حوارات

وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام: قطر تدعم لبنان بـ 3 محطات للطاقة الشمسية

يتطلع اللبنانيون بكثير من الثقة والأمل إلى الجهود القطرية لإنقاذ لبنان من أزمته وإنهاء الشغور الرئاسي بانتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً وأن قطر سبَّاقة في تقديم الدعم للشعب اللبناني. هذا ما يؤكده سعادة أمين سلام وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني في حواره مع “الشرق” في ختام زيارته إلى الدوحة التي كانت حافلة بلقاءات مع عدد كبير من الوزراء وكبار المسؤولين في الشورى وغرفة قطر. معلناً تأييده لانعقاد مؤتمر حوار وطني في الدوحة، لأن الدوحة قادرة على جمع اللبنانيين.

الوزير سلام يقول إنه لمس خلال زيارته مدى اهتمام قطر بالملف اللبناني الذي تتابعه يوماً بيوم، منوهاً إلى التزامها بالسعي لإنهاء أزمة الفراغ في المؤسسات الدستورية وانتخاب رئيس جمهورية بدون انتظار حتى انتهاء أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة. مشيداً بجهود قطر في تحقيق اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى في غزة. يتحدث الوزير سلام بشغف وتقدير عن الدور القطري في لبنان ويستعرض مراحل وقوف قطر إلى جانب لبنان، حيث كانت أول المبادرين وأكثر الداعمين للبنان وشعبه في مختلف المجالات وصولاً إلى أزمة الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، حيث كانت قطر سبَّاقة في منع انهيار الجيش اللبناني من خلال دعمه مادياً ولوجستياً، مؤكداً أن قطر لن تتخلى عن لبنان كونها الحاضنة الدائمة، مشيراً إلى أن لبنان وكل اللبنانيين يتقدمون بالشكر إلى قطر، أميراً وحكومة وشعباً.

وتطرق وزير الاقتصاد اللبناني إلى لقاءاته مع المسؤولين القطريين، كاشفاً أن سعادة سعد بن شريدة الكعبي وزير الدولة لشؤون الطاقة أبلغه استعداد قطر لبناء ثلاث محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، مما سيكون له كبير الأثر على نهضة الاقتصاد اللبناني الذي يواجه تداعيات عدم توفر الكهرباء وارتفاع أسعار الطاقة عبر المولدات.

ويؤكد الوزير سلام أن جميع لقاءاته مع الوزراء القطريين كانت مثمرة، حيث اتفق مع وزير التجارة والصناعة سعادة الشيخ محمد بن حمد آل ثاني على وضع أطر عمل جديدة لإعادة إحياء وتفعيل اللجنة القطرية اللبنانية المشتركة. فيما أثمر اللقاء مع وزير المواصلات سعادة جاسم السليطي مبادرة لدعم قطاع النقل العام بلبنان بباصات مستخدمة.

وبخصوص افتتاح الجناح اللبناني بمعرض إكسبو يقول الوزير سلام: إن معرض إكسبو الدوحة وَفَّر للبنان منصة فريدة للترويج لمنتجاته الزراعية أمام مئات آلاف الزوار من أنحاء العالم، مما يساهم بدعم الزراعة والمزارعين اللبنانيين.  الوزير سلام لا يتردد في المجاهرة بحجم الفساد الذي نحر الاقتصاد اللبناني، ويقول إن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان أزمة سياسية بامتياز، ذلك أن تصحيح الأمور يتطلب تشريعات وقوانين جرت مناقشتها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لكن الصراع السياسي بين القوى والأحزاب اللبنانية يحول دون إقرار هذه القوانين. أما بخصوص أزمة الودائع في المصارف فإن وزير الاقتصاد اللبناني يرى أن الحل ببساطة يبدأ باعتراف الحكومة اللبنانية بمسؤوليتها عن الودائع، حتى لا تبقى الودائع تائهة في تقاذف المسؤوليات بين المصرف المركزي والمصارف والحكومة. مؤكداً أن الاقتصاد اللبناني لا يمكن أن ينهض بدون تصحيح القطاع المالي والمصرفي.

وهنا نص الحوار مع وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني ..

