هل البنية التحتية جاهزة للتعامل مع التغيّرات المناخية؟
خلال السنوات الثلاث الأخيرة شهدنا تغيرات مناخية كبيرة بالخليج والجزيرة العربية، تمثلت في أحد جوانبها بسقوط الثلوج وكميات الأمطار التي هطلت على دول مجلس التعاون الخليجي، والتي شكلّت ظواهر غير مألوفة، وتسببت في فيضانات غير معتادة في عدد من دول المجلس، وسجلت أرقاما قياسية غير معهودة، وربما ما شهدنا مؤخرا في الشقيقتين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة – حفظهما الله من كل مكروه وباقي دولنا الخليجية والعربية – خير شاهد على ما تشهده المنطقة من تغيرات مناخية غير مسبوقة.
هذه التغيرات تقودنا للتساؤل عن مدى جاهزية البنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع مثل هذه الظروف المستجدة، وما إذا كانت هناك خطط للتعاطي مع مثل هذه الاوضاع، سواء أمطار أو لا قدر الله كوارث طبيعية أخرى.
دول مجلس التعاون الخليجي اليوم بحاجة الى اعادة النظر في شروط ومواصفات البنية التحتية، والمباني السكنية والادارية والتجارية والابراج، وكل ما يتعلق بهذا الأمر، فكل المؤشرات تتحدث أننا مقبلون على ظروف مناخية جديدة بالمنطقة، تستوجب تعديل وتطوير عدد من الاجراءات، بما فيها ما يعرف بـ «كود البناء»، الذي عادة يعد مرجعية في ضبط كل ما يتعلق بالبناء والتشييد.
لسنوات ربما كنا لا نعير هذه القضية أهمية، وكنا نعتقد أن الأمر لا يعدو عن «تخوفات» غير منطقية، ولكننا اليوم صحونا على مشاهد غير مألوفة، سواء في كميات الأمطار التي هطلت على بعض دولنا الخليجية، أو التوقيت كذلك، وهي مؤشرات تدعونا لليقظة، وإعادة النظر في كل الإجراءات والخطوات المتبعة على صعيد البناء، في كل مساراته، وفي الوقت نفسه مدى جاهزية كل الجهات المعنية للتعامل مع أسوأ الظروف المناخية أو الكوارث الطبيعية، وكذلك مدى التنسيق والتعاون فيما بين الأجهزة الخليجية المعنية إذا ما استدعت الظروف الاستعانة بدولة خليجية أخرى.
معايير البناء المتبعة في دول الخليج عموما من المؤكد أنها بحاجة إلى إعادة نظر، والتفكير في استحداث معايير جديدة تتوافق مع المعطيات المستجدة، وفي نفس الوقت العمل على تحديث ما هو قائم حاليا.
الظروف المناخية والطبيعة الجغرافية متشابهة تقريبا بين دول مجلس التعاون الخليجي، مما يدعو لمزيد من التعاون والتنسيق والتكامل على هذا الصعيد، والبحث عن كل ما يمكن أن يعزز هذه العلاقة، والعمل معا نحو وضع أسس جديدة للبناء خلال المرحلة المقبلة.
هناك موازنات ومخصصات مالية ضخمة تخصص لهذا القطاع جعلت من البنية التحتية في دول الخليج هي الأفضل عربيا، وتضاهي الدول الأوروبية المتقدمة، ان لم تتفوق على البعض منها، وهو أمر نفخر به، ولكن في نفس الوقت يضع المزيد من المسؤوليات على عاتق الدول الخليجية والقطاعات التي تتولى الإشراف وتنفيذ الخطط الخاصة بذلك.
نريد الاستثمار الأفضل للموازنات التي تخصص لقطاع البناء بصورة تعمل على تلافي الأخطاء الماضية، وتلبي متطلبات تصريف كميات أكبر من الامطار، وتتحمل ذلك قدر الإمكان.
قد يقول البعض – وهو ما سمعناه سابقا – إن تجهيز بنية تحتية لكميات هائلة من الامطار مكلف جدا، وهو لا يأتي الا نادرا، وربما يمر العام والعامان دون أن نشهد تلك الارقام القياسية من هطول الامطار، وهذه نظرية لم يعد لها مبرر في ظل التغيرات المناخية المتسارعة بالمنطقة، والتي قد ندفع أثمانا باهظة اذا لم نجهز لها البنية التحتية والمرافق الخاصة التي يمكن أن تتعامل معها بصورة سلسة.
وهناك أمر مهم، وهو عملية الصيانة لمرافق التصريف الخاصة بالمياه، للأسف في كثير من الأحيان عند هطول الامطار نكتشف أن منافذ تصريف الامطار لا تعمل، نظرا لامتلائها بالأتربة والشوائب، بسبب غياب الصيانة الدورية، وهذا يتكرر في دولنا الخليجية جميعها بالمناسبة.
لذلك من المهم الالتفات الى الصيانة الدورية، وإعطاؤها الأولوية، ويكون جزء من المخصصات المالية في الموازنات مخصصا للصيانة، فمن السهل إيجاد أفضل المرافق والبنى التحتية، لكن إذا غابت عنها الصيانة فإن مصيرها سيكون التعطل، والتحوّل الى عائق كبير، والتسبب بكوارث متعددة.
استثمار كميات الأمطار
وفي الجانب الآخر كيف يمكن ايضا استثمار كميات الأمطار التي تهطل على دول الخليج في زيادة المخزون الإستراتيجي المائي، فنحن دول بها عجز مائي كبير، وتعتمد بنسب عالية على تحلية المياه، وفي ذلك مخاطر كبيرة، وتعد قضية المياه واحدة من القضايا الحيوية الملحة في دول الخليج، فكيف يمكن استثمار هذه الأمطار بصورة صحيحة في زيادة المخزون الإستراتيجي للمياه في دولنا الخليجية؟.
الاعتماد على تحلية المياه، عدا عن كونها مكلفة وباهظة الثمن، فإن بها من التحديات والمخاطر الشيء الكثير، خاصة في ظل التهديدات والصراعات التي تتسع دائرتها بصورة متزايدة بالمنطقة، مما يدعونا للعمل على تغذية المياه الجوفية من خلال كميات الأمطار التي تهطل سنويا، وإيجاد مخزون مائي إستراتيجي يحمي دول المنطقة والأجيال القادمة من مخاطر العجز المائي لا قدر الله.