هل نحن شعوب متفاعلة؟
من بين ردود التفاعل التي تلقيتها تعقيبا على المقال الذي حمل عنوان «مسلسل يتحكم في حياتنا» المنشور قبل يومين في هذه الزاوية، رسالة من احد القراء يعتب فيها انني ألقيت اللوم على المشاهد دون الاشارة الى القناة التي تبث المسلسل التركي «نور»، والتي خصصت له اوقاتا مميزة لبثه. اتفق تماما مع القارئ الفاضل، فقناة «ام. بي. سي» تتحمل الوزر الاكبر في التسويق والترويج لمسلسلات هابطة وبها كثير من الانحلال وتتضارب مع قيم واخلاقيات مجتمعاتنا العربية، وتدفع نحو مزيد من التفكك للاسر والمجتمعات، ولكن التساؤل: لو أن هذه القناة، وغيرها من القنوات التي تبث افلاما ومسلسلات هابطة، وجدت ردَّ فعل رافضاً لهذه الاعمال الفنية، وتلقت ردود افعال عبر طرق مختلفة تندد بما يبث في هذه القنوات، وتؤكد ان استمرار بث مثل هذه الاعمال سيدفع نحو مقاطعتها، وعدم التفاعل معها، اليس في ذلك مواقف ايجابية ستجعل هذه القنوات تعيد النظر بما تبث من برامج ومسلسلات وافلام مختلفة؟. الاشكالية ان الكثير منا سلبي التفاعل، بمعنى اننا قد نرفض امرا ما نراه في واقع الحياة عبر مشاهد في وسائل الاعلام او مؤسسات مختلفة، وننتقد ذلك في جلساتنا الخاصة، ولكن لا نوصل آراءنا او ملاحظاتنا الى الجهة التي تتبنى ذلك الامر، ونتحدث باستياء كبير عن وسائل اعلامية تبث برامج ومسلسلات غير لائقة، تتنافى مع القيم والاخلاقيات، الا ان ذلك الاستياء يظل في دائرة محصورة دون ان يصل الى القائمين على تلك الوسائل الاعلامية. التعليل الذي يسوقه البعض اننا لا نملك تغييرا في تلك المؤسسات الاعلامية، او لا نملك سلطة اتخاذ قرار، وهذا غير صحيح، بالامكان التأثير على وسائل الاعلام اذا ما اظهرنا ذلك عبر مواقف واعية وراقية ومتزنة، بعيدا عن الغوغائية او الفوضى..، فوسائل الاعلام تستهدف في نهاية المطاف المشاهد او القارئ، واذا ما رأت ان ردة الفعل تجاه ما تبثه او تنشره غير مقبولة، فإنها من المؤكد ستعمل على تغيير سياستها ونهجها. وعلى الرغم من كل ذلك فلا تُعفى الفضائيات من المسؤولية، ويجب ألا تنتظر رفض الجمهور لبرامجها حتى تعمل على تغيير سياستها، بل يجب عليها ان تكون على قدر المسؤولية، وأن تجسد إرادة الامة، وأن ترتقي بالفهم والذوق العام، وألا تنحدر الى المراتب الدنيا من رغبات البعض من فئات المجتمع التي تنظر الى كل ما هو دوني، او تسعى الى «دغدغة» العواطف، وهو الوتر الذي تعمل عليه اليوم كثير من الفضائيات، خاصة في شقه «الاغرائي» و«الجنسي». نريد اعلاما واعيا ومواكبا لاحتياجات الشعوب، ومتطلبات الامة.. يخاطب الفكر قبل الغريزة، والعقل قبل العاطفة، ويرسخ قيما فضيلة، واخلاقا رفيعة.. نريد اعلاما يشحذ الهمم، ويقدم النماذج المضيئة في تاريخنا..، وهذا لن يتحقق إلا بوجود امة حية، وشعوب متفاعلة، فهل نحن كذلك؟.