الشيخ أحمد بن جاسم: الجزيرة لن تغير سياسة تحريرية أوصلتها إلى قمة النجاح
عند تعيين سعادة الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني مدير عام شبكة الجزيرة تصدَّر الخبر جميع وكالات الانباء العربية والعالمية، فيما انشغلت وسائل الاعلام والصحف العربية في نشر مقالات وتحليلات عن أبعاد قرار التعيين، مما جعله الحدث الابرز حتى كاد يطغى على الاحداث السياسية، الامر الذي زاد في تساؤلات المراقبين والاعلاميين عما اذا كان سعادته جاء في إطار حركة تغيير جذرية ستشهدها الجزيرة أم في إطار سياسة تحريرية جديدة أم أن الخطوة تندرج في إطار الترتيبات الادارية واعتماد سياسة تقشف في الانفاق.. وربما ما زاد في تلك التساؤلات ان سعادته لم يطل على وسائل الاعلام في حديث صريح وجريء. ولذلك اختارت الشرق مناسبة عزيزة على قلوب الشعوب العربية وهي الذكرى الخامسة عشرة لانطلاقة الجزيرة لتنفرد بحوار شامل مع سعادة الشيخ احمد الذي لم يبخل في التحدث عن كل الامور بصراحة متناهية أثارت اعجابنا وتقديرنا، حيث لم يتحفظ على سؤال مطروح ولم يتردد في الاجابة على قضية ساخنة.
لقد تحدث الشيخ احمد في اول اطلالة اعلامية عربية وعالمية بثقة مطلقة وبرؤية واضحة ازالت الكثير من الغموض الذي كان سببا لتساؤلات اهل الاعلام لا بل إنه بدا مدهشا بدقته في تناول اي قضية وإلمامه الشامل بأدق تفاصيل المؤسسة بالاضافة الى مهارته في كسر الحاجز النفسي مع محدثيه وبراعته في ادارة الحديث بصورة ترسخ القناعة ان المدير العام الجديد لشبكة الجزيرة سيعزز نجاح المؤسسة وسيضفي عليها مزيدا من الانجازات.
فهو ينطلق في حديثه بتوضيح ثوابت لن تتغير، ابرزها خط الجزيرة ونهجها التحريري حيث يقول صراحة: الجزيرة لن تغير سياسة تحريرية اوصلتها الى اعلى مراتب النجاح، معتبرا ان تغطية الجزيرة للربيع العربي نقطة مضيئة في مسيرة الجزيرة منذ انطلاقتها. اما بخصوص استقلالية الجزيرة، فهو يجزم ان استقلال الجزيرة وموضوعيتها ومهنيتها تحظى بدعم القيادة القطرية خصوصا ان سر نجاح الجزيرة باعتراف الجميع هو مهنيتها الرفيعة.
ويطمئن سعادته الجميع ان نهجه في العمل هو البناء على ما تحقق واكمال ما بدأ، لان الاولوية هي تطوير العمل المؤسسي وترسيخ الحوكمة وتعزيز الرؤية المشتركة للادارات، مؤكدا انه ليس ممن يتسرعون في التوسع ولا يرى في التقشف هدفا ويقول سعادته انه حرص على الاستماع الى جميع المديرين والموظفين لكي يتمكن من تحديد نقاط الضعف لإزالتها وتعزيز نقاط القوة معلنا انه بدأ وضع الخطوط العريضة للتحسينات التي يجب ان تشهدها الشبكة.
وكشف سعادته لـ الشرق عن أن أبرز مشاريع هذا العام إطلاق أربع قنوات جديدة هي الاخبارية الرياضية والتركية والبلقانية وقناة باللغة السواحلية، وقال ان الجزيرة التي تتكون من 25 قناة وشبكة مراسلين في 70 بلدا تضع في سلم أولوياتها الاعلام الجديد نظراً لدوره المؤثر والفاعل.
وقال سعادته: إن المضايقات التي تعرضت لها الجزيرة والتضحيات التي قدمتها خلال مسيرتها زادتها اصرارا على الاستمرار بنهجها المهني والموضوعي، مؤكدا عزمه على حماية العاملين بالجزيرة، مشيرا الى انه يعمل عبر شراكات عالمية لوضع حقوق الصحفيين وحمايتهم على اولوية اجندات المؤسسات العالمية.
