مدير متحف الفن الإسلامي: الشيخة المياسة تكرس جهودها لإثراء الثقافة والفنون في المجتمع
برامج احتفالية بالذكرى العشرين لتأسيس المتحف تستمر حتى عام 2028.. ومسابقات وبرامج مشتركة مع وزارات الأوقاف والتعليم والتنمية الاجتماعية

منذ افتتاحه عام 2008، لم يتوقف متحف الفن الإسلامي، عن أداء رسالته في وصل الماضي بالحاضر، وتقديم الإسلام في صورته الحضارية الراقية، التي تنبض فناً ومعرفة وإنسانية، كمعلم تاريخي بارز، بكل ما يضمه من مقتنيات نادرة ومتفردة.
وتحت قيادة سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، خطا المتحف خطوات راسخة نحو ترسيخ مكانته كإحدى أهم المؤسسات الثقافية في المنطقة والعالم، من خلال رؤيته التي تجمع بين الحفاظ على التراث الإسلامي وتقديمه في أطر معاصرة تخاطب أجيال الحاضر والمستقبل.
وبمرور الأعوام، تحول المتحف إلى مركز نابض بالحياة، لا يقتصر دوره على عرض المقتنيات والتحف النادرة، بل يتجاوز ذلك ليصبح فضاءً للحوار والتجريب الفني والتعليم والبحث العلمي، وملتقى للفنانين والباحثين والجمهور على اختلاف اهتماماتهم.

وترصد السيدة شيخة النصر، مدير متحف الفن الإسلامي، آفاق الرؤية المتجددة لهذا الصرح الثقافي العريق، حيث تتناول المراحل التي مر بها المتحف منذ تأسيسه، وأبرز برامجه المجتمعية، وشراكاته المحلية والدولية التي أسهمت في ترسيخ حضور الدوحة على الخريطة الثقافية العالمية.
وتكشف عن طبيعة المجموعات الفنية التي يضمها المتحف، وإستراتيجيته في دمج التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في خدمة الفنون الإسلامية، ليبقى المتحف شاهداً على أن التراث ليس ماضياً يعرض في قاعات مغلقة، بل روح متجددة تلهم الحاضر وتصوغ المستقبل.
وتخلل الحوار، جولة في هذا الصرح العريق، حيث تتقاطع دروب الحضارات وتتعانق الرؤى الثقافية بين الماضي والمستقبل، ما يعكس أهمية المتحف، كأيقونة معمارية وفكرية، تجسد روح الهوية القطرية في بُعدها الإنساني الكوني، وتستعيد من عمق التاريخ سيرة الجمال الإسلامي في أصفى تجلياته.
هذه الخصائص جعلت المتحف يشكل منارة للحوار الثقافي والتبادل المعرفي بين الشعوب، ومركزاً حياً يروي عبر مقتنياته الفريدة حكاية حضارة عريقة، ويضيء للعالم مسارات الإبداع الإنساني في الفن والعلم والفكر.

◄ منذ افتتاح متحف الفن الإسلامي في عام 2008، وهناك العديد من المحطات التي مر بها المتحف، فما توصيفكِ لهذه المحطات، وخاصة من حيث مسيرته، ومقتنياته؟
بداية، أثمن قيادة سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، لهذه المؤسسة العريقة، حيث تكرس سعادتها جهودها لإثراء الثقافة والفنون في المجتمع.
وكما هو معروف، فإن متحف الفن الإسلامي منذ افتتاحه عام 2008، وهو يشهد العديد من الانجازات، على مختلف المستويات الثقافية، فضلاً عن إبراز الحضارة الإسلامية للزوار، من خلال تنظيمه للعديد من المعارض والبرامج، التي تستقطب فئات مختلفة من الجمهور.
ووصلنا إلى مرحلة متقدمة للغاية من النجاح من حيث تنظيم عدد كبير من البرامج، ولا تزال المسيرة مستمرة في أن يظل المتحف مركزاً حيوياً يستقبل فئات مختلفة في المجتمع، ليستمر دوره كمركز للحوار بين الثقافات عبر الفن الإسلامي، ومركزاً للإبداع والإلهام.

