آلة بوقه في مجلس الأمن المدعو بشار الجعفري حاول تغيير بوصلة القضية عبر ادعاءته وافتراءاته حيال “الجزيرة ” وحيال قطر، ولكن سرعان ما افتضح أمره، كما افتضح أمر رئيسه المباشر وزير الخارجية وليد المعلم في مؤتمره الشهير عندما عرض مجموعات مقاتلة وادعى أن تلك المجموعات والعناصر إرهابية تقاتل الأبرياء في سوريا، وإذا بتلك المجموعات هي لعناصر في لبنان، وليس لها علاقة بسوريا تماما، وأن الصور الملتقطة التي عرضت بالمؤتمر الصحفي ترجع لجبال لبنان، ولكن بالرغم من كل ذلك، فإن هذا النظام يواصل الكذب، معتقداً أن العالم لا يزال “اعمى”، ولا يعرف ما يدور في سوريا من جرائم.
لم يعد الوضع كما كان في حماة ومجزرتها الشهيرة قبل 30 عاما، وتحديداً في عام 1982، فتلك المجزرة لم يعلم بها أحد، وظلت طي الكتمان، على الرغم من عشرات الآلاف الذين راحوا ضحيتها، واضعافهم من المشردين والمهجرين والمسجونين والمعتقلين.
كيف يمكن لنظام أو رئيس أن يبقى في الحكم على جماجم الأبرياء من الشعب، وكيف يمكن فرض حكم على شعب يرفض حاكمه ونظامه.. شعب يحاول التحرر من القمع المستمر لأكثر من نصف قرن من الزمان، ألا يستحق من العالم أن يقف معه مسانداً وداعماً؟
انتفض الشعب السوري رغبة في التحرر وليس بإملاءات خارجية كما يصور ذلك النظام أو أبواقه في الداخل والخارج وفي دول الجوار السوري، ممن يسبحون بحمد النظام، وممن لايزالون يقتاتون من موائده العفنة.
العالم يجب أن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري، ومن العار على العالم والرأي العام أن يتفرج على المذابح التي ترتكب يوميا، ويشاهد آلة القتل اليومية وهي تحصد العشرات، ولا نجد حراكاً حقيقياً يوقف تلك المذابح في ذلك البلد، وكأن سوريا ليست من الكرة الأرضية، أو ليست ضمن خريطة العالم، أو كأن الشعب السوري ليس بشراً يستحق الحياة.
الفيتو الروسي الصيني سيظل وصمة عار في جبين هاتين الدولتين، صحيح أننا لم نفاجأ من الموقف الروسي، فـ “حماقاته” وتاريخه الشائن مع العالم العربي والإسلامي، وجرائمه ضد البشرية لا تزال ماثلة في دول شتى، وبالتالي فإنه يرى في النظام السوري التلميذ “النجيب” في الاقتداء بممارسة القتل على الطريقة الروسية.
روسيا وجرائمها معروفة، ولكن المفاجأة كانت في الموقف الصيني، فقد كنا نتمنى ألا تحذو الصين حذو الروس في إعطاء رخصة رسمية للنظام السوري لمواصلة القتل الهمجي والعلني ضد شعبه.
كنا نأمل من الصين – وهي القريبة من العالم العربي، ولها مصالح قوية ومتعددة بما في ذلك سوريا- أن تقف مع الحق ومع المظلوم، ومع الضحية، لا أن تعين القاتل، وتعطيه المبرر لمزيد من القتل.
الصين ستخسر الكثير إذا ما اتخذت السياسة الروسية قدوة لها، ولن تجد القبول في العالم العربي والإسلامي إذا ما أقدمت على تصحيح موقفها غير العادل من الشعب السوري المظلوم، الذي يقتل ليل نهار على يد النظام وجيشه وشبيحته وأعوانه ومرتزقته، الذين يتوافدون أو يرسلون من دول وجماعات للوقوف مع النظام، وممارسة أبشع صور القتل، من أجل إرهاب الشعب، والدفع به إلى عدم التظاهر السلمي.
