حوارات

الشيخة حصة بنت خليفة مبعوث الشؤون الإنسانية: المنظمات الخليجية تقود العمل الإنساني العربي

حذرت سعادة الشيخة حصة بنت خليفة بن أحمد آل ثاني المبعوث الخاص للأمين العام للجامعة العربية للشؤون الإنسانية، من تفاقم الأزمات في العالم العربي وارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين ومن نذر مواجهات بين اللاجئين ومواطني الدول المستضيفة وأن هذه المؤشرات تتطلب عقد قمة عربية لوضع حلول عاجلة لها.
وأكدت في حوار شامل لـ الشرق، أن قطر والسعودية والكويت وسلطنة عمان من أكثر الدول استجابة في مجال العمل الإنساني، وأن المنظمات الخيرية القطرية نجحت في تحويل الدعم المادي إلى برامج ومشاريع إنسانية وتنموية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن منظمات العمل الإنساني الخليجية بشكل عام هي الأكثر نشاطاً بالمنطقة.
وكشفت سعادة الشيخة حصة بنت خليفة بن أحمد آل ثاني عن تدهور الأوضاع الإنسانية في العالم العربي، مما يستدعي خلق قوة عمل إنساني عربي موحد، لزيادة أوجه الدعم لما في صالح تطوير العمل الإنساني والإغاثي، وتنفيذ مشاريع إغاثية للتخفيف من حِدة الأوضاع الإنسانية المتدهورة بالمنطقة، لافتة إلى أن أعداد النازحين في المنطقة العربية فاقت أعداد اللاجئين، وهو ما يشكل تحدياً صعباً أمام منظمات العمل الإنساني، لتقديم المساعدات الإغاثية والتنموية في مناطق النزوح.
وأوضحت المبعوث الخاص للأمين العام للجامعة العربية للشؤون الإنسانية، أن الدول المستضيفة للاجئين هي الأكثر تضرراً من الوضع الراهن، لعجزها عن تحقيق التوازن بين احتياجات مواطنيها واللاجئين، مطالبة بحتمية زيادة الدعم والتمويل لهذه الدول.
كما نوهت سعادتها إلى أن جامعة الدول العربية أجرت العديد من الدراسات والبحوث عن الأوضاع الإنسانية للاجئين والنازحين، كما تسعى إلى تنفيذ العديد من الخطط الرامية إلى تطوير العمل الإنساني العربي، مؤكدة أنها تبحث تأسيس منظمة دولية إغاثية توجه دعمها بالكامل لدول العالم العربي، فضلاً عن مقترح آخر بإنشاء منصة تشمل قاعدة بيانات العمل الإنساني العربي، لتسهيل عمل المنظمات تحت مظلة جامعة الدول العربية. وإلى تفاصيل الحوار ..

◄ في البداية، نود أن نسلط الضوء على أهمية اليوم العالمي للعمل الإنساني كحدث مهم يُحتفى به في 19 أغسطس من كل عام؟
► إن اليوم العالمي للعمل الإنساني، مناسبة عالمية لتكريم الجهود البطولية للعاملين الإنسانيين حول العالم، ولتعزيز فكرة أن الناس من جميع الثقافات والجنسيات والأديان يمكن أن يتحدوا كقوة فاعلة في خدمة الإنسانية. فقد تم تكريس هذا اليوم كيوم عالمي للعمل الإنساني نتيجة للحدث المأساوي الذي وقع في بغداد، العراق، في 19 أغسطس 2003، عندما أسفر هجوم إرهابي عن مقتل 22 عاملًا إغاثيًا، بما في ذلك المبعوث الخاص للأمم المتحدة سيرجيو فييرا دي ميلو.  منذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم مناسبة لتكريم، ليس فقط الأبطال الذين فقدوا حياتهم، ولكن أيضاً العديد من العاملين الإنسانيين الذين يواصلون المخاطرة بحياتهم لمساعدة الآخرين. يعمل هذا اليوم كمنصة عالمية لزيادة الوعي بأهمية العمل الإنساني والدعوة إلى تقدير وحماية المشاركين في هذا العمل.

