سياسة اقتصادية راشدة
الرؤية التي تستشرف بها القيادة القطرية المستقبل فيها الكثير من الحكمة والحنكة والوعي والتوجه الرشيد، لبناء اقتصاد لا يعتمد بالدرجة الاولى على انتاج الداخل، وفي الوقت نفسه فيه التنوع، الذي يقي من أية متقلبات اقتصادية عالمية اذا ما حدثت.
المشروع الأخير الذي دشنه سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه بحضور سمو الشيخة موزة قبل يومين والمتمثل بمحطة الادرياتيكي للغاز المسال في ايطاليا يمثل الاستراتيجية التي انتهجتها الدولة لبناء مستقبل قطر، فهذه الخطوة ليست إلا واحدا من عشرات المشاريع الاقتصادية والاستثمارية الكبرى التي تعمل قطر وبتوجيهات من سمو الأمير المفدى على تنفيذها في عدد من دول العالم، وفيها كما أشرت سابقا التنوع الكثير، بحيث لا يتم وضع كل البيض كما يقولون في سلة واحدة.
السياسة القطرية لا تنظر تحت قدميها، ولا تفكر في يومها دون الالتفات الى الغد، انما تبني للمستقبل جنبا الى جنب مع اهتمامها بالمرحلة التي تعيشها، ولا تألو جهدا في توفير الرخاء لمواطنيها، وفي الوقت نفسه عدم تجاهل او نسيان الأجيال القادمة.
الرخاء الذي نعيشه اليوم ليس ملكا لنا وحدنا، إنما تشاركنا به الأجيال المقبلة، وهو ما تضعه القيادة القطرية نصب أعينها، وتنتهج في سبيل ذلك سياسة مدروسة نحو تنويع مصادر الاستثمار محليا وخارجيا، وعدم الارتهان لمصدر واحد، وتسعى الى خلق فرص استثمارية متعددة، مع استثمار الموارد المالية المتاحة حاليا بطريقة مثلى قدر الإمكان.
اليوم قطر لديها استثمارات خارجية متعددة، سواء في مجال الغاز أو العقار أو السياحة أو الزراعة أو الثروة الحيوانية أو الاستثمار أو الصناعة أو البورصات العالمية..، وهو ما ينم عن وعي وإدراك بالمرحلة المقبلة، وضرورة استغلال الامكانات المتوافرة اليوم لبناء مستقبل الغد، فالمتأمل للنهج القطري، والسياسة التي تتبعها فيما يتعلق بالشق الاقتصادي، يدرك جيدا ان القيادة القطرية تحاول قدر الامكان الاستفادة من الطفرة الحالية، وتوجيهها نحو بناء قاعدة اقتصادية متينة، والانفكاك من قضية اسعار البترول، ارتفاعا وانخفاضا، وهو ما يؤثر على التنمية بجوانبها المختلفة.
استفادت قطر من درس الطفرة الاولى التي حدثت في سبعينيات القرن الماضي ومطلع الثمانينيات، فحاولت في الطفرة الحالية التي سبقت الأزمة المالية العالمية تحديدا أن تستثمر في الداخل والخارج، وان تعد خططا فعلية وجادة تهدف لخلق اقتصاد قوي متنوع، يهدف لفك الارتباط بسلعة النفط، التي تمثل اليوم الثقل الأكبر في موازنة الدولة، إلا أن هذه المعادلة لن تكون كذلك بعد سنوات قليلة، عندما تبدأ المشاريع الكبرى التي تتولى قطر تنفيذها عبر أجهزتها المختلفة تؤتي ثمارها، وإن كانت بالفعل هناك من المشاريع الخارجية قد بدأت بمساندة الاقتصاد، ولم تتأثر قطر كثيرا بهذه الازمة المالية العالمية بفضل السياسة الحكيمة التي تعاملت بها مع هذه الازمة وتداعياتها، إلا أن الصورة الكلية لأهمية هذه المشاريع العملاقة سوف تتضح أكثر خلال سنوات قليلة.
القيادة القطرية “لا توفر سمكا فقط لأبنائها كما يقول المثل انما تعلمهم كيف يصطادون” وهي العملية الأهم، فليس المهم اليوم ان توفر للمواطن رغد الحياة والرفاهية والرخاء، معتمدا على الموارد المالية المتدفقة، دون وضع استراتيجية تستثمر الوضع الحالي بصورة مثلى، وتستشرف المستقبل ببناء اقتصاد متنوع القاعدة، لا يتأثر بالأزمات، إضافة الى ذلك فان هذه الثروة التي ننعم بها نحن اليوم ليست ملكا لنا فحسب، انما الاجيال القادمة لها الحق في هذه الثروة، ولها الحق في ان نبني لها المؤسسات الاقتصادية التي تحفظ لها حقوقها، وهو ما تعمل به القيادة القطرية في الوقت الراهن، وتبذل قصارى جهدها من اجل تأمين مستقبل مشرق لهذا الوطن وابنائه.
عمل دؤوب، وفق رؤية واضحة، وسياسة حكيمة، لقيادة واعية تسعى جاهدة من أجل بناء هذا الوطن، والاهتمام بأبنائه، وهو ما يجعلنا نجزم بإذن الله أن المستقبل لهذا البلد.. المستقبل لقطر.. المستقبل لبلد قيادته تخطط بجد، وتعمل بإخلاص من أجل غد مشرق لهذا الجيل والأجيال القادمة.
إن النهج الذي تسير عليه القيادة القطرية حفظها الله لهو محل إكبار وإعجاب المراقبين والمؤسسات السياسية والمالية والاقتصادية الدولية، نظرا لما تتمتع به هذه القيادة من بعد نظر، وحكمة في إدارتها لمختلف الملفات، وفي مقدمتها الملف الاقتصادي، فبوركت هذه الجهود، وسدد الله على طريق الخير هذه التوجهات الحكيمة.