وشدد سعادة الشيخ أحمد بن جاسم على انه لا يخشى المنافسة مهما تضاعف عددها وتنوعت أهدافها، لافتا إلى أن الجزيرة مؤسسة كبرى يحكمها ميثاق شرف ودليل سلوك مهني، لافتا إلى أن الجنسية ليست معيارا في تعيين المدير العام للجزيرة حيث تداول على هذا المنصب منذ الانطلاقة عام 1996 قطريون وعرب وقاموا بدورهم على أكمل وجه، معربا عن قناعته بأن أحد اسباب نجاح الجزيرة هو تنوعها البشري، حيث يضم فريق عملها أكثر من 55 جنسية.
اما بخصوص احتفاء الجزيرة بذكرى انطلاقتها فيرى فيه سعادته انه يحمل هذا العام معنى خاصا. إذ تكمل الجزيرة 15 عاما من جهة، بينما تتزامن من جهة أخرى مع نسائم الحرية التي بدأت تهب على العالم العربي والتي كان للجزيرة دور رئيس في تغطيتها. وقال: كلمتي بهذه المناسبة هي كلمة شكر أوجهها لأطراف ثلاثة: الطرف الأول: موظفو الجزيرة في كل مكان وفي جميع الاختصاصات لأنه بإبداعهم واجتهادهم ومثابرتهم وتضحياتهم وصلت الجزيرة إلى ما وصلت إليه من تألق وازدهار. والطرف الثاني: عائلات الموظفين وأبناؤهم، لصبرهم على ضغوط العمل التي شغلت آباءهم سنين. وأما الطرف الثالث: فهو جمهور الجزيرة الوفي الذي تابع الجزيرة على مدى خمسة عشر عاما ولم يبتعد عنها.
ويعرب عن تقديره البالغ لجمهور الجزيرة الذكي الذي استوعب روح الجزيرة ووقف إلى جانبها في أحلك الظروف، فرح لفرحها واستبشر لإنجازاتها وتألم لألمها وبكى لشهدائها وتضامن مع المضطهدين من أبنائها.
يشدد على اقتران الاحتفالات بقيمة الحرية لانها القيمة التي سعت الجزيرة إلى تعزيزها وترسيخها..
كان الحوار مع سعادته شاملا ووديا وصريحا خلاصته ان الجزيرة ستشهد في ظل ادارته المؤسسية مزيدا من النجاح ونقلات نوعية بمستوى تطلعات جمهور الوطن العربي الذي صار جزءا من الجزيرة وصارت منبره وملاذه..
***
◄ تبوأتم منصب المدير العام لشبكة الجزيرة في الوقت الذي أصبحت فيه الجزيرة الأكثر استقطابا للاهتمام والجدل على الساحة الإعلامية.. ألا يشكل ذلك تحديا لكم؟
► عندما انطلقت الجزيرة سنة 1996، كنت مبتعثا في فرنسا وكانت هنالك صعوبة في التقاط بث القناة الوليدة، حيث كان يمنع وضع الصحون اللاقطة على العمارة التي كنت أقطنها. وباستعمال بعض المهارات الهندسية، نجحت في التقاط بث القناة عبر وضع الجهاز اللاقط في غرفة الجلوس وتوجيهه في الاتجاه الصحيح. واليوم وبعد أن ازدهرت الشبكة وتوسعت ووصل بثها كل أنحاء العالم تقريبا، أجدني على رأسها مديرا عاما بفضل ثقة المؤسسين ومجلس الإدارة. لا شك أن المسؤولية كبيرة وأنها تكليف أكثر من كونها تشريفاً.. ولا شك أن إدارة مؤسسة بحجم الجزيرة وبمستواها الحالي هي تحد حقيقي لأي مدير أيا كانت خبرته. ولكنني لم أتعود أن أرفض رهاناً أو تحدياً حتى وإن كان بضخامة إدارة مؤسسة الجزيرة. ولأن العمل في أي مؤسسة ليس فردياً ولا يرتبط بشخص واحد فإنني مقتنع بأننا سنتجاوز جميعاً أي تحديات ونذلل كل العقبات.
