المهندس إبراهيم السادة: ظاهرة ازدواجية المنصب والتجارة يجب أن تختفي
عززت مسيرة التنمية الشاملة اهمية ديوان المحاسبة الذي زادت مسؤولياته في ظل ازدهار حركة المشاريع والاستثمارات، مما يجعل دوره بمثابة حزام امان لترسيخ قيم النزاهة والشفافية في دولة المؤسسات والقانون. ولذلك يقف في مواجهة تحديات كبيرة تجعل طريقه ليس مفروشا بالورد لكن سعادة المهندس ابراهيم بن هاشم السادة رئيس ديوان المحاسبة بالانابة يبدو مطمئنا لإنجاز المهام الموكلة للديوان مهما بلغ حجمها لسببين اولهما حرص القيادة الرشيدة على توسيع صلاحيات الديوان بما ينسجم مع مسؤولياته عبر قانون جديد بات قاب قوسين او ادنى من الصدور ويتضمن هيكلة جديدة. وثانيهما عزم الحكومة على مكافحة الفساد بلاهوادة. واطمئنان السادة ينسحب ايضا على قضية الفساد التي اصبحت ظاهرة عالمية عابرة للقارات لكنها لم تتمكن من التسرب الى المجتمع القطري، مؤكدا عدم وجود اعمال فساد ممنهجة انما مخالفات مالية سببها نقص اللوائح وثغرات في قوانين المناقصات وهي في مجملها حالات فردية، كاشفا عن وجود اجراءات صارمة بحق المخالفين، حيث تم اعفاء مسؤولين من مناصبهم وحرمانهم من شغل مناصب اخرى. أما الخشية من ازدواجية الادوار وتضارب المهام بين المؤسسات المعنية بالرقابة المالية والادارية فانها غير موجودة في حسابات السيد ابراهيم السادة الذي يؤكد ان العلاقة بين ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الادارية والشفافية علاقة تكاملية مبنية على التقارب وليس التضارب وهي اشبه ما تكون بعلاقة طوائ حمد مع العيادات المتخصصة، فالهيئة بمثابة الطوارئ التي تتعامل مع الشكاوى
وتتفاعل مع ما ينشر في الصحف بينما الديوان يشبه العيادات المتخصصة، حيث يعمل وفق برامج ثابتة. كما يرتبط الديوان بعلاقة تكاملية مع النيابة العامة التي تستند الى تقارير الديوان فضلا عن تشكيل فرق عمل موحدة في اكثر من قضية. غير ان مسؤوليات ديوان المحاسبة لا تقف عند حدود المؤسسات والمشاريع الداخلية بل تشمل جهاز قطر للاستثمار والسفارات والمكاتب الطبية في الخارج مما يزيد حجم التحديات التي استدعت وضع خطط عمل يلخصها السيد ابراهيم السادة في عدة نقاط، اولاها تعويض النقص في الكوادر بالاستخدام الامثل للتكنولوجيا عبر ربط وحدات التدقيق في جميع الوزارات والمؤسسات ببرنامج متطور ولائحة عمل موحدة تتيح متابعة الديوان لسير الامور، فضلا عن مشاركة مراقبين من الديوان بحوالي 55 لجنة مناقصة، وثانيتها تدريب وتأهيل الكواد
***
◄ تضمن خطاب سمو الأمير أمام مجلس الشورى موجهات، ورسم استراتيجيات.. من بينها ما يتعلق بالصحة والتعليم والبنية التحتية.. كيف تنظرون إلى معالم هذا الخطاب وما جاء به؟
► خطاب سمو الأمير كان شاملا وقد بدأ فيه بالحديث عن رؤية قطر وتميز بتلخيصها في 3 كلمات هي «بناء الوطن والمواطن».. وكان هذا الاختصار البليغ لرؤية قطر موفقا، كما ذكر سموه عند الحديث عن بناء الوطن بناء مؤسسات الدولة.. بحيث تكون مؤسسات تتخذ من الشفافية والأداء ومحاربة الفساد منهجا وتساعد على بناء الوطن.
