حوارات

عبد الرحمن بن حمد العطية: قطر ستقود العمل الخليجي برؤى عصرية

تستضيف الدوحة اليوم الدورة الرابعة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي بحضور أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهذه هي القمة السابعة التي تستضيفها دولة قطر منذ انطلاق المسيرة الخليجية والتي اعتادت ان تكتسب زخما جديدا في كل قمة تلتئم في الدوحة ليتجدد عطاء دولة قطر للمسيرة الخليجية.

عطاء دولة قطر للخليج امتد أيضا عبر الأمانة العامة للمجلس من خلال سعادة السيد عبدالرحمن بن حمد العطية الامين العام الأسبق للمجلس، والذي امتدت فترة عمله قرابة عقد من أبريل 2002 حتى 31 مارس 2011 شهدت فيها منطقة الخليج والعالم العربي تحولات وتحديات ومكاسب، يتوقف سعادته أمامها معنا في هذا الحوار الشامل، متحدثا عن فترة توليه الامانة العامة والأحلام التي دخل بها الى الامانة وما تحقق منها ورؤيته للوحدة الخليجية وكيفية تحقيق المواطنة الخليجية.

ويتطرق الحوار الى الاحداث التي عاصرها عبدالرحمن العطية كأمين عام لمجلس التعاون، والقادة والوزراء والمسؤولين الذي التقى بهم خلال سنوات عمله بالامانة العامة، كما يتوقف الحوار عند مواقف دول مجلس التعاون تجاه أهم قضية خليجية وعربية واسلامية وهي قضية فلسطين التي تشهد اليوم تحولات حادة في معركة التحرير وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، حيث تنعقد القمة وسط سفك الاحتلال لمزيد من الدماء الطاهرة للشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال، والذي يعاقب على مطالبته بالحرية وتحرير الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 ووقف الاستيطان الذي يبتلع فلسطين في صمت من المجتمع الدولي الذي يشرعن للحتلال جرائمه الوحشية ويدين الضحية حين تدافع عن اراضيها المسلوبة، لكن هذا الدعم لن يغير حقائق التاريخ، وكما يؤكد عبدالرحمن العطية فإنه طال الزمن أو قصر فإن المستقبل للشعب الفلسطيني ودولته المستقلة وعاصمتها القدس.

فيـمـــا يلـي تفاصيل الحوار..

 

– تنعقد القمة الخليجية في وقت تشهد فيه القضية الفلسطينية تحديات وتحولات حادة ما بين تيار التطبيع وتيار دعم صمود الشعب الفلسطيني، كيف ترى المشهد؟

التحولات والتحديات التي تشهدها القضية الفلسطينية في هذه المرحلة متعددة الأبعاد، على الصعيد الداخلي الفلسطيني تبدو جلية مشاهد البسالة الفلسطينية المتمسكة بصرامة وشموخ باهر بالحقوق المشروعة للشعب الصابر المكافح القابض على جمر الصمود وقيم النضال والوطنية بأسمى معانيها.

في الاطار الخليجي، العربي، الإسلامي، وفي أوساط كل دول العالم الداعمة لعدالة القضية تبلورت المواقف ببيانات ونداءات كسرت حاجز الصمت القديم، وحالات الجمود السياسي، فأعلنت دول عدة الإدانة بقوة لممارسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية ضد المدنيين وبيوتهم ومستشفياتهم ومدارسهم والمرافق العامة في غزة الصامدة وغيرها من المؤسسات الضرورية لحياة الناس.

على صعيد مواقف بعض الدول الكبرى التي تتشدق بحقوق الانسان فقد عرت المأساة الإنسانية في غزة مواقفها وتناقضاتها، لكن بدا واضحا أن ضغوط الرأي العام الدولي أجبرتها على الدعوة الى هدنة إنسانية في محاولة للخروج من المأزق الإنساني، وإطلاق تصريحات كلامية تدعو لحماية المدنيين.

في هذا المناخ ليس في مقدور أحد الحديث عن التطبيع السياسي الذي أشرت إليه في سؤالك لأنه يعني لدى الرأي العام العربي والإسلامي والحقوقي في هذا الوقت غض الطرف عن الجرائم والممارسات البشعة.

