رياح الرواتب الحكومية هل تقتلع القطريين من القطاع الخاص؟
في ظل عدم تفاعل غالبية الشركات والمؤسسات مع المكرمة الأميرية
هذه النسبة 8.4 % من القطريين العاملين بالقطاع الخاص أعتقد بأنها سوف تتقلص خلال المرحلة القادمة بعد رفع سقف الرواتب بالقطاع الحكومي، وهو ما سيعزز أكثر وجود العنصر القطري في القطاع الحكومي، وندرته أو افتقاره في القطاع الخاص، وتراجع نسبته أكثر في هذا القطاع الحيوي، الذي يمثل ركيزة أساسية في اقتصاديات الدول.
من المهم جداً قبل أن يفقد القطاع الخاص عدداً من الكوادر الوطنية التي أصبح لها خبرة واسعة في العمل في هذا القطاع، وأصبحت تمثل عنصراً فاعلاً فيه، وتتجه من جديد إلى القطاع الحكومي “المغري” بعد هذه الزيادات، على عكس السنوات الماضية،..، قبل أن يحدث ذلك لابد من الالتفات إلى الكوادر القطرية العاملة بالقطاع الخاص، ليس فقط بزيادة الشق المالي المتمثل بزيادة الرواتب أسوة بالقطاع الحكومي، إنما علاوة على ذلك لابد من البحث عن محفزات أخرى تدفع الكوادر القطرية للتوجه إلى القطاع الخاص، وبالتالي تخفيف العبء عن القطاع الحكومي، الذي من المؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد رغبة أكبر من قبل المواطنين بالعمل فيه، بدلاً من البحث عن عمل في القطاع الخاص، وبالتالي سنعود إلى “المربع الأول” المتمثل بهجرة المواطنين من هذا القطاع، ومن ثم تراجع نسبة العاملين فيه، وربما تكون النسبة خلال السنوات القليلة القادمة – إذا لم يتم استدراك الأمر – إلى أقل مما كانت عليه في عام 2009 وهي 4.7 % من إجمالي العاملين بالقطاع الخاص.
نعرف جيداً أن السبب الرئيسي الذي أدى في الماضي إلى هجرة العمل في القطاع الخاص هو الامتيازات الموجودة في القطاع الحكومي، التي كانت تتمثل في الحصول على الأرض، والقرض، والقروض والسلفيات العديدة التي يحصل عليها العاملون في القطاع الحكومي، وهو ما أدى إلى تمركز كل القوى العاملة من المواطنين في القطاع الحكومي، فكانت نسبة المواطنين في القطاع الخاص – في مرحلة – لا تتجاوز 2 % أو ربما أقل من ذلك، إلى أن تم تعديل بعض القوانين والتشريعات التي جعلت المواطنين متساوين في بعض الامتيازات، خاصة الأرض والقرض، سواء كانوا يعملون في القطاع الحكومي أو الخاص، فالعبرة بالمواطنة وليس بالوظيفة أو مكان العمل.
الآن الوضع يوشك أن يرجع – كما قلت – إلى “المربع الأول” إذا لم يتم تعديل الأوضاع المالية للكوادر القطرية العاملة في القطاع الخاص، فحتى هذه اللحظة سكتت الغالبية العظمى من مؤسسات وشركات القطاع الخاص عن الحديث عن إمكانية رفع رواتب القطريين فيها، وبات الحديث في هذا الأمر من “المحرمات”، ولم نسمع من الحكومة رأياً في هذا الأمر.
صحيح أن الدولة ليس لها الأمر على القطاع الخاص في رفع رواتب القطريين فيه، لكن الدولة تقدم العديد من التسهيلات لمختلف الشركات في القطاع الخاص، والكثير من هذه الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص يحصل على العديد من الخدمات من الدولة برسوم رمزية أو بدون رسوم لسنوات عدة، في حين أن هذه الشركات لم تقدم حوافز أو امتيازات خاصة لاستقطاب الكوادر القطرية، أليس هذا الأمر بحاجة إلى وقفة؟.