• ثقافة المتاحف
◄ في هذا الإطار، ربما تكون ثقافة المتاحف، من الظواهر الجديدة في المجتمع، فما رؤيتكِ لدور المتحف في تعزيز تفاعل الجمهور والمجتمع، من حيث الزيارات الموجهة إليه؟
ننظر إلى المتحف الإسلامي إلى كونه أكثر من مجرد متحف، وإن كان من أهم وظائفه عرض المقتنيات للجمهور، بالإضافة إلى تنظيمه لبرامج متنوعة خارج سياقه، على نحو ما يعكسه تصميم المتحف ذاته، من وجود قاعات للعرض الدائمة، وأخرى مؤقتة، بجانب مطعمه بإطلالته المميزة، فضلاً عن القاعة السينمائية التي يضمها، علاوة على حديقة المتحف.
ونستثمر كل هذا الفضاء، بتنظيم فعاليات متنوعة، تستقطب فئات جماهيرية مختلفة، ليسوا من المهتمين بالفن الإسلامي فقط، ولكن بحرصنا على الانفتاح على الجميع، فإننا نستقطب الجمهور لفعاليات أخرى، على غرار الفعالية التي استضافها المتحف لمشاهدة ظاهرة خسوف القمر، واستقطب المتحف على إثرها آلاف الزائرين.
لذلك، ليس بالضرورة أن يكون زائرو المتحف من أصحاب الاهتمام بالفن الإسلامي، بقدر ما هنالك زوار آخرون، لديهم اهتمامات مختلفة، على نحو تنظيم المتحف لـ «للبازار» التجاري، الذي يستقطب جمهوراً متنوعاً.
كما يحرص المتحف على التعاون مع مختلف جهات الدولة المعنية، مثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، بالإضافة إلى التعاون مع قوة الأمن الداخلي (لخويا)، بتنظيم معسكر «التحدي»، الذي تخرج منه قرابة 150 طالباً، تعلموا مهارات مختلفة، منها الدفاع عن النفس، والحوار، والخط العربي، وتعريفهم بالحضارة الإسلامية. لذلك، نعمل على دمج الحضارة الإسلامية في برامج متنوعة. وإن كان أساس وظيفة المتحف هو إبراز الفن الإسلامي، إلا أننا نتفرع منه إلى عدة برامج أخرى، ولذلك نجحنا خلال الفترة الأخيرة، في استقطاب طيف واسع من الجمهور عبر هذه الإستراتيجية.

• تنوع الزائرين
◄ الواقع يعكس تنوعاً لافتاً بين جمهور الزائرين، إذ إنه من خلال جولتنا بالمتحف، شاهدنا تنوعاً في طبيعة الزوار من فئات مختلفة، ما بين كبار القدر، إلى الشباب وغيرهم، فهل هذا التنوع من داخل قطر، أم أن هناك زيارات أخرى من خارج الدولة، تفد إلى الدوحة خصيصاً لزيارة المتحف ؟
المتحف يشهد تنوعاً في شرائح وفئات زواره، فهناك ما يقارب من 60 % من زواره، من السكان المحليين، والبقية من أنحاء مختلفة من العالم، أكثرهم من أمريكا وبريطانيا والهند، جميعه يقصد زيارة المتحف ، ومنهم زوار «الترانزيت»، والذين يقصدون المتحف كمقصد أساسي لهم، فيقومون بزيارته، ثم يتجهون مرة أخرى إلى المطار لمغادرة البلاد، لاستكمال وجهتهم.
• مقصد سياحي
◄ هل هذا يعني أن المتحف الإسلامي مقصد سياحي وأثري عالمي، يستهدفه الزوار من مختلف دول العالم؟
صحيح، فالمتحف يعد من أهم المعالم الثقافية في الدولة، وكذلك من أهم المتاحف التي تتناول الحضارة الإسلامية، بفضل المجموعة التي يضمها، والتي تعد أيضاَ إحدى أهم المجموعات الإسلامية التي تضمها المتاحف الإسلامية على مستوى العالم.
◄ هل يمكننا القول إننا وصلنا إلى تطبيق أحد أنماط السياحة، بأن تكون لدينا سياحة المتاحف، على غرار السياحة الثقافية والرياضية، وغيرهما من الأنماط السياحية؟
قد أصبحنا أمام هذا النمط السياحي، بعدما لاحظنا أن هناك عدداً كبيراً من السائحين يزورون الدوحة خصيصاً لزيارة متاحفها، وتفقد مقتنياتها ومجموعاتها الثرية والمتفردة، مما يعكس أن الدوحة عاصمة ثقافية عالمية، بفضل ما تتمتع به من متاحف.