أما موقف الحكومات في المنطقة من التسوية فهو واضح من خلال المبادرة العربية التي أعلنت في عام 2002، وهي مبادرة لم يقابلها الاحتلال حتى الآن بإعلان إيجابي سوى ممارسة انتهاكات أوسع للحقوق الفلسطينية الإنسانية، لكن طال الزمن أ و قصر فإن المستقبل للشعب الفلسطيني ودولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

– وكيف تنظر في هذا الاطار الى اهتمام دولة قطر بالملف الفلسطيني وبدعم الشعب الفلسطيني؟

موقف دولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، يتجاوز مفهوم الاهتمام بمعناه المحدود الى اطار أوسع هو التفاعل المحسوس والملموس الذي تقترن فيه الأقوال بالأفعال، ومن هنا يكتسب الموقف القطري دلالاته وتميزه.

الموقف القطري يجمع بين وضوح الموقف المبدئي الصريح الداعم للحقوق والمندد بالجرائم الإسرائيلية في غزة وفي الوقت نفسه فموقف الدوحة الريادي يتجسد من خلال خطوات عملية أدت على سبيل المثال إلى التوصل لهدنة إنسانية، كما سعت وتسعى الدولة الى الوصول الى مرحلة يتوقف فيها سفك الدماء على طريق حل شامل.

ولعل الاشادات الدولية بمواقف قطر بشأن إطلاق أسرى من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وغيرهم تمثل أحدث دليل على نجاح سياسي ودبلوماسي غير مسبوق في تاريخ المنطقة.

– لا شك استوقفتكم براعة الدبلوماسية القطرية في الاحداث الاخيرة كيف ترون اداء قطر في هذه المرحلة؟

الدبلوماسية القطرية هي نتاج طبيعي للسياسة القطرية التي أشرت اليها، وقد أطل الدور الدبلوماسي القطري اطلالات رائعة من خلال النجاح في ابرام اتفاقات عدة شملت الملف الافغاني، والنجاح في اخراج غربيين وغيرهم من أفغانستان في ظروف صعبة، والوساطة بين واشنطن وطهران ما أدى الى إطلاق محتجزين وفك احتجاز أموال، اضافة الى ملفات أخرى خلال سنوات سابقة.

في هذا السياق يقوم رئيس الدبلوماسية القطرية رئيس الوزراء ووزير الخارجية معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بجهود فعالة أدت الى احراز نتائج إيجابية وحيوية أيضا في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، من خلال نهج حكيم وواع، وهو نهج مستمد من ركائز الرؤية السياسية لصاحب السمو أمير البلاد المفدى.

فلسطين في صدارة أولويات مجلس التعاون

– مرت القضية الفلسطينية في بداية الالفية الثانية بتحولات عاصرتها كأمين عام للمجلس خصوصا حصار ياسر عرفات ورحيله ومرور القضية الفلسطينية بتحولات عصيبة وما تبعها من اقتتال داخلي.. كيف كان دعمكم للشعب الفلسطيني من خلال الامانة العامة وتوجهات قادة الخليج في تلك المرحلة؟

في كل مراحل عملي في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي مراحل سابقة وحاليا فإن القضية الفلسطينية كانت وستبقى في صدارة أولويات مجلس التعاون.

دول المجلس جزء أصيل من الأمتين العربية والإسلامية، تشاركهما الأتراح والأفراح، بل كانت وما تزال سباقة في مجال تقديم الدعم السياسي في كل المحافل لقضية الشعب الفلسطيني، هذا إضافة الى مساهماتها في الدعم الاقتصادي الإنساني في مجالات التنمية والاعمار والاغاثة لإخوتنا في غزة الذين يحتاجون الآن الى دعم انساني واغاثي كبير ومستمر.

أدوار تاريخية وشجاعة

– سمو الأمير قام بتحرك مباشر على مستوى الخليج والعالم العربي لمنع تحول الحرب الى حرب اقليمية وللتوصل الى هدنة ووقف لإطلاق النار كيف تنظرون الى ذلك؟

الأدوار التاريخية والشجاعة لسمو الأمير تشكل مصدر فخر للقطريين والخليجيين والعرب والمسلمين وكل أحرار العالم.

صاحب السمو يدعم حقوق الشعب الفلسطيني دعما ملموسا وفي الوقت نفسه اتخذ خطوات عملية لوقف شلالات الدم عبر مبادرات أدت الى تمديد هدنة إنسانية مع استمرار جهوده في سبيل التوصل الى حل دائم يحقق الاستقرار والأمن للمنطقة كلها.

