هل بإمكان العرب انتقاد الجدار الإسرائيلي و”الفولاذي” المصري يحيط بغزة؟
الشعوب العربية اعتبرت الحدود"قنابل موقوتة".. فهل سنرى جدرانا قادمة للفصل بين الدول العربية؟
الشعوب العربية قبلت بالحدود، ورضخت لمخططات المستعمر في خلق هذه الحدود، وجعل الكثير منها ” قنابل موقوتة ” تنفجر بين الدول العربية في اي لحظة، لكن ان يصل الحال بنا اليوم ان نخلق جدرانا فولاذية فيما بين الشعوب العربية، انها قمة المأساة.
من المؤكد ان الشعب المصري العظيم لا يقبل بناء هذا الجدار الفولاذي الذي يضرب حصارا ظالما على شعب اعزل، والافدح من ذلك انه لأول مرة عبر التاريخ يبنى جدار فولاذي تحت الارض، وليس فقط فوق الارض.
اليوم الجداران المصري والاسرائيلي للاسف يتعانقان، وباتا علامة سيئة وبغيضة من اجل قتل الابرياء، ومحاصرة الضعفاء، فهل ترضى مصر، وهل يرضى اهل مصر بهذا العناق، وهذا الاتفاق مع اسرائيل العدو الاول ضد غزة وسكانها المليون والنصف مليون، الذين يشكلون الاهل والاقارب؟.
انه لأمر محزن ان تضيق مصر القيادة على اهل غزة، وان تقطع عنهم الرمق الاخير من الحياة، وان تمنع عنهم شريان الحياة، من اجل عيون اسرائيل.
من السخف القول ان اهل غزة يمثلون خطرا على الامن القومي المصري، ومن السخف الادعاء ان هذا الجدار الفولاذي حق سيادي، ومن العجب العجاب ان الجدار الاسرائيلي شأن داخلي، والجدار الفولاذي امن قومي!.
لقد عجزت اسرائيل عن تركيع اهل غزة في عدوانها العام الماضي، وسعت الى حفظ ماء وجهها عبر تفاوض ووضع شروط على حماس، الا ان الاخيرة رفضت الاملاءات الاسرائيلية، ورفضت الرضوخ للمطالب التي سعت اليها الحكومة الاسرائيلية، وظل اهل غزة رغم الجراح مرفوعي الرأس، فكان ان طلبت اسرائيل من ” اصدقائها ” تنفيذ المهمة نيابة عنها، واشترطت من اجل وقف عدوانها قبيل تسلم باراك اوباما الحكم في امريكا فرض حصار بري وبحري على غزة، فكان ان ارسلت فرنسا بوارجها في العام الماضي لضرب حصار بحري على غزة، بعد مباحثات اجرتها وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي ليفني في باريس، وهي المحطة التي توقفت فيها قبل اكمال رحلتها الى واشنطن لتوقيع اتفاقية مع نظيرتها آنذاك كونداليزا رايس من اجل اقامة جدار يمنع التواصل بين اهل غزة واشقائهم في رفح المصرية، وهو امر في غاية الغرابة، فقد تم اتخاذ هذا القرار دون الرجوع الى مصر، التي آنذاك اكدت ان هذا امر سيادي لا يمكن للآخرين التدخل فيه، واذا بنا اليوم نرى ان هذا الامر السيادي قد انصاعت اليه القيادة المصرية، ونفذت الاتفاقية الاسرائيلية الامريكية على الارض المصرية، وجيء بالجدران الفولاذية الجاهزة من امريكا، والتي كانت معدة لوضعها على الحدود المكسيكية، مع إحداث تغيير على هذه الجدران لتتوافق مع متطلبات الوضع على الحدود بين مصر وغزة.
ان الانظمة العربية تتغنى دائما بأنها لن تسمح لأي طرف بالتدخل في شؤونها، او التعدي على سيادتها، فكيف يمكن تفسير ما اقدمت عليه امريكا واسرائيل في الاتفاق على بناء جدار على ارض غير ارضهما، ودون الرجوع الى الطرف المعني؟ اين السيادة التي تتحدث بها هذه الدول؟.
ان الاسوار التي تضرب اليوم حول غزة لهي مقدمة لعدوان اسرائيلي قادم ضد اهلنا في غزة، من اجل تركيعهم هذه المرة حتى اذا تطلب الامر ابادتهم، فما عجزت عنه الآلة العسكرية الصهيونية في الحرب الاولى، ستعمل على اكماله في الحرب القادمة للتأكيد على قوة اسرائيل، بعد ان اهتزت هذه القوة الغاشمة التي تلوح بها دائما للانظمة العربية، على ايدي حركات ومنظمات ومقاتلين غير نظاميين، في خلال عامين، وهما حزب الله اللبناني في عدوان 2006، وامام حماس في عدوان 2008 /2009، ولا يمتلك هذان التنظيمان القدرة التسليحية كما الحال بالنسبة لاسرائيل، الا انهما تصديا للعدوان، ولم تتمكن اسرائيل من تحقيق اهدافها التي انطلقت في هاتين الحربين المدمرتين.
