هل يمكن القول إن مجلس التعاون الخليجي على أعتاب مرحلة جديدة؟
آن الأوان للانتقال من مجلس للتعاون إلى كيان اتحادي
صحيح أن مسيرة التعاون شهدت تحديات عديدة منذ قيام هذا المجلس، أثرت في مسيرته، وعرقلة تحقيق المزيد من الانجازات، وساهمت في بطء ترجمة ما يتم الاتفاق عليه وتحويله الى مشاريع يلمس المواطن الخليجي آثارها، ويقطف ثمارها، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن هناك إنجازات تحققت، وأخرى تعثرت لأسباب داخلية تخص دول المجلس، وأسباب إقليمية تعرضت لها المنطقة من عواصف هبت، ورياح ضربت المنطقة منذ قيام المجلس، أبرزها الحروب التي شهدتها المنطقة طوال العقود الثلاثة الماضية. اليوم القمة الثانية والثلاثون – ومن خلال كلمة خادم الحرمين الشريفين في الجلسة الافتتاحية – تدعو الى الانتقال من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد، وهي ربما تمثل “ميلادا” جديداً للمجلس، إذا ما مضى قدما في تحويل هذا الكيان من مجلس للتعاون إلى اتحاد فعلي، كما هي الكيانات والتكتلات القارية والدولية. ففي ظل هذه التحديات الإقليمية والدولية، لم يعد ممكنا البقاء بهذا الكيان الخليجي في مرحلة التعاون، وعدم تطويره والارتقاء به الى مراحل جديدة وافق أرحب تدفع بالعمل الخليجي الى مرحلة جديدة، ونحن نرى كيانات أتت وليس بينها توافق كما هو الحال بالنسبة لدول مجلس التعاون، وارتقت تلك الكيانات إلى تكوين اتحاد فعلي يعزز وجودها وحضورها الاقليمي والدولي. دول مجلس التعاون الخليجي متداخلة ومتكاملة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً.. فلا يكاد يخلو بيت في أي دولة خليجية إلا وله علاقات أسرية مع بيت آخر في دولة أو دول خليجية أخرى، وفي الشق الاقتصادي يُلاحظ أن الاقتصادات متشابهة فيما بين هذه الدول، والأمر نفسه في القطاعات الأخرى. دول التعاون هي الأحق بالوحدة والاتحاد، وهي الأقدر على إنجاحه إذا ما كانت هناك إرادة حقيقية في هذا الاتجاه، ولا خيار أمام هذه الدول إلا المزيد من التكامل والتوحد، فعالم اليوم لا يعترف بالكيانات الصغيرة، أو الكيانات المتماسكة شكلياً، أو الكيانات الضعيفة..، عالم اليوم لا يعترف الا بالاقوياء، الأقوياء اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً..، وهو ما يفرض علينا كدول خليجية الإسراع في بحث الآليات الكفيلة التي تحقق التكامل والاتحاد بين هذه الدول. مجلس التعاون أدى دوره في مرحلة من المراحل، وهيأ الظروف للبدء بمرحلة جديدة في مسيرة هذا المجلس، والانتقال إلى مرحلة أكثر قوة للتعامل مع معطيات المرحلة، وتحديات المستقبل، التي من المؤكد أنها ستكون أكثر حدة مما كانت عليه. العام الحالي 2011 شهد باعتقادي تجانساً أكثر في الموقف الخليجي تجاه الأزمات التي عصفت بالعالم العربي، وفي معالجة عدد من الملفات الإقليمية، وهو أمر كان واضحاً في أكثر من ملف، ربما أبرزها فيما يتعلق بالملفات الليبي والسوري واليمني، إضافة بالطبع للموقف الموحد والإيجابي الذي اتخذ من الأحداث في مملكة البحرين وفي سلطنة عمان، والمعالجة السريعة للأسباب التي دفعت بتلك الأحداث من خلال إيجاد صندق للتنمية ودعم اقتصاد البلدين يخصص له 20 مليار دولا مناصفة بين البلدين. هذا التجانس الأكثر في السياسة الخارجية، وفي الخطاب حيال مختلف الأزمات والأحداث التي تعرض لها العالم العربي، وفي المواقف تجاه تلك الأحداث، كان واضحاً بصورة أكثر مما كانت عليه في السنوات الماضية، وهو ما منحها قوة أكبر، وحضوراً أكثر فاعلية في تصديها لتلك الملفات والأحداث، التي أطاحت بأنظمة عربية تحكم العباد والبلاد باستبداد وقمع، أذلت الشعب وأهانت كرامته. اليوم العالم يشهد متغيرات عديدة، وهو ما يفرض على دول المجلس الالتفات إلى ذلك، وعدم الاكتفاء بوجود هذا الكيان، أو الحفاظ على بقائه في مواجهة هذه الرياح العاتية، إنما المطلوب التحرك سريعاً في مواجهة كل هذه الأخطار والمتغيرات بديناميكية أكبر، وتسارع أكثر، وخطوات عملية ترسخ هذا الكيان وتنقله الى مرحلة جديدة، واعتقد أن هذه المرحلة هي الاتحاد والتكامل الفعلي، وكل الظروف مهيأة لمثل هذه الخطوة.
ومع تنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة قادمة، كالسوق الخليجية، وبناء سكك حديد، والبنك المركزي..، وقبل ذلك الاتحاد الجمركي، والربط الكهربائي، وغيرها من مؤسسات خليجية مشتركة قائمة، يمكن المضي بخطوات أسرع نحو خلق هذا الاتحاد الخليجي، وتحويله من دعوة إلى فعل قائم، وكيان يواجه بكل قوة واقتدار الكيانات الأخرى، التي لا يمكن مواجهتها إلا إذا دخلنا معركة المواجهة بكيان واحد وقوي. مصيرنا واحد.. ليس شعاراً نردده ونتغنى به، إنما هو أمر لا مفر منه، ومرحلة مجرد بقاء مجلس التعاون يفترض أننا قد انتهينا منها، والمرحلة تتطلب البحث عما هو أكبر من مجلس للتعاون، واعتقد أن الاتحاد هو الطريق الأفضل لمستقبل هذا المجلس المتجانس والمتكامل شعبياً قبل كل شيء، فهل يمكن القول إن مجلس التعاون الخليجي على أعتاب مرحلة جديدة يعتزم التحوّل اليها؟.
◄ كلمة أخيرة:
كان موقفاً رائعاً عندما دخل سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه ممسكاً بيد أخيه خادم الحرمين الشريفين إلى قاعة قصر الدرعية الذي أقيمت فيه الجلسة الافتتاحية للقمة الخليجية.
وفي ختام الجلسة خرج الزعيمان أيضا من القاعة وسمو الأمير ممسك بيد أخيه خادم الحرمين الشريفين، يتقدمان قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمتهم الـ “32”.
بعد 30 عاماً من التعاون بين المنظومة الخليجية، جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح القمة الـ “32” لقادة دول مجلس التعاون الخليجي التي تختتم اليوم بالرياض، للانتقال من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد.
هذه الدعوة تمثل مرحلة جديدة في مسيرة هذا المجلس التي بدأت في عام 1981، وهي دعوة جاء الوقت الى ترجمتها على أرض الواقع، وفق آليات واضحة، تبتعد عن الطريقة والأسلوب اللذين اتبعا خلال السنوات الماضية من عمر المجلس في تنفيذ القرارات والتوصيات