دعم صاحب السمو للقضية الفلسطينية متميز لأنه يقرن الاقوال بالأفعال.

قيادة مواكب العمل الخليجي بحكمة وحنكة

– وكيف ترى تحركات سموه لدعم وحدة الصف الخليجي ومجلس التعاون كداعم لصمود الفلسطينيين؟

أكدت أحداث ومستجدات عدة مرت بها منطقة الخليج أن صاحب السمو قائد حكيم وصاحب رؤية عصرية لكيفيات دعم العمل الخليجي المشترك وتعزيز التعاون بين دول المجلس في أصعب الظروف والمحكات التي شهدتها العلاقات الخليجية – الخليجية.

وها هي قمة الدوحة الخليجية تأتي لتشكل دليلا جديدا على أن سمو الأمير الذي سيقود مواكب العمل الخليجي المشترك خلال هذه الفترة بحنكته وحكمته المعهودة سيضيف حيوية لعمل المجلس من خلال نبض شبابي يتوق دوما للتحديث والتطوير وارتياد آفاق الإنجازات من خلال مسيرة جماعية.

العمل الجماعي هو ما أدى الى تشكيل مجلس التعاون في 25 مايو 1981، والعمل الجماعي في عالم اليوم هو شرط من اهم شروط نجاح أي تكتل إقليمي أو دولي.

في سياق هذه القناعة أرى أن قمة الدوحة الخليجية الحالية ستشكل نقطة تحول في تاريخ دول المنطقة، إذ إن كل القمم الخليجية التي عقدت في دولة قطر قدمت إنجازات غير مسبوقة في تاريخ مجلس التعاون.

أرى أيضا أن دول الخليج في أمس الحاجة خلال هذه المرحلة المهمة الى أن تشهد خطوات جديدة كنتاج لقرارات قمة الدوحة المتوقعة نحو ادخال إصلاحات شاملة في مجلس التعاون، سواء بالسعي نحو تحديث دعم وتطوير مجالات عمل الأمانة العامة وصلاحياتها، مع ضرورة إعطاء اهتمام أكبر لنبض الشعوب التي تتطلع الى إنجازات أكبر وهي ترى أن ما تحقق لا يلبي طموحاتها، وخصوصا طموحات جيل الشباب من البنين والبنات.

صباح الأحمد شخصية فذة

– إذا تحدثنا عن مسيرتكم في أمانة مجلس التعاون ولنبدأ من وشاح الكويت من الدرجة الممتازة الذي منحه لكم سمو الشيخ صباح الأحمد والذي توج مسيرة ممتدة من العطاء في مجلس التعاون.

أولا أقول إن الراحل الشيخ صباح الأحمد رحمه الله رحمة واسعة كان قياديا كبيرا وشخصية فذة ومتعددة الصفات، سواء في الجوانب القيادية أو الإنسانية الشخصية، وقد ربطتني به علاقة احترام عميق الجذور ومودة متبادلة.

أما الوشاح الكويتي فقد كان دليلا على تقدير دولة الكويت لدوري، وأنا أعتز به، وبعلاقتي مع الكويتيين كما أعتز بعلاقتي مع اخوتي الخليجيين في دول المجلس الست.

تحديات ومكاسب

– ماذا تعني لك هذه السنوات التي قضيتها في امانة مجلس التعاون وخدمة العمل الخليجي والعربي المشترك؟

تلك السنوات حفلت بالكثير من التطورات والتحديات والمكاسب، وعموما دول المجلس وشعوبها والمراقبون لفترة عملي هم من يحكمون على أدائي، ولست أنا من يقيم عمل نفسه وان كنت راضيا عن أدائي، وما قدمته من عطاء وجهد.

أقول باختصار إن سنوات عملي قوبلت بتقدير القادة والشعوب، وانا سعيد بما تلقيته وأتلقاه حتى الآن من تقدير وإشادات في كل المستويات الرسمية والشعبية.

وجدت الدعم من القيادة القطرية

– معاليكم توليت امانة التعاون من الامين العام الاسبق جميل الحجيلان ولمس العاملون نهجا مميزا ادخلته على الاداء في امانة التعاون ما الذي ركزت عليه خلال سنوات عملك بالأمانة العامة؟

أولا أقول إن معالي الأستاذ جميل الحجيلان رجل صاحب تجارب ثرية وكان قد تولى موقع الأمين العام في توقيت دقيق وصعب وبذل جهوداً كبيرة في عمله، وهو محل تقديري واحترامي.