سياستنا تجاه الربيع العربي
◄ بمجرد أن تم الإعلان عن تعيينكم في المنصب حتى بدأت وكالات الأنباء العالمية تبث تقارير وتحليلات عن سياستكم الإعلامية… فهل أنتم بصدد إحداث تغيير في سياسة الجزيرة تجاه أسلوب التعاطي في تغطية الربيع العربي؟
► لعل الجزيرة من اكثر المؤسسات الإعلامية حول العالم التي أثارت ولا تزال كثيرا من اللغط والتأويلات. وكل حركة فيها يتم تأويلها بطرق شتى. ولا أظن هذا الأمر سيتوقف، فالجزيرة ملأت الدنيا وشغلت الناس وستظل كذلك. أما عن سؤالكم فإن الإجابة عنه تقتضي الإجابة عن سؤال آخر هو: هل كانت سياسة الجزيرة في التعاطي مع الربيع العربي صحيحة؟ إن كان الجواب إيجابيا فإن الحديث عن تغير السياسة بتغير الأفراد يصبح غير ذي معنى. إذ كيف تقدم مؤسسة مثل الجزيرة على تغيير سياسة تحريرية أوصلتها إلى أعلى مراتب التميز والنجاح؟ كنت أتابع الجزيرة قبل أن أصبح مديرا لها بكثير من الاهتمام والفخر. وكنت أشعر أنها نجحت في إيصال صوت الضعفاء والمظلومين في أرجاء العالم العربي ليس فقط لدائرتنا الضيقة بل للعالم أجمع. وقد شكل الربيع العربي دون أدنى شك نقطة مضيئة وقمة عطاء المؤسسة في تغطياتها على مدى 15 عاما.
استقلالية الجزيرة ومهنيتها
◄ هناك من يقول إن وجودكم على رأس الجزيرة يعني عمليا ربط القناة بسياسة قطر، وبالتالي افتقادها لهامش الحرية في التمايز عن سياسة الدولة الرسمية.. فما رأيكم؟
► الجزيرة مؤسسة كبرى يحكمها ميثاق شرف ودليل سلوك مهني صارمان. ورغم أنها تأسست بمبادرة وتمويل رسمي قطري، إلا أنها حافظت دائما على استقلالها التحريري، وكان ذلك سر نجاحها. الربط بين قدومي للمؤسسة وفقدانها لاستقلاليتها فيه تعسّف. فالحكم على المؤسسات وسياساتها لا يقوم على الأفراد وأسمائهم بل بما تقوم به المؤسسة وما تقدمه للجمهور، والتزامها بخطها الأصيل الذي به نجحت وبه يستمر نجاحها.. دولةقطر رعت المؤسسة منذ نشأتها وعانت الكثير من الضغوط من أجل وقف دعمها. وقد صمدت القيادة الحكيمة في هذا البلد كثيرا، حتى نجحت المؤسسة في فرض نفسها على الساحة الإعلامية العالمية. هل بعد أن نصل إلى هذا الاعتراف الدولي ونتجاوز كل هذه الضغوط ويقر الخصم قبل الصديق بأننا مؤسسة مهنية عالمية بامتياز، نتخلى عن سرّ نجاحنا؟
الجنسية ليست معيارا
◄ هل يأتي تعيين سعادتكم في هذا المنصب في إطار التقطير أم ماذا؟
► لا أظن الجنسية كانت يوما المعيار الرئيسي في تعيين المدير العام للجزيرة. خلال السنوات الخمس عشرة الماضية من تاريخ المؤسسة تداول على إدارتها قطريون وإخوان أعزاء من أقطار عربية أخرى. كل المديرين أدوا دورهم بشكل يشكرون عليه بدءاً بالسيد عدنان الشريف والسيد محمد جاسم العلي وصولا إلى السيد وضاح خنفر. والتداول سنة طبيعية في المؤسسات كما في حياة الأفراد. الأمر بكل بساطة إذاً هو انتقال سلس في إدارة مؤسسة كبرى مهنية مثل الجزيرة، غادر مديرها العام السابق منصبه فتم اختيار أحد المرشحين للمنصب بناء على معايير مهنية تتناسب والمرحلة التي تمر بها المؤسسة.
التقطير وتنوع الجنسيات
◄ هل ستكون لديكم خطة لتقطير مزيد من الوظائف في الشبكة؟ أم أن الأمور ستبقى خاضعة لمعايير الكفاءة والتوازن بين الجنسيات؟
► لا شك في أنني مقتنع بسياسة القيادة الحكيمة في هذا البلد في تعزيز حضور الكفاءات القطرية في المؤسسات الموجودة في البلد. وقد عشت في بلاد الغرب فترات طويلة ورأيت كيف أن توطين الوظائف أمر طبيعي جدا ولا يختلف حوله اثنان. حيث لا يمكن استقدام موظف أو عامل من الخارج إلا بعد إثبات عدم توافر الكفاءة المؤهلة داخل البلد. ولكنني مع ذلك مقتنع بأن الجزيرة تجاوزت حدود الجغرافيا الضيقة وأن أحد أسباب نجاحها الرئيسية هو ثراؤها البشري. حيث تجاوزت الجنسيات فيها 55 جنسية مختلفة. بالنسبة للموظفين القطريين سأسعى بالتأكيد إلى تعزيز الكفاءات والكوادر المدربة وذات الخبرة التي تحقق إضافة نوعية للمؤسسة.