 

زيارتكم إلى الدوحة كانت حافلة باللقاءات مع المسؤولين القطريين.. فما هي نتائج الزيارة؟

شكراً لاستضافتي في جريدة الشرق ومنصاتها الرقمية. يسعدني أن أنقل رسالة محبة من لبنان إلى دولة قطر، كما يسعدني تسليط الضوء على العلاقة القطرية اللبنانية الأخوية المتجذرة وهي من العلاقات المميزة في عالمنا العربي. ولو عدنا بالذاكرة قبل عقدين وأكثر لوجدنا أن قطر كانت سبَّاقة بالحضور والوقوف إلى جانب لبنان وشعبه. وقد زاد الدعم القطري وتضاعف في السنوات الأخيرة حيث كانت قطر أول المبادرين وأكثر الداعمين سياسيا ومعنويا واقتصاديا وعمرانيا فضلا عن الدعم الدائم للبنان في المحافل الدولية والإقليمية. وقد أثبتت أنها الحاضنة التي لا تتخلى عن لبنان تحت أي ظرف من الظروف خصوصا في ظل الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهو انهيار غير مسبوق بتاريخ لبنان. وكانت قطر مساندة ومبادرة لإنقاذ لبنان من أزمته، حيث بادرت إلى حراك دولي وإقليمي أثمر عن تشكيل لجنة خماسية من الدول المعنية بالملف اللبناني والتي تعمل على إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس جمهورية.

لأن قطر تعلم أن لبنان لا ينهض بدون قيام دولة المؤسسات ورئاسة الجمهورية تعتبر رأس الهرم في المؤسسات الدستورية، ولذلك بذلت قطر وما زالت تبذل جهودا جبارة لانتخاب رئيس جمهورية.

ولابد لنا ولكل لبناني أن يتقدم بالشكر والتقدير لدولة قطر أميرا وحكومة وشعبا على هذه المواقف التي لا تنسى وعلى الأيادي البيضاء التي ساهمت بتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والأمنية.

لقد جاءت زيارتي إلى الدوحة بصفتي وزيرا للاقتصاد والتجارة وكان هدفي أن أجري لقاءات مع المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المعنية بدعم لبنان وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وكانت الاجتماعات موسعة بدأت مع وزير المالية كونه معنياً بالعديد من الصناديق الاستثمارية والمالية التي تقوم بدعم لبنان ونشكره على ما تقوم به الوزارة بتوجيهات القيادة القطرية وتباحثنا في إمكانيات الاستثمار بالفرص المتاحة في لبنان ومناقشتها من كافة الجوانب. وكون دولة قطر هي الحاضنة للبنان أردنا أن تكون قطر أول من يطلع على الفرص الاستثمارية الموجودة في لبنان. ثم عقدنا لقاء مع وزير التجارة والصناعة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمهمتي كوزير اقتصاد وتجارة وناقشنا موضوع تفعيل اللجنة القطرية اللبنانية المشتركة واتفقنا على إعادة وضع أطر عمل تفعيل اللجنة خصوصا وأنها تغطي الكثير من المشاريع والأعمال والاتفاقيات المهمة للبنان وتخلق شراكات حيوية وقد أبدى سعادة الوزير اهتماما كبيرا وطلب من فريق عمله متابعة الملف وهذا شيء إيجابي جداً.

ثلاث محطات لتوليد الطاقة

والتقيت أيضا وزير الدولة لشؤون الطاقة وكان أيضا لقاء مثمرا ومهما وكريما لأن سعادة الوزير لديه اطلاع تام على الملف اللبناني كون دولة قطر تستثمر اليوم من خلال قطر إينرجي في موضوع التنقيب عن النفط والغاز في لبنان بالشراكة مع توتال، وهي موجودة فعلا كمستثمر. وتطرقنا إلى موضوع الطاقة المتجددة حيث زف لنا الوزير خبرا جميلا مفاده أن قطر جاهزة بالشراكة مع توتال لبناء ثلاث محطات كهرباء تعمل على الطاقة الشمسية بطاقة إنتاج توازي 150 ميغاوات من الكهرباء. وهذا خبر يفرح القلب لأن موضوع الطاقة في لبنان أزمة كبيرة تؤثر على الاقتصاد اللبناني بنسبة كبيرة. لأن الطاقة الموجودة في لبنان هي الأعلى كلفة في العالم كسعر كيلو واط خصوصا وأن معظم المصانع والمؤسسات تعمل على المولدات الخاصة، بينما استبدالها بطاقة شمسية نظيفة يخلق نافذة أمل لحل مشكلة الطاقة والكهرباء في لبنان. ونشكر دولة قطر ووزارة الطاقة على هذه المبادرة التي سنتابعها بأدق تفاصيلها حتى نحقق هذا الهدف الذي سيكون له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد اللبناني.