أما نهجي في الأمانة العامة فإن لكل انسان بصماته، وهكذا ما ينبغي ان يكون عليه الحال في أي مكان وزمان إذا أردنا أن نواكب روح العصر وتطوراته في الميادين كافة.

أشير الى أن الأمانة العامة لمجلس التعاون بالأمس واليوم وغدا تتأثر بالمناخ السائد بين دول المجلس، وهو مناخ إيجابي حالياً ومبشر بإنجازات جديدة للشعوب، وأحمد الله الذي وفقني خلال فترة عملي بأن وجدت دعماً من القادة، وكان دعم القيادة القطرية متميزاً وفعالاً وحاسماً لكثير من الملفات.

حلم الوحدة الخليجية لم يمت

– دخلتم أمانة التعاون بحلم الوحدة الخليجية والعملة الموحدة ماذا تحقق ولماذا توقف الحلم؟

حلم الوحدة الخليجية لم يمت ولن يموت ما دام هناك نبض للقادة والشعوب يتوق الى الوحدة التي تعني في رأيي التكامل في أرفع مستوياته وتحقيق مصالح الشعوب وتعزيز مسيرة العمل الجماعي والتأثير الإيجابي في مسارات السياسات الدولية التي تستغل حالات الفرقة والشتات وتخشى وحدة الصف التي تنتصر لمصالح شعوبنا وتطلعاتها الكبرى.

وأرى أن سقف تطوير التعاون بصدق النيات وتوحيد الرؤى سيؤدي الى ما تحلم به شعوب المنطقة، ولا يهم شكل الوحدة، بل مضمونها وكيفية تحقيق الأهداف الاستراتيجية عبر العمل الجماعي المدروس الذي يحترم تعددية الرؤى والاجتهادات الوطنية في مجال الإصلاحات كافة ومصالح الجميع.

الأمير الوالد قدم الكثير للخليج

– عاصرت مؤتمرات القمة الخليجية منذ تأسيس المجلس وشاركت في معظمها.. ما الذي أضفته في المنظومة الخليجية وماذا كانت توجيهات سمو الأمير الوالد لك في هذه المرحلة؟

القمم الخليجية كانت وستظل تواصل البحث في ملفات قضايا البيت الخليجي والعالمين العربي والإسلامي والعلاقات مع التكتلات الدولية وقضايا عدة.

انعقاد القمم الخليجية دليل توجه نحو تعميق العمل المشترك، والقمم الخليجية ساهمت في تحقيق مكاسب عدة للمواطن الخليجي من أهمها التأكيد على وحدة الهدف والمصير، لكن المواطن الخليجي ليس راضيا عن مستوى الإنجازات في مجالات عدة لأنه يعتقد – وهو على حق- أنه كان يمكن أن يحقق مجلس التعاون إنجازات أكبر، وهذا من أبرز التحديات التي تواجه مجلس التعاون.

أما بشأن توجيهات صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني فقد كانت تركز على أهمية العمل الجاد في سبيل دعم مسيرة العمل الخليجي المشترك، إذ إنني كنت أمثل دولة قطر في موقع الأمانة العامة والدول الست ولم أكن أمثل نفسي.

صاحب السمو الأمير الوالد قدم الكثير من الدعم لمسيرة مجلس التعاون وهو قائد إصلاحي وسعى لإضفاء روح حيوية جديدة على عمل المجلس عبر مبادرات عدة.

في هذا الإطار أحيي صاحب السمو الأمير الوالد وهو الذي شرفني بقرار اختياري أمينا عاما للمجلس، وأن أي نجاح حققته لمسيرة المجلس وقف وراءه داعماً صاحب السمو الأمير الوالد، وبهذا المعنى فإن أي مكسب حققته فهو انجاز لدولة قطر ولصاحب السمو وللقادة وللشعوب في دولنا الست.