العدو بالنسبة للاشقاء في مصر ولجميع الدول العربية هو اسرائيل وليس غزة او حماس او فصائل المقاومة في فلسطين، مهما وقعنا مع اسرائيل من اتفاقيات فانها لن تلتزم بها عندما تتضارب مع مصالحها، وليكن هذا معلوما ان اسرائيل عندما وقعت اتفاقية سلام مع مصر في 26 /3 /1979 كان هدفها بالدرجة الاولى تحييد مصر عن الصراع، وابعادها عن عالمها العربي، وهو ما استطاعت للاسف تحقيقه، بهدف تفرغ الكيان للإجهاز على الشعب الفلسطيني، والانفراد بمن بقي من الشعب او فصائل المقاومة للقضاء عليهم، فها هي اسرائيل اليوم تقيم جدارا مع مصر بمناسبة الاحتفال بمرور 30 عاما على اتفاقية كامب ديفيد.
كان بالامكان ان تستثمر القيادة المصرية قوة فصائل المقاومة في فلسطين، ولا اقول ان تتخذها ورقة في مساومتها مع اسرائيل، لكن كان بالامكان استثمار هذه القوة في فلسطين من اجل ايجاد موقف مصري قوي في التفاوض في اي ملف، والتأكيد على حضور مصر عند الحديث عن قضايا هامة كما هو الحال بالنسبة لقضية فلسطين، ولكن للاسف انصاعت القيادة المصرية للضغوط الخارجية، وتنازلت عن كل الاوراق التي بيدها، وهذا في نهاية الامر ستكون عاقبته وخيمة، وليس في صالح مصر ودورها في القضايا الدولية.
اسرائيل هي المستفيدة من “تقزيم” دور مصر، وسحب البساط من تحت اقدامها، وتراجع تأثيرها على المستوى الاقليمي والدولي.
لماذا لم تقدم مصر على بناء جدار مع اسرائيل طوال السنوات الماضية؟ وهل يعقل ان اهل غزة اخطر على امن مصر من اسرائيل؟.. اسئلة ربما حتى اهلنا في مصر يرددونها ولا يجدون لها اجابات شافية.
اننا نخجل اليوم ان نتحدث عن الجدار الاسرائيلي سواء الذي بالداخل الذي يقسم الارض الفلسطينية او الجدار الذي يبنى اليوم بينها وبين كل من مصر وغزة، او ننتقد هذين الجدارين الاجراميين مادام ان هناك دولة عربية هي الشقيقة الكبرى التي كان من المفترض انها تشكل للعرب اجمعين ولأهل غزة تحديدا ولأهل فلسطين عموما الحضن والملجأ والمأوى، والمدافع الاول عن حقوقهم، وهذا لا يعني التقليل من او نسيان التضحيات التي بذلها الشعب المصري الشقيق من اجل فلسطين طوال العقود الماضية.
تاريخ مصر وتضحياتها من اجل فلسطين يرفض هذا الجدار “العار”، الذي يلطخ ذلك التاريخ، فهل يتدخل العقلاء في مصر لإثناء القيادة المصرية عن المضي قدما في محاصرة اشقائهم في غزة؟!
.. هذا هو الامل.
مجرد تساؤل..
بالطبع لن تستطيع اية دولة عربية ادانة الجدار الذي تقوم ببنائه اسرائيل اليوم حول غزة، والذي يمتد لمسافة تزيد عن 260 كم، يضرب الحدود مع مصر وغزة معا، والسبب ان هذه الادانة او الانتقاد للموقف الاسرائيلي غير “منطقية” مادام هناك شقيقة كبرى تقوم ببناء جدار؛ وليس اي جدار، حول غزة، واعتبار ذلك يمثل حفاظا على الامن القومي للشقيقة الكبرى!.
من المؤسف ان نرى الحصار الخانق يحيط بتراب عربي، ويفتك بأبناء امة عربية، ويعمق جراح الاهل في غزة الصامدة، من المؤسف ان هذا الحصار يمارس بأيد عربية، دون الالتفات لا اقول الى اواصر القربى، او صلات الرحم، او حق الجوار، انما على اقل تقدير النظر الى الجوانب الانسانية في حق هذا الانسان الموجود في غزة ان يعيش، وان يبقى على قيد الحياة، وان يمارس حياته البسيطة دون تنكيل او عسف او حصار.
مجرد تساؤل..
القيادة المصرية استخرجت فتوى من الازهر بجواز بناء الجدار الفولاذي، بدعوى حماية الامن القومي، ومنع التسلل، واعتبر بعض علماء الازهر ان ذلك واجب لمنع الفتن.
وبالامس اصدر احد “علماء” الازهر فتوى بجواز الاستيلاء على حقوق النقل لقناة الجزيرة الرياضية لمباريات امم افريقيا، بدعوى ان اسعار الاشتراك مرتفعة، مما اجاز للافراد الاقدام على ذلك، على الرغم من ان قناة الجزيرة اشترت هذه الحقوق بالملايين.
فكيف يكون “السطو” هنا حلال، بينما قيام شعب محاصر والجوع يفتك به بالحصول على لقمة العيش عبر الانفاق حرام؟!!.
مجرد سؤال لعلماء الازهر الشريف…
ولنا كلمة