مقالات

هل رأيتم ديكتاتوراً مثل أردوغان؟!

لم يكن من السهل أن تنتقل تركيا إلى مئويتها الثانية كجمهورية تحت قيادة أردوغان، فهذا كان خطا أحمر، عملت أطراف غربية وأمريكية، وتماهت أطراف عربية مع تلك المساعي الغربية للإطاحة بالرئيس أردوغان في انتخابات مفصلية في تاريخ تركيا الحديث.

لأشهر سبقت موعد الانتخابات في جولتها الأولى 14 مايو كان الضَّخ الإعلامي في عواصم الغرب هو للإطاحة بأردوغان، والتبشير بزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو على أنه المُخَلِّص لتركيا من حكم «المستبد» و«الديكتاتور» أردوغان، ذي التوجه «الإسلامي»، والرافض للهيمنة الغربية والأمريكية على السياسة والقرار التركي، والواقف بقوة أمام تلك الإملاءات الخارجية.

أردوغان الذي جعل من تركيا رقماً صعباً في عالم اليوم، رغم كل المتغيرات والعواصف السياسية، في فترة زمنية قاربت 20 عاماً، انتقل بتركيا إلى مصاف الدول الكبرى، اقتصاداً وصناعة عسكرية وحضوراً فاعلاً في المشهد الدولي، وقوة ردْع وازنة.

هذا النموذج غير مرغوب فيه غربياً في العالم العربي والإسلامي، فهذه «العدوى» قد تنتقل إلى بقع جغرافية أخرى، وبالتالي تتسع دائرة النهضة والتطور والبعث الجديد للعالم الإسلامي، فلابد من إفشال أي تجربة ناجحة، ووأد أي حلم نهضوي في العالم العربي والإسلامي، وإبعاد أي رمز يقود ذلك، إبعاد بأي طريقة كانت.

حاولوا إبعاد أردوغان عن حكم تركيا بالقوة الخشنة في 2016 عبر محاولة انقلابية وفشلوا، وحاولوا قبل هذا التاريخ وبعده بالاغتيال والتصفية الجسدية، وفشلوا..، وحاولوا مرات عبر صناديق الاقتراع وفشلوا، وحاولوا هذه المرة عبر تأليب دولي وتحشيد داخلي، إلا أن كل ذلك اصطدم بصلابة وقوة الشعب التركي، الذي رغم كل الضَّخ الإعلامي الغربي، ظل متماسكاً، وضرب مثالاً رائعاً في الأعداد الكبيرة التي توافدت على التصويت، والتي تجاوزت 90 %، وهو ما يعد نجاحاً مميزاً للتجربة الديمقراطية، وتمَسُّكاً قوياً بخيار صندوق الانتخاب لاختيار من يمثلهم، سواء في البرلمان أو الرئاسة.

على الضفة الأخرى، كانت هناك قلوب الملايين من الشعوب العربية والإسلامية التي كانت تتوق لسماع فوزه بالانتخابات، وتدعو الله بأن يُنجز وعده بفوزه، فأي انتكاسة له تعني تكلفة باهظة للملايين من المظلومين والمضطهدين ومن يعيش في تركيا لاجئاً..، فالكثير منهم كان سيتعرض لمضايقات على أقل تقدير، إذا لم يُطْرَدُوا من تركيا في غضون أشهر قليلة.

لذلك تجد هذه الفرحة لدى شعوب كثيرة في أصقاع من بقاع العالم العربي والإسلامي بفوز أردوغان، واستمرار التصاق تركيا بجسدها الإسلامي، بدلاً من وجهتها الغربية التي أعلن زعيم المعارضة كليجدار أوغلو، بصورة علنية، أنه يريد تحويل تركيا إلى الغرب بدلاً من العالم العربي والإسلامي، وهو ما سيترتب على ذلك أمور كثيرة حتى في الداخل التركي.

فوز أردوغان في هذه الانتخابات يعد «حرب تحرير ثانية» تقودها تركيا، ومرحلة مفصلية للانتقال إلى عهد جديد، تكون فيه أكثر استقلالية وتأثيراً في الساحات المختلفة، ولا أبالغ إن قلت إن هذا الفوز سيُشَكِّل خروج تركيا من «القمقم» الذي أراد لها الغرب البقاء فيه طوال مائة عام ماضية، والاستمرار بمائة عام قادمة، لذلك فهذا الفوز له ما بعده، وسيترتب عليه تغيير توازنات، وستظهر تحالفات جديدة، وسينعكس ذلك حتى على المشهد الدولي.

أرادوا التخلص من أردوغان عبْر الطرق الشرعية (صناديق الاقتراع) بعد أن فشلوا في محاولاتهم السابقة، ولم يتبق إلا هذا الخيار، وإذا بالشعب التركي العظيم يقف لهم بالمرصاد، ويعيد خياره واختياره للرئيس أردوغان قائداً لمرحلة جديدة في تاريخ تركيا.

اتهموا أردوغان بالديكتاتور والحاكم المستبد وممارسة القمع، وإذا به ينظم واحدة من أكثر الانتخابات نزاهة وشفافية ومصداقية بشهادة الغرب على مستوى العالم، فهل سمعتم بحاكم مستبد أو ديكتاتور يمكن أن يسمح بدخول منافسين له، بل إن الجولة الأولى لم يستطع حسمها، فانتقل هذا «الديكتاتور» و«المستبد» إلى جولة ثانية، وكان مُعَرَّضاً لخسارة كرسي حكمه، فهل رأيتم ديكتاتوراً مثل أردوغان؟!.

المؤكَّد أن أطرافاً كثيرة لم تنم ليلة أمس بصورة جيدة بعد فوز أردوغان، جاءها الأرق والقلق، فمجرد ذِكْر أردوغان عند بعض الأطراف «مزعج».

تختلف أو تتفق مع أردوغان سيظل هذا الرجل شخصية قيادية تشغل العالم، وحققت للشقيقة تركيا إنجازات كبرى على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والتجارية، بل والفنية والثقافية كذلك، وهذا الدور تجاوز تركيا إلى محيطها، دول الجوار وعالمها الإسلامي، وشَكَّل نقطة تحَوُّل في تعامل الغرب مع تركيا.

تركيا تعيش اليوم بعثاً جديداً، ولمحاسن الصُّدَف أن هذا الفوز وهذا الاحتفال يصادف فتح القسطنطينية (إسطنبول) على يد السلطان محمد الفاتح في 29 مايو 1453م، بعد أن ظلت عصية على الفتوحات الإسلامية لعدة قرون، فهل يُمثِّل فوز أردوغان بالأمس فتحاً جديداً في تاريخ تركيا؟!.

تركيا ما بعد 28 مايو 2023 لن تكون كما كانت قبله..

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x