنهم ، أو اللمز والغمز خلال الحديث عن تلك الاخطاء.
نريد ان نرتقي في حواراتنا الفكرية والمجتمعية، فنحن جميعا في قارب واحد، ونسعى لخدمة مجتمع واحد، ولا نشكك أبدا في وطنية أي مسؤول، الذين يسعون جاهدين للقيام بالأدوار المنوطة بهم، قد يخطئون. وفي الغالب يخطئون ـ خلال عملهم ، فمن يعمل يخطئ ، وهي حالة إنسانية طبيعية ـ أكرر ليس معناه التبرير للاخطاء ـ نعايشها جميعنا في حياتنا اليومية ، قد يختلف الخطأ من مكان لآخر ، لكنه خطأ.
ومن الواجب على المسؤول التفاعل مع الرأي العام ، والشفافية في إطلاع المجتمع على المعالجات التي تتم للأخطاء التي تقع ، خاصة تلك التي تمس مشاريع حيوية ، تمثل للمواطن أهمية كبرى.
اليوم المواطن ليس بمعزل عن العالم ، فهو يرى حجم التطور لدى دول أخرى، ويرغب أن يكون لوطنه السبق، والتقدم على تلك البلدان، خاصة في ظل الإمكانات التي تتمتع بها دولة قطر ، التي باتت اليوم محط أنظار العالم، ونستطيع أن نكون الأفضل.
نعم يجب أن تكون هناك محاسبة ومراجعة ومتابعة لكل المشاريع ، ليس فقط البنية التحتية أو قطاع الخدمات ، بل لكل عمل، وكل مشروع يتم تنفيذه، فليس معنى أن هناك فوائض مالية ، أو وضع مالي جيد، أن يتم التغاضي عن ذلك، بل هذا الوضع يفرض علينا جميعا، مسؤولين وصناع قرار ومن دونهم ، أن نكون أكثر حرصا على توظيف هذا الوضع المالي الذي تتمتع به الدولة من أجل مزيد من التنمية، وإنجاز المشاريع التي تنهض بالوطن، وتخدم المواطن ، وتدفع بعجلة التقدم الى الامام.
المشاريع المفتوحة اليوم ليست فقط أشغال معنية بها، بل هناك جهات أخرى تتولى تنفيذ مشاريع عديدة، المطلوب مزيد من التنسيق وتكامل الادوار فيما بينها، لكي نبتعد عن ازدواجية العمل، وتضارب الادوار، وهدر المال العام، وتضييع الاوقات، فلا يعقل ان نظل نشاهد اعمالا تنجز في مكان ما، ثم سرعان ما نشاهدها نفسها قد اعيد حفرها او اعادة تصميمها من جديد.
أنا على ثقة أن كل المسؤولين يتقبلون النقد الايجابي والبناء بصدر رحب، ويرحبون بأي مبادرة او مقترح يساهم في تطوير أداء المؤسسات التي يتولون إدارتها، وفي المقابل فان الرأي العام يتطلع الى رؤية هذا الوطن وهو ينعم بأفضل المشاريع ، المنفذة على كفاءة عالية ، وجودة نوعية، ويفتخر بما وصلت اليه قطر اليوم، ويتطلع الى تحقيق المزيد من الانجازات.
من المهم ان نستفيد من التجارب التي مررنا بها، والأهم ألا نقع في الأخطاء نفسها، ونكرر المشاكل ذاتها.