ما بين «نفي» وزير التعليم والتعليم العالي د. محمد الحمادي لعدم «إغلاق» معهد النور الذي أنشئ في 1998 وأن هناك إعادة «تنظيم» للمعهد ليقوم بدوره بشكل أفضل، وبين «تفريغه» من كوادره الإدارية والتدريسية، «غموض» يرتقي إلى مستوى «غياب» الشفافية.
نعم قد يقول المسؤولون في التعليم ليس هناك «إغلاق»!! وهذا المصطلح غير وارد، إذن بماذا نسمي « توزيع» الكادرين التدريسي والإداري، وتخييرهما بين العمل كإداريين في الوزارة أو نقلهم للعمل في مدارس مختلفة؟ هل العبرة فقط ببقاء «هيكل» معهد النور الذي يضم قرابة الـ 600 طالب وطالبة كمبنى و «لافتة» أم العبرة بالخدمات التي يقدمها، والشمولية التي يتمتع بها، ونوعية هذه الخدمات؟ هل مفهوم «الإغلاق» قاصر على «إقفال» الأبواب فقط؟؟ أم أن تراجع الأدوار التي يقدمها هو جزء رئيس من مفهوم هذا «الإغلاق» الذي نفاه سعادة الوزير؟.
عفوا سعادة الوزير: ماذا يعني «تفريغ» المعهد من كوادره؟
بكل بساطة، إن تقليص الخدمات المقدمة بشمولية وفي مكان واحد لشريحة مهمة في المجتمع، وهي شريحة المكفوفين، من متعددي الإعاقات وليس فقط من المكفوفين الذين يتلقون هذه الخدمات بكفاءة عالية، وفي مكان واحد، جعلت من مدرسة «بيركنز» الأميركية المتخصصة في هذا المجال أن تصنف المعهد بمستوى «امتياز» مطلع هذا العام، وهو ما يعني بالتالي تراجعا لرسالته في المجتمع.
سبق لي أن زرت المعهد أكثر من مرة، منذ أن كان يقدم خدمات محدودة في مقره بالقرب من مؤسسة قطر، وفي مقره الحالي، بخدماته التكاملية، وأقسامه المتعددة، وكفاءة كادره الإداري والتدريسي، والكثير منهم إن لم يكن الغالبية من مؤسسي المعهد، مما يعني أن خبراتهم التراكمية لا يمكن «شراؤها» لاحقا لتقديمها من جديد بعدما يسمى بـ «إعادة» التنظيم الذي تحدث عنه الوزير، والذي على ضوئه يتم حاليا الاتصال بالكادر التدريسي ودعوتهم لمقر الوزارة لإخبارهم بانه سيتم توزيعهم للعمل بالوزارة بوظائف إدارية تشبه إلى حد كبير «سكرتارية»، أو نقلهم إلى مدارس أخرى تختلف بيئاتها عن بيئة معهد النور، فماذا يمكن أن تقدم هذه الكوادر؟! أو ماذا يمكن أن تضيف إلى البيئات المنتقلة إليها، وهي كل خبراتها مركزة على التعامل مع فئات طلابية بعينها؟ إننا بذلك نكون قد خسرنا مرتين، خسرنا هذه الكوادر في مواقعها الحالية، التي استطاعت أن تثبت وجودها، وأن تشكل إضافة حقيقية، وأن تبدع في مجالها، وفي الوقت نفسه هناك الخسارة الثانية وهي أنها لن تستطيع التأقلم مع تلك البيئات المنتقلة إليها، فهل نحن نهدف لمجرد ملء فراغ أو صرف رواتب ومخصصات مالية، دون أن يكون هناك تفاعل وفاعلية من تلك العناصر؟!.
