د. ماجد الأنصاري لـ الشرق: العلاقات الخليجية – الخليجية تعيش تطورات إيجابية
أكد الدكتور ماجد بن محمد الأنصاري، مستشار رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، أن الدبلوماسية القطرية ترتكز على ثوابت وقيم غير قابلة للتفاوض أو التغيير تتمثل في الوقوف مع الحق وتحقيق العدالة ونصرة المضيوم والحرص على ضمان حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وأن هذا ما أكسب دولة قطر مكانة عالمية كشريك موثوق وفاعل في الساحة الدولية، وضمن استمرارية واستقرار السياسة الخارجية وتفاعلها الإيجابي مع محيطها الإقليمي والدولي.
وتحدث د. الأنصاري، في حوار شامل مع الشرق، عن سر نجاح الوساطات القطرية في عدد من الملفات الحاسمة كأفغانستان وفي الملف النووي الإيراني وبين الأطراف في تشاد، مؤكداً أنه نتيجة لعمل مستمر وجهود مكثفة جماعية تقوم بها الدبلوماسية القطرية قائمة على رغبة ودراسة جدية دون أجندات مسبقة مما يضمن نجاح المساعي السياسية التي تهدف إلى تحقيق السلام والأمن، ليس فقط في منطقتنا، بل في العالم.
وقال المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية إن كأس العالم في قطر هو بناء على الإنجاز وليس بداية للإنجاز وترك إرث حقيقي للدولة على المستوى الرياضي والجانب الدبلوماسي والإنساني وهو ما نعمل على تفعيله بشكل أنجع.
وتطرق الحديث مع د. الأنصاري إلى التحديث الذي شهدته وزارة الخارجية، موضحا أن وزارة الخارجية قامت بعدد من التطويرات والتحديثات في عملها وهياكلها لمواكبة التحولات السريعة على الساحة العالمية وتماشيا مع طموحات القيادة في قطر فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، كما استثمرت بشكل كبير للغاية في أنواع أخرى من الدبلوماسية مثل الرياضية والثقافية.
وتناول الدكتور ماجد بن محمد الأنصاري مستشار رئيس مجلس الوزراء الوضع في السودان والدعوة القطرية لكافة الأطراف إلى وقف إطلاق النار والنزوح إلى الحل السلمي والحوار، مؤكدا استعداد قطر للعب أي دور يساعد في تخفيض الصراع ويصب في مصلحة الشعب السوداني.
وفيما يتعلق بلبنان أوضح أن قطر ليست لها أجندة معينة فيما يتعلق بلبنان سوى تحقيق الاستقرار والازدهار وإيجاد حل لدفع السلم، موضحا أن لبنان يحتاج إلى جهد إقليمي دولي للخروج من الأزمة. وعن الجهود القطرية في الملف النووي أكد الأنصاري أن المستفيد الأول من خفض التصعيد في المنطقة مع إيران سيكون دول المنطقة بشكل أساسي ومنها طبعا قطر بحكم القرب الجغرافي، مما يجعل الدوحة تعمل بشكل مكثف على دعم جهود البحث عن حل لهذا الملف.
كما تطرق الحوار إلى المصالحة السعودية الإيرانية ودورها في دفع التعاون لما فيه مصلحة المنطقة وعودة العلاقات القطرية البحرينية وعمل قطر على مزيد من تفعيل العلاقات الخليجية والعربية لتحقيق مصلحة متبادلة وضمان الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة. إلى جانب الحديث عن الموقف الثابت من عودة النظام السوري للجامعة العربية وأهم مخرجات اجتماع جدة، بالإضافة إلى توقعات خطة العمل في الاجتماع القادم في جدة وعدد من القضايا الدولية المتعلقة بقطر والمنطقة.
وفيما يلي نص الحوار..
◄ شكراً لكم د. ماجد على إتاحة هذه الفرصة.. بداية ما هي أبرز مرتكزات السياسة الخارجية القطرية إقليمياً ودولياً؟
► تعتمد السياسة الخارجية القطرية على مجموعة من الثوابت الواضحة، وبغض النظر عن التطورات السياسية والدبلوماسية الجيواستراتيجية المتغيرة في المنطقة كنا نرى أن هذه الثوابت دائما هي العنوان الأبرز للسياسة الخارجية القطرية، ويمكن القول إنها تمتد منذ تأسيس دولة قطر، ومن أبرز ثوابت السياسة الخارجية القطرية الوقوف مع الحق وتحقيق العدالة ونصرة المظلوم والحرص على ضمان حقوق الشعوب في تقرير مصيرها أسوة بقول المؤسس رحمه الله إن قطر هي كعبة المضيوم. كما تسعى قطر في سياستها الخارجية على المساعدة في ضمان الحد الأدنى من الحوكمة الرشيدة وتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة، وهذا التوجه يرسم المواقف القطرية تجاه الكثير من القضايا على رأسها القضية الفلسطينية حيث إن الموقف القطري مبدئي ونابع من الإيمان بأن هذه القضية المركزية بالنسبة للأمتين العربية والإسلامية غير قابلة للتفاوض ولا للمساومة.
ركائز السياسة القطرية
◄ لكن ألا يشكل هذا التوجه نوعا من الضغط على السياسة الخارجية أو على صانع القرار في قطر؟
► أعتقد، منذ عقود طويلة، ثبت صانع القرار في قطر قناعة واضحة جدا لدى المواطن والمقيم في بلادنا وأيضا في المحيط الإقليمي والدولي، أن الأساس الذي تقوم عليه المواقف القطرية هو المبادئ، وإن كانت المصالح هي بلا شك تجزم الكثير من التفاعلات اليومية للسياسة الخارجية القطرية، ولكن المبادئ التي تقوم عليها سياستنا غير قابلة للتفاوض، وهذا بلا شك يشكل ضغطا على قطر في بعض الأحيان، ولكنه أيضا يشكل نقطة قوة في القوة الناعمة لقطر ويضمن استمرارية واستقرار السياسة الخارجية القطرية في تفاعلها الإقليمي والدولي.