قائد شاب يتسم ببعد النظر

– خلال وجودكم في امانة التعاون عاصرتم دخول وجوه جديدة الى المشهد الخليجي.. صف لنا تقديرك لدخولها للساحة السياسية ولنبدأ بدولة قطر مع تولي صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ولاية العهد في ٢٠٠٣ وإسناد سمو الأمير الوالد له الكثير من المهام خصوصا ما يتعلق بدعم العمل الخليجي من جانب سموه؟

دول مجلس التعاون تشهد تجديداً في مجالات عدة، ويشمل ذلك دخول دماء شبابية إلى ساحات القيادة والحكم، وأعتقد بأن هذا تطور من أبرز وأهم تطورات المرحلة.

تولي سمو الأمير الشيخ تميم مقاليد الحكم شكل حدثاً تاريخياً كبيراً، إذ انه قائد شاب يتسم بسمات عدة، بينها الحيوية السياسية وبعد النظر واستيعاب مقتضيات العصر، وفي الوقت نفسه فهو يحرص على معادلة الأصالة والمعاصرة، وهذا جانب مهم جدا، إذ إنه ينطلق من أرضية ثقافة الوطن وتقاليده الإيجابية إلى رحاب التعاون الدولي بأوسع معانيه.

في هذا الإطار فإن سموه يدعم بقوة العمل الجماعي الخليجي، وهو يحرص على أن يتطور أداء المجلس من خلال تفعيل آليات العمل والإصلاح للجوانب التي تحتاج الى إصلاحات.

 لنتعلم من دروس سابقة

– توليت امانة مجلس التعاون من ٢٠٠٢ الى ٢٠١١ وهي السنوات الصعبة التي اتسمت بعدم الاستقرار السياسي والعواصف من حول الخليج بدءا من العراق الذي انهار في ٢٠٠٣ انتهاء بالثورات العربية وما عرف بالربيع العربي كيف رأيت هذه الاحداث ولنبدأ من العراق ان شئت؟

الحمد لله أن دول مجلس التعاون تجاوزت مرحلة الأزمة الحادة في العلاقة مع العراق، وأرى أن العراق دولة مهمة وحيوية وكبيرة في المنطقة، وهناك ضرورات لتعزيز العلاقات بين دول المجلس والعراق.

وأعتقد بأنه توجد فرص مهمة للتعلم من دروس مرحلة سابقة توترت فيها العلاقات بين دول المجلس والعراق، والأهم أن الكويت استعادت سيادتها كاملة، وهذا نجاح للجميع.

ونريد دائماً ما هو أفضل لاستقرار المنطقة العربية وازدهارها.

في عين العاصفة

– كيف أدرت دفة العمل الخليجي والعراق في عين العاصفة حتى حدوث الغزو الامريكي للعراق في مارس ٢٠٠٣؟

كانت تلك مرحلة من أكثر المراحل اضطرابا التي شهدتها المنطقة، وكان لا بد من استمرار العمل الخليجي المشترك للتفاعل مع الأحداث وتطوراتها، وهذا ما جرى بالفعل.

دول المجلس حافظت على تماسكها

– ما الفاتورة التي تحملتها دول الخليج نتيجة سقوط بغداد؟

المنطقة كلها عاشت مرحلة صعبة، وليس دول مجلس التعاون فقط، وتداعيات الحدث شملت العالم كله، لكن دول المجلس حافظت على تماسكها ووحدة موقفها في أصعب الظروف.

دعوت لحوار خليجي إيراني

– علاقة المنظومة الخليجية بإيران ظلت حبيسة ديباجة معروفة ومكررة في بيانات القمم الخليجية سنوات الى ان جاء زلزال بم في ٢٠٠٣ ديسمبر وكنتم بصدد القمة الخليجية هل رأيت انه آن الاوان للغة اخرى مع ايران تركز على التنمية والتعاون لما فيه استقرار الخليج وماذا كانت ردود الفعل الخليجية على الرغبة القطرية في الحوار الخليجي مع ايران خصوصا مع وصول احمدي نجاد الى الرئاسة ودعوته الى مخاطبة القمة الخليجية في 2007؟

خلال فترة عملي في مجلس التعاون دعوت إلى حوار خليجي إيراني، وكنت وما زلت أعتقد بأن لا أحد في مقدوره في المنطقة تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا.