وتحدث سموه عن بناء المواطن والاستثمار فيه، وعندما ذكر المواطن ذكر كلمة الرفاهية وليس تحقيق الاكتفاء فقط أو الحد الأدنى من حاجات المواطن، ولكن كان الحديث عن الرفاهية، كما ذكر سموه الخطة الاستراتيجية الوطنية 2011 – 2016 وهذه الخطة الخمسية يمكن اختزالها في 3 محاور رئيسية وهي الصحة والتعليم والبنية التحتية، حيث تحدث فيما يخص البنية التحتية عن المشاريع وكان واضح الحرص على أن يتم تنفيذ هذه المشاريع في وقتها المحدد وأن تنفذ بالتكلفة المعقولة وكانت هناك نظرة ثاقبة في أسباب ارتفاع أسعار هذه المشروعات، حيث تحدث سموه عن عدم طرح مشاريع متزامنة في نفس الوقت إن لم تكن هناك حاجة لأن هذا يؤدي إلى رفع الأسعار ومن ثم إلى التضخم، الذي افرد له جزءا من خطابه، حيث تحدث عن طرق معالجته والتصدي له بعدة اجراءات، منها اصدار التشريعات الملائمة وخلق جو تنافسي ومحاربة الاحتكار.
الحفاظ على المال العام
◄ لا يمكن تنفيذ تنمية بشرية ما لم تتم المحاسبة على التقصير وسوء الإدارة والفساد.. هذا ما ذكره أيضا سمو الأمير في خطابه أمام مجلس الشورى.. ما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به ديوان المحاسبة في هذا التوجه والقضايا الثلاث؟
► ديوان المحاسبة معني بالرقابة على المال العام والحفاظ عليه وهذه التنمية لا تتم الا عن طريق مشاريع، سواء كانت هذه المشاريع موجهة إلى تنمية المجتمع والمواطن مباشرة أو للبنية التحتية أو للصحة أو للتعليم، فأوجه صرف هذه المشاريع تحتاج ان يتأكد دائما ديوان المحاسبة انها تمت حسب اللوائح وصرفت في مكانها الصحيح ولم يكن هناك أي تجاوز، لذا فإن دور ديوان المحاسبة هو التأكد من أنه قد تم استغلال الموارد على الوجه الأمثل.
◄هذا الدور الرقابي على مؤسسات الدولة للديوان البعض يتساءل عنه.. هل يقوم بالفعل ديوان المحاسبة بهذا الدور ام أنه مجرد كيان قائم دون صلاحيات فعلية؟
► ديوان المحاسبة يقوم بدوره بالكامل والقانون الذي صدر في 1995 يخول لديوان المحاسبة ان يراقب ويراجع حسابات الجهات التي ذكرها القانون وهي الجهات التي تخصص لها مخصصات من ميزانية الدولة سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الاقتصادي والشركات التي تساهم فيها الدولة بنسبة اكثر من 51 %، فكل هذا مشمول برقابة الديوان ولا يوجد شيء مستثنى منه، ونقوم بالرقابة المالية عن طريق خطتنا السنوية التي تكون فيها عدة مهام تغطي معظم جهات الدولة، وهذه المهام عندما توضع خطتنا السنوية توضع على أسس، حيث يتم تقييم المخاطر وهو ما يحدد التوجهات ويرشدنا إلى أين يمكن أن نركز اكثر في التدقيق.
◄ أي أن ديوان المحاسبة ليس مجرد ديكور؟
► بالعكس نحن نساهم في أشياء كثيرة، ونحن نقوم بأخذ عينات عشوائية من أي جهة وما ينطبق على أي جهة ينطبق على بقية الجهات ومن ثم تتم متابعة التوصيات إلى أن يتم تنفيذها.
◄ هل يؤخذ بتوصياتكم والتقارير التي تقومون برفعها؟
► دائما يؤخذ بتوصياتنا ما لم يكن هناك خلاف ويتم مناقشة هذا الخلاف وأخذ وجهة نظر الطرف الاخر والاقتناع بها او إعطاء ما يبرر هذا الصرف إذا كان صرفا بدون وجه حق فالديوان يظل يتابع هذا الأمر حتى يتم تنفيذ التوصيات.