الذكرى الخامسة عشرة
◄ الجزيرة تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة لانطلاقتها.. فما كلمتكم بهذه المناسبة؟ وما خطة عملكم لهذه المرحلة؟
► احتفاء الجزيرة بذكرى انطلاقتها يحمل هذا العام معنى خاصا. إذ تكمل الجزيرة 15 عاما من جهة، بينما تتزامن من جهة أخرى مع نسائم الحرية التي بدأت تهب على العالم العربي والتي كان للجزيرة دور رئيس في تغطيتها. ولذلك فإن الشبكة قررت أن تولي اهتماما خاصا لاحتفالات هذا العام، وتم العمل على أنشطة فنية وأدبية تجسّد قيمة الحرية وكدح الشعوب إليها.. أما كلمتي بهذه المناسبة فهي كلمة شكر أوجهها لأطراف ثلاثة: الطرف الأول: موظفو الجزيرة في كل مكان وفي جميع الاختصاصات لأنه بإبداعهم واجتهادهم ومثابرتهم وتضحياتهم وصلت الجزيرة إلى ما وصلت إليه من تألق وازدهار. والطرف الثاني: عائلات الموظفين وأبناؤهم، لصبرهم على ضغوط العمل التي شغلت آباءهم سنين. وأما الطرف الثالث: فهو جمهور الجزيرة الوفي الذي تابع الجزيرة على مدى خمسة عشر عاما ولم يبتعد عنها. هذا الجمهور الذكي استوعب روح الجزيرة ووقف إلى جانبها في أحلك الظروف، فرح لفرحها واستبشر لإنجازاتها وتألم لألمها وبكى لشهدائها وتضامن مع المضطهدين من أبنائها. لكل هؤلاء نوجه الشكر والتحية من خلال احتفالات هذه السنة. ولقيمة الحرية نقيم الاحتفالات أيضا فهي القيمة التي سعت الجزيرة إلى تعزيزها وترسيخها.
حماية الإعلاميين أولوية
◄ تعرض مراسلو الجزيرة لمضايقات كثيرة.. ما خطتكم لحماية العاملين في الجزيرة وخصوصا أنه سبق الحديث عن اتجاه لتأسيس تحالف دولي لحماية الصحفيين عموما وإعلاميي الجزيرة خصوصا؟
► شبكة الجزيرة كما أسلفت تعرضت لمضايقات عدة وصلت حد استهداف مقراتها وقتل صحفييها. وكلما غطينا بلدا بشكل مكثف، زاد حجم القمع والتضييق. هذا ليس شيئا جديدا، وقد تعاملت معه الإدارات المتعاقبة بكثير من الجدية، وعملت على حماية صحفيي الجزيرة ونقلت معاناتهم إلى كل المحافل الدولية إعلامية كانت أم حقوقية أم حتى سياسية ودبلوماسية. والجزيرة كانت أول مؤسسة إعلامية تنشئ قسما لحقوق الإنسان يرأسه أحد إعلامييها المعروفين السيد سامي الحاج. كما أننا دخلنا شراكات عالمية مع مؤسسات حقوقية وإعلامية عديدة، مثل اليونسكو والأمم المتحدة والاتحاد الدولي للصحفيين ومجلس حقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في الدوحة..
أنا عازم بالتأكيد على تعزيز هذا الجانب وحماية صحفيينا وطواقمنا ستكون على رأس اهتماماتي. كما أنني مقتنع بأن أفضل طريقة للدفاع عن صحفيينا هي عبر عقد شراكات عالمية مع مؤسسات إعلامية وحقوقية أخرى. وبقدر ما تكون شبكة علاقاتنا أوسع بقدر ما يكون تأثيرنا أكبر ونفلح في وضع موضوع حقوق الصحفيين وحمايتهم على أولوية أجندات المؤسسات العالمية.
