المنتدى الاقتصادي.. خريطة طريق لرسم سياسات مستقبلية
قطر نجحت بالتوازي في قيادة مبادرات سياسية واقتصادية نوعية بالمنطقة
تأتي النسخة الرابعة من منتدى قطر الاقتصادي ـ التي انطلقت أمس برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه ـ لترسخ مكانة المنتدى كمنصة عالمية، تشارك فيها قطاعات واسعة من رؤساء الدول والحكومات وصناع القرار والاقتصاديين ورجال الأعمال والمستثمرين ورواد الأعمال، تطرح خلاله عبر جلسات ثرية قضايا التكنولوجيا والابتكار والاستدامة والطاقة والأسواق الناشئة وفرص الاستثمار..، وقبل هذا وبعده التحديات والأزمات التي تواجه الاقتصاد العالمي، وكيفية التصدي لها عبر طرح حزمة من المبادرات والأفكار التي من شأنها تجاوزها أو على الأقل تخفيف حدتها.
لقد أصبحت المؤتمرات والمنتديات والمبادرات التي تستضيفها قطر أو تقودها، واحدة من أبرز الفعاليات التي تحرص دول العالم وسياسيوها وصناع قرارها في مختلف القطاعات من الحضور والتواجد فيها، وربما هذا المنتدى يأتي شاهدا على ذلك، فقد تجاوز الحضور 1000 من قادة رؤساء الدول والحكومات والشركات، واستقطب متحدثين ما بين مسؤولين وصناع قرار وتنفيذيين من مختلف دول العالم، وهو ما يؤكد المكانة التي بات يحظى بها المنتدى، وتأثيره على الصعيد الإقليمي.
لذلك كان من الطبيعي أن يلفت منتدى قطر الاقتصادي أنظار العالم، وأن يستقطب قادته وصناع قراره، ففي الدوحة تجتمع قضايا العالم اقتصاديا وسياسيا، وفي الدوحة تتولد الأفكار، وتنبثق المقترحات، وتنطلق المبادرات، لإيجاد حلول لقضايا العالم.
نجحت قطر في دور الوساطة السياسية والدبلوماسية لكثير من الأزمات الحادة، وفككت الكثير من الملفات المعقدة، وجنبا إلى جنب نجحت بدورها الاقتصادي، الإقليمي، والعالمي، وهو ما لخصه معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، بالقول في الكلمة الافتتاحية للمنتدى « قطر أصبحت منارة للفرص الاقتصادية للكثيرين، حيث يسعى إليها المستثمرون من أنحاء العالم، وتوفر الأساس الاقتصادي للنجاح الذي يمكن أن ينهض بالمنطقة «.
المنطقة ـ في عموم عالمنا العربي ـ التي طالما عملت وما زالت تعمل قطر من أجل تقدمها ونهضة شعوبها، لم تغب عن القيادة القطرية في هذا المنتدى الاقتصادي العالمي، فقد حضرت عبر إطلاق مبادرة نوعية هي الأولى على الصعيد العربي. فقد أعلن معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية، عن إطلاق مشروع الذكاء الاصطناعي العربي « فنار «، الذي سيعتمد بشكل أساسي على جمع بيانات إعادة الجودة باللغة العربية، وسيسهم في إثراء النماذج اللغوية الكبيرة والحفاظ على الهوية العربية.
نسخة هذا العام من المنتدى ـ التي حملت شعار» عالم متغيّر.. اجتياز المجهول» ـ أتت بعد « قمة الويب « التي عقدت بالدوحة في فبراير الماضي، وكانت لأول مرة تعقد بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتكون قطر هي الحاضنة لها في أولى نسخها بالمنطقة، ليؤكد ذلك الترابط ومنهجية العمل، والرؤية المستقبلية التي تعمل بها قطر نحو مواكبة المشهد التكنولوجي المتسارع في النمو والازدهار بشكل مذهل، وهو ما يجعلها تولي أهمية كبرى لهذا القطاع، الذي عمدت للحضور الفاعل فيه عبر تأسيس وإطلاق عدد من المؤسسات والمعاهد ومراكز الأبحاث والدراسات، وكان آخرها معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، وهو مركز وطني بحثي وتطبيقي، هذا عدا المراكز المتقدمة التي تتصدرها دولة قطر في عدد من المؤشرات الدولية، وفي مقدمتها جودة التعليم، الذي يمثل ركيزة أساسية لأي نهضة علمية تكنولوجية وتقنية اقتصادية في أي دولة.
موازين القوى في العالم اليوم في شقها الاقتصادي تحديدا آخذة في التغير بشكل كبير، فما كان قبل 20 عاما حقيقة ثابتة، بات اليوم الأمر مختلفا، وهنا أقصد موازين القوى الاقتصادية التي كانت سائدة قبل 20 عاما، سواء بقيادة الولايات الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، اليوم الوضع مختلف، كفة آسيا الاقتصادية آخذة في الترجيح، وخاصة الصين التي باتت تعمل أمريكا لها ألف حساب، وتضع سياسات حمائية خوفاً من تغولها بصورة أكبر وأوسع.
وليس الصين فحسب، فهناك الهند وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، إلى جانب بروز آسيا الوسطى التي أخذت بالتشكل على الخريطة الاقتصادية العالمية.
وبالطبع هناك أفريقيا التي تسعى الكثير من دولها ـ بعد امساك قيادات شابة لزمام الأمور فيها ـ للخروج من تحت مظلة الغرب، والسعي لاستقلالية القرار، والعمل على مكافحة الفساد في مفاصل أنظمتها.
لذلك فإن منتدى قطر الاقتصادي يشكل خريطة طريق لرسم سياسات مستقبلية، واستشراف أفق عالم جديد في الاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة والمال والأسواق الناشئة والبحث عن فرص واعدة في قطاعات مختلفة، وترسيخ منصة الدوحة لتكون مكانة يجتمع فيها العالم، لبحث حلول لقضاياه المرتبطة بعضها ببعض، فلا يمكن فك السياسة عن الاقتصاد، في عالم متداخل ويلقي بظلال بعضه على بعض، كما رأينا في الحرب الروسية الأوكرانية، واليوم ما نراه من عدوان بربري صهيوني في غزة، وقبل ذلك جائحة كورونا، عدا أزمات أخرى أثرت كثيرا في الاقتصاد العالمي بصورة كبيرة.
قطر من خلال هذا المنتدى تبرز مجدداً ما لديها من إمكانيات وبنى تحتية عالية الجودة، وكوادر بشرية على قدر عال من الكفاءة في إدارة وتنظيم أحداث كبرى على هذا المستوى.
منتدى قطر الاقتصادي في نسخته الرابعة، وبهذا الحشد من الحضور، يترجم دور ومكانة وحضور قطر الفاعل إقليمياً ودولياً.