• طبيعة المقتنيات
◄ ما الفترة الزمنية التي تنتمي إليها مقتنيات المتحف الإسلامي؟
مجموعة المتحف تنتمي ابتداءً من القرن الثاني عشر، إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وتتنوع بين مناطق جغرافية متعددة، من الأندلس ، إلى الصين، كما تتباين نوعيتها أيضاً من سجاد ومجوهرات، وسيراميك، وأخشاب، إلى غير ذلك من مقتنيات متفردة.
◄ هل يتميز المتحف الإسلامي باقتناء مجموعات متفردة، غير موجودة في غيره من متاحف العالم، لاسيما التي تعرض تحفاً إسلامية؟
نعم، فلدينا عدد نادر جداً من المقتنيات المتفردة، التي لا مثيل ولا نظير لها في المتاحف الأخرى بدول العالم، لذلك، فإن كثيرا من الخبراء يقومون بزيارة المتحف، لإجراء بحوث ودراسات على هذه المجموعات.
كما لدينا برنامج استعارات عالمي، يطلب من خلاله عدد غير قليل من متاحف العالم باستعارة مقتنيات متحف الفن الإسلامي، وكانت لدينا خلال هذه السنة إعارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومتحف اللوفر في باريس بفرنسا، كما أقمنا معرضاً للسجاد في هونج كونج مؤخراً.
• شراكات دولية
◄ وماذا عن الشراكات الدولية، لتعزيز التعاون بين المتحف الإسلامي، والمؤسسات العالمية المختلفة؟
لدينا العديد من الشراكات على مستوى العالم، منها المشاركة في مبادرة الأعوام الثقافية، والتي تطلقها متاحف قطر في كل عام، لتقوم بالتبادل والتعاون الثقافي مع إحدى الدول الشريكة لها، ففي السنة الماضية، كان العام الثقافي مع المملكة المغربية، وقمنا خلالها بتنظيم أربعة معارض.
كما هناك تعاون آخر، مع عدة متاحف عالمية، ففي هذه السنة كان لدينا تعاون مع متحف القصر في هونج كونج، باستضافته لمعرض «عجائب السجاد الإمبراطوري: روائع من متحف الفن الإسلامي بالدوحة»، لنشر الثقافة الإسلامية، والتوعية بعراقة الحضارة الإسلامية.
كما شكل المعرض فرصة كبيرة لتعريف الزائرين بدولة قطر، وتشجيعهم على زيارتها، وهناك من الزائرين من أبدى رغبته في استضافة معارض للفن الإسلامي في متاحفه، ولذلك سنطلق خلال هذه السنة جدولاً لمعارض متنقلة في العديد من دول العالم، لنشر الثقافة والحضارة الإسلامية للزوار، وتقديمها بنمط غير تقليدي، وذلك بالتركيز على الجانب الثقافي، وذلك بالتعاون مع الدول المستضيفة.
ومن خلال عرض متحف الفن الإسلامي لهذه الروائع الفنية لجمهور جديد، فإنه يحرص على تعزيز التفاهم بين الثقافات، وإبراز الأهمية الدائمة للتراث الفني الإسلامي على الساحة العالمية.

• تعاون محلي
◄ في ظل حديثكِ عن الشراكات الدولية، وبالمقابل، عبر المستوى المحلي، هل هناك شراكات مع جهات أو مؤسسات بعينها، لتعزيز التعاون المشترك، بهدف التوعية بزيارة المتحف، والتعريف بمقتنياته؟
لدينا العديد من أشكال التعاون، كما سبق وأشرت، مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومن أبرز أشكاله مسابقة «الرقيم»، والتي تم إطلاقها خلال شهر فبراير الماضي، وتعتبر إحدى أبرز المسابقات للخط العربي على مستوى العالم، من حيث الجوائز، والمشاركين، وستقام على كل عامين.
كما لدينا تعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، على نحو التعاون المشترك في فعالية «يوم الأسرة»، بالإضافة إلى تعاون مماثل مع مركز رعاية الأيتام «دريمة».
وتعتبر وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، شريكاً دائماً لنا، حيث هناك العديد من أشكال التعاون معها، لاسيما في إطار البرامج التي ينفذها المتحف، لإشراك الطلاب، مثل التعاون في مسابقة «ارسم»، والموجهة لطلاب المرحلة الابتدائية.
وهذه المسابقة، حققت نجاحاً لافتاً، حيث يستوحي الطلاب أعمالهم الفنية من المجموعات الفنية التي يضمها المتحف، وسيتم لاحقاً تنظيم معرض لعرض أعمالهم، وتكريمهم.