أدعو دوما الى التفاهم والتعاون والتنسيق الإيجابي بين دول مجلس التعاون وإيران استنادا الى قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

دعم لبنان لتجاوز أزماته

– اذا تحدثنا عن لبنان في اثناء شغلكم لمنصب الامين العام نجد انه في ٢٠٠٥ كانت بداية الصراعات في لبنان باغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق وما تبعه من انفتاح لبنان على ازمات لم تنته حتى الآن وما تبعها من حرب ٢٠٠٦، كيف كان اداء الامانة العامة تجاه لبنان في ظل عدم وحدة الرؤية الخليجية او تباين المواقف تجاه لبنان؟

دول مجلس التعاون كانت وما زالت تدعم استقرار وأمن لبنان، ورغم تباين مستويات العلاقة أحيانا بين بعض دول المجلس ولبنان فإن دول المجلس تدعم أي جهد يؤدي الى استقرار لبنان، إذ إن تاريخ المنطقة أكد أن أمن دول المجلس يتأثر بمدى ثبات أو اضطراب الوضع اللبناني.

وهناك مبادرات خليجية سعت منذ سنوات لتعزيز العلاقات بين الفرقاء اللبنانيين، وأشير هنا الى اتفاق الطائف في 30 سبتمبر 1989، ثم اتفاق الدوحة بين القوى السياسية اللبنانية في 21 مايو 2008.

دروب الاستقرار بيد الفرقاء

– الصومال ومجلس التعاون هل نعترف بعجز المنظومة الخليجية عن الوقوف برؤية موحدة مع الشعب الصومالي خصوصا مع اندلاع حرب الصومال في ٢٠٠٦ وحالة الفوضى التي ما زالت تعصف بالصومال؟

دول المجلس اهتمت بالوضع الصومالي، ودعمت الصومال، لكنني أعتقد أن الفرقاء الصوماليين والفرقاء في أي بلد هم من يفتحون أولاً دروب الاستقرار والتلاقي والمصالحة الوطنية، أي ان الدور الخارجي الايجابي مكمل وداعم لجهود التسوية في أي بلد.

السودان عمق إستراتيجي

– السودان بند رئيسي على مجلس التعاون كيف تعاملتم مع ازماته المتلاحقة وغير المتوقفة سواء انفصال جنوب السودان في 2011 او نزاع دارفور الذي اندلع في 2003، وما بعده من ازمات انهار معها السودان وهل فعلا ترجمت دول الخليج شعار ان السودان والصومال عمق أمني مهم لاستقرار الخليج؟

لعبت دول المجلس أدوارا داعمة للسودان في مجالات سياسية واقتصادية وغيرها، وسعت الى دعم استقرار السودان خلال سنوات مضت.

علاقتنا بالسودان قديمة وللسودانيين حضور ووجود فاعل في كل دول مجلس التعاون منذ تاريخ قديم.

أما بشأن الأوضاع المضطربة في السودان فإن السودانيين – وأعني القيادات – هم المسؤول الأول عن إطفاء الحرائق ومعالجة مصدر الأزمات من أجل مصالح الشعب.

السودان عمق استراتيجي للخليج والعالم العربي والعكس صحيح، وفي استقرار السودان والصومال دعم لاستقرار المنطقة.

أولويات الشعوب تختلف

– اذا توقفنا معك أمام سنة 2010 وتحديداً ديسمبر منها مع اندلاع الثورة التونسية ضد الحكومة وتضامن الشعب مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده تعبيرًا عن غضبه على بطالته.. كيف رأيت بداية ثورات الشعوب على الانظمة وهل شعرت بقلق على الخليج وما الذي جعل الخليج بمأمن من هذه الانتفاضات؟

أولويات الشعوب في المنطقة تختلف، والأوضاع في الخليج رغم تباين مناخاتها من بلد لآخر فهي مستقرة بالمقارنة بأوضاع دول أخرى.

اليمن كان من أولوياتي

– الوضع في اليمن كان هاجسا لدول الخليج ولمجلس التعاون خاصة حين ازدادت حدة مطالب «الحراك الجنوبي» بالانفصال واستمرت الهدنة الهشة مع الحوثيين في الشمال هل كنا مقصرين مع الشعب اليمني؟ ولِمَ لمْ تتوحد الكلمة الخليجية تجاه اليمن؟ وهل كانت المبادرة الخليجية التي طرحت في 2011 – في آخر عهدك بالأمانة العامة للمجلس – كافية لعلاج ازمات اليمن؟

اليمن كان أولوية من اولوياتي، وزرت صنعاء والتقيت القيادات هناك، ودعت دول المجلس الى تعزيز سعي العلاقات مع اليمن، وكنت أتمنى أن يرتفع سقف التعاون الى مرحلة نشهد فيها انضمام اليمن الى مجلس التعاون.