الحمد لله هذا النهج السياسي القطري أكسب الدوحة احتراما إقليميا ودوليا، ليس فقط على المستوى الشعبي، بل حتى على المستوى الرسمي، لذلك اليوم قطر هي شريك دولي موثوق، وهذه الثقة تأتي وتنبع أساسا من واقع أن المتعاملين مع قطر، من دول ومؤسسات، دائما كانت لديهم قناعة بأن قطر عندما تعد تفي، وعندما تتخذ موقفا مبدئيا فهي تثبت عليه. القضية ليست متروكة لحسابات سياسية ضيقة بل هي امتدادات حقيقية لقناعات راسخة ومبادئ تمتد، كما قلنا، منذ تأسيس الدولة.
إرث كأس العالم
◄ انتهت قطر قبل أشهر من استضافة واحد من أكبر الأحداث الرياضية وحقق نجاحا باهرا بشهادة الجميع.. كيف يمكن لوزارة الخارجية استثمار هذا الحدث بصورة وبحجم هذا النجاح؟
► كان هناك تأكيد من قبل حضرة صاحب السمو وسمو الأمير الوالد أن كأس العالم ليس استضافة وبطولة قطرية بل إنه مناسبة لإعادة الاعتبار للمنطقة العربية وللعالم الإسلامي بشكل عام على الصعيد الدولي، اليوم هذه المنطقة التي دأب الإعلام الغربي والخطاب الدولي في تصويرها على أنها منطقة تخلف وأزمات وحروب، تمكنت من خلال كأس العالم في قطر من تصدير، لمدة شهر، ثقافتها وقيمها وكل ما هو جميل في المنطقة عبر هذه الفعالية العالمية.
في الحقيقة نحن اليوم في وزارة الخارجية، وكما قال معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في لقائه مع تلفزيون قطر، نعمل على تحقيق هدف البناء على إرث هذه البطولة الذي لا يمكن اختصاره في الجانب الرياضي، بل يتجاوز إلى الجانب الإنساني والدبلوماسي الذي تحقق في هذه البطولة. أولا كان هناك عدد كبير من رؤساء الدول ومن المسؤولين الحكوميين والوزراء الذين زاروا قطر في هذه البطولة، كثيرون منهم يزورون الدوحة لأول مرة وتم عقد اجتماعات ولقاءات على هامش مشاركتهم وحضورهم، وكانت هناك أيضا اجتماعات استثنائية، وهذه اللقاءات فتحت بابا لتطوير العلاقات خاصة في أماكن مثل أمريكا اللاتينية التي تشكل كرة القدم فيها حجر زاوية في صناعة السياسات فيها.
والآن هناك فرص عديدة للاستثمار في هذه العلاقات من خلال التسويق، ليس فقط للاستثمارات القطرية التي تهم الجانب الاقتصادي، ولكن كذلك للفكر القطري القائم على المبادئ والقيم التي تشكل أسس الدولة.
وقد لمسنا هذه النتائج الإيجابية من خلال عدد من الزيارات الدبلوماسية بعد كأس العالم، ويضاف إلى ذلك طبعا جهود سفاراتنا في مختلف الدول التي نظمت عددا من الأنشطة للترويج لكأس العالم والتعرف على الثقافة العربية بشكل أكبر وأقرب من خلال عدد من الفعاليات المتنوعة. وأصبح الأشخاص يستدلون بالدوحة في الخارج للتعريف بالمنطقة العربية والخليجية بعد نجاح كأس العالم، وهذا في حد ذاته إرث مهم يرسخ لصورة مشرفة لقطر وبنيتها التحتية المتميزة وشعبها المضياف. وهذا النجاح الباهر بلا شك يمكن البناء عليه دون اعتبار للأصوات النشاز التي كانت تحاول أن تشوه هذه البطولة التي أثبتت التجربة أن نجاحها هو الإرث الذي سيبقى للأجيال القادمة.
سياسة متجددة
◄ هل تتفقون مع الرأي القائل إن السياسة الخارجية القطرية ما بعد كأس العالم ليست كما كانت قبل البطولة سواء في التعاطي مع الملفات أو القضايا الإقليمية أوالدولية ؟
► بطولة كأس العالم كانت محفزة للدولة بشكل عام، ليس فقط في مجال السياسة الخارجية، وأنا أعتقد أن أهم وأبرز تغيير هو هذا التحفيز الذي يساعدنا على تعزيز الإرث ما بعد كأس العالم. اليوم المبادرات في ازدياد وحجم العمل الخارجي في تطور وعلاقاتنا الدبلوماسية أصبحت أكثر تنوعا، ولكن لا يمكنني القول في الحقيقة إن هذا التقدم يرتبط فقط بكأس العالم، فهناك رؤية استراتيجية وضعت منذ سنوات عديدة للارتقاء بالعمل الخارجي لدولة قطر بتوجيهات من حضرة صاحب السمو، شاهدنا كيف أن قبل كأس العالم بشهور قليلة قام صاحب السمو بجولة أوروبية كانت مهمة جدا، قبلها كانت هناك جولة في أمريكا اللاتينية وجولة أخرى آسيوية، كل هذه الجولات الأميرية أعطت دافعا وزخما للسياسة الخارجية القطرية.
كذلك فإن معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية خلال السنوات الماضية كان له نشاط وتحركات دبلوماسية متميزة وغير منقطعة، تعكس حجم التزاماته الخارجية.. ويمكن القول إن جوهرة التاج في كأس العالم هو استقبال الوفود الدولية خلال كأس العالم، واليوم طبعا تستمر هذه الوتيرة بشكل أكبر.