كما لدينا تعاون آخر مع وزارة التربية، من خلال برنامج «سفير المتحف»، والذي يشهد تفاعلاً لافتاً من جانب الطلاب، ويستهدف تعريفهم بالحضارة الإسلامية بطريقة تفاعلية، بعيداً عن الطرق التقليدية.
• ثقافتنا بالمناهج
◄ في إطار التعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، لتضمين الثقافة المتحفية بالمناهج التعليمية، إلى أي حد ترين أهمية هذا التوظيف كأحد أشكال نشر الوعي بثقافة المتاحف؟
لقد تم ذلك بالفعل، حيث أصبحت الثقافة المتحفية جزءاً من المناهج التعليمية، الأمر الذي سيكون مفيداً وداعماً لنشر ثقافة المتاحف بالمجتمع.
ومن جانبنا، قمنا بإعداد كتيب للتعريف بالمتحف، لتوزيعه على كافة المدارس، مع تنظيم جولات خاصة لتعريف الطلاب بالهندسة الزخرفية والعمارة الإسلامية، التي تضمها مناهجهم الدراسية، ما يعزز نشر الوعي بأهمية ثقافة المتاحف.

• تعاون خليجي
◄ وعلى الصعيد الخليجي، ما مدى انفتاح متحف الفن الإسلامي على أشكال التعاون المختلفة مع المتاحف الخليجية؟
هناك العديد من أشكال التعاون مع متاحف خليجية، إذ جرى قبل شهر تقريباً، توقيع اتفاقية مع متحف عمان عبر الزمان، كما سيتم عرض مجموعة من معروضات متحفنا في متحف اللوفر في أبوظبي بدولة الإمارات، من خلال التعاون المشترك، وذلك مع بداية العام المقبل.
كما لدينا تعاون مع بينالي الفنون الإسلامية 2025، الذي افتتح يناير الماضي في مدينة جدة بالسعودية، وعرض متحفنا كنوزاً أثرية بديعة، اختيرت كل منها بعناية لتعكس موضوع البينالي وهو الأرقام، لتصور تميز الفن الإسلامي في الرياضيات والعلوم، حيث يتميز متحفنا بشهرة عالمية لامتلاكه مجموعة استثنائية في هذا السياق، كونه مؤسسة رائدة مكرسة للحفاظ على التراث الفني الغني للعالم الإسلامي وعرضه، وسيكون لنا مشاركة أكبر في هذا البينالي، خلال نسخته القادمة.
• حُلة المتحف
◄ قبل ثلاث سنوات تقريباً، ارتدى المتحف الإسلامي حُلة جديدة، بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيسه، فما الذي أضافته هذه الحُلة لهذا الصرح العريق؟
هذا المشروع، كان ضخماً للغاية، إذ عملنا عليه، لمدة ست سنوات، أغلقنا خلالها المتحف لمدة عامين، إلى أن تم إعادة افتتاحه في 2022، وكان ذلك قبل انطلاق كأس العالم، وهو ما شكل لنا تحدياً كبيراً.
وقبل إطلاق المشروع، خضع المتحف للعديد من البحوث والدراسات، حيث كان الزوار يبدون انبهارهم بما يضمه من قطع متحفية، غير أنه كان يعوزها المعلومات والتفاصيل عن الحضارة الإسلامية، لمحدودية المعروضات، لذلك قمنا بإعادة سرد محتوى العرض المتحفي، بتوفير محتوى ثري، يتضمن التاريخ الإسلامي لكل قطعة معروضة، وأهميتها من حيث تاريخها، وملاكها، فضلاً عن أهميتها وقيمتها التاريخية.
كما تم توفير محتوى تفاعلي، من حيث الصوت، بتقنية متزنة، بالإضافة إلى عرض اللوحات الإرشادية، وكل هذه التحديثات، لم يكن هدفها تجميل المتحف في حد ذاته، لأنه يتميز بجماليات متفردة، كونه متميزا بالأساس، لذلك اقتصر المشروع على تطوير سيناريوهات العرض المتحفي، لتكون تجربة الزائر تجربة مثرية، يتعرف خلالها على الحضارة والفنون الإسلامية.
◄ مع إشارتكِ لإجراء البحوث والدراسات، ما هي العلاقة التي تربط المتحف بمراكز الأبحاث المختصة في هذا المجال؟
لدينا العديد من أشكال التعاون مع مراكز بحوث، وسيتم لاحقاً الإعلان عن التعاون مع إحدى الجامعات الإيطالية بشأن إحدى المخطوطات، لإجراء بحوث مكثفة عنها.