لقد أثبت معهد النور نجاحات جيدة، وهذا ليس معناه أنه لا توجد به سلبيات دفعت جهات خارجية للاستعانة به، خاصة دول خليجية، ظل المعهد يمثل لها رافدا خاصة فيما يتعلق بالمناهج الدراسية، واستقبال أطفال من دول خليجية أخرى، نظرا للمستوى المتقدم الذي يتمتع فيه، فلماذا نقوم بـ « تفريغ « هذا الصرح؟؟ بالمناسبة نقلت تبعيته لوزارة التعليم (المجلس الأعلى للتعليم سابقا) في 2012 وتم تفعيل ذلك في العام الدراسي الحالي التعليمي الموجه في خدماته المتكاملة للمكفوفين في المراحل العمرية المختلفة، من كوادره، تحت مبررات غير منطقية، خاصة أنه ليس الكفيف فقط من يستفيد من هذه الخدمات، إنما أيضا الأصم الكفيف كان يتلقى الخدمات في المعهد. فهل لدى الوزارة القدرة على تقديم البدائل وعلى نفس مستوى الخدمات المقدمة في المعهد، مع القدرة على المتابعة والإشراف في حال «توزيع» هذه الخدمات على مؤسسات أخرى، إذا ما تم ذلك بالفعل؟.
أي «إعادة» تنظيم يفترض فيه أن يكون للأفضل، من خلال تطوير الخدمات، واستحداث أخرى، والارتقاء بها بما يحتاجه المستفيد منها، وليس «تراجع» الدور في المحصلة النهائية.
قد لا يظهر ذلك، أقصد تراجع دور المعهد في المدى القريب، لكن في ظل ما يتناقل من أخبار، هي بالكاد تكون بـ «القطارة» سنصحو يوما وقد عاد المعهد إلى المربع الأول.
كان يفترض بوزارة التعليم أن تتعامل مع قضية معهد النور بالشفافية، مع العاملين في المعهد أولا، وأولياء أمور الطلبة والطالبات ثانيا، وأن تعقد معهم لقاءات مفتوحة تشرك الهيئة الإدارة والكادر التدريسي في المشروع المطروح، لا أن تتعامل مع القضية في السر، وتقوم بالاتصال بهم والالتقاء بعدد منهم على «انفراد» في الوزارة، ويتم الحديث مع كل شخص بلغة مختلفة!!.
حتى إذا افترضنا أن هناك «فائضا» في الكوادر الموجودة بالمعهد- كما قيل للبعض- فهل يعقل أن يتم إشعار كل المشرفين على أحد الاقسام دون ذكر الاسم وعددهما اثنتان بنقلهما خارج المعهد؟!.
بالمناسبة هناك العديد من الأقسام بالمعهد هي أقسام تشغيلية، بمعنى أنها توفر موارد مالية من خلال ما تقوم من إنتاجه وتسويقه للداخل وخارج قطر، ومن خلال ما تتلقاه من دعم وتبرعات من أطراف متعددة، إضافة إلى جهود بعض الإدارات التي استطاعت أن توفر دعما ماليا جيدا لتسيير أنشطة وفعاليات المعهد، وهو أمر يحسب للقائمين على هذه الإدارات والأقسام.
أعتقد أنه ليس هناك رؤية واضحة في التعامل مع قضية معهد النور، لا في اختيار التوقيت، ولا في كيفية التعاطي مع الموضوع، ولا في آلية تنفيذ ما تهدف إليه الوزارة، ولا في كيفية إيصال ذلك إلى العاملين بالمعهد من إداريين ومدرسين…
نريد رؤية واضحة في التعامل مع مختلف الملفات في وزارة التعليم، وليست قضية معهد النور هي الوحيدة التي يتم اتخاذ القرارات فيها، دون أن يكون هناك «تشاور» أو لقاءات مع العاملين في الميدان، فلطالما اشتكى المدرسون ومديرو المدارس من القرارات التي تنزل عليهم بـ «البراشوت»، والتي تصطدم في بعض الأحيان مع الواقع التعليمي، وهو ما يدفع إلى سحبها أو إلغائها أو إصدار قرارات وتعاميم أخرى.
أتمنى على وزارة التعليم والجهات المعنية إعادة النظر في التقارير والتوصيات المرفوعة حيال المعهد أو غيره من المؤسسات المستهدفة بـ «إعادة» النظر، ودراسة كل مشروع دراسة متأنية، فعملية الهدم سهلة، لكن البناء مجددا خاصة لكيانات ناجحة هو أمر في غاية الصعوبة، إن لم يكن من المستحيل، فلنحذر من «تفكيك» تجارب ناجحة.
ولنا كلمة