مقالات

{ أزمة دبي } و { مأساة جدة }.. حديث أبناء الخليج

ويحسب لقطر أنها حاولت الاستفادة من التجارب الناجحة لمختلف الأقطار، وبالتالي بنت نموذجها وفق رؤيتها، ووفق استراتيجيةٍ تراعي كل الجوانب المجتمعية، فاختارت كل ما هو إيجابي من التجارب الناجحة، لتبني نهضتها ـ بالتالي ـ وفق أسس صحيحة، مستفيدة من الأخطاء التي وقع بها الآخرون.

اليوم.. الاقتصاد القطري يعد الرقم الأول نمواً في العالم، ومسيرة التنمية تخطو بثبات وعلى ركائز متينة،  ويعطيها تنوع الاستثمارات قوة أكبر، وما تمتلكه قطر من إمكانات تحت الأرض وفوقها جعلها البلد الأكثر تفضيلاً وأمناً واستقراراً للاستثمارات، فقد تم خلق بيئة جاذبة لقطاعات مختلفة، فأصبح جميع المراقبين يؤكدون أن المستقبل لقطر. وبفضل من الله، ثم بفضل قيادتنا الواعية نفتخر اليوم بما تحقق من إنجازات… وما يخطط له بالمستقبل من مشاريع تنموية، لا تنظر فقط للحاضر أو لهذا الجيل، إنما تضع نصب أعينها الأجيال القادمة، وهو أمر يحسب لقيادة هذا الوطن العزيز.

أزمة دبي يجب ألا تحد من الطموحات الخليجية في بناء هذه المجتمعات، إنما قد تعيد النظر في بعض الخطوات، أو تعيد النظر في بعض الاجتهادات التي أقدمت عليها دبي، وهي اجتهادات في كل الحالات لا يمكن التشكيك فيها، وفي كل الحالات يحصل صاحبها على أجر ولو أخطأ، أو أجرين إذا أصاب.

من المؤكد أن قادة دول مجلس التعاون، خاصة في قمتهم القادمة بالكويت في الرابع عشر من الشهر الجاري، سيؤكدون وقوفهم إلى جانب هذه الإمارة الخليجية الطموح، وسيعملون على مدها بما استطاعوا، وقبل هذا وذاك، فإن هذه الإمارة هي ضمن دولة قوية اقتصاديا، وبالتالي لن تتخلى عن جزء من كيانها، مهما قيل في هذا الشأن.

تجربة دبي في التنمية مهما قيل بشأنها، فإن ما تم بناؤه سيظل باقياً في هذه الإمارة، ولن ينقل إلى الخارج، وسيخدم لاحقاً مشاريعها، وبالتالي فان دبي حتى وإن مرضت فإنها لن تموت.

أما القضية الأخرى التي شغلت أبناء الخليج خلال الايام الماضية، فكانت ” مأساة جدة “، هذه المدينة عروس البحر الأحمر التي اجتاحتها سيول جراء أمطار غزيرة هطلت، فكشفت عن ” خلل ” في عدد من الجوانب، من بينها السكن العشوائي، والتصريف الصحي، والتأخير في تنفيذ المشاريع… هذه ” المأساة ” التي عاشتها مدينة جدة تستدعي منا التوقف عندها قليلا، خاصة إذا ما تابعنا منذ عدة سنوات أن الجزيرة العربية مقبلة على مناخ متغير، سيكون للأمطار فيه نصيب أكبر بكثير مما هو عليه الآن، ففي العام الماضي شاهدنا إعصار ” جونو ” وما صاحبه من أمطار غزيرة هطلت على سلطنة عمان، واليوم شاهدنا الأمطار في جدة، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل البنية التحتية عندنا مؤهلة للتعامل مع معطيات السنوات القادمة، فيما يتعلق بالأمطار إذا ما هطلت بكميات كبيرة أو لفترات طويلة من الزمن؟.

حادثة جدة تدفع بنا إلى القناعة بضرورة الإسراع بتنفيذ مشاريع الصرف الصحي، وعدم الاستهانة بكميات الأمطار التي تهطل حالياً على بلادنا.

صحيح أن الطبيعة الجغرافية مختلفة ما بين قطر ومدينة جدة، أو المملكة العربية السعودية إجمالا، إلا أن كميات الأمطار إذا ما هطلت فإنها لا تعرف طبيعة جغرافية، كما أنه لا ينبغي التقليل من التنبؤات التي تتحدث عن المناخ المتغير، وما يعرف بالاحتباس الحراري، الذي من المتوقع أن تشهد  منطقة الخليج بسببه هطول مزيد من الأمطار خلال السنوات القادمة.