الصين يجب أن تراجع سياستها، وألا تماشي الروس في موقفهم من الثورة الشعبية السورية.
روسيا ستخسر موطء القدم الاخير لها في العالم العربي، فالنظام في سوريا لن يبقى مهما جاءه مدد، سلاحا كان أو أفرادا أو قرارات أو “فيتو” في مجلس الامن، فالبقاء على قيد الحياة لم يعد ممكناً لهذا النظام، الذي فقد الشرعية بقتله شعبه، فأي نظام استمر في البقاء بعد أن قتل شعبه، قد يستمر وقتاً عبر أجهزة انعاش، ولكن لن تظل تلك الأجهزة دائمة وأبدية.
الروس مهما قدموا للنظام السوري من دعم عبر أسلحة تنقل جواً وبحراً، وعبر الوقوف في وجه الشرعية الدولية من خلال “الفيتو” فان ذلك لن يحول دون سقوط النظام، وعندها ستخرج روسيا بذلة، وستخسر آخر معاقلها.
روسيا تبحث عن مصالحها، وتعتقد أن النظام يستطيع حماية تلك المصالح، ولا تدري أن النظام أيامه معدودة، مهما طال بقاؤه في السلطة المخطوفة والقائمة على جماجم الشعب، ولكن هذه المصالح أيامها معدودة، والشعب السوري لن يغفر للروس، ولن ينسى موقفهم المخجل، بل والمتواطئ، بل المشارك في قتل الشعب السوري.. سيأتي اليوم الذي يندم فيه الروس على استخدامهم الفيتو لحماية النظام السوري الحالي.
الشعوب في نهاية المطاف ستنتصر مهما قدمت من تضحيات، ولا يمكن أن تتراجع عن مطالبها، خاصة إذا ما سالت منها الدماء، والشعب السوري لم يقدم الدماء فحسب، بل هو اليوم مستعد لتقديم أضعاف ما قدمه خلال الأشهر الماضية.
ليس هناك تراجع عن الحقوق، ولا يمكن للنظام ان يرتكب جرائمه بعيدا عن اعين العالم، حتى وان ظلت المؤسسات الدولية تتفرج دون ان تتخذ قراراً يوقف القتل اليومي، ويوقف النزيف المستمر منذ قرابة العام.. الشعب سينتصر، وسيعيد كتابة تاريخه بعد أن اختطف وشوّه لعقود من الزمن.
النظام السوري اليوم بات مكشوفاً ومفضوحاً، ومعرّى أمام الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، ولم تعد أكاذيبه تنطلي على أحد، ولن يستطيع بافتراءاته وأباطيله أن يخدش الصورة الناصعة البياض لقناة “الجزيرة”، التي فضحت جرائمه، وعرّت أعوانه ومرتزقته، ونقلت للعالم بكل مصداقية ومهنية ما يرتكبه النظام وجنوده وشبيحته من جرائم بحق الشعب المظلوم والمغلوب على أمره.
النظام السوري لن يستطيع أن يحجب الشمس بغربال، ولن يستطيع أن يوقف مطالبات الشعب، ولن يستطيع الاستمرار في حكم شعب يلفظه ويرفضه.. فمهما استخدم من قوة، ومارس من بطش، ومهما قدمت له روسيا من سلاح جواً وبحراً، فإن الشعب منتصر.
ما الجديد وما الغريب في أن يكذب النظام السوري وزبانيته على قناة “الجزيرة “، وأن يبث الأباطيل والادعاءات حتى في المحافل الدولية، فهذا النظام يكذب يومياً على الرأي العام العالمي، بل ما الذي يمنع نظاماً يقتل شعبه بالعشرات يوميا من أن يمارس الكذب والخداع والتضليل في كل شيء، وعلى كل جهة.
الدماء التي تسيل اليوم على الأرض السورية جراء القتل الممنهج على يد النظام، الذي لم يستثن احداً من الاحياء، تقدم الصورة الحقيقية لهذا النظام، وتعطشه لسفك الدماء في أبشع صور على يد جنوده وشبيحته.
ولنا كلمة