رصيد الانجازات
◄ هل هناك من ارقام تتحدث عن انجازاتكم فعليا خلال الفترة الماضية؟
► بالتأكيد، الديوان حقق العديد من الانجازات، فلو نظرنا على سبيل المثال خلال العام الماضي 2012 فقد تجاوز عدد مهام التدقيق التي نَفذها ديوان المحاسبة 80 مهمة، فيما بلغ عدد القضايا المحولة من ديوان المحاسبة الى النيابة العامة 6 قضايا، واستطاع الديوان ان يقوم بالمراجعة المسبقة لمناقصات وعقود بلغت قيمتها 5ر5 مليار ريال، فيما قام بمراجعة ودراسة مشاريع العقود المبرمة البالغ اجماليها 6ر2 مليار ريال، والمشاركة في عدد 53 لجنة مناقصات ومزايدات عقدت 1533 اجتماعاً.
◄ هل العلاقة بينكم وبين الجهات المعنية التي تقومون بالرقابة عليها هي علاقة صحية.. أم علاقة شد وجذب بين الطرفين؟
► اي جهاز يلعب دورا رقابيا لا شك ان الطريق لا يكون مفروشا بالورود امامه فدائما الأجهزة الرقابية تجد تحديات، ولكن بالتعاون مع الأجهزة الخاضعة لرقابتنا نستطيع تذليل هذه التحديات.
◄ هذا الفساد في مؤسسات الدولة هل يرقى إلى أن يكون ظاهرة.. أم أنه مجرد حالات فردية قد تحدث؟
► إننا ومن خلال أعمال الرقابة التي نقوم بها على الجهات الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة لم نلاحظ وجود أعمال فساد أو استغلال للمال العام بطريقة ممنهجة أو ما يسمى «بالفساد المنظم» بحيث يشكل ظاهرة ولكن نعتقد بوجود أخطاء ومخالفات تنم في الكثير من الاحيان عن قلة وعي لدى مرتكبيها وهذا لا يعفي من المحاسبة وتحمل المسؤولية.
◄ في موضوع التشريعات والقوانين.. هل تساعد على تكوين بيئة فاسدة.. وهل فيها ثغرات تساعد على اختراق بيئة الرقابة وهل مطلوب تشريعات اكثر في هذا الاتجاه؟
► من المعروف ان الفساد الان في عالمنا الحالي أصبح ظاهرة عابرة للقارات، وهذه الظاهرة تتطور فكلما قمت بسد ثغرة فتحوا مكانا آخر فدائما هناك مجالات وهناك ثغرات وأنت في سباق مستمر تحتاج دائما إعادة نظر للتشريعات وجهود دولية لاكتساب الخبرات من المنظمات الدولية التي تعنى بمكافحة الفساد ومراقبته.
وعلى هذا الصعيد فنحن كديوان المحاسبة أعضاء في المنظمة الدولية لأجهزة الرقابة العليا وأعضاء في المنظمة الآسيوية والمنظمة العربية وهذا يتيح لنا دائما الفرصة لأن نتبادل الخبرات في هذا المجال مما يزيد بناء قدراتنا وخبراتنا داخل ديون المحاسبة.
المعايير الدولية للتدقيق
◄ هل تنعكس هذه المشاركات أو الحضور الدولي على الساحة المحلية؟
► بلا شك لأن هذه المنظمات الدولية لديها معايير للتدقيق والمحاسبة وتقوم بالعديد من الابحاث، ونستفيد بتواصلنا ومشاركتنا معهم حتى في مجال التدريب.. وحتى على مستوى دول مجلس التعاون لدينا اجتماع سنوي على مستوى الرؤساء وتجتمع لجنة وكلاء دواوين المحاسبة كل ستة اشهر، وهناك لجنة التدريب المعنية بوضع خطة تدريبية مشتركة لدول مجلس التعاون، والسنة القادمة سوف نستضيف إحدى الدورات التدريبية.. فهذه الجهود دائما تجعلك في تطور مستمر وفي مواكبة لما يحدث في العالم وهذا يزيد من قدرتك على مكافحة الفساد.