قضايا العمل الإنساني
◄ ما أبرز القضايا التي يتم مناقشتها خلال الاحتفال باليوم العالمي للعمل الإنساني؟
► يذكرنا هذا اليوم بضرورة حماية ومساعدة المتضررين من الصراعات والكوارث والأزمات، مع التركيز على المسؤولية الجماعية التي نتقاسمها كمواطنين عالميين. إذ يعمل العاملون في المجال الإنساني، مدفوعين بشغفهم وتفانيهم، بلا كلل، للتخفيف من المعاناة وتقديم الخدمات الأساسية وإعادة الأمل إلى المجتمعات والأفراد الذين يواجهون الصعاب.
ففي اليوم العالمي للعمل الإنساني، نحتفل بالتنوع القائم بين أولئك الذين يشاركون في هذه الخدمة النبيلة. يأتي العاملون في المجال الإنساني من خلفيات مختلفة، ويجلبون معهم مهارات فريدة وتجارب وآفاقاً تثري الاستجابة الجماعية للتحديات العالمية، خاصة وأن فعالية العمل الإنساني تعتمد على قدرة العاملين على تعزيز التعاون والتفاهم بين الأفراد من ثقافات وجنسيات وأديان متنوعة من خلال احتضان هذه الاختلافات.

لا حدود جغرافية للعمل الإنساني
◄ ماذا عن المرتكزات الأساسية التي يقوم عليها العمل الإنساني بصفة عامة؟
► العمل الإنساني لا يعرف حدودًا جغرافية أو سياسية، ولا يعترف بالتفرقة بين الثقافات، والجنسيات، أو الأديان والطوائف، ولا يرى اختلافات اللون والعرق. فالعمل الإنساني يرتكز على قدسية الحياة الإنسانية وقيمتها الجوهرية وعلى الرغبة الجامعة والالتزام اللامتناهي في سبيل التخفيف من المعاناة الإنسانية، وتوفير الراحة والأمان، وتضميد الجراح الجسدية والروحية والنفسية.
ويكتسب العاملون في هذا المجال فهماً أعمق للتحديات التي تواجه المجتمعات المختلفة، مما يمكّنهم من الاستجابة بحساسية وتفهّم للثقافة والتعامل بطرق تتلاءم مع الأولويات الإنسانية. وعلى الرغم من اختلافاتهم الثقافية والدينية والعرقية فإن القاسم المشترك والذي يعزز وحدتهم هو الانتماء والإيمان بمبادئ العمل الإنساني، وهي الإنسانية والنزاهة والحياد والاستقلال. كما يعزز هذا التنوع قدرتهم على تعبئة الجهود وبناء الثقة والتفاعل مع أولئك الذين في أمس حاجة للمساعدة.

تحديات العاملين بالإغاثة
◄  إذا ما هي أبرز التحديات التي يواجهها العاملون في هذا المجال؟
► تخطي الحواجز الثقافية وتنوع الثقافات قد يشكل تحديات في العمل الإنساني، ولكنه يتيح أيضًا فرصاً للنمو والتعلم، إذ يجب على العاملين الإنسانيين التعامل مع مجموعة متنوعة من القيم والمعتقدات والممارسات الثقافية أثناء تقديم المساعدة والدعم. ومن خلال الاعتراف بتلك الاختلافات واحترامها، يمكنهم إقامة علاقات ذات مغزى وتعزيز الثقة في المجتمعات.
وغالباً ما يعرّض العاملون في المجال الإنساني حياتهم للخطر لإنقاذ أو إخلاء أو حماية أشخاص غرباء لا يمتّون إليهم بأية صلة.
ولكن صلة الإنسانية هي الدافع والمحفّز لهم. وفي هذا اليوم يجب علينا أن نتذكر أولئك الذين دفعوا الثمن بحياتهم أو بأجسادهم أو بصحتهم العقلية والنفسية.  فاليوم العالمي للعمل الإنساني كتذكير بأن العمل الميداني يتطلب الجهد الجماعي والتعاون والالتزام، والقدرة على العطاء، والثقة بالنفس وبالآخر.
كما يتطلب التعامل مع أشخاص تعرضوا للقصف والتهجير، والتعذيب والتنكيل، والحرمان من المأوى ومن العائلة والأحباء والوطن، وضرورة الاستجابة بطرق ملائمة لاحتياجاتهم الآنية الملحة والطارئة، وتلبية حاجتهم للعزاء والراحة النفسية والطمأنينة بتفهّم وهدوء، ومنحهم الأمل بصدق وأمانة.