الأمر الآخر بإمكان الدولة أن تربط الخدمات التي تقدمها لشركات ومؤسسات القطاع الخاص من تسهيلات ورسوم رمزية على الخدمات..، بنسبة التقطير فيها، وحجم الحوافز والامتيازات التي تقدمها للمواطنين العاملين في تلك المؤسسات والشركات، بحيث لا تتساوى الجهات التي تدفع رواتب جيدة، وتمنح حوافز لاستقطاب المواطنين، مع تلك الجهات التي تدفع رواتب متدنية للمواطنين، ولا تقدم أي امتيازات أو حوافز لاستقطاب المواطنين.
لا يجوز أن يتساوى المحسن من الشركات والمؤسسات التي تساهم في خدمة المجتمع، ولها مبادرات نوعية، وتعمل على استقطاب الكوادر الوطنية، مع تلك التي ليس لها مبادرات تذكر، ولا تساهم بأي دور في خدمة المجتمع، ويقتصر دورها على “الانتفاع” فقط بخيرات المجتمع وأفراده، دون أن تسعى لاستقطاب الكوادر القطرية، أو منحها رواتب “عدلة”، أو امتيازات كما تعطي الإخوة العاملين غير القطريين.
في غالبية دول العالم تتولى شركات القطاع الخاص بناء مراكز خدمية وترفيهية وترويحية ونفع عام..، وتخصص موازنات من أجل خدمة المجتمع، فيما شركات القطاع الخاص عندنا “تأكل عسل” ولا نرى أثر ذلك في المجتمع.
قد يقول القائمون على هذه الشركات المدرجة في السوق المالي إنهم يدفعون 2.5 % لصندوق الأنشطة الرياضية والاجتماعية، وهذا صحيح، ولكن هل هذا كل شيء، هل الأرباح “الخيالية” التي تحصل عليها غالبية شركات القطاع الخاص تعفيها من المساهمة في تقديم الدعم لقطاعات مجتمعية أخرى؟!.
للأسف الشديد أصبحت هذه النسبة “شماعة” يعلق عليها الكثير من الشركات مساهماتها، فهي ترفض أية مساهمة خارج هذه النسبة، وتتعلل بأنها تساهم في ما يعرف بـ “المسؤولية الاجتماعية” من خلال هذه النسبة.
أعتقد بأنه يمكن للدولة أن تتخذ خطوات إيجابية وتشجيعية للشركات التي تساهم بتوظيف الكوادر القطرية مع منح رواتب لا تقل عن الحكومة، وامتيازات تستقطب القطريين، وأن تعمل الدولة على دعم هذه الشركات والمؤسسات عبر تسهيلات تقدم لها، وامتيازات تمنح، وكلما ارتفعت نسبة التقطير في هذه الجهات، حصلت على امتيازات أفضل من الدولة.
مطلوب من الدولة الالتفات إلى العاملين بالقطاع الخاص من القطريين قبل أن تذهب بهم “رياح” الرواتب الجيدة في القطاع الحكومي، وتقتلعهم من جذورهم في القطاع الخاص، وعندها ستخسر الدولة، وستذهب كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية من أجل تشجيع القطريين للعمل في القطاع الخاص أدراج الرياح، فهل تنتبه الدولة لذلك قبل فوات الأوان؟.
آمل ذلك.
لا تتجاوز نسبة القطريين العاملين في القطاع الخاص 8.4 % حسب إحصائية جهاز الإحصاء عن مسح القوى العاملة بالدولة لعام 2011، وهي نسبة تعتبر عالية بعد الجهود التي بذلتها الجهات المختصة – وزارة العمل – للدفع بالقطريين للعمل بالقطاع الخاص خلال العامين الماضيين، إذا علمنا أن نسبة القطريين لم تتجاوز في عام 2009، 4.7 % فقط، على الرغم من أن الطموحات كانت تتحدث طوال السنوات الماضية عن الرغبة بإيصال النسبة إلى 20 %.