◄ لقد أشرت إلى الحملات المغرضة التي شنت على قطر قبيل كأس العالم ومنذ فوزها باستضافة هذه البطولة..كيف يمكن أن نستفيد من هذه التجربة لإعداد إستراتيجية للتصدي لمثل هذا الاستهداف في مشاريع مقبلة؟
في الحقيقة تعرضت قطر خلال مناسبات عديدة إلى حملات مغرضة وكانت ضحية للمعلومات الكاذبة وللإعلام المضلل على مستوى دولي، ولكن على الرغم من المحاولات الحثيثة وأحيانا تظافر جهود دول ومؤسسات وجهات ولوبيات من مختلف الدول، نرى دائما أن الواقع على الأرض يرجح كفة الحق خاصة في ظل تماسك المجتمع القطري ونزوعه للوقوف بجانب الحق.
حتى في هذه التجربة رأينا كيف أنه كانت هناك محاولة حثيثة قبل كأس العالم لإظهار أن هذه البطولة ستكون الأفشل والأصعب في تاريخ كأس العالم وانتهى الأمر بأن شبكة مثل البي بي سي التي كانت إحدى القنوات التي استهدفت قطر بشكل مباشر، حيث لم تقم ببث افتتاح بطولة كأس العالم وحاولت أن تظهر وجها سيئا مفتعلا للبطولة، وجدت أنه في استبيان أطلقته هي وليست أي جهة أخرى كانت أغلبية الأصوات ترى بأن هذه النسخة هي أفضل كأس عالم في في التاريخ. الصورة النمطية أثرت بشكل كبير على تعاطي بعض الجهات الإعلامية مع كأس العالم قبل قدومهم إلى الدوحة، لكن فور وصولهم إلى الدوحة تبددت هذه الصورة السلبية وذلك بشهادات الإعلاميين الدوليين، منهم زميلة صحفية من استراليا قالت لي : «هذا أكثر كأس عالم آمن أحضره، وأنا غطيت أكثر من أربعين فعالية رياضية دولية بما فيها في دورات من كأس العالم في السنوات السابقة..لأول مرة أدخل إلى الملعب وأنا أشعر بالأمان الكامل وأحضر المباراة وإلى جانبي رضيع ولا يوجد لدينا أي خشية على أمننا» أعتقد أن الواقع فرض نفسه والحق دائما كما يقال أبلج.
وهذا الوضوح الذي تعاملت به قطر مع الحملات الإعلامية الدولية وإظهار الوجه الحقيقي من خلال الواقع على الأرض وليس من خلال تضخيم أي إنجاز، هو ما أثبت في النهاية أن الطريقة الأفضل لمقاومة هذا النوع من الحملات هو النجاح وإثبات الحقيقة في الواقع.
إرث للأجيال
◄ هل تعتقد أن قوة ناعمة جديدة انضمت إلى القوة الناعمة التي تمتلكها قطر وهي قوة الدبلوماسية الرياضية ؟
► الدبلوماسية الرياضية كانت حاضرة في قطر وبقوة منذ سنوات عديدة في بطولات مختلفة على مستوى العالم كانت تستضيفها قطر، صحيح أن أكبرها كان كأس العالم، ولكن استضافة البطولات العالمية، في مجال التنس مثلا، يعود إلى التسعينيات من القرن الماضي. هناك بطولات دولية نظمتها الدوحة مهمة مثل بطولة الآسياد في 2006، التي كانت علامة فارقة وأيضا كانت دافعا لتحسين البنية التحتية في حينها وكانت إضافة في طريق الدبلوماسية الرياضية. واليوم أنا والكثير من المسؤولين في الدولة ينظرون إلى كأس العالم في قطر على أنه بناء على الإنجاز وليس بداية للإنجاز، بمعنى أن كل هذا النجاح في استضافة الفعاليات الرياضية السابقة والنجاح على مستوى الدبلوماسية الرياضية، حتى في عضويات الاتحادات الإقليمية والدولية، مكن من أخذ زمام المبادرة في تنظيم الفعاليات الدولية من خلال استضافة كأس العالم والبنية التحتية الرياضية كانت جاهزة بالإضافة إلى الدبلوماسية الرياضية القطرية والقدرة على التأثير. هناك أثر حقيقي من وراء مثل هذه الفعاليات على المستوى الإنساني أولا قبل المستوى الرياضي وسنوات الخبرة مكنت من إنجاح هذا الحدث العالمي.
الدبلوماسية الشعبية
◄ كيف يمكن تفعيل الدبلوماسية الشعبية ؟
► نحن في وزارة الخارجية القطرية نهتم بشكل كبير بمسألة الدبلوماسية العامة أو الدبلوماسية الشعبية كما ذكرتم.. وفي هذا الإطار تم استحداث مهمة المتحدث باسم وزارة الخارجية وهو منصب ليس منتشرا كثيرا خاصة في المنطقة، ومن خلال تنفيذ الدبلوماسية الشعبية نحرص على أن يتم تجاوز التواصل الثنائي ومتعدد الأطراف على المستوى السياسي ويشمل التواصل مع أجهزة الإعلام والتواصل مع مراكز الأبحاث الأكاديمية.. كما أن الدبلوماسية الشعبية مرتبطة بالدبلوماسية الثقافية والدبلوماسية الرياضية وغيرها.
نعطي أهمية بالغة جدا لهذا الملف ورأينا كيف أنه في السنوات الماضية الجهاز الإعلامي في وزارة الخارجية تم تعزيز دوره ونشاطه بما يتناسب مع التحديات التي نواجهها في قطر.. واليوم عوضا عن الاكتفاء بمكتب إعلامي أصبحت هناك إدارة للإعلام والاتصال بوزارة الخارجية، بالإضافة إلى مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية ومكتب الإعلام الدولي، هذه الأجهزة الثلاثة تعمل بتناغم كبير جدا في مجال تحقيق رسالة خارجية وإيصال صوت قطري للخارج وأيضا تثبيت وتعزيز سمعة قطر كشريك دولي موثوق ومؤثر عالميا..يضاف إلى ذلك طبعا أن قطر في السنوات الأخيرة استثمرت بشكل كبير جدا في أنواع أخرى من الدبلوماسية مثل الرياضية والثقافية.