إنجازات إغاثية عربية
◄ ونحن نحتفي باليوم العالمي للعمل الإنساني، نريد نظرة سريعة على واقع العمل الإنساني والإغاثي بالعالم العربي؟
► العمل الإنساني في العالم العربي تطور بشكل كبير منذ خمسينيات القرن الماضي، خاصة مع تأسيس منظمات الهلال الأحمر في العديد من الدول العربية، التي أصبحت تعمل على التنمية بجانب العمل الإغاثي. بالتأكيد الدور الإنساني للمنظمات الإغاثية العربية آخذ في التطور، وتحقيق إنجازات غير مسبوقة، على الرغم من تصاعد الأزمات والتوترات والحروب بالمنطقة.

◄ إذاً كيف تقيمون مستوى التأثير لمنظمات العمل الإنساني في الوطن العربي؟
► تُعتبر منظمات العمل الإنساني في دول مجلس التعاون الخليجي هي الأكثر نشاطاً وتأثيراً بالمنطقة، والكويت من أكثر الدول المساهمة في المجال الإنساني والإغاثي، حتى أطلقوا عليها «بلد العمل الإنساني»، وهذا عن حق، لأنهم انطلقوا منذ سنوات عديدة، وتقدموا، ونحن نعتز بما حققوه من إنجازات. وبالنسبة إلى قطر أيضاً فهي من أكثر الدول نشاطاً في مجال العمل الإنساني، وجميعنا رأينا التحرك السريع للحكومة القطرية لتقديم المساعدات العاجلة للسودان والشعب السوداني في ظل الأزمة هناك. كما يُعتبر مركز الملك سلمان، من أهم المراكز التي تساهم في الأعمال الإغاثية والتنموية في المنطقة العربية، وكذلك سلطنة عمان التي لديها العديد من المنظمات الإغاثية التي تخصص برامج للاجئين والنازحين في الدول العربية. ومن خارج الدول الخليجية، تُعتبر جمهور مصر العربية، من أبرز الدول في مجال العمل الإنساني على المستوى العربي من خلال جهود الهلال الأحمر، وكذلك الأردن التي تقدم دعماً كبيراً للاجئين السوريين بالمخيمات. حتى لبنان لم تمنعها الظروف الاقتصادية الحالية من تقديم الدعم اللازم للاجئين في المخيمات هناك.

جهود استثنائية
◄ العمل الإغاثي والإنساني يتطلب جهوداً استثنائية من كافة المعنيين، كما أنه من المجالات التي يواجه العاملون به العديد من المصاعب، فما سبب اختياركِ لهذا التخصص؟
► أفخر بكوني أول امرأة قطرية وعربية ومسلمة تترشح لمنصب المقرر الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإعاقة، وخلال هذا المنصب ركزت على المهاجرين واللاجئين والمهمشين والأقليات من ذوي الإعاقة، ومن ضمنهم المرأة والطفل، خاصة بعد أحداث القصف الإسرائيلي على لبنان عام 2006، ومن هنا جاء التركيز على هذه الفئات التي وجدتُ نفسي في التعامل معها وتذليل الصعاب أمامهم.
عقب تحقيق تقدم ملموس في قضايا ذوي الإعاقة في فترة منصبي كمقرر للأمين العام للأمم المتحدة، رشحني السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية لأتولى منصب المبعوث الخاص للجامعة للشؤون الإنسانية، لكن الظروف لم تسمح حينها. وفي عام 2013 رشحتني دولة قطر للعمل في الشؤون الإنسانية في جامعة الدول العربية عام 2013، وسررت بذلك جداً لأنني كنت أرغب في الاستمرار في العمل بالمنطقة العربية التي تعاني مآسي كثيرة، ومن هنا بدأ العمل كمقررة للأمين العام للجامعة العربية للشؤون الإنسانية، فقد وجدت أن العمل الإنساني والتطوعي هو الأقرب إلى نفسي، وشعرت بأن هذا العمل هو الأحب إلى قلبي.