لا أخشى المنافسة
◄ العام المقبل سيشهد ولادة قناتين إخباريتين عربيتين: أولاهما سيطلقها الأمير الوليد بن طلال. وثانيتهما سيطلقها غسان بن جدو.. فهل نعتبر عام 2012 عام التحديات في عالم الفضائيات العربية؟
► وهناك أيضا قناة سكاي نيوز باللغة العربية والتي ستنطلق من أبو ظبي.. على مدى السنوات الـ 15 الماضية شهد العالم توجها كبيرا نحو إطلاق قنوات إخبارية ناطقة باللغة العربية، أغلبها تأسس لمنافسة الجزيرة، ولكن ذلك لم يؤثّر على مؤسستنا بل إنه زادنا حرصا وإصرارا على التميّز. أنا لا أخشى المنافسة. بالعكس أراها حافزا جيدا للإبداع والبذل.
ولكنني مع ذلك مقتنع بأننا يجب أن نسعى إلى تعزيز ما يميزنا عن غيرنا ودعم كل أسباب نجاحنا. يجب أن نبحث عن سر نجاحنا وريادتنا، وان يظل سقف الحرية والمهنية عندنا أكبر مما هو عند غيرنا كما كان الحال دائما. مشاهد الجزيرة مثقف وواع ولديه من الذكاء ما يجعله قادرا على تمييز أي انحراف قد يصيب خطها. وما دمنا لا نحيد عن خطنا التحريري الواضح والمستقل، فإن المنافسة ستكون ظاهرة صحية ستعطينا دفعا للأمام. وبالتالي فإن ما سنفعله خلال الفترة القادمة لن يكون مراقبة المنافسين بقدر ما هو العودة إلى مؤسستنا ومحاولة دعم نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف. فتقوية البناء الداخلي وترسيخ مبادئ مهنية صارمة يقيان أي مؤسسة من أي إشكالات.
وعليه فإن عام 2012 سيكون كغيره من السنوات.
◄ بادرت إسرائيل إلى إطلاق فضائية إخبارية يهودية عالمية لحجب جمهورها عن مشاهدة الجزيرة فما تعليقكم؟
► لا أرى الأمر مهما جدا. فليفعلوا ما يشاؤون. كل وسيلة إعلامية ضيقة الأفق، تخاطب جمهورا بعينه وتخاطب عواطف الناس لا ذكاءهم وتخدم أجندات ضيقة، مآلها الفشل وإن بعد حين. ما ميّز الجزيرة هو توجهها إلى عقل الإنسان وتسليط الضوء على قضايا الناس واحترامها لذكاء المشاهدين، ولذلك هي تنجح. ولا أرى في الفضائية التي ذكرتم أسباب نجاح تذكر.
◄ أطلقت الجزيرة قبل عامين رؤية 2012 بهدف مواكبة التطور الذي تشهده الشبكة على جميع المستويات التحريرية والتقنية والبشرية.. هل سنشهد هذا العام استكمال تنفيذ برنامج الرؤية؟
► التحاقي بالمؤسسة لا يعني بأي شكل من الأشكال قطيعة مع الفترة السابقة لا في سياسة المؤسسة التحريرية ولا حتى في الممارسات الإدارية. أنا مقتنع أن وصول المؤسسة إلى مصاف العالمية كان بفضل جهود العاملين فيها، وبالتالي فإن البناء على ما تحقق وإكمال ما بدأ سيكون منهجا أمضي عليه. وقد اطلعت بكل اهتمام على رؤية 2012، ووجدتها خطة ممتازة جديرة بكل متابعة وتنفيذ. أنا بانتظار الاطلاع الكامل على ما تم إنجازه منها، وسأقيّم بشكل دقيق الأخلال التي قد توجد حتى تنجح الرؤية وتتحقق أهدافها.
المشاريع والقنوات الجديدة
◄ ما الجديد على صعيد إطلاق قنوات متخصصة أو بلغات أخرى؟
► هناك 4 مشاريع رئيسية لإطلاق قنوات في المرحلة الحالية: قناة الجزيرة الرياضية الإخبارية وهذه ستنطلق يوم 01 نوفمبر 2011. وقناة الجزيرة بلقان، وستنطلق قريبا جدا إن شاء الله. أما القناة التركية فستنطلق خلال 2012. وهناك مشروع قناة باللغة السواحيلية بدأنا العمل عليه ونأمل أن ينطلق سنة 2012 أيضا.