لدينا اليوم، الأيام الثقافية والفعاليات الدولية الرياضية، وهي كلها جزء من هذه الدبلوماسية الشعبية..كما أننا نعمل على تعزيز دبلوماسية الفكر من خلال عدد من الفعاليات من أهمها منتدى الدوحة الذي تم تنظيم أكثر من عشرين نسخة منه وحقق نقلة استثنائية خلال السنوات الأخيرة.. وأذكر أنه في آخر منتدى هنا في الدوحة قال لي أحد الزملاء من الولايات المتحدة الأمريكية من رواد هذه المؤتمرات: «هذا أكبر مؤتمر دولي من نوعه في العالم»رغم أنه يحضر كل المؤتمرات العالمية .. منتدى الدوحة هو جوهرة فيما يتعلق بدبلوماسية الفكر، ولكن أيضا نتواصل مع مراكز الأبحاث الدولية، وتحرص قطر على الحضور في المؤتمرات الدولية، ومعالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية يحضر بشكل ثابت في عدد من المؤتمرات الدولية ويتحدث في زياراته الدولية في عدد من الجلسات الحوارية ويتبادل وجهات النظر والتعريف بالسياسة القطرية مع الخبراء من مراكز الأبحاث والجهات الأكاديمية الدولية.
في الحقيقة حضرة صاحب السمو كان له دور مهم في نقل الخطابات السياسية إلى أن تكون فعلا رسالة فكرية تصل، ليس فقط إلى السياسيين، ولكن تصل إلى الشعوب بشكل عام، وهذا ما رأيناه في خطابات سموه خلال مؤتمرات مثل ميونخ وغيرها في مشاركته في جلسات هذه المؤتمرات، كان هناك دائما خطاب مختلف والكثيرون اليوم يستدلون من خلال هذه الخطابات ليس فقط على توجه قطر بل تحولات السياسة في المنطقة بشكل عام.
مواكبة لطموحات الدولة
◄ د. ماجد ذكرت أن هناك انفتاحا وتجديدا واستحداث مناصب إعلامية خلال الفترة الأخيرة في وزارة الخارجية.. هل هذا يعني مواكبة لمرحلة جديدة تبدأها الوزارة ؟
► طبيعة العمل الخارجي والعمل الدبلوماسي تتطلب ديناميكية دائما هناك تحولات يومية في السياسة الخارجية وحجم القضايا المستجدة تحتاج إلى تفاعل أكثر تطورا.. نحن اليوم نصدر ما لا يقل عن بيانين أسبوعيا حول مختلف القضايا.. مواكبة التغيرات وسرعة الأحداث على الساحة الدولية تطلبت إعادة تقسيم هذه الأدوار وإطلاق مبادرات جديدة خاصة في الجانب الإعلامي وهو ما يمثل أهمية بالغة وحرصا على نشر بيانات الوزارة في وقت مناسب وبسرعة كبيرة تتماشى مع وتيرة الأحداث.
اليوم لدينا جهاز دبلوماسي مختلف فرضه علينا الواقع الخارجي، ولكن أيضا طموحات القيادة هنا في قطر فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بحاجة إلى تفاعل دائم وتغيير دائم يواكب هذه الطموحات.. كما يحرص مكتب الإعلام الدولي على التفاعل السريع والدائم مع وسائل الإعلام الدولية وتكوين شبكة علاقات خارجية جيدة بالإضافة إلى توفير المعلومة الدقيقة والموثوقة.
الوساطة الناجحة
◄ تميزت الدبلوماسية القطرية في السنوات الماضية بتحقيق نجاحات مميزة في الوساطات في عدد من الملفات.. هل نتوقع استمرارية هذا النهج خلال المرحلة المقبلة ؟
► بلا شك، حضرة صاحب السمو عندما سئل في مقابلة لوبوان الفرنسية عن تعريف سموه لقطر قال «إننا مصدر موثوق للطاقة وميسر للسلام»، وعندما يجيب حضرة صاحب السمو على هذا السؤال بهذه الطريقة، فهذا يضع مسؤولية خاصة للعمل في هذا الاتجاه ويدق جرس الإنذار في وزارة الخارجية بأنها مصدر ميسر للسلام وليست وسيطا فقط.. وهو دور أساسي ويمثل جزءا مهما من تعريف دولة قطر في نظر القيادة الرشيدة، وبالتالي دورنا اليوم في الوزارة هو تفعيل هذه الوساطات، ولكن أيضا بناء على النجاحات بشكل يضمن أن النجاحات القادمة تكون أكثر تأثيرا في تحقيق السلام والأمن ليس فقط في منطقتنا هنا بل في العالم. وخلال الفترة الأخيرة تم تسجيل نجاح للدبلوماسية القطرية في محادثات السلام في تشاد، بالإضافة إلى تفعيل الوساطة القائمة بين الكونغو ورواندا من أجل خفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية.. وهناك جهود طبعا عديدة في الوساطة ومكافحة الإرهاب وفض المنازعات عبر أقسام الوزارة المختلفة وتخصصاتها المتعددة التي تعمل في إطار تيسير السلام، كذلك نقوم بجهود في أفغانستان قائمة على نجاح سابق في الوساطة . السؤال الأبرز في الوزارة هل يمكن أن نقوم بدور في خفض التصعيد أو تحقيق وساطة أو تيسير سلام في هذا البلد.
نجاح قطري
◄ السؤال الذي يطرحه كل قطري لماذا تنجح قطر في الوساطات فيما آخرون يفشلون.. هل هناك لمسات أو هناك وصفة معينة تمتلكها قطر ولا يملكها الآخرون ؟
► أعتقد أن الناس تنتبه فقط للنتيجة النهائية بمعنى أن هذا النجاح لا يعني أن قطر لديها عصا سحرية تستخدمها في أي ملف وينتهي الموضوع ببساطة. الجهود القطرية في إطار الوساطة هي عبارة عن مسار طويل جدا، قد يمتد في بعض الملفات إلى سنوات طويلة كما هو الحال في قضية دارفور وأفغانستان، وهناك جهود مستمرة كخفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية الذي يبقى قائما . هناك الكثير من النجاحات التي نبني عليها ولكن هذه النجاحات هي وليدة مجموعة من العراقيل والتحديات الصغيرة التي تنتهي إلى نجاح.. وعادة ما يتحقق هذا النجاح بفضل دعم مباشر وصريح من القيادة الرشيدة في تحقيق السلام في هذا الملف أو تحقيق المصالحة في ذاك الملف أو الاتفاق بين الأطراف والتدخل المباشر من القيادة يكون عامل نجاح وحسم كبير مثل الوساطة في جنوب لبنان وفي أفغانستان.