مهام المبعوث الخاص
◄ هل يمكن أن تطلعينا على أبرز مهامكِ كمبعوث خاص للأمين العام للجامعة العربية للشؤون الإنسانية؟
– عملي يتلخص في إجراء الدراسات والبحوث عن الأوضاع الإنسانية للاجئين والنازحين، والشعوب في مناطق النزاعات والحروب في الدول العربية، كما إنني أقوم بزيارات ميدانية مع فريق عمل مساعد، والتي اعتبرها من أبرز المهام الموكلة لي.
ومن بين مهامي الموكلة إلي أيضاً «تشبيك» العلاقات بين المنظمات على كافة المستويات، وعقد شراكات بين تلك المنظمات ليكون العمل الإنساني متعدد الأطراف، تحت مظلة جامعة الدول العربية، كما أقدم التقارير حول الأوضاع الإنسانية للاجئين والنازحين أمام المجالس الوزارية للجامعة.
◄ ماذا عن مستوى الدعم المقدم لجهود العمل الإنساني تحت مظلة جامعة الدول العربية؟
► الدعم الذي يُقدم من خلال المجالس الوزارية لجامعة الدول العربية، لا يقارن بالدعم المقدم من الدول الأعضاء وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي. ولكننا نعمل على زيادة أوجه الدعم لما في صالح تطوير العمل الإنساني والإغاثي.

تفاقم الأزمات العربية
◄ أزمات العالم العربي متعددة ومتلاحقة وآخذة في التزايد بظهور نزاعات جديدة، فلا تكاد أن تمر أشهر قليلة إلا ويستفيق العالم العربي على كارثة تُخلف وراءها أوضاعاً إنسانية مأساوية تطال الشعوب، فما تأثير هذه الأزمات على قضية اللاجئين والنازحين في عالمنا العربي؟
►  الأوضاع الإنسانية المتدهورة في العالم العربي تتطور تطوراً مخيفاً، حتى أصبحت الدول العربية تحتضن أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم، ولكن تطور الأمر الآن إلى أن أصبح النازحون داخل الدول أكثر من اللاجئين خارجها، وهذا من أبرز التحديات التي تواجهنا الآن كمعنيين بالعمل الإنساني.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة مؤخراً، أن أوضاع النازحين في السودان بحاجة إلى جهود إغاثية عاجلة، متوقعين استمرار أزمة النازحين لـ 6 أشهر مستقبلاً، أما في الصومال، فجميع التقارير الواردة إلينا تنذر بوضع إنساني كارثي، وتوقعات بمجاعة جديدة.

تزايد أعداد النازحين العرب
◄ مع هذه التطورات المتسارعة بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية، وزيادة أعداد اللاجئين والنازحين في العالم العربي، ما هي ردة فعل جامعة الدول العربية والمنظمات الإغاثية التابعة لها؟
► لقد عقدنا اجتماعات مطولة مع منظمات العمل الإنساني بالدول الأعضاء، لتنفيذ مشاريع إغاثية للتخفيف من حِدة الأوضاع الإنسانية المتدهورة، مع التركيز على المشاريع التنموية طويلة المدى، بجانب المشاريع الإغاثية، بمعنى إنشاء مستشفيات ومدارس ومشاريع خدمية مستدامة، بجانب المساعدات العاجلة، ولكن مع تطور الأزمات بشكل مخيف، أصبحت الإغاثة تطغى على أعمال التنمية التي كانت تهتم بها المنظمات، وهذه المشاريع التنموية تضاءلت بشكل كبير.

منظمة عربية موحدة
◄ لماذا لم تتبن جامعة الدول تأسيس منظمة عمل إنساني، لتوحيد جهود المنظمات التي تعمل تحت مظلة الجامعة؟
► في أحد الاجتماعات التنسيقية بدولة الكويت، تحدثنا عن إمكانية خلق آلية عمل إنسانية خليجية موحدة. ومن جانبي فمن ضمن الأفكار التي أحاول صياغتها الآن تأسيس منظمة دولية توجه جل دعمها لدول العالم العربي.

◄ هل يحظى العمل الإنساني في العالم العربي بدعم من الحكومات، أم هي اجتهادات ومبادرات فردية؟
► بالتأكيد هناك دعم على المستوى الرسمي للمنظمات الإغاثية، والإرادة السياسية أصبحت حاضرة بقوة ولها تأثيرها المهم لدعم العمل الإنساني والإغاثي،خاصة في دول الخليج، ولكننا بحاجة إلى مزيد من الجهود والإرادة السياسية على كافة المستويات.