وهنا نسأل الجهات المعنية عندنا: هل هي جاهزة للتعامل مع سقوط أمطار بكميات كبيرة، إذا ما حدث ذلك في قطر؟ وهل مجاري تصريف المياه لديها القدرة للتعامل مع أية كميات تهطل؟ وهل المشاريع التي يتم تنفيذها حاليا يمكنها التعامل مع الكميات الكبيرة من الأمطار إذا ما سقطت مستقبلا؟.

الواقع اليوم، يقول: إن مياه الأمطار التي تهطل علينا تظل ” حبيسة ” بالشوارع دون تصريف فعلي، وفي أماكن عدة، تتحول الشوارع وعدد من المناطق إلى ” برك ” و ” مستنقعات ” يصعب اجتيازها، ونشاهد في كثير من الأحيان الأسلوب التقليدي في سحب المياه من الشوارع عبر ” التناكر ” وسيارات الشفط المختلفة، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لقطر، التي لديها إمكانات تتيح لها بناء شبكة عملاقة من الصرف الصحي وتصريف المياه.

يجب على المسؤولين في أشغال الانتباه إلى هذه القضية من الآن، وعدم تركها، أو التقليل من شأنها، فاليوم هناك ميزانيات كبيرة مرصودة لهذا القطاع، فكما هو معلوم ـ مثلاً ـ أن ميزانية أشغال لهذا العام ” 8 ” مليارات ريال، جزء منه موجه لمشاريع الصرف الصحي، وبالتالي من المهم الالتفات إلى هذه القضية.

الأمر الآخر، هناك مياه تراكمت وتعرف بـ ” المستنقعات “، ناجمة عن سكب مياه الصرف الصحي فيها، وهو ما أدى إلى تكون بحيرات ضخمة من المياه، أصبحت تهدد حياة المناطق القريبة منها، هذه المستنقعات إذا ما هطلت أمطار غزيرة كيف سيكون مصيرها؟ ألا تمثل خطراً على سكان المناطق القريبة منها؟.

لذلك من المهم معالجة مثل هذه الأمور من الآن، وعدم تركها تستفحل، فيصعب فيما بعد معالجة أوضاعها، أو معالجة ما قد يترتب عليها، إذا ما حدثت أي إشكالية لا قدر الله.

أمطار جدة يجب أن توقظنا، وأن تنبهنا إلى أن هناك تغيرات قادمة بالمنطقة، لا تقل خطورة أبداً عما قد يعرف بـ ” التسلح النووي ” أو ” الترسانات الصاروخية ” أو غيرها من الأمور التي قد تشكل تهديداً للمنطقة.

لذلك.. على أشغال والجهات المعنية أن تعيد استراتيجيتها فيما يتعلق بالبنية التحتية، والتجهيزات الخاصة بالتعامل مع التغيرات المناخية القادمة، فليس النجاح فقط أن تبني فوق الأرض، لكن المهم في نفس الوقت أن تكون تجهيزاتك تحت الأرض لديها القدرة للتعامل مع هطول الأمطار بكميات كبيرة، وتستطيع تصريف الكميات الكبيرة من المياه، دون إحداث أضرار بشرية أو مادية.

قضيتان شغلتا أبناء الخليج خلال الأيام القليلة الماضية، تمثلتا في ” أزمة دبي ” و ” مأساة جدة “، وعلى الرغم من الفارق بينهما، فإن من المصادفة حدوثهما في وقت واحد تقريباً.

ومن كلتا الحادثتين: الأزمة، والمأساة، لابد أن نتوقف عندهما قليلاً لنمعن النظر فيهما، لتلافي ما ترتب عليهما.

بغض النظر عن كل ما قيل حول ” أزمة دبي “، إلا أن هذه الإمارة الخليجية تظل لها بصمة في مسيرة هذا الإقليم، ولها ” اجتهادات ” في مجال التنمية والاقتصاد، واستطاعت ان تحقق قفزات في مجال التنمية، وسابقت الزمن من أجل تقديم نموذج متفرد على الساحة الخليجية، وباتت هذه الإمارة محط أنظار الكثيرين.

نعم كانت هناك ” اجتهادات ” أصابت في كثير من الجوانب، وأخطأت في جوانب أخرى، ولكن من الظلم أن نقسو اليوم على هذه التجربة، أو أن نسقطها بالكامل من الذاكرة، بل يجب على الدول الخليجية مجتمعة الوقوفُ مع دبي اليوم، حتى تتجاوز أزمتها، وترشّد تجربتها، وتصحح مسيرتها، فدولنا الخليجية هي كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وهذا دائما عهدنا بدولنا الخليجية التي لا ترضى أن يضارَّ أي فرد منها.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x