وكان لنا عدة لقاءات شملت رئيس مجلس الشورى حيث تناول الحديث عن التشريعات والإصلاحات المطلوبة في لبنان والعمل البرلماني المشترك. إلى جانب الاطلاع على الأوضاع والتطورات في لبنان، وكان لهذا اللقاء طابع مهم ويرسل رسالة إيجابية للبنان.

عروض وزارة المواصلات

واستكملنا اللقاءات بلقاء مع وزير المواصلات الذي فاجأنا بأنه مطلع على موضوع النقل في لبنان أكثر من اللبنانيين أنفسهم وأيضا كان يعلم حاجة لبنان للنقل العام والباصات بشكل دقيق وتقني وما يمكن أن يساعد لبنان ويعود على قطاع النقل بالازدهار. وقد كان هناك مبادرة من الوزير سيعرضها على الحكومة القطرية مستقبلا بموضوع مساعدة لبنان بباصات عادة تستبدلها الوزارة بعد سنوات من الخدمة بباصات جديدة. وهذه الباصات المستخدمة يمكنها أن تخدم قطاع النقل اللبناني في هذه المرحلة التي لا يوجد فيها نقل عام حقيقي في لبنان. وهذه مبادرة مهمة مشكورة قطر عليها وسوف نتابعها. كما طرح الوزير فكرة تقديم الدراسات والمنظومات لتنمية قطاع النقل البري والبحري والجوي والتي أنفقت قطر عليها مبالغ كبيرة، بحيث يتم تقديمها لكي يستفيد منها لبنان ويختصر 50 % من الطريق لتطوير قطاع النقل والبنى التحتية لهذا القطاع وهذه مبادرة مهمة جدا ونشكر سعادة الوزير على هذه المبادرات والأفكار الإيجابية جدا.

وكان لنا لقاء مهم أيضا مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي أطلعناه على الأحوال في لبنان وعلى أوضاع دار الإفتاء وكليات العلوم الشرعية والمناهج الدينية الإسلامية وأهمية منع تداعيات الانهيار الاقتصادي على هذه المؤسسات لما لها من دور بارز على المجتمع والأسرة. واتفقنا على ترتيب زيارة قريبا لوزارة الأوقاف في لبنان لتعزيز برامج التعاون.

لقد كان البرنامج حافلا ومهما وكانت النتائج مثمرة وإيجابية ستعود بالفائدة على لبنان وستساهم بتعزيز العلاقات بين البلدين.

افتتاح الجناح اللبناني في إكسبو

برنامج الزيارة شمل أيضا افتتاح الجناح اللبناني في إكسبو… هل يساهم هذا النشاط بنقل صورة إيجابية عن لبنان؟

مما لا شك فيه أن مشاركة لبنان بجناح في إكسبو الدوحة أمر هام للغاية في هذه المرحلة الصعبة، خاصة في ظل عدم قدرة لبنان على تنظيم أنشطة كبرى داخل الدولة رهناً للظروف الاقتصادية والمالية وإمكانية التحرك على هذا المستوى من المعارض والمؤتمرات. وحقيقة، جاء إكسبو الدوحة في وقت مهم جداً للبنان إذ قدّم لنا منصة فريدة من نوعها وبمستوى عالمي، كما أن وجود لبنان جنباً إلى جنب مع أكثر من 80 دولة مشاركة يعطي أملاً للمزارع اللبناني والصانع اللبناني والمبدع والمبتكر ويعطي أملا للاقتصاد اللبناني بشكل عام، لأنه سيستمر حتى نهاية شهر مارس وهذه الفترة الطويلة مناسبة للغاية وتعطي فسحة لعرض منتجاتهم وخدماتهم وإبداعاتهم أمام آلاف الزوار الذين يستطيعون تجربة النكهات اللبنانية وروح الصناعة اللبنانية، خاصة وأننا لمسنا انطباعات الحضور في افتتاح الجناح اللبناني الذين أكدوا أنه أحد أجمل الأجنحة بالمعرض، ونأمل أن يكلل جناحنا في معرض الإكسبو وأن يكون قيمة مضافة لنجاحه على المدى الطويل.