التنمية والعمل الإغاثي
◄ الآن ونحن نتحدث عن هذه القضية المهمة، ما مدى تأثير الأزمات المتزايدة في العالم العربي على التنمية؟
– بالتأكيد هناك تأثير كبير للأزمات على التنمية في الدول التي تستضيف اللاجئين والنازحين على وجه الخصوص، وإذا أخذنا الأردن مثالاً، نستطيع أن نقيس بشكل ملحوظ مدى تأثر التنمية فيها من تزايد أعداد اللاجئين.
عندما زرت مخيم اللاجئين السوريين بالأردن في عام 2013، تلقيت تطمينات من المسؤولين الأردنيين بأن الدولة تحقق توازناً بين سد احتياجات المواطنين، ودعم اللاجئين، إلا أنه بعد مرور سنوات قليلة، ومع تزايد أعداد للاجئين، أصبح الوضع مغايراً، مما أثر على المشاريع التنموية في الدولة، وكذلك الوضع في لبنان لم يختلف كثيراً عن الأردن، إن لم يكن أسوأ، بسبب تراجع التنمية، وتأثر اقتصاد الدول المستضيفة، لذلك طالبت بضرورة مراعاة تلك الدول وزيادة الدعم الموجه إليها.

قمة عربية للإغاثة
◄ لماذا لم تُطرح قمة طارئة بجامعة الدول العربية بتمثيل عالي المستوى، لحل مشكلات اللاجئين والنازحين المتزايدة؟
– أتمنى أن يحدث ذلك في القريب العاجل، خصوصاً وأن ارتفاع أعداد النازحين في الدول العربية، وتفاقم الأزمات الإنسانية يستدعي طرح الموضوع أمام القمة العربية.

◄ ما أبرز التحديات التي تواجهكِ خلال فترة عملك بجامعة الدول العربية فيما يخص العمل الإنساني؟
► هناك العديد من التحديات، التي تزيد باستمرار، أولها العبء الاقتصادي الذي يواجه الدول المستضيفة، ومشكلة النزوح التي تفوق كل التوقعات، فضلاً عن الأوضاع السيئة للعديد من المخيمات. كما أن تخصيص الدعم المناسب للقيام بالمهام الضرورية (تقديم الدعم متعدد الأطراف) من أبرز التحديات التي تواجهنا في مجال العمل الإنساني، وذلك لأن الإطار المؤسسي يساعد على تسهيل وصول الدعم لمستحقيه.

تأهيل كوادر العمل الإنساني
◄ هل هناك برنامج لإعداد الكوادر في مجال العمل الإنساني مع تلاحق الأزمات والتوترات؟
► تهتم جامعة الدول العربية بتطوير وبناء قدرات الكوادر في مختلف المجالات، ومن ضمنها مجال العمل الإنساني، كما أن المنظمات التابعة للدول الأعضاء أيضاً لديها العديد من البرامج في هذا الصدد. إلى جانب ذلك، لدى إدارة الأزمات والكوارث دور مهم في تدريب وإعداد الكوادر الإغاثية، بتخصيص دورات تدريبية لهم، كما أن الجامعة العربية تتعاون مع الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، لطرح دورات تدريبية لبناء القدرات للعاملين في المجال الإنساني.

تأثير الإرهاب على تمويل الإغاثة
◄  إلى أي مدى أثرت ملاحقة تمويل الإرهاب في العديد من الدول العربية، على فرض قيود عطلت العمل الإنساني للمنظمات العربية في تلك الدول؟
► عندما تتحرك المنظمات الإغاثية الدولية لتقديم الدعم في الدول التي تشهد نزاعات، لا نجد هذا الهاجس تجاه العمل الإنساني، على عكس المنظمات العربية التي تواجه تحديات عديدة عند الرغبة في تقديم مساعدات إغاثية لهذه الدول. وقطر كانت من أكثر الدول المتضررة لما تعرضت له منظماتها من قيود لتقديم المساعدات في عدد من الدول، فالعمل الإنساني خارج الأطر السياسية أمر صعب، ولكن أنا أعتقد أن العمل الإنساني وصل إلى مرحلة يجب أن تطغى على الخلافات السياسية.

