مقالات

الجمعيات والمؤسسات الخيرية.. لماذا ترفض مساعدة أصحاب الديون؟

البعض وقع فيها بسبب الحاجة والتزامات حياتية

لست بصدد الحديث عن الأسباب التي تدفع إلى الاقتراض والدخول في هذه الدوامة، التي ما أن يدخل الشخص فيها حتى لا يكاد ان يخرج منها، خاصة تلك القروض المرتبطة بالبنوك التقليدية، التي يصعب على الفرد الانفكاك منها إذا ما تعثر سداده مرة أو مرتين، أو حاول تأجيل قسط لظروف قاهرة.

ولست هنا ايضا للحديث عن الأخطاء التي ارتكبها البعض من أصحاب القروض، الذين لم يدرسوا أوضاعهم جيدا، وتسرع البعض منهم في الذهاب الى البنوك للاقتراض، على اعتبار أنه الحل الأسرع لفك ضائقة مالية، دون توقع ما سيترتب على ذلك القرض مستقبلا من التزامات مالية، قد لا يستطيعون الإيفاء بها.

من يأتي إلينا في “اقققق” وفي كثير من الأحيان تتاح لي فرصة الجلوس معهم، والاستماع اليهم، يحمل هموم الدين، والملاحقات القضائية، وتربص البنوك بهم، وفي الوقت نفسه لا يجدون من يمد اليهم طرفا من “حبل” للنجاة مما هم فيه قبل أن يغرقوا وتغرق معهم أسر كاملة.

يأتي إلينا هؤلاء الاخوة والأخوات طلبا لمساعدتهم في نشر قضاياهم، والوقوف معهم من خلال جمع مساعدات لهم من أهل الخير والإحسان والجهات الخيرية، وعندما نطلب من هؤلاء الاخوة والاخوات ضرورة إحضار خطاب عدم ممانعة من الجهات والمؤسسات الخيرية على اعتبار أن هذه الجهات هي المخولة رسميا بجمع تبرعات، وحتى تكون هناك مظلة يتم من خلالها جمع هذه التبرعات، يأتينا الجواب بأن هذه الجهات والمؤسسات الخيرية ترفض مساعدتنا أو اعطاءنا خطابا لكم، والسبب أن ديوننا مصدرها البنوك التقليدية.

من المؤكد أن هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية لديها ما يبرر ذلك، فأكثر من مسؤول في هذه الجهات يقول إن الديون والقروض من هذه البنوك يخالطها الربا، وبالتالي لا نستطيع القيام بتسديد تلك القروض.

طبعا أصحاب الحالات يؤكدون أن لجوءهم لتلك البنوك، والاقتراض منها كان هو الخيار الأخير، لأن جميع الأبواب قد سدت أمامهم، ولم يجدوا جهة يلجأون إليها للاقتراض منها لتسديد التزامات مالية وقتية كانوا بحاجة ماسة اليها، فالبنوك الإسلامية ترفض منح قروض مالية، ولا توجد جهات أخرى يمكن اللجوء إليها سوى البنوك التقليدية، وبالتالي وقعوا فيما هم واقعون به من واقع يريدون الخلاص منه لكن دون جدوى.

الغالبية من أصحاب الديون إن لم يكن جميعهم يريدون التخلص من هذه الديون والقروض، التي انهكتهم وأثقلت كاهلهم، ويؤكدون رغبتهم في عدم تكرار ما وقعوا فيه، إلا أنه لا توجد جهة تنقذهم من ذلك، بما فيها الجمعيات والمؤسسات الخيرية، او تأخذ بيدهم نحو الخروج من هذه الدوامة، التي لا يظهر للكثير منهم بارقة أمل يمكن الخروج منها.

نعم أخطأ الكثير من هؤلاء الذين اقترضوا من البنوك التقليدية، ولكن ما هو الحل بالنسبة لهم؟ هل نتركهم تغرقهم تلك الديون، وتأخذ معها كذلك أسر هؤلاء؟ ألا يمكن مساعدة من وقع في “الحرام” للخروج من ذلك؟ وأيهما الافضل شرعا.. تركهم في الديون “الربوية” أم محاولة إخراجهم منها لكي يبدأوا حياة جديدة؟…

اليوم هناك المئات من المواطنين والمقيمين واقعون في الديون الربوية ايا كان اسمها وتتحفظ الجهات الخيرية على مساعدتهم للخروج منها تحت مبررات ترى هذه الجهات أنها صحيحة، ولا يمكن مساعدة من وقع في تلك الديون للخروج منها.