تحديات الاقتصاد اللبناني

في ظل عدم استقرار الأوضاع في لبنان… كيف تعمل وزارة الاقتصاد ووزيرها في هذه الظروف؟ وما هو الأفق القادم بالنسبة للقطاع الاستثماري والاقتصادي في لبنان؟

حقيقة، وبكل أمانة، أبدأ يوم العمل في الصباح سائلاً الله أن يمنحني القوة والصبر، لما تشهد الدولة من تحديات وصعوبة إدارة ملف وزارة الاقتصاد والتجارة لأنها معنية بكل دقائق وتفاصيل والأوجاع اليومية والحياتية للناس، أبدأ نهاري من مناقشة تسعيرة “ربطة الخبز” وأنهي يوم العمل في ساعات متأخرة من الليل ونحن نناقش على مستوى كبير البنك الدولي وصندوق النقد على سياسات عامة للبلاد والتشريعية والإصلاحية، وما أدراك ما يمر بين تسعير ربطة الخبز وسياسات البنك الدولي من مسائل متشعبة ومصاعب وملفات تتعلق بحياة اللبنانيين اليومية، وكما ذكرت دولة قطر من الدول التي تقدم الدعم للبنان في عدة مجالات لتحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين، وكذلك للجيش اللبناني وعدد كبير من المستفيدين من هذه المساعدات، ونحن نعمل في الوزارة على خلق نوع من الاستقرار في موضوع الأسعار والاستيراد والتصدير والصناعة، ونعمل بشكل وثيق مع كل الوزارات التي تخلق متنفسا ماليا في ظل انهيار القطاع المصرفي الذي يعتبر مشكلة أساسية تجعل من الصعوبة تحسن الوضع الاقتصادي في لبنان لأن حركة المال اليوم في الدولة صعبة من دون القطاع المصرفي، فلا قيام لاقتصاد من دون العمود الفقري “المصرفي”، نحتاج إلى تشريعات إصلاحية حتى تستقيم الأمور ومكافحة الفساد الذي نحر الاقتصاد والمالية العامة لعقود طويلة، نأمل أن تستمر مسيرة العمل والدعم القائم من كل الدول الداعمة، حتى ننتقل من هذه المرحلة الصعبة إلى موقع مستقر نستطيع من خلاله أن نحرك عجلة الاقتصاد ونفكر في الاستثمارات بقطاعات عديدة فلبنان لديه الكثير ليقدمه، وأكبر ثورة لدينا هي الطاقات البشرية، فلطالما كان لبنان منارة العلم وبه أهم المدارس والجامعات والمستشفيات، ونأمل أن نعيد ترميم وإحياء الأعمدة الرئيسية للاقتصاد اللبناني.

تشريعات تستقطب المستثمرين

أشرتم إلى قضية التشريعات وثقة المستثمر والمجتمع الدولي في الاقتصاد، وهذا يعتمد في الأساس على وجود تشريعات فعلية تحفظ رأس المال للمستثمر… أين هي هذه الضوابط والتشريعات والقوانين اليوم في الحالة اللبنانية؟

الحكومة اللبنانية الحالية ورثت هذا الثقل أو كما أسميها كرة النار المتراكمة طوال عقود، قد وضعت مسودات للقوانين التي ترفع من الحكومة كمشروع قانون إلى مجلس النواب ويدرس في المجلس تمهيداً إلى إصدار قوانين نهائية، ومنذ عام ونصف العام رفعت الحكومة مشاريع قوانين كانت قد ناقشتها مع صندوق النقد الدولي لكي تكون مدخلا لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، هذه النقاشات تتعلق بإعادة هيكلة المصارف وقوانين السيطرة على رأس المال الذي يدير الشأن المالي بين القضاء والمصارف والمودعين وينظم تحويل ونقل الأموال إلى الخارج، إضافة إلى إعادة هيكلة ما يسمى بالسرية المصرفية في لبنان التي استغلت للأسف خلال العقود الماضية في ملفات فساد كثيرة، ولم يستفَد من مفهوم السرية المصرفية لخلق إيجابية أكثر في القطاع المصرفي، وأيضا هناك قوانين معينة تتعلق بالوضع النقدي بشكل عام، ووضع مسار جديد لقوانين النقد والتسليف والتي يبلغ عمر العديد منها أكثر من 50 عاماً وهي للأسف لم تطور أو تحدث ولا تواكب الزمن الذي نعيشه، للأسف المشكلة الكبرى هي أن الفرقاء والأحزاب المؤثرة في لبنان في حالة تناحر وعناد سياسي جعل من الصعب على مجلس النواب إقرار هذه القوانين التي كان يمكن إقرارها خلال 2 إلى 4 أشهر، ففي دول العالم التي مرت بأزمات مشابهة للوضع اللبناني كانت مثل تلك القوانين التي توصف بعضها بالطارئة تصدر خلال 3 أسابيع، وهذا يرجع إلى أن المشكلة في لبنان سياسية أكثر من كونها مشكلة تشريع.