الجزيرة 25 قناة
◄ بعدما تحولت شبكة الجزيرة إلى قنوات متعددة.. هل ستكون أولويتكم للقناة الإخبارية أم نحو تفعيل المؤسسات والإدارات التابعة للشبكة إداريا بحيث نشهد مزيدا من الضبط الإداري؟
► إدارة مؤسسة بحجم الجزيرة، فيها أكثر من 25 قناة تلفزيونية ولديها مكاتب ومراسلون في أكثر من 70 بلدا وتبث بخمس لغات تتطلب جهدا كبيرا واستعدادا أكبر للتفويض. ورغم أهمية القنوات الإخبارية فإن مهمة المدير العام للشبكة لا تنحصر فقط في متابعة جزء من المؤسسة بل تتعداها إلى وضع رؤية للمرحلة وقيادة الموظفين لتنفيذها. هناك إنجازات مهمة تحققت خلال الفترات الماضية ولا شك، ولكن مجال التحسين والتطوير كبير أيضا. والمؤسسة التي لا تحافظ على رشاقتها المؤسسية يصيبها الترهّل وتفقد بريقها وألقها.
ولذلك حرصت خلال الفترة الأولى على الاستماع لكل المديرين وحتى الموظفين. وقفت بشكل دقيق على وضع المؤسسة، وبدأت في وضع الخطوط العريضة للتحسينات التي يجب أن تشهدها المؤسسة خلال الفترة القادمة. ولا شكّ أن الجانب الإداري والهيكلي سيكون أحد أهم الجوانب التي سنركز عليها.
وعليه فإننا سنتوجه إلى تطوير العمل المؤسسي وترسيخ نظم العمل والحوكمة، وتعزيز الرؤية المشتركة لمكونات الشبكة من قنوات إخبارية ورياضية ووثائقية.
◄ ما أبرز المشاريع المستقبلية وهل سنشهد توسعا أم تقشفا؟
► كما أسلفت فإن هناك مساحات واسعة للتطوير داخل المؤسسة. وهو ما سنعمل عليه. أود تقييم المشاريع والأوضاع، وسآخذ الوقت الكافي للتعرف على مواطن القوة والضعف حتى يكون التشخيص سليما وتتم معالجة الأخلال التي قد تبدو.
لست ممن يتسرعون في التوسع ولا أرى التقشف هدفا في حد ذاته.
المشاريع تأتي نتيجة طبيعية لتفكير استراتيجي ولخطة منظمة، ويجب أن يحمل أي مشروع أسباب بقائه واستمراره وتميزه. قناعتي بالتخطيط والتفكير الاستراتيجي تجعلني حريصا على الدراسة المتأنية لكل الخطوات المقبلة وأن أعطي لكل مشروع حظه من التمحيص والتدقيق قبل إطلاقه أو حتى الإعلان عنه.
ومع ذلك فإنني مقتنع أيضا بأن أي مؤسسة (وخاصة إن كانت إعلامية) لا تسعى للإبداع والتطوير ولا تواكب التغيرات التكنولوجية التي يشهدها العالم، تحكم على نفسها بالتراجع وتخسر المنافسة. وعليه فإن الإعلام الجديد يجب أن يحتل مكانة متميزة في خططنا المستقبلية وكذلك تطوير التقنيات الخاصة بالبث ودراسة طرق التوزيع المختلفة وتدريب الكوادر. كما أن دراسة اتجاهات المشاهدين واهتماماتهم قد توجهنا إلى تبني مشاريع بعينها ومتابعة تنفيذها.
الجزيرة في ربيع دائم
◄ البعض تنبأ بأن يشكل منصبكم الجديد ربيعا للجزيرة على غرار الربيع العربي.. فما رأيكم؟
► لم تكن الجزيرة تعيش خريفا ولا شتاء حتى نصف التغيّر الحاصل بأنه ربيع للجزيرة.. الجزيرة مؤسسة مهنية تقوم على الفكرة وعلى السياسات وليس على فرد أو آخر. وبالتالي فإن ابتعاد شخص وتقدم آخر لا يعني تغييرا في السياسات العامة. وقد كنت أسلفت أنني لم آت المؤسسة على “انقاض” مرحلة سابقة بل مكملا لجهود وإنجازات كبرى تحققت. ولا شك بأن المدير السابق قدم للمؤسسة الكثير وخدمها خدمة كبيرة حين نقلها إلى آفاق أوسع عالميا.
أنا في هذه المؤسسة ابن لها سأخدمها بكل جد وإخلاص لفترة من الزمن ثم سأنتقل بعد أن أنجز رؤيتي لها. هكذا الحياة: الأفكار تدوم والأفراد يمرّون، وبقدر ما ننجح في أن تدوم الفكرة فإن مهمتنا تعتبر ناجحة.