اليوم هناك آلة في وزارة الخارجية القطرية وفي الدولة بشكل عام اكتسبت مجموعة كبيرة جدا من الخبرات.. أنا لا أتكلم هنا على مستوى الأفراد أنا أتكلم على مستوى الذاكرة والثقافة المؤسسية. اليوم قطر تعرف كدولة كيف ومتى تتوسط، كيف ومتى تدخل للوساطة.. وهذا طبعا يساهم بشكل كبير في نجاح الوساطات، قطر لا تدخل بشكل عبثي في هذه الوساطات، ولا تدخل بأجندة مسبقة وهذا أعتقد ما يميز قطر بشكل كبير هناك دراسة دقيقة للحالة و استشعار لدى الأطراف بأن قطر ليس لديها أجندة خاصة أو هدف محدد من وراء هذه الوساطة وهذا ما ينجح الجهود. لم يكن لدى قطر أجندة في أفغانستان ولا في تشاد وغيرها والكل رأى هذا بشكل واضح.
تقريب وجهات النظر لا يمكن إلا إذا وجدت هذه الحالة الاستثنائية من الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وليس الحياد. الحياد في حالة وساطة قد يكون حيادا سلبيا.. وهو البناء على تحقيق مستقبل أفضل من خلال نقل الرسائل ولكن أيضا بناء الأفكار في عملية الوساطة. إلى جانب قدرة قطر على أن تستثمر في السلام. وأنا لا أعني عندما أقول كلمة تستثمر فقط الجانب المادي من المسألة، لكن أعني الاستثمار المؤسساتي السياسي الاقتصادي الاجتماعي في كل عملية صناعة سلام، اليوم عندما انخرطت قطر في الوساطة في دارفور كان جزءا كبيرا منها هو بناء مشروع للتنمية في دافور ولم يكن من الممكن الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المتحاربة وإيقاف القتال في دارفور إلا بأن يكون هناك فعلا أمل في المستقبل. لأن الشيء الوحيد الذي يوقف نزيف الدم ويضعف خطاب الحرب هو الأمل الذي يتحقق من خلال إيجاد فرص للشباب لبناء مستقبل أفضل عبر التعليم والعمل وتحقيق التنمية. البنية التحتية نتكلم هنا عن الشوارع والمدارس والمستشفيات تكون أهم من الوصول لإتفاق سياسي في سياقات معينة وهي الضمانة الوحيدة أمام عدم العودة إلى حالة الاحتراب.
الجهاز التنموي القطري عبر صندوق قطري للتنمية والمؤسسات يعمل بشكل خاص في مجال التعليم في مناطق النزاع.. رأينا من خلال هذه المبادرة إعادة إدماج مليون طفل تقريبا، في ساحات النزاع، في التعليم، رأينا المشاريع التعليمية والصحية ومشاريع البنية التحتية التي نفذت في عديد من مناطق النزاع ونأمل حقيقة أن مثل هذه المشاريع التي تقام اليوم بشراكات دولية ومع مؤسسات دولية وعلى رأسها الأمم المتحدة تكون هي الضمانة التي توضع تحت أي نجاح دبلوماسي قطري فيما يتعلق بالوساطة.
◄ كيف تتم صناعة الدبلوماسي القطري ؟
► طموحات القيادة والدولة لدينا تتجاوز عدد القطريين بكثير ولكن نحن دائما نقول إن المواطن القطري المنجز المعطاء هو الطريقة الوحيدة لجبر هذا النقص العددي.. ولذلك رأينا حقيقة أن التجربة العملية ساهمت في صقل القدرات الدبلوماسية بشكل كبير جدا. هناك دورات تدريبية مكثفة غير اختيارية وضعنا فيها بسبب الظروف المحيطة بنا وبسبب الأزمات التي مررنا بها. معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أدار دفة الخارجية القطرية في أحلك الظروف ومعه كل جسم وزارة الخارجية الذين واصلوا الليل بالنهار.. كل واحد من منتسبي هذه الوزارة يقوم بدوره ودور عشرة دبلوماسيين معه. بعض سفاراتنا كان عدد الدبلوماسيين فيها محدودا لكن قاموا بأدوار ضخمة، اليوم وزارة الخارجية القطرية لديها معهد دبلوماسي للدراسة، الدكتور عبد العزيز الحر يقوم بدور كبير جدا فيما يتعلق ببناء القدرات في الدورات التي يقيمها الدبلوماسيون، الدبلوماسي القطري قبل أن يعطى الدرجة الدبلوماسية يخوض دورة دبلوماسية مكثفة تعطيه انكشافا على معظم المعارف، ويسبق ذلك عملية الاختيار التي تتم عبر مجموعة من الاختبارات والمعايير التي يتم من خلالها قبول الشخص في وزارة الخارجية، ثم يخوض هذه الدورة، وكل نقلة دبلوماسية هناك دورة عندنا تسمى دورة المنقولين هذه أيضا يعطى فيها الدبلوماسي جرعة إضافية من المعارف الدبلوماسية التي يحتاجها فورعمله بالخارج. ولدينا الآن ماجستير تنفيذي، برنامجان بالحقيقة ليس برنامجا واحدا بالتعاون مع جامعة جورجتاون ومعهد الدوحة الدبلوماسي.