الجهود القطرية في الأعمال الإغاثية والإنسانية
◄ كيف تنظرين للجهود القطرية على صعيد العمل الإنساني والخيري؟
► قطر من الدول المتميزة في مجال العمل الإنساني والخيري ومساعدة اللاجئين والنازحين، وذلك منذ سنوات عديدة، وكوني واحدة من اللواتي تطوعن في الهلال الأحمر الذي جاءت بعده قطر الخيرية ثم العديد من الجهات في المجال الإنساني، فإنني لاحظت تطور أداء هذه المنظمات لتصبح الأذرع الحقيقية للدولة التي تضع كل ثقتها فيها وتحول الدعم المادي إلى برامج ومشاريع إنسانية وتنموية.
وقد تمت دعوتي من جانب قطر الخيرية لتدشين مشاريع تعليمية على الحدود التركية – السورية، كما تواجدت مع منظمة خيرية قطرية تعمل في إطار إقليمي ودولي مع قطر الخيرية لتدشين مشاريع في شمال دارفور، وهذا جزء صغير مما شهدته، لكن دولة قطر وصلت إلى أبعد من ذلك، مع منظمة الأمم المتحدة وكذلك مع الوكالات، وحولت الكثير من أحلام المهاجرين إلى حقيقة، ومن خلال خبرتي لمست أن دولة قطر تميزت في القدرة على العمل مع الشركاء بشكل جيد، واستثمرت علاقاتها في تحقيق أهم البرامج والمشاريع في أصعب الأوقات.

 المساعدات الأممية
◄ ما هي نسبة مساهمة العمل الإنساني العربي لعلاج قضية النازحين قياساً على المساهمة الأوروبية أو العالمية، هل وصلنا إلى نسبة متقاربة؟
► أستطيع أن أقول إن الأمم المتحدة تقدم مساعدات كبيرة بميزانيات ضخمة، لأن منظماتها تعمل بشكل مؤسسي موحد، ولكن لو أُتيحت الإمكانيات التنظيمية للمنظمات العربية سوف تتفوق على منظمات الأمم المتحدة، فجودة العمل بالمنظمات العربية أفضل من الأمم المتحدة.

قاعدة بيانات إلكترونية
◄ هل لديكم قاعدة بيانات للمنظمات والجمعيات العربية العاملة في مجال العمل الإنساني؟
► هناك مقترح لإعداد منصة إلكترونية توفر جميع كل البيانات والإحصاءات المختصة بالعمل الإنساني للمنظمات تحت مظلمة جامعة الدول العربية، ومن الممكن أن يدعم مركز الملك سلمان هذا المشروع. أما المشروع الآخر يتعلق بوضع سياسات للعمل الإنساني العربي، وإصدار دليل بهذه السياسات لكل المنظمات والمراكز البحثية.

ضمان وصول المساعدات
◄ كيف لجامعة الدول العربية أن تضمن وصول الدعم لمستحقيه؟
► قضية وصول الدعم لمستحقيه من أبرز التحديات التي تواجه العمل الإنساني، لذا اقترحت في أحد مؤتمرات الدول المانحة، أن يتم تعيين مراقب أو مشرف تحت مظلة الجامعة يشرف على المشاريع الإنسانية، والمساعدات الإغاثية، لتحقيق الشفافية والمصداقية، ومراقبة أوجه صرف الدعم، وضمان وصوله لمستحقيه.
بعض المنظمات لديها مكاتب في الدول التي تنفذ لديها مشاريع إغاثية وتنموية، إلا أن الحكومات في بعض الأحيان ترفض الإشراف المباشر على تنفيذ تلك المشاريع، لذا أتمنى أن يُمنح هذا الحق لمراقب يتبع جامعة الدول العربية على أقل تقدير.

تفعيل العمل الإغاثي
◄ هل هناك برامج أو خطط قيد الدراسة، لتطوير فاعلية الجهود الإغاثية للمنظمات التي تعمل تحت مظلة الجامعة؟
► تطرح جامعة الدول العربية باستمرار مؤتمرات وورش عمل لتطوير العمل الإنساني. في سبتمبر المقبل تنظم الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية مؤتمراً للعمل الإنساني في الكويت، والذي سوف يشهد تقييماً شاملاً لما تم من جهود في الصومال وسوريا والسودان، وهذا من ضمن جهود تطوير العمل الإنساني.

صعوبات وتحديات
◄ ما هي الصعوبات التي تواجهها الفرق الإغاثية لإيصال المساعدات إلى مناطق التوترات؟
► سوف أجيب عن هذا السؤال بإحصائيات صادمة، فعلى سبيل المثال، تعد جمهورية جنوب السودان الأعلى من حيث انعدام الأمن لعدة سنوات متتالية، حيث وقع 40 هجوما على عمال الإغاثة وسُجِلت 22 حالة وفاة حتى أغسطس 2023. ويأتي السودان في المرتبة الثانية حيث تم الإبلاغ عن وقوع 17 هجوما على العاملين في المجال الإنساني، أسفر عن 19 وفاة حتى الآن. وهذا العدد يفوق الأرقام التي تم تسجيلها منذ ذروة النزاع في دارفور بين عامي 2006 و2009.
وقد سقط ضحايا وسجلت إصابات بين العاملين في مجال الإغاثة في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والصومال وأوكرانيا، حيث تعرض 444 من العاملين في مجال الإغاثة للهجوم العام الماضي. أما في عام 2021، فتعرض 460 من العاملين في المجال الإنساني للهجوم، ما أدى إلى مقتل 141 شخصا.