وهناك العديد من الباحثين ممن يزورون المتحف، يقومون بإعداد بحوث مكثفة عن مقتنيات المتحف، سواء من جامعات هارفارد أو أكسفورد، أو غيرهما. كما أن مجموعة الفن الإسلامي غالباً ما تكون متوفرة في منشورات وأبحاث مثل هذه الجهات العالمية.

• مكتبة المتحف
◄ في هذا السياق، ما الذي يوفره المتحف لدعم هذه البحوث، سواء من حيث الكتب أو المراجع المتخصصة؟
من جانبنا، نوفر عدة مصادر لدعم مثل هذه المشاريع البحثية، حيث نقوم باستضافة الباحثين، وتهيئة الظروف المناسبة لإطلاعهم على المقتنيات، وكذلك من خلال معمل الترميم، والمجهز بأحدث التقنيات، وذلك بإخضاع المقتنيات للدراسة، للتعرف أكثر عليها، وطبيعة المواد المستخدمة بشأنها، وصولاً إلى معرفة كافة تفاصيل كل قطعة.
كما لدينا فريق خبراء مختص بالفن الإسلامي، يقوم بالتعاون معهم، وتوفير البحوث السابقة التي تم إجرائها، كما لدينا مكتبة المتحف التي تعتبر من أكبر المكتبات المتخصصة بعرض إصدارات الفن الإسلامي، ونقوم بتوفير مثل هذه المصادر لهم للاطلاع عليها.
◄ وما هي طبيعة هذه المكتبة، ونوعية ما تضمه من مصادر، وأعدادها؟
تعتبر مكتبة المتحف، من المكتبات المتخصصة في الفنون الإسلامية، حيث تتيح لزوارها الاطلاع على مصادرها، والتي تصل إلى قرابة 12 ألف كتاب، في مجالات متخصصة في الفن الإسلامي.
◄ على خلفية حديثكِ عن معمل الترميم، هل يستقبل المتحف خبراء من دول العالم، لصيانة مقتنياتهم الأثرية، أو للتأكد من أصالتها من خلال هذا المعمل؟
حالياً لا نوفر هذه الخدمة، إذ يقتصر المعمل على صيانة مقتنياتنا في المتحف الإسلامي، بالإضافة إلى مجموعة متاحف قطر، غير أننا عندما نقوم باستعارة قطع من المتحف الخارجية، فإننا نقوم بصيانتها، وفقاً للاتفاق مع مسؤوليها، فضلاً عن إجراء البحوث عليها.
• كوادر قطرية
◄ إذا تحدثنا عن الكادر القطري في المتحف الإسلامي، فماذا عن حضوره؟
لدينا كوادر قطرية نوعية في متحف الفن الإسلامي، وذلك في مجالات متخصصة، مثل الترميم والمخطوطات، ودائماً نعمل على تطوير مهارات المواطنين في التخصصات المتحفية، وإخضاعهم إلى برامج تدريب مكثفة.
وسيخضع فريق من المتحف الإسلامي، في وقت لاحق، لبرنامج تدريبي متخصص في بريطانيا، وفق برامج تطوير المهارات المتحفية، التي يعمل عليها هذا البرنامج.

• شغف المواطنين
◄ في هذا الإطار، هل يشكل لكم استقطاب الكوادر القطرية أولوية للعمل في المتحف الإسلامي؟
بالتأكيد، على نحو ما نلمسه من وجود شغف لدى المواطنين القطريين في العمل بالمتحف الإسلامي، وهذا أمر من الأمور التي تسعدنا، حث تصلنا طلبات عديدة، تبدي رغبتها في العمل بالمتحف، ما يعكس شغف المواطنين بالعمل في مجال المتاحف.
• عاصمة ثقافية
◄ تعد الثقافة إحدى القوى الناعمة، فما دور المتحف الإسلامي في تقديم قطر على صعيد الحضارة الإسلامية، والتواصل الحضاري؟
لا شك، أنه من خلال مسيرة متاحف قطر بقيادة سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، فقد أصبحت الدوحة عاصمة ثقافية، ومركزاً للحوار والتبادل الثقافي، على نحو ما تعكسه مبادرة الأعوام الثقافية، التي يتم خلالها تبادل الثقافات مع مختلف دول العالم. ولذلك، فإنه عبر هذه المبادرة، فإن دولة قطر أبرزت مكانتها، وتمتعها بتأثير ثقافي عميق، مما يشكل قوة ناعمة كبيرة.