دعوة للسلام
◄ ما هو موقف دولة قطر من الصراع القائم في السودان؟ وهل هناك تحركات دبلوماسية للوساطة بين الأطراف المتنازعة ؟
أصدرنا بيانا دعونا فيه كافة الأطراف إلى وقف إطلاق النار والنزوح إلى الحل السلمي والحوار، والدعوة إلى الحوار السلمي بين الأطراف كان دائما الموقف القطري من أي صراع.. نحن اليوم طبعا قلقون جدا من هذا التطور السلبي في السودان. وسمعنا دعوات دولية من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لوقف الصراع الدائر بأسرع وقت ممكن ولا يمكن أن يكون هناك أي تأخير في إيجاد حل لأن كل دقيقة تساوي أرواحا. قطر دائما كانت مستعدة في حال طلب منها أن تلعب دورا إيجابيا في تيسير المفاوضات والسلام بين مختلف الأطراف وفي عدد من القضايا فبلا شك في حال طلب الأشقاء في السودان منا أن نقوم بدور فنحن منفتحون على هذا الأمر.
نحن نرحب بأي جهد إقليمي أو دولي ممكن أن ينتج عنه تهدئة للوضع في السودان، ونتمنى الخير في الأيام القادمة خاصة أننا مقبلون على عيد الفطر المبارك وفي هذه الأيام الفضيلة يجب أن يكون هناك استماع لصوت الحكمة بحيث لا يستمر هذا النزيف في حق الشعب السوداني الذي عانى كثيرا خلال السنوات الأخيرة بسبب العقوبات والأزمات السياسية والاقتصادية بأشكالها المختلفة.. نتمنى أن لا تطول هذه الأزمة في السودان الشقيق.
◄ إذا طلب منكم التدخل هل يمكنكم العودة إلى الساحة السودانية مجددا ؟
► علاقتنا مع السودان الشقيق تاريخية ومستمرة وهناك لقاءات متواصلة بين المسؤولين السودانيين والقطريين خلال الفترة الماضية.. ولم يطلب منا حتى الآن القيام بهذا الدور، ولكن الاتصالات القطرية مع الأطراف لا تنقطع والسفارة هناك تعمل بجد يوميا في التواصل مع الأطراف المختلفة، وسعادة السفير على تواصل يومي معنا من هناك.. نحن مستعدون لأي دور يخدم الوضع في السودان .
حل الأزمة اللبنانية
◄ وزير الدولة الدكتور محمد الخليفي كان مؤخرا في بيروت والتقى تقريبا كل القوى اللبنانية هناك.. هل هذه الزيارة تعد استكشافية لبدء وساطة قطرية ؟
► هناك جهد مستمر فيما يتعلق بلبنان قام به وزير الدولة وقبل ذلك معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية في التواصل مع الأطراف اللبنانية، وحضرت قطر الاجتماع الخماسي حول هذا الشأن وشاركت في النقاش حول إمكانية التوصل إلى حل سياسي والأكيد أنه ليس لقطر أجندة معينة فيما يتعلق بلبنان سوى تحقيق الاستقرار والازدهار.
وكانت الدوحة حريصة على دعم الجيش كمؤسسة وطنية في لبنان لضمان أن تبقى صامدة في وجه أي أزمات اقتصادية أو سياسية بالإضافة إلى كافة الجهود التنموية التي يمكن تحقيقها في لبنان وعلى المستوى السياسي هذه الزيارة وما سبقها كان هدفها الأساسي هو استكشاف آفاق الحل.
والحل في هذه الأزمة هو لبناني- لبناني أي طرف خارجي يجب أن يكون دوره ميسرا وداعما ومحفزا وبناء على الأولويات اللبنانية لذلك فما نقوم به اليوم هو محاولة تكوين وجهات نظر وهناك اتصال مع شركائنا الدوليين سواء في الإقليم مع المملكة العربية السعودية والأطراف الأخرى كذلك مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية..اليوم لبنان يحتاج إلى جهد إقليمي دولي للخروج بلبنان من الأزمة.
أهمية بالغة
◄ فيما يتعلق بالملف الإيراني ما هو الدور الذي تقوم به قطر حاليا بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ؟
► بالنسبة لقطر الملف النووي الإيراني يحتل أهمية بالغة خاصة وأن المنطقة لا تحتمل المزيد من التوتر، والمستفيد الأول من خفض التصعيد مع إيران سيكون دول المنطقة بشكل أساسي ومنها قطر بحكم الجغرافيا.. وعليه ففي هذه الوساطة تحديدا هناك أجندة قطرية لتحقيق السلام لنا ولشعوب المنطقة .. لذلك عملت قطر بشكل مكثف على دعم جهود الوسيط الأوروبي من خلال استضافة إحدى جولات الحوار المباشر بين الطرفين في الدوحة، وهناك تواصل وزيارات قطرية مستمرة من أجل دفع الحوار.
وأعتقد أنه في الوقت الحالي ربما لا يكون التفاؤل هو سيد الموقف للوصول لاتفاق، ولكن إمكانية أن يتم تحقيق نجاحات محدودة في طريق الوصول لاتفاق ما زال قائما وهو ما تعمل عليه الآن قطر مع الشركاء الدوليين، ونحن سعداء حقيقة بأن يكون هناك خفض للتصعيد في المنطقة بشكل عام لذلك رحبت قطر بالاتفاق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ونتمنى أن نرى الجميع على طاولة الحوار من أجل تحقيق المصلحة المتبادلة .