لبنان بلد برؤوس كثيرة

هذا التناحر الذي أشرت إليه يدفع ثمنه المواطن اللبناني والدولة بشكل عام.. أليس كذلك؟

نعم، بكل تأكيد، فنحن نتحدث هنا عن قوانين وتشريعات في غاية الأهمية، وهذا يمتد إلى ملف رئاسة الجمهورية على سبيل المثال. حقيقة، المشكلة في لبنان أنها بلد برؤوس كثيرة، والقرار ليس قراراً واحداً للدولة، وهذه نتيجة تراكمات طويلة الأمد نتيجة الحرب اللبنانية وما بعدها.

إعادة أموال المودعين

بالنسبة إلى أزمة أموال المودعين.. ما هو أفق علاج هذه الأزمة التي من خلال حلها يمكن بناء النهضة الاقتصادية والصناعية واستقطاب المستثمرين؟

إن أي خارطة طريق عليها أن تتكلل أولاً بإعادة انتظام علم المؤسسات الدستورية، فلا مجال للتحدث عن تشريعات وقوانين من دون وجود مؤسسات دستورية وقيادات فاعلة، فاليوم رأس السلطة الدستورية غير موجود، ورأس السلطة النقدية بالإنابة “غير أصيل”، وبعد أقل من شهر رأس السلطة الأمنية الجيش ما زال في مهب الريح، ولا قيام لبلد من غير الاتفاق على هذه القيادات الثلاث، الدول الشقيقة والصديقة تقول لنا إنه لكي تستعيدوا الثقة ابدأوا بإحياء المؤسسات، فحتى الآن كل القيادات موجودة بالإنابة حتى أن حكومتنا هي لتصريف الأعمال، ولنفترض أننا بدأنا في تفعيل المؤسسات الدستورية مثل أن يتم الاتفاق على رئيس جمهورية وحاكم لمصرف لبنان وقائد للجيش، وكلهم الأصالة مع حكومة جديدة، من بعدها تبدأ مرحلة الاهتمام بالمضمون من خلال تنفيذ كافة التشريعات الموجودة في مجلس النواب وتصدر قوانين تنظم الشأن القضائي والاقتصادي والمالي وتعيد الحياة للقطاع المصرفي لإيصال رسالة إيجابية للدولة الداعمة، ودعني أؤكد هنا على أهمية القضاء اللبناني، فاليوم أي مستثمر يريد أن يشعر بالأمان لأمواله واستثماراته من خلال قضاء عادل ومستقل يحل أي نزاع مالي أو تجاري يتعرض له، إضافة إلى تأسيس نظام مالي وقوانين واضحة وصريحة وشفافة وحماية قانونية لا تتأثر بأي تدخلات سياسية. فالوضع الحالي فيما يخص القضاء اللبناني الذي مر بظروف صعبة أثبتت التجارب أنه لا يعكس الثقة. وهناك أيضا قانون جديد لاستقلالية القضاء اللبناني ووضع إطار جديد لعمله، ومن دون هذه العوامل الأساسية، فلن يتم تحقيق أي نتيجة، وأؤكد لك أنه إذا تم تفعيل هذه العوامل الأساسية فلن يتبقى سوى تفاصيل يمكن حلها.