• «أمة التطور»
◄ ما نوعية الفعاليات التي يشارك بها المتحف الإسلامي في حملة «أمة التطور»؟
فعاليات «أمة التطور» أطلقتها متاحف قطر، على مدى 18 شهراً، تحتفي فيها بمرور 50 سنة على تأسيس متحف قطر الوطني، و20 عاماً على تأسيس متاحف قطر.
وكما ذكرت، فإننا سنطلق خلال شهر أكتوبر الجاري، عدة معارض وفعاليات، تزامناً مع هذه الحملة المميزة، كما سيكون لدينا تعاون مع متحف كوريا الوطني، بتنظيم متحفنا، لمعرض هناك، يتناول الحضارة والثقافة الإسلامية.

• استقطاب القطريين
◄ وما تفسيركِ لإقبال الشباب القطري على العمل بالمتحف، رغم أنه قد تتوفر لديه خيارات عمل أخرى؟
هذا يرجع، إلى شغف العمل في مجال التحف والآثار والفنون، لأن مجالنا في المتاحف، يحمل قدراً كبيراً من الشغف، يستقطب الشباب القطري على إثره، لاسيما وأن المتاحف ذاتها، تطلق مجالات الإبداع في أوساط الشباب القطري.
• سيناريوهات العرض
◄وهل المعروضات بالمتحف، يتم تدويرها ضمن سيناريوهات عرض مختلفة، ليشاهد الزائر للمتحف جديداً دائماً داخل قاعات العرض؟
دائماً، نسعى إلى التجديد في قاعات العرض الدائمة، حيث نقوم بتغيير المقتيات المعروضة كل ستة أشهر تقريباً، سواء كانت مخطوطات أو سجادا أو أقمشة، حفاظاً عليها، كما لدينا برامج معارض متنوع، يجذب الزوار لزيارة المتحف.
وعلى سبيل المثال، سنطلق خلال نهاية شهر أكتوبر الجاري، معارض جديدة، من أهمها معرض «إي. إم. باي وتصميم متحف الفن الإسلامي: من المربع إلى المثمن ومن المثمن إلى الدائرة»، ويركز على أسس تصميم المهندس المعماري الشهير للمتحف والأثر الذي استقاه من العمارة الإسلامية المتفردة، وسيكون معرضاً مميزاً، سوف يستقطب فئة مختلفة من الزوار.
*هل هذا يعني أن المتحف سيطلق موسمه الثقافي خلال شهر أكتوبر الجاري؟
**لدينا موسمان لإطلاق معارضنا، وهما الخريف والربيع، غير أن برامجنا المجتمعية، تمتد على مدار العام، وفي مقدمتها برنامج «معسكر التحدي»، والذي يشهد إقبالاً لافتاً، لدرجة أنه يتم استيفاء العدد قبل انطلاق البرنامج.
• معسكر التحدي
◄ وما تفسيرك لهذه الحالة بأن يتم إغلاق برنامج «معسكر التحدي» قبل انطلاقه؟
لأنه برنامج متميز، يحرص على استقطاب جيل اليافعين من الأولاد والبنات، باعتبارهم جيل المستقبل، لذلك نحرص على استقطابهم للمتحف بطريقة غير تقليدية، كما أن البرنامج نفسه يزخر بعدد كبير من الأنشطة والرياضات، فمثلاً للأولاد، هناك رياضة الدفاع عن النفس، والإطفاء، والصيد. أما للبنات، فيتوجه إليهن بإعداد المائدة و»الاتيكيت»، إلى غير ذلك.
وتعكس هذه النوعية من البرامج، حرصنا على التنوع ليكون وسيلتنا لاستقطاب الجمهور إلى المتحف، رغبة في الخروج من الصورة الذهنية التي قد تكون لدى البعض بأن المتحف مجرد صرح لعرض المقتنيات وفقط.
• برنامج «اكتشف»
◄ في ظل التطورات التقنية السائدة، كيف يواكب المتحف هذه المرحلة، بما تلبي أيضاً طموحات اليافعين والشباب، التي تتوق إلى هذه التقنيات؟
بالفعل نحرص على أن تواكب برامجنا تقنيات العصر، وتغيير المنظور التقليدي للمتحف بأنه للعرض فقط، لذلك فمن برامجنا التي تهم الزوار، ويمكن لهم الاستفادة منها في المستقبل، كتابة القصة، والتعاون مع الفنانين، من خلال «الديجيتال آرت»، وهو من الأمور التي نحرص على مواكبتها، عبر برنامج «اكتشف»، والذي نتعاون فيه مع الفنانين القطريين لزيارة دولة ما، لانجاز أعمال عن معالمها التاريخية والتراثية، خلال زيارتهم لها، ثم تنظيم معرض لهم، عقب عودتهم إلى الوطن.