استقرار المنطقة
◄ هناك أيضا مبادرات في موضوع الملف اليمني.. كيف يمكن لهذه المصالحات أن تنعكس إيجابا على المنطقة وشعوبها ؟
► من ثوابت السياسة القطرية هي أن يتم حل الخلافات بالطرق السلمية انطلاقا من واقعنا الجيوسياسي.. فأكبر مستفيد من الأدوات السلمية في حل الخلافات هي بلا شك الدول الصغرى وليست قوى كبرى.. وهذا ما يجعلنا اليوم حريصين على دعم الاستقرار والسلام عالميا عبر تشجيع الجهود السلمية في مثل هذه النزاعات.. اليوم عندما نرى مصالحة في المنطقة فهذا يخفض معيار التصعيد ويكون هناك جلوس على طاولة الحوار للحديث بشفافية عن الخلافات لإيجاد سبل سياسية لحلها وأن يكون هناك طريق آخر غير السلاح لحل النزاعات بين الدول، تأسست الدبلوماسية على هذه الفكرة.. هذه المصالحات ننشدها في المنطقة وهي بلا شك إيجابية وعلينا أن نجعلها مستدامة عبر برنامج المصالح المتبادلة وجهود التنمية وإيجاد قنوات اتصال دائم مما يضمن لشعوب هذه المنطقة مستقبلا أفضل.. فشعوب المنطقة عانت بشكل خاص، إذا ما قارنا كمية الأزمات التي حدثت في منطقتنا خلال القرن الماضي بأي منطقة أخرى في العالم سنجد أننا نتحدث عن تميز من الناحية السلبية وبالتالي تستحق هذه المنطقة عقودا من الاستقرار.
اجتماع جدة
◄ ذكرتكم اجتماع جدة.. ما هي أهم مخرجات الاجتماع ؟
► كما قرأتم جميعا البيان شاركت فيه دول مجلس التعاون بالإضافة إلى العراق ومصر والأردن.. الهدف الأساسي من هذا الاجتماع كان التباحث حول القضايا الإقليمية المختلفة وعلى رأسها طبعا القضية الفلسطينية، وكما ذكر البيان تم التأكيد على دعم صمود الشعب الفلسطيني واستنكار وإدانة كل هذه الاستفزازات الإسرائيلية في شهر رمضان المبارك والدعوة إلى احترام الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى المبارك والتأكيد على خطورة التصعيد ومحاولة تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم هناك..وتم مناقشة القضية السورية وإمكانية المضي قدما بشكل إيجابي لحل الأزمة السورية عبر القنوات الإنسانية والدبلوماسية. كان اجتماعا تشاوريا غير رسمي هدفه الأساسي هو تبادل وجهات النظر بين الأطراف المعنية وسيفضي إلى نقاشات أوسع على المستوى العربي.
◄ كانت هناك أصوات عالية ربما إعلاميا ودعوات بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.. وهناك من يتحدث عن لماذا قطر تتحفظ على عودة النظام السوري ؟ هناك أطراف أخرى أقامت علاقات دبلوماسية وعلاقات اقتصادية لماذا أنتم تتحفظون؟
► نتمنى أن نشهد حلا للأزمة السورية يحقق تطلعات الشعب السوري في الأمن والاستقرار.. طبعا هذا ليس موقفا قطريا منفردا..قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هو قرار عربي عام.. معظم الدول العربية التي اتخذت قرارا ضد النظام السوري لم تجد إلى اليوم مسببات لإنهاء تجميد عضوية سوريا بما أن الأسباب ما زالت قائمة، الموقف القطري ثابت إن ما لم يكن هناك حل وتطور دبلوماسي سياسي حقيقي يحقق تطلعات الشعب السوري، وأن يكون هناك حالة إجماع عربي على هذا الملف. هذه القضية سيادية بإمكان كل دولة أن تعالج الملف السوري كما تراه مناسبا. ندعم أن تكون هناك مشاورات وأن يكون هناك نقاش على هذه المسألة بين الأطراف الإقليمية المختلفة ومع الأطراف الدولية. ينبغي التأكيد على أن الموقف القطري كان نابعا من إدانة واضحة وحاجة إلى التعامل مع جرائم ارتكبت بحق الشعب السوري.. هذه الجرائم لا يمكن أن تسقط بالتقادم، نحتاج أن يكون هناك ثمن حقيقي يدفع للشعب السوري.
قضايا إنسانية
◄ تطرقت إلى أحد الملفات المهمة التي قادت دولة قطر الوساطة فيها وهو الاتفاق التاريخي بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية ..لكن أفغانستان إلى هذه اللحظة مضطربة فهل هناك جهود قطرية أخرى لمساعدة هذا البلد على الاستقرار ؟
► الدافع الأبرز لقطر في الوساطة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية كان إيقاف الحرب، هذه الآلة المدمرة التي لن ينتج عنها إلا مزيد من الضحايا بشكل يومي، وهو ما تم، توقفت الحرب ولأول مرة من قرابة ربع قرن، هذا الإنجاز كان الأهم بالنسبة لنا في المرحلة الأولى..وكنا نعلم دائما، وأعتقد أن العالم كله كان يعلم أن التحدي الأكبر سيكون مرحلة ما بعد الحرب لأننا لا نتحدث هنا عن عودة طبيعية إلى استقرار ومؤسسات دولة قائمة وقوية وراسخة نتكلم عن دولة ربع قرن تعيش في حرب طاحنة مترامية الأطراف وتعيش في أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة. طبعا دورنا لم ينقطع في أفغانستان على الجانب الإنساني والتنموي والسياسي، كما قلت، سعادة المبعوث الدكتور مطلق القحطاني كان في أفغانستان مؤخرا وتواصل مع الأطراف الأفغانية لفتح نقاش شفاف مع حكومة تصريف الأعمال في أفغانستان حيال كل القضايا بما في ذلك القضايا نختلف فيها بوضوح معهم كحقوق الإنسان والتعليم وعمل المرأة ولكن هذا لا يعني أن نعود لمقاطعة أفغانستان وعزلها مرة أخرى عالميا. لذلك نقول دائما لشركائنا الدوليين إن الطريقة الوحيدة لتحقيق التقدم في أفغانستان هو من خلال مزيد من الانخراط وليس مزيدا من العزلة.. نحن نمثل المصالح الأمريكية ولعدد من الدول الأوروبية في أفغانستان ونستضيف سفاراتهم في الدوحة ونتواصل مع الأطراف الدولية للوصول إلى حلول خاصة على مستوى الإغاثة الإنسانية.