القانون الجديد
◄ ما مدى ملاءمة قوانينكم مع القوانين الدولية.. هل هي تسير متواكبة معها ام بحاجة إلى تطوير خاصة القانون الذي أشرت إليه منذ عام 1995.. فهل هناك دراسة لإعادة النظر في هذا القانون وتقييمه من جديد؟
► هناك مقترح لقانون لديوان المحاسبة، فالآن أصبحت الرقابة ليست فقط الرقابة المالية بل أصبحت هناك رقابة أداء ورقابة إدارية ورقابة بيئة، فمن هنا مع تطور البلد وتعدد النشاطات لا شك أن هناك حاجة للانتقال من الرقابة المالية التقليدية إلى رقابة الأداء وهي التي تضمن الاستغلال الأمثل للموارد.. ومشروع القانون الآن في مراحله النهائية وإذا تم إقراره فلا شك أنه سوف يعطي صلاحيات أكثر لديوان المحاسبة وسوف يكون له أثر اكبر على إدارة واستغلال الموارد المتوافرة في الدولة من قبل الجهات الخاضعة لرقابة الديوان.
◄ وفيما يتعلق بهيكلة الديوان.. هل هناك عمل يجري داخليا لإعادة ترتيبه خاصة أنك أشرت إلى مسالة توسع المجتمع والقطاعات المتنوعة؟
► هيكل الديوان الذي صدر آخر مرة صدر في 2002 وهو موجود حتى الآن، والكل يعرف اننا من بعد 2003 و2004 شهدنا طفرة كبيرة ونحن واعون لهذا الجزء ومع صدور القانون الجديد لا شك أنه ستكون هناك حاجة لهيكل جديد يستوعب النشاطات الجديدة، وقد قمنا بعمل مقترح وهو لا يزال معروضا مع القانون وفي مراحله النهائية.
◄ هل سيعيد تفعيلا أكثر لدور الديوان في الفترة القادمة؟
► هو مرتبط بالقانون الجديد الذي فيه رقابة الاداء، حيث ستكون هناك إدارة لرقابة الأداء كما أننا الآن وبالاستعانة ببعض المكاتب المتخصصة نقوم برقابة المشاريع «مشاريع الدولة» وستكون هناك إدارات متخصصة لمتابعة مشاريع الدولة الجارية.
الكوادر الوطنية
◄ هل لديكم القدرة لمتابعة كل هذه الملفات.. سواء كان ما يتعلق بالكفاءة او العدد المطلوب والتواصل مع كافة الجهات؟
► من المعلوم ان الكادر الوطني يعاني من نقص شديد في كل مؤسسات الدولة ونحن لسنا استثناء من هذا الأمر، ولكننا نعمل على بناء قدراتنا باستخدام ايضا الوسائل التكنولوجية الحديثة فمن الممكن أن تعتمد على الكادر وإذا كان هناك صعوبة في استقطاب الكادر، فانت مقابل هذا عندما تستخدم وسائل حديثة مثل برامج الكمبيوتر التي نستخدمها الآن في بعض الإدارات.. والربط بيننا وبين أجهزة الدولة التي تخضع لرقابتنا بشكل يسهل توافر المعلومات فهذا كله يزيد من قدرة الديوان على استيعاب الأعمال الجديدة.. ولا شك أننا نحاول الآن استقطاب الكوادر خاصة الوطنية وهناك معرض مهني في جامعة قطر شاركنا فيه وهناك أيضا مذكرة تفاهم بيننا وبين الجامعة لتبادل الخبرات والدورات التدريبية وأيضا لاستقطاب الطلاب في تخصصات التدقيق المحاسبي.
◄ هناك منافسة شديدة على استقطاب الكادر الوطني من وزارات الدولة المختلفة وحتى القطاع الخاص.. ما الذي يمنحه الديوان حتى يستقطب الكوادر القطرية للعمل به؟
► الحقيقة نحن لا نعول فقط على المردود المادي ولو أن هذا المردود مهم والآن الدولة متوجهة إلى توحيد الموارد البشرية والرواتب والأجور إلى آخره.. ولكن نحن نعتمد على ما يمكن أن نقدمه من خبرات وقيمة مضافة في ديوان المحاسبة لا يمكن أن يحصل عليها خريج المحاسبة في مكان آخر.