الأحداث أكدت وتؤكد حاليا أن في استقرار اليمن وقوته استقرارا وقوة لدول مجلس التعاون وأن اضطراب أوضاعه يصيب الجميع بعدم الاستقرار.

أحترم تطلعات الشعوب

– ماذا شكل لك انهيار النظام السابق في مصر والتي وصفها يوسف بن علوي في قمة مسقط 2010 بأنها عكاز الخليج؟

ثورة الشعب المصري كانت تعبيرا عن ارادته وتطلعاته للحرية، وانا احترم تطلعات الشعوب.

– هناك اسماء وقادة خليجيون عاصرتهم خلال عملك في مقدمتهم الملك فهد والشيخ صباح الاحمد والملك عبد الله بن عبد العزيز والسلطان قابوس بن سعيد، كيف كان دعمهم لدورك؟

كل هؤلاء القادة رحمهم الله رحمة واسعة دعموا عملي ومسيرة العمل المشترك، وفي لقاءاتي معهم لمست تطلعهم وسعيهم الى ان يحقق المجلس مزيدا من الإنجازات.

هؤلاء تلقيت منهم رؤى إيجابية

– كيف كانت لقاءاتكم مع وزراء الخارجية في دول المجلس خصوصا مع معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وسمو الأمير سعود الفيصل رحمه الله ومعالي يوسف بن علوي.

لقاءاتي مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون جميعاً كانت لقاءات عمل مثمرة وحيوية، وتلقيت منهم كثيرا من الرؤى الإيجابية، فوزراء الخارجية هم من يضعون خارطة الأولويات ويصيغون المواقف ويحددون الخطوط العريضة لمسارات العمل، لقد وجدت لدى هؤلاء الوزراء الموقرين دعما ومساندة كما وجدتها من نظرائهم الآخرين.

التعلم من تجاربنا

– ما الذي ينقص مجلس التعاون ليحقق المواطنة الخليجية ويصبح مثل الاتحاد الاوروبي؟

محتاجون الى مراجعة الخطى للتعلم من تجاربنا ومحتاجون الى مزيد من الإرادة السياسية وخطوات عملية لتحقيق المواطنة الخليجية بأفضل صورها ونتائجها.

لا سقف للأحلام

– بعد التنقل بالبطاقة الخليجية هل ما زلت تحلم بالريال الخليجي الموحد؟

لا سقف للأحلام والتطلعات الكبيرة إذا تكاتفت الجهود وتوحدت الرؤى أكثر من أي وقت مضى وواصلنا مسيرة العمل الجماعي المواكب لروح العصر.

الإعلاميون أصدقائي

– انت محب للإعلام، ولكن بصراحة هل سبب لك صداعاً في امانة المجلس؟ وهل كان المطلوب ترشيد الاداء الاعلامي حفاظا على وحدة المجلس؟

الاعلاميون كانوا وما زالوا أصدقاء أعزاء، واعتز بعلاقاتي مع عدد من الصحفيين في دول عدة.

لن ينجح أي مسؤول في أي موقع اذا تعالى على الإعلاميين، أو أغلق مكتبه أمامهم أو أحاط عمله بسياج مانع، سيكون المسؤول في هذه الحالة هو الخاسر الأكبر، لأنه بالتقوقع والانكفاء داخل مكتبه سيضرب الشفافية المطلوبة وحق الناس في معرفة المعلومات الضرورية والعادية وليس الأسرار.

بعض المسؤولين في منطقتنا وعالمنا العربي لا يفرقون بين أهمية تدفق المعلومات كحق للشعوب لتشكيل رأي عام يدعم أعمالهم وأي جهد إيجابي وبين ما يعتقدون بأنه أسرار، وهي في أوقات كثيرة ليست أسرارا في عالم اليوم الذي بات فيه المواطن إعلاميا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا معناه أن من الأفضل تمليك الناس الحقائق بدلا من ترك المجال واسعا للشائعات.

صحيح أن عمل الأمانة العامة ليس كله للنشر لكن كانت وما زالت علاقاتي مع عدد من الإعلاميين يسودها احترام متبادل، ويسعدني أن احييهم واشكرهم على دعم مسيرة عملي في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x