ثمة أحداث عديدة تشهدها الدولة، وفعاليات مختلفة تقام فيها طوال العام، إن كان ذلك مؤتمرات أو اجتماعات أو منتديات أو بطولات رياضية.. وغيرها من الأحداث التي لا يكاد ينتهي أحدها حتى يقام الآخر، وفي أحيان كثيرة تجد في اليوم الواحد أحداثاً إقليمية وقارية ودولية تنعقد ويشهدها إعداد كبيرة من الشخصيات.. والسؤال ما حجم الاستفادة ” البعدية ” لهذه الأحداث ؟.
لست هنا بصدد سرد هذه الأحداث ، فهي تتجاوز ـ حسب علميـ 200 حدث متنوع يقام في قطر طوال العام، إن لم يكن أكثر من ذلك، وتستقطب شخصيات من كل الأطياف وكل المستويات، والكثير منها يستعرض تجارب ناجحة أو أوراق عمل ثرية في قطاعات مختلفة، أو فعاليات ثقافية وأسابيع دولية.. وغيرها من الفعاليات التي لا تنقطع عن الدوحة .. ولكن ماذا بعد هذه الفعاليات؟ هل العبرة فقط باقامتها والاحتفاء بها خلال أيام ، ثم ينتهي كل شيء أم لابد من الاستفادة منها ومن التجارب والاتفاقيات المختلفة التي تعقد وتستعرض ؟.
ليس هذا فحسب، هناك شخصيات تفد إلينا في هذه المؤتمرات والأحداث والبطولات.. والكثير منهم يخرج من الدوحة كما دخل، بمعنى انه لا تتاح له الفرصة للاطلاع على قطر أو الالتقاء بمسؤولين وصناع قرار في قطاعات الدولة والمجتمع لمعرفة المجتمع، خاصة أن البعض منهم قد أتى من خلفيات بها نوع من الضبابية أو التشويه لصورة قطر، الدولة والشعب، مما يفرض علينا استثمار هذه الأحداث لتقديم صورة حقيقية لما هي عليه قطر.
البعض من الشخصيات التي تأتي إلى الدوحة لحضور هذه الفعاليات يكاد يكون خط سيرها محصوراً من المطار إلى الفندق الذي ستقيم فيه والذي غالباً يكون مقراً للفعالية أو المؤتمر، والعكس من الفندق إلى المطار، دون أن يلتقي مسؤولاً أو يطلع على تجربة قطرية أو يشاهد معلما من معالم البلد .. فهل يعقل ذلك ؟.
حتى على صعيد تكوين علاقات شخصية مع الشخصيات التي تحضر إلينا، والتي تعد بالآلاف، يكاد يكون محدوداً، في كل القطاعات بالمناسبة ، بما فيها القطاع الإعلامي، فهناك المئات من الإعلاميين على سبيل المثال يحضرون للدوحة لتغطية فعاليات مختلفة، سياسية.. اقتصادية.. ثقافية.. رياضية.. تعليمية.. صحية.. وقلما يجدون من يلتقون به من الإعلاميين المحليين بعيداً عن ساحة التغطيات داخل القاعات وفي أروقة الفنادق.
للأسف في كثير من الأحيان نفتقر للعلاقات العامة التي لا تنظر فقط للاستقبال وتهيئة المكان وتوفير المواصلات.. إنما لديها رؤية لاقامة علاقات مستقبلية ونسجها والبناء عليها والتواصل مع تلك الشخصيات بعيداً عن أجواء المناسبات أو الأحداث التي تقام في البلد…
الاشكالية التي نقع فيها أن علاقتنا بالحضور تنقطع مع آخر يوم في المؤتمر أو الاجتماع أو الفعالية التي يتواجد بها هؤلاء، وهو أمر بحاجة إلى إعادة نظر، نحن بحاجة إلى عمل مؤسسي يخلق الروابط، ويفتح القنوات، ويشكل الروافد المتنوعة مع كل الأطراف..، ونبني على هذا الأمر، لنخلق شبكة واسعة من العلاقات الانسانية.