هناك ضحايا كثر، والغالبية منهم مهدد بالدخول إلى السجون، وهو ما ستترتب عليه “كوارث” اخرى اكبر من مجرد دخول شخص الى السجن، هناك عائلات وأسر مهددة بالضياع إذا ما وصل الأمر الى دخول عائلها السجن، فهل يرضي هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية ذلك؟.

ثم إن في حال دخول أصحاب هذه الأسر السجن بسبب الديون، فان أعباء ومسؤوليات ستقع على الجمعيات والمؤسسات الخيرية تجاه أسر هؤلاء الاشخاص.

أخطأ هؤلاء الذين اقدموا على الاستدانة من البنوك التي يطلق عليها من قبل بعض الجهات بأنها “ربوية”، فهل يتركون غارقين في هذا الخطأ، أم نحاول إخراجهم من ذلك، والعمل على تصحيح مسار حياتهم، وإنقاذهم مما هم فيه؟.

الكثير من الأسر تعيش حالة من القلق والخوف، ففي أي لحظة قد يقتاد عائلهم الى السجن في ظل تراكم الديون عليه، وعدم وجود مخرج لمعالجة تلك الديون، ومن ثم الخروج من ذلك النفق المظلم.

وإذا ما دخل السجن فإن أمورا اخرى ستتغير في حياة ذلك الشخص، حتى إذا ما خرج من السجن فإنه من الصعوبة فيما بعد الحصول على عمل يسترزق منه، ويعول به اسرته.

اليوم مساعدة هذه الشريحة من أفراد المجتمع، ممن وقعوا في شباك الديون ربما أسهل وأهون من الانتظار لحين وقوع “الكارثة” الأكبر، وهي دخولهم الى السجون، فعندها من سنساعد.. هل سنساعد الشخص الذي دخل السجن، ونعمل على إخراجه، أم نساعد أسرة ذلك الشخص، أم نقوم بجمع المال لتسديد ما عليه من ديون..؟.

آن الأوان للمؤسسات والجمعيات الخيرية أن تلتقي لمناقشة هذه القضية، وأن تجتمع لبحث هذا الموضوع المهم، الذي يهدد المئات من الأفراد والاسر في مجتمعنا، فلا يعقل أن يترك هؤلاء لمواجهة مصيرهم دون أن نجد من يتصدى لمعالجة قضاياهم المالية.

آن الأوان للمؤسسات والجمعيات الخيرية أن تبحث عن آلية محددة لمعالجة قضايا المديونين حتى من تلك البنوك التي يسميها البعض بـ “البنوك الربوية”، وأن تعمل على إلقاء قارب النجاة لهؤلاء الذين “تورطوا” في هذه الديون، وسقطوا في هذا المستنقع.

لا أحد ينكر الأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية سواء على الصعيد الداخلي او على المستوى الخارجي، فجهودها بالتأكيد مقدرة، ولكن ما الذي يمنع من مناقشة قضايا المديونين من البنوك التقليدية، والبحث عن السبل الكفيلة بمساعدتهم للخروج من دوامة الديون، التي دخلوها تحت ظرف معين، ويريدون اليوم التخلص منها، والعودة لحياتهم الطبيعية، بعيدا عن أعباء الديون، التي هي “هم بالليل وذل بالنهار”.

هناك أشخاص عليهم ديون محدودة جاءت بسبب مرض تطلب الاقتراض له، أو سداد ديون مدرسة، أو قرض بسبب زواج، أو ما إلى ذلك من قروض وديون محدودة يمكن التخلص منها إذا ما كان هناك من يقف بجوار أصحابها، ويساعدهم في التخلص منها بدلا من أن تزداد بوتيرة غير معقولة حسب قوانين وسياسات بعض البنوك التقليدية، التي “الداخل اليها مفقود، والخارج منها مولود”، فهل سنجد استجابة من الجمعيات والمؤسسات الخيرية لمساعدة أصحاب الديون؟.

 

بين فترة وأخرى يتردد على “الشرق” عدد من المواطنين والمقيمين الذين دخلوا في دوامة الديون والقروض منذ سنوات ولم يستطيعوا حتى هذه اللحظة الخروج منها، والعودة إلى حياتهم الطبيعية، على الرغم من السنوات التي قضوها وهم يقومون بتسديد تلك الديون، فإنهم يدورون في حلقة مفرغة.

الكثير ممن يأتي إلينا في “الشرق” يحمل أحكاما قضائية يوشك أن يدخل على اثرها إلى السجون لتعثره في السداد لسبب أو لآخر، وجميع هؤلاء قروضهم مرجعها البنوك التقليدية.

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x