وفي العام الماضي، قام الفنانون القطريون بزيارة للمغرب، وأنجزوا خلالها أعمالاً متميزة عن معالمها، وهذه السنة ستكون أوزبكستان، حيث يستوحي الفنانون القطريون أعمالهم الفنية من خلال معالمها التراثية والتاريخية.
وهذا البرنامج يحظى بتفاعل كبير من الفنانين القطريين، ما يعكس أن الفن الإسلامي يلهم الكثير من الفنانين من عصرنا، وإذا كان الماضي هو مركز الإلهام، فإن الحاضر والمستقبل مهم لنا أيضاً.
◄ وكيف ترين تفاعل الفنانين القطريين مع برامج ومعارض المتحف الأخرى؟
لدينا قنوات تواصل قوية مع الفنانين القطريين، حيث نتوجه إليهم ببرامج مكثفة، من ورش وفعاليات مختلفة، علاوة على دعمهم، بتوفير منصة لعرض إبداعاتهم.
وحقيقة، هذه أحد أهداف المتحف بأن يكون منصة للفنانين القطريين لعرض إبداعاتهم للجمهور، فمعرض «اكتشف الأندلس»، وإن كان محدوداً نوعاً ما، إلا انه أستقطب قرابة 70 ألف زائر.

• مقتنيات افتراضية
◄ منذ شهرين تقريباً، أطلقت متاحف قطر قطعاً افتراضية على «الانترنت»، فما مدى حضور المتحف الإسلامي في هذا التواجد الافتراضي؟
لنا حضورنا بالطبع، ضمن هذا التوجه، لخدمة الباحثين والمتخصصين، لتقديم محتوى علمي عن المتحف الإسلامي، وكذلك لخدمة الطلاب والمصممين، ما يعكس حرصنا على التوجه إلى خدمة فئات مختلفة، في الداخل والخارج.
• آلاف الزائرين
◄ وكيف يمكن أن يساهم المتحف الإسلامي في الفعاليات الكبرى المختلفة التي تشهدها دولة قطر، على غرار تنظيم الدولة لبطولة كأس العالم 2022؟
المتحف يحرص دائماً على مواكبة كافة الفعاليات الكبرى التي تشهدها الدولة، وهو مهيأ لذلك، على نحو حضورنا اللافت في استقبال زوار كأس العالم 2022، وهى الحركة السياحية التي ما زالت متواصلة إلى يومنا، حيث يزور المتحف يومياً أكثر من 5 آلاف زائر، ضمن الحركة السياحية التي تشهدها البلاد.
◄ ما الذي يمكن أن يشكله المتحف، من خلال مقتنياته، لتقديم صورة صحيحة للإسلام، وإبراز حضارته وثقافته، ولاسيما للمجتمعات، التي قد يكون لديها أفكار مشوشة، أو انطباعات مغلوطة عن الإسلام؟
المتحف الإسلامي، يقدم عبر مقتنياته، التاريخ الإسلامي بطريقة محايدة، تبرز طبيعة وأهمية ونوعية المجتمعات الإسلامية، كمدن أساسية في التعليم، يقصدها الكثيرون من مختلف دول العالم، وأنهم كانوا يعيشون فيها بسلام، ومن خلال الدين الإسلامي، نحاول إبراز هذا الجانب من جوانب الحضارة الإسلامية.
• لغة الأرقام
◄ إذا تحدثنا بلغة الأرقام، ما أعداد زائري المتحف خلال عام 2024؟
يزور المتحف سنوياً، قرابة 300 ألف زائر في العام، وهذه الأرقام في تصاعد دائم، خاصة في موسمي الخريف والربيع، علاوة على الشتاء، وذلك وفق معدل تصاعدي يبدأ من 1500 زائر في اليوم، ويزداد هذا العدد مع تنظيم المتحف للمعارض، وإقامة الأنشطة والبرامج المختلفة.
• أندر القطع
◄ إذا تحدثنا عن أندر قطعة في المتحف، فهل يمكن تحديدها؟
لدينا العديد من القطع في مجالات مختلفة، وتتباين معها معايير وصفها بالفرادة والندرة، إما للشخص الذي كان يقتنيها، أو لتميزها الجمالي، أو لتاريخها، ولذلك، فإن لكل قطعة معايير تفردها، وعندما تتوافر فيها، فإنها تصبح متفردة ونادرة في الوقت ذاته.
وإجمالاً يمكن القول إن لدينا أقدم مخطوطة تعود إلى القرن الثاني الهجري، وتعتبر من أولى النسخ للقرآن الكريم، وهى مكتوبة بالخط غير المنقط، وأيضاً قطعة «أيلة الدوحة»، وتم اقتناؤها من قبل المغفور له الشيخ سعود بن محمد آل ثاني، وهى عبارة عن تمثال أنثى الغزال، وتعد من أبرز مقتنيات المتحف الإسلامي، وصُنعت بإتقان كجزء من قصر مهيب في القرن العاشر خلال عهد الدولة الأموية في الأندلس.
• مشاريع مستقبلية
◄ وما أبرز المشاريع المستقبلية للمتحف الإسلامي؟
هناك عدة مشاريع بالفعل، يعكف عليها المتحف، بناءً على إستراتيجيته، حيث سنطلق برامج ومعارض متنقلة إلى عدة دول، كما أنه وفي إطار مواكبة التطور والتكنولوجيا، فستكون هناك خلال السنة القادمة عدة برامج ترتبط بالتكنولوجيا والتطور التقني والذكاء الاصطناعي، وذلك وفق دراسة يتم التعاون فيها مع وزارة المواصلات.
كما أنه حرصاً من المتحف على الخط العربي، وإبراز جمالياته، فقد كثفنا برامجنا في هذا السياق، بالتعاون مع الخطاطين القطريين، بهدف رعاية مواهب الفنانين القطريين، وذلك باستكشاف هذه المواهب وعرضها بالمتحف، وخلاف ذلك، فإن لدينا أيضاً برامج ثرية، تخدم المجتمع عبر فئاته المختلفة.
• ذكرى المتحف
◄ وهل سيكون هناك ما يمكن أن يضاف للعشرين عاماً المقبلة؟
لدينا برنامج يمتد إلى عام 2028، بمناسبة مرور 20 سنة على تأسيس المتحف الإسلامي، وتنفيذاً لذلك بدأنا التواصل مع عدة جهات في الداخل والخارج.
*وهل لدى المتحف التوسعات الكافية لإقامة مثل هذه المشاريع، أم أنه بحاجة إلى توسعة أكبر، بشكل يفوق ما كان عليه المتحف عند تأسيسه في عام 2008؟
**لدينا مساحات واسعة وشاسعة، يمكنها أن تستوعب العديد من البرامج والمعارض والفعاليات، حيث لدينا الحديقة التي تستوعب العديد من الفعاليات، كما أن مجموعة المتحف الإسلامي في تطور مستمر.
كما أننا خلال إعداد المتحف لمناسبة مرور 10 أعوام على تأسيسه، أطلقنا مشروعاً لتجديده، كما سبقت الإشارة، وأعددنا تصميم القاعات بما يخدم احتياجاتنا، وحالياً أصبحت لدينا قاعات تم تجديدها، ما يغنينا عن تجديد مماثل.
◄ وهل سيتم تزويد المتحف بمقتنيات جديدة؟
عملية اقتناء مجموعات المتحف، كانت هي الأكبر منذ الانطلاق في عملية تأسيسه، وحتى الافتتاح، ما أوجد لدينا مجموعة متميزة، ومن أفضل المجموعات على مستوى العالم، وأصبحنا حالياً في مراحلة الاقتناء برؤى معينة، تخدم المتحف بالدرجة الأولى.
◄ وهل هناك إمكانية لإنشاء مركز بحثي داخل المتحف؟
لدينا فريق بحثي، يقوم بنشر البحوث المتعلقة بالفنون الإسلامية، وكذلك لدينا معمل الترميم، كما سبق وأشرت، ويقوم مختصو هذا المعمل بنشر كل ما يتعلق بالفن الإسلامي.
*وهل تودين توجيه كلمة أخيرة للشركاء، أو لزوار المتحف، أو لغيرهم في الداخل والخارج؟
**أتوجه بالشكر إلى جريدة ، وآمل من زوارنا الاطلاع على فعالياتنا وبرامجنا المختلفة، التي نعرضها عبر مختلف منصاتنا، حيث تستهدف بالأساس خدمة فئات المجتمع، انطلاقاً من كون المتحف مركزاً ثقافياً تفاعلياً يلهم زواره، ويخدم الجميع.