وهذا الأمر ينطبق على باقي الأحداث التي تستضيفها وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، التي تدعى لها شخصيات على مستويات رسمية وصناع قرار ورموز بارزة…
والشيء بالشيء يذكر ، الأسابيع الثقافية التي تقام بالتبادل بين قطر ودول إقليمية ودولية، هي الأخرى بحاجة إلى وقفة تقييم ومراجعة ، لنعرف بالتحديد أين نحن نقف من هذه الأسابيع الثقافية الهامة.
جميل أن تنظم مثل هذه الفعاليات، ويشكر القائمون عليها بوزارة الثقافة على هذا الجهد ، ولكن السؤال : ماذا بعد اقامة هذا الأسبوع الثقافي؟.
شهدنا خلال الفترة الماضية عدداً من هذا الأسابيع لدول عربية وإسلامية شقيقة ودول صديقة ، قدمت عروضاً مختلفة، والسؤال ماذا بعد؟
بالتأكيد العديد من الدول التي لدينا معها اتفاقيات ثقافية ـ وفي المجالات الأخرىـ لديها تجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها، والبناء عليها بما يتفق وقيم وعادات وتقاليد المجتمع ، الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، كما ورد في الحديث الشريف فيما معناه.
بالمناسبة حتى مشاركة الوفود الرسمية القطرية في الاجتماعات والمؤتمرات الخارجية هي الأخرى بحاجة إلى مراجعة ، فليس فقط العبرة مجرد المشاركة أو إلقاء كلمة في الجلسات، إنما لابد من الاختلاط بالوفود المشاركة، والحرص على حضور الجلسات الخاصة بالمؤتمر أو الاجتماع، فمجرد التواجد في كل الجلسات هي رسالة ايجابية عن قطر وأبنائها، وكيف انهم يبدون حرصاً على التواجد والاستفادة، إضافة إلى الاحتكاك بالوفود المشاركة، مما يتيح تصحيح بعض المفاهيم أو الانطباعات المشوشة التي قد يحملها البعض عن قطر، فهذه المؤتمرات والملتقيات هي فرصة لاقامة مثل هذه العلاقات ونقل صور مشرفة عن قطر لدى الأوساط المشاركة.
لانريد فقط حضور الجلسة المخصصة لكلمة الوفد القطري ثم الغياب عن باقي الجلسات دون أسباب منطقية تدعو لذلك ، حتى وان حصل ذلك فلا يعقل أن الوفد كله يغيب عن حضور جلسات المؤتمر الذي سافر لحضوره.
نحن بحاجة إلى وضع رؤية واستراتيجية واضحة لما ينبغي أن نفعله في التعامل مع الأحداث في الداخل والمشاركات في الخارج.
صحيح قطر باتت علم يشار إليه بالبنان في التنظيم والاستضافة لأي حدث ، مؤتمراً كان أو اجتماعاً أو بطولة رياضية..، ولكن هذا لا يكفي لبناء علاقات مستقبلية، والاستفادة من هذه العلاقات في الأروقة الإقليمية والدولية، وهو ما تفعله الكثير من الدول.
نعم نمتلك علاقات ومصداقية وسمعة طيبة في المحافل القارية والدولية، بفضل الجهود الكبيرة ، والمبادرات الخلاقة التي تقودها القيادة الحكيمة، وهو ما جعل قطر تتبوأ مكانة دولة مرموقة، لكن في الوقت نفسه نحن بحاجة إلى تعزيز هذه العلاقات، والاستفادة من هذه السمعة والمصداقية الكبيرة التي تحظى بها دولتنا في بناء علاقات في المستويات الوسطى وقيادات صناع القرار في المراكز المختلفة.
لابد لنا أن نستثمر هذه المؤتمرات والاجتماعات والملتقيات والبطولات الرياضية.. لبناء شبكة من العلاقات الدائمة مع الأطراف المختلفة في كل المجالات ، فهل نجد من يتصدى لهذه المهمة الكبيرة والهامة .. ؟.
نأمل ذلك.
ولنــا كلمة