قطر.. صانعة سلام
من جديد، تبرز قطر كصانعة سلام في بحر متلاطم من الحروب والصراعات والأزمات، إلا أنها تظل متفردة في سياساتها ونهجها ودورها الإقليمي والدولي، الذي يتربع على مصداقية عالية، وثقة كبيرة من المجتمع الدولي.
يحسب لدولة قطر وسياستها الحكيمة والراشدة، ودبلوماسيتها النشطة والوازنة، إنجاز وساطة ناجحة وتحقيق هدنة تبدأ من اليوم في قطاع غزة، الذي تعرض لعدوان غاشم، ومجازر وحشية من قبل الكيان الإسرائيلي.
فعلى مدار 46 يوما قادت قطر بدبلوماسيتها النشطة والمؤثرة، جهودا جبارة لوقف العدوان على أهلنا في قطاع غزة، وبذلت مساعي سياسية ودبلوماسية مكثفة إقليميا ودوليا، واستقبلت وفودا متعددة بعضها على مستوى رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء لدول فاعلة في العالم.
منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان الموقف القطري واضحا في تحليله لتطورات الأوضاع، فكانت قطر أول دولة تصدر بيانا يحمل الكيان الإسرائيلي مسؤولية التصعيد، بسبب السياسات العنصرية والإجراءات غير القانونية التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني في القدس والمسجد الأقصى وأراضي 48 ومناطق مختلفة.
لم يكن التوصل إلى انجاز الهدنة أمرا سهلا وميسرا، بل كانت هناك تحديات وصعاب وإشكالات، لكن كل ذلك لم يمنع قطر من مواصلة العمل بكل جهد وإخلاص لوقف العدوان على غزة، إيمانا منها بالواجب الأخوي تجاه أهل غزة والشعب الفلسطيني عموما، لذلك واصلت جهودها لنحو شهر ونصف الشهر عبر تحركات واتصالات ومشاورات ومباحثات وزيارات لمنع الكيان الإسرائيلي من مواصلة عدوانه على غزة.
ولم تقف قطر وقيادتها عند التنديد أو الاستنكار، أو تتخذ موقف المتفرج لما يتعرض له الأشقاء في قطاع غزة، بل قادت حراكا على كل صعيد، وتولى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في مراحل متعددة إدارة الجهود والتحركات والاشراف ومتابعة المستجدات، بل اضافة الى استقباله لعدد من رؤساء الدول والحكومات والمسؤولين الذين توافدوا على الدوحة، التي تحولت لمحور عالمي لأوسع حركة دبلوماسية، قام سموه بجولات وزيارات لعدد من الدول، وكان وقف العدوان على غزة في صدارة مباحثات سموه مع قادة الدول التي زارها، وقاد بنفسه وفود قطر إلى القمم التي عقدت بعد العدوان على غزة، ايمانا من سموه بضرورة وقف العدوان المتصاعد على اهلنا في غزة، فكرست قطر وقيادتها جهودها عبر وساطة صادقة ومخلصة لتحقيق وقفا للعدوان، فكان أن تحققت هذه الهدنة، التي تمثل انتصارا للضمير الإنساني في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية.
الهدنة – التي تحققت بجهود مشتركة مع الأشقاء في مصر – ستتيح ادخال عدد أكبر من القوافل الانسانية والمساعدات الاغاثية بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الانسانية لأهلنا في قطاع غزة، تعد انتصارا ذا اتجاهين، وقف العدوان الاسرائيلي والمجازر الوحشية والجرائم التي لم يشهد لها التاريخ الحديث التي ترتكب بحق المدنيين والمؤسسات المدنية والصحية والتعليمية في غزة، وفي نفس الوقت هي انتصار جديد للسياسة القطرية في معالجة الأزمات، لتؤكد من جديد سلامة نهجها وعلاقاتها الخارجية، وما تحظى به من مصداقية وثقة العالم في وساطتها والأدوار التي تقوم بها.
العالم وشعوبه الحرة تنفس الصعداء بتحقيق وانجاز هذه الهدنة، وما رأيناه من ترحيب من دول العالم ومنظماته المختلفة، خير شاهد على تقدير الدور القطري، وتثمين الجهود التي افضت الى هذه النتيجة، والأمل أن تكون هذه الهدنة هي البداية لوقف كامل للاعمال العسكرية الإسرائيلية.
وظفت قطر ما لديها من علاقات مع دول العالم، وما تتمتع به من مصداقية، وخبراتها في مجال الوساطة وادارة الازمات بحكمة وعقلانية، من أجل الدفاع عن أهلنا في غزة، والسعي لوقف العدوان، وهو ما تكلل بتحقيق هذا النجاح.
انتصرت قطر لغزة، ولن ينسى التاريخ مواقف أمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، العظيمة في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة الداعمة والدائمة لغزة وللشعب الفلسطيني، على كل صعيد، وفي كل محفل.
وستظل قطر وقيادتها وشعبها ملتزمة بمبادئها وقيمها، منتصرة لقضايا أمتها وشعوبها، داعمة للقضايا الإنسانية أينما كانت.