مساعدات بلا أجندات
◄ بعض الدول ربطت مساعداتها بمسارات ومصالح معينة.. هل تفكر قطر أن تحذو حذو هذه الدول بمعنى أن تكون هناك منطلقات للمساعدات التي تقدمها ؟
► معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون قطر أشار بوضوح إلى نقطتين أساسيتين فيما يتعلق بالمساعدات أولا التي تنطلق من التزامات قطرية كطرف في المجتمع الدولي.. النقطة الأخرى ترتبط بطبيعة الشعب القطري الذي تميز بكونه معطاء وكريما وفي كل الأزمات يكون دعمه استثنائيا، فكما قال معاليه يجب أن لا يستكثر المواطن القطري على الحكومة أن تكون أيضا بنفس الاتجاه نحو الخير.. ومن المهم الإشارة إلى أن المساعدات القطرية للخارج كانت دائما بتوجيه مباشر من القيادة الرشيدة بهدف إحداث فرق في حياة الناس ، لذلك فإن تسييس هذه المساعدة أو تحويلها لأدوات ابتزاز يخالف هذه الرؤية الحكيمة لدى القيادة الرشيدة بأن هذه النعمة التي أنعم بها الله عز وجل علينا في قطر من الازدهار المادي زكاتها تكون من خلال هذه المساعدات التي توجه للشعوب التي تحتاجها.
ما بعد اتفاق العلا
◄ إذا عدنا إلى البيت الخليجي بعد اتفاق العلا..كيف تجدون تطور العلاقات الخليجية الخليجية؟
► هناك تطورات إيجابية كما رأينا خلال الفترة الأخيرة منذ التوقيع على اتفاق العلا بدأت اللجان تعمل مع الدول المختلفة، آخر هذه الاجتماعات كان الاجتماع مع الجانب البحريني، هناك اجتماعات منفصلة طبعا في أبو ظبي والرياض.. وأعتقد أن اليوم بإمكاننا أن نتحدث عن استكمال مسيرة التعاون مع الأشقاء. على المستوى السياسي رأينا طبعا اللقاءات المتعددة بين القادة والزيارات المتبادلة التي تمت خلال الفترة الأخيرة مما يحاكي تطلعات الشعوب الخليجية في مشروع التعاون الخليجي.
◄ تم الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية القطرية البحرينية هل هناك خطوة قادمة ؟
► تم الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية والآن يتم التركيز على الأعمال الإجرائية، بالنسبة للطيران بدأت اللجان الفنية تعمل في هذا الإطار لعودة الطيران بين البلدين وسيتم إن شاء الله في أقرب الآجال وكذلك نحن بانتظار زيارات اللجان الفنية فيما يتعلق بفتح السفارات هذه إجراءات بيروقراطية ستأخذ وقتها بشكل طبيعي.
◄ ماذا عن الإمارات؟
► الأمر نفسه، هناك لجان فنية أيضا تعمل بين البلدين..كان هناك اجتماع مؤخرا ونترقب الخطوة الأولى والأساسية وإعادة فتح السفارات وغيرها من الإجراءات.
*هناك قمة عربية قادمة في الرياض.. ما هو المؤمل من هذه القمة والاستحقاقات المنتظرة ؟
تحديات كبيرة ستوضع على طاولة هذه القمة، الأزمة السورية، التصعيد في الأراضي الفلسطينية، التوتر القائم حاليا في السودان، أنا أعتقد أن اليوم العالم العربي بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مزيد من التعاون بين أطرافه وكانت هناك مؤشرات إيجابية في دفع التعاون العربي خلال الشهور الماضية وهذه القمة نتمنى أن تكون ترجمة لهذا التعاون من أجل حل مشاكل المنطقة عبر التعاون والحلول الداخلية.
رسائل إيجابية
◄ ألا يعيش التعاون العربي حالة من التراجع بشكل كبير؟
► يعاني التعاون الإقليمي عموما في العالم اليوم تحديات حتى أوروبا مثلا.. هذه التحديات فيما يتعلق بالعمل المشترك نابعة من مشاكل اقتصادية وسياسية وتغيرات جيواستراتيجية دولية تؤثر على المشهد الدولي ولكن فيما يتعلق بالتعاون العربي فأعتقد أن هناك رسائل إيجابية مقارنة بعشر سنوات سابقة. ولكن بلا شك لا يجب أن ينقطع الأمل في أن يكون هناك حوار عربي عربي وتعاون في إطار هذه الملفات سواء تحت مظلة الجامعة العربية أو في مجلس التعاون أو أي تكوينات إقليمية أخرى أو حتى في إطار العلاقات الثنائية المزدهرة بين الأطراف المختلفة.
◄ هناك تطور كبير في العلاقات بين قطر ومنظمة الأمم المتحدة خاصة بعد تنظيم مؤتمر البلدان الأقل نموا وفتح بيت الأمم المتحدة في الدوحة.. ما هي المشاريع المستقبلية وما هي أهم خطط التعاون؟
► تعاوننا مع منظمة الأمم المتحدة تعزز بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية بجهود بعثتنا، وعلى رأسها سعادة الشيخة علياء بنت أحمد بن سيف آل ثاني، لتعزيز دور قطر على الساحة الدولية على الخارطة. كما تم افتتاح بيت الأمم المتحدة في الدوحة الذي يضم 12 مكتبا أمميا، وهذا يمثل نقلة حقيقية بالنسبة للعمل الإقليمي فيما يتعلق بالمنظومة الدولية.. ما نتمناه هو أن يعزز هذا التعاون حضور دولة قطر، ويحقق مزيدا من التعاون على المستوى الدولي من أجل الدفع بقاطرة العمل متعدد الأطراف لتحقيق تحولات إيجابية، خاصة فيما يتعلق بأزمات المنطقة والقضايا الإنسانية لضمان الأمن والسلم العالميين، وأيضا لترسيخ دور قطر كدولة داعمة لهذه المنظمة الدولية.