الأولوية لذوي الإعاقة
◄ بصفتك أول امرأة تشغل منصب المقرر الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإعاقة، ما هي أوضاع اللاجئين من ذوي الإعاقة بالعالم العربي؟
► من ضمن الملفات التي أعمل عليها بكل طاقتي، توجيه العمل الإنساني للفئات المهمشة، ومنهم اللاجئون من ذوي الإعاقة، وذلك لأن أعدادهم في تزايد داخل العديد من المخيمات، وهم الأقل حظاً في الحصول على الدعم المقدم للاجئين.
خلال زياراتي الميدانية لعدد من المخيمات ومناطق اللاجئين والنازحين، فوجئت بعدد كبير من فاقدي الأطراف من الأطفال والشباب والنساء، لذا من الضروري الاهتمام بهذه الفئة.

المرأة والعمل الإنساني
◄ إلى أين وصلت مكانة المرأة في مجال العمل الإنساني؟
► المرأة موجودة وتعمل بشكل كبير، وبدأت العمل بشكل تطوعي، وقبل أن يكون لها دور مؤسسي قادت الكثير من الفرق إلى أماكن صعب الوصول إليها مثل الفريق المتطوعات الكويتيات اللاتي وصلن إلى أماكن صعبة للغاية في اليمن لتقديم المساعدات، لكن المطلوب هو تواجد المرأة في العمل الإنساني في المناصب التي تستحقها، وفي أماكن قيادية وليس مجرد زيادة عدد، أتمنى تواجدا أكبر رقميا وكميا ونوعيا بمعنى أن تكون المرأة في مراكز القيادة.

رسائل للمنظمات والحكومات
◄ ما هي رسالتكِ التي تودين توجيهها للمنظمات والحكومات التي تقوم بهذا الدور؟
► أول رسالة أود أن أوجهها على مستوى الدعم لتلبية الاحتياجات الإنسانية، عبر تبني آلية عمل على المستوى العربي من أجل التنسيق والتعاون، كما أتأمل مرونة أكثر على المستوى الرسمي والحكومي، بحيث تكون هناك إمكانية لجامعة الدول العربية لتقديم الدعم بشكل أكبر وأسهل. كما أوصي المنظمات والحكومات بالالتفات إلى القائمين على العمل الإنساني لأنهم الأبطال الحقيقيون، ويستحقون مزيداً من الدعم.
العمل الإنساني ليس فقط لمن هم في الميدان، فهذا المجال ينطلق بقرار على مستوى الإرادة السياسية، فقد آن الوقت أن نخلق قوة عمل إنسانية عربية خارج أي إطار مؤسسي. وآخر رسالة أود أن أوجهها بشأن الدول المستضيفة التي تستحق مزيداً من الدعم لتحقيق التوازن بين سد احتياجات المواطنين واللاجئين. ومن الرسائل المهمة التي أود التطرق إليها، ضرورة تشجيع وحث وسائل الإعلام على استخدام منصاتها للدعوة إلى زيادة الدعم والتمويل للعمليات الإنسانية، إذ تمتلك وسائل الإعلام منصة ذات تأثير وتغطية واسعة يمكنها الوصول إلى جماهير متنوعة على مستوى عالمي، ويتيح التعاون مع وسائل الإعلام للمنظمات الإنسانية مشاركة قصصها وتحدياتها ونجاحاتها على نطاق أوسع، مما يزيد الوعي العام والفهم للقضايا الإنسانية. كما تلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا في نشر المعلومات الدقيقة والمحدثة خلال الأزمات الإنسانية، ويتيح التعاون مع وسائل الإعلام للمنظمات الإنسانية توفير التحديثات الضرورية وتثقيف الجمهور حول الاحتياجات الميدانية وتعزيز الدعوات للعمل، إذ تؤثر التغطية الإعلامية بشكل كبير على إعطاء الصورة الواقعية والمساهمة في فهم الجمهور للأزمات الإنسانية.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x