فهذا التنوع الموجود في ديوان المحاسبة، والتعرف على جميع الجهات التي تخضع لرقابة الديوان يعطي فرصة كبيرة للطالب حيث يتعرض لكل هذه الخبرات المتنوعة في مجال الاستثمار ومجال البنوك والمجالات الخدمية، فهذا هو ما نعول عليه عندما يبدا حياته من ديوان المحاسبة والذي هو بيت كل محاسب موجود في قطر.. ثم ينطلق إلى اي جهة أخرى مثلما هو حاصل الآن للعديد من الموظفين الذين قضوا لدينا فترة طويلة في ديوان المحاسبة وكانت سمعتهم طيبة والآن انتقلوا ليرأسوا وحدات تدقيق داخلي في أكثر من جهاز في الدولة.. ونفتخر بانهم ينتمون لنا وهم كذلك ونحن نعتبرهم خط الدفاع الأول لديوان المحاسبة فهم جزء مكمل لنا، فخطتنا الآن التي نسير عليها هي قضية الاستقطاب ومحاولة الاستثمار فيما نقدمه من فرص للخبرة وليس فقط المردود المادي.
ازدواجية الادوار
◄ حاليا تتم إعادة هيكلة لعدد من وزارات الدولة لأن جزءا من هدر المال العام يتعلق بالازدواجية وتشابه الأدوار بين عدد من الوزارات والمؤسسات والإدارات.. هل لكم رؤية في هذا الجانب ودور أو مساهمة في إعادة الهيكلة حتى لا تكون هناك ازدواجية مرة أخرى؟
► الازدواجية تذكرني بالخطاب الأول لسمو الأمير حيث ذكر فيه الازدواجية وضرورة محاربتها لأنها فعلا من أبواب الهدر، ولكن ديوان المحاسبة لا يقوم بالتدخل في هذا الأمر وليس في نطاق اعمالنا هيكلة الوزارات لأنها في نطاق اعمال مجلس الوزراء.
وحدات التدقيق
◄ تحدثت عن وحدات التدقيق الداخلي في الوزارات.. ما العلاقة التي تربطكم مع الجهة المعنية تحديدا في كل جهة أو كل وزارة؟
► الحقيقة ان وحدات التدقيق في وزارات الدولة يفترض انها تكون خط الدفاع الأول بالنسبة لنا والمفترض ان يكون هناك تنسيق عال معها، والحقيقة ليس جميع وحدات التدقيق في الجهات الخاضعة مفعلة بالشكل المطلوب بسبب أن البعض لديه تحديات.. وقد قمنا بعمل ملتقى قبل سنتين أو سنة ونصف دعا إليه ديوان المحاسبة جمعنا فيه جميع وحدات التدقيق الداخلي في الجهات الخاضعة لرقابة الديوان وطرحنا كل الهموم والمشاكل الموجودة وخرجنا بتوصيات، اتصور أن هذه التوصيات أخذت بعين الاعتبار وأرسلت إلى أمانة مجلس الوزراء وعلى ضوء هذه التوصيات تم إعداد لائحة موحدة لجميع وحدات التدقيق بحيث ان الكل يعمل في إطار يستطيع ديوان المحاسبة أن يستفيد من تقارير وحدات التدقيق الداخلي وبالتالي يكون عملها وكأنه ممتد من عمل ديوان المحاسبة وهذا أيضا يرفع قدرتنا على تغطية جهات أكثر.
حوكمة الشركات
◄ ولكن هذه الوحدات يقوم بالتعيين فيها أو يشرف عليها الرجل الأول في الوزارة أو المؤسسة.. وبالتالي هل يمكن ان تقوم بعمل تدقيق حيادي بعيدا عن تأثير الرجل الأول أو المسؤول الأول في مختلف الجهات؟
► عادة وحدات التدقيق في المؤسسات ترجع