استعادة ثقة المستثمر اللبناني

هل هناك معالجات فعلية لمشكلات التضخم والعملة والتحويلات والودائع، والتي يعاني منها المواطن اللبناني قبل المستثمر الأجنبي؟

أتفق معك، وأشكرك على لفت النظر إلى هذا الأمر، لأنه يجب علينا قبل أن نطالب بثقة المستثمر الأجنبي أن نستعيد ثقة المواطن اللبناني، ولك أن تتخيل أنني سمعت من جالياتنا في قطر أن الموظفين اللبنانيين لن يحولوا أموالهم إلى لبنان لا اليوم ولا بعد 10 سنوات مقبلة، وهذه خسارة كبيرة للاقتصاد اللبناني، فالمواطن إذا لم يثق في القطاع المصرفي لن يحول أي أموال إلى الداخل، لذلك فإن استعادة ثقة المواطن هي أول مرحلة في إعادة الأمور إلى نصابها.

من المهم من أجل حل هذه الأمور وجود حس وطني، لأن الحس الوطني حالياً مفقود عند الأغلبية، ولا وجود لرؤى، فاليوم إذا لم يكن هناك اتفاق بين الفرقاء في هذا البلد الصغير فلن يتم إنقاذ الوضع في لبنان، لذلك نقول إن البداية هي وجود الحس الوطني الذي يجمع الأطراف تمهيداً لإيجاد الحلول.

وأذكر أنه في افتتاح الجناح اللبناني بإكسبو الدوحة، قال أحد الأشخاص في كلمته إن لبنان يصدر العلم والطاقات والكفاءات البشرية التي طورت الاقتصادات والصناعات والهندسة في بعض الدول، وأضيف على ذلك أنني عندما كنت أعيش في أمريكا كان يقال لي إن أهم العلماء في ناسا من بينهم لبنانيون، ولديَّ كل الثقة في أننا إذا عملنا بحس وطني وجمعنا كل الإمكانيات والإرادات لن يكون هناك أهم من اللبنانيين أنفسهم للمساعدة في الخروج من هذه الأزمة، ونحن نعلم أن هذه هي الثروة الوحيدة التي لا يستطيع أحد أخذها منّا.

الحل الجذري لمشكلة الودائع

بالعودة إلى مشكلة الودائع، هناك العديد من الأحاديث التي جعلت الناس يفقدون البوصلة للوصول إلى الحل، وأنا أقول إن الموضوع بسيط للغاية، الموضوع يبدأ باعتراف الدولة اللبنانية بأنها هي المسؤولة، لأننا اليوم في القطاع المصرفي لديك مصرف لبنان ولديك الدولة، فكان المصرف يقول إن الحكومة أخذت الأموال، والقطاع الخاص يقول إن مصرف لبنان والدولة أجبرونا على إيداع الأموال وفي الأخير أخذوها، وبالتالي يتصرف كل طرف كأنها ليست مشكلته، وهنا أؤكد أن الحل يبدأ من تحديد المسؤوليات والاعتراف بالخسارة والسرقة، يجب أن تعترف الدولة بأنها هي الوصية على الأموال وتحدد قيمتها وتقول إنها تحفظ الودائع وسوف تعيدها للمودعين، وألا تكتفي بانتظار الحلول من مصرف لبنان، فهي الوصية على الدولة، وأنا أقول إن هناك شراكة في المؤامرة المالية بين القطاع الخاص المصرفي وبين مصرف لبنان والدولة، لذلك كما قلت يجب تحديد المسؤوليات، ومن يجب عليه وضع الحل وخارطة الطريق هي الدولة اللبنانية، حينها سيتقبل المودع اللبناني الأمر، كما أن المودع الأجنبي سيعرف أنه مهما تأخر تحصيل أمواله سيحصل عليها بعد فترة معينة، عكس ما هو حاصل الآن.

لا وقت للعناد السياسي

بذكر الأحداث في غزة.. ألا تعيد التفكير لدى صانع القرار اللبناني لأن هذه الأحداث الجسام المحيطة بلبنان تدفع بإيجاد كيان مستقر تتوفر فيه كل مقومات الدولة الفعلية؟

سؤالك وضع الأصبع على الجرح، فحقيقة، ما يحدث في غزة يجب أن يكون محفزا طارئا لترتيب البيت الداخلي اللبناني على وجه السرعة لتحصين الوطن مما قد يأتي، لأن جنوب لبنان هو قطعة من الوطن وهو في حالة حرب مما يعني أن لبنان في حرب، وبالتالي ليس لدينا ترف الوقت للعناد السياسي، وعلينا التحرك سريعاً لإيجاد الحلول.

تحية كبيرة لدولة قطر

 كيف تنظرون إلى نجاح الدبلوماسية القطرية في إنجاز اتفاق الهدنة في غزة؟

دعني أنتهز هذه الفرصة وأوجه عبر منصتكم تحية كبيرة لدولة قطر، أميراً وحكومة وشعباً، للتحرك السريع لخلق حل للأزمة في غزة وتحقيق الهدنة المطلوبة وملف الأسرى الذي نأمل أن يتم تطبيقه بشكل ناجح.

كما أنه بالتوازي مع جهودها في الملف الفلسطيني فإن دولة قطر قائمة وعاملة على الملف اللبناني، فاللجنة الخماسية تقوم بأعمالها ونحن بزيارتنا إلى الدوحة لمسنا أن قطر ملتزمة بشكل كامل بإنهاء الملف اللبناني بشكل ناجح ولن تترك لبنان أبداً. نحن نعلم أن الأنظار جميعها تتجه نحو غزة، لكن ما لمسته أنه لن تنتظر قطر إلى ما بعد انتهاء الأزمة في غزة والتي قد تمتد لشهور بكل أسف، حيث تتابع قطر الملف اللبناني يوماً بيوم وأنا على ثقة بأنها ستجد حلاً كما وجه في السابق في الشأن اللبناني.

تأييد مطلق لـ «الدوحة 2»

هل تؤيدون الذهاب إلى «اتفاق الدوحة 2» بعد تجربة عام 2008؟

بالتأكيد نؤيد الذهاب إلى مؤتمر حوار وطني في الدوحة، لأن الدوحة حلَّت الأمور وهي قادرة على جمع جميع القوى والأحزاب اللبنانية وقادرة على إقناعهم بالحل. نعلم أن الحل يكون في اتفاق الفرقاء في الداخل لكن طالما تعذر اتفاقهم في الداخل فأنا مع التوجه إلى الدوحة وأنا أعتقد أن الحل في الدوحة.

الفراغ في قيادة الجيش

أشرتم إلى أن منصب قائد الجيش قد يكون شاغراً بعد فترة قصيرة.. كيف ترون أفق معالجة هذه المشكلة لتحقيق الاستقرار في هذه المؤسسة العسكرية؟

هذا الموضوع دستوري بامتياز ويحتاج إلى تعديل قوانين وغيرها، لكن بالمنطق الإستراتيجي والطبيعي للأمور الأمنية نحن اليوم في حالة حرب ولديك قائد للجيش في هذا المنصب منذ سنوات طويلة ويدير الملف العسكري، فهل هذا هو الوقت المناسب للتغيير؟ المشكلة هنا ليست في التغيير، حيث يوجد العديد من الكفاءات التي تستطيع تسلم قيادة الجيش، لكننا نرى أنه ليس من التفكير المنطقي السليم التغيير في رأس المؤسسة العسكرية في وسط حالة الحرب.

الآمال معقودة على قطر

ما الذي تأملونه في ختام زيارتكم إلى الدوحة سواء كان اقتصادياً أو سياسياً؟ وما هي الآمال المعقودة على الدور القطري خلال المرحلة المقبلة؟

أنا دوماً أرفع شعار الشراكات الناجحة، وأعتقد أن المسار يسير إلى الأمام مع دولة قطر لما تكنّه دولة قطر من محبة وثقة للبنان وشعبها، فنحن جئنا إلى هنا برسالة عنوانها الشراكة الناجحة، ونود أن نعمل مع دولة قطر والقطاع الخاص القطري لأن تكون هناك شراكات ناجحة بين الطرفين يستفيد منها لبنان وقطر في شتى القطاعات والمجالات وتمثل قيمة مضافة إلى البلدين وهذا بالطبع تكلل في اجتماعات مهمة مع القطاع الخاص وأكبر رجال الأعمال في الدوحة، لذلك هذا هو الهدف الذي نطمح إليه من هذه الزيارة، وكلنا ثقة في أن الشراكة القطرية أساسية ومركزية في المرحلة المقبلة لخروج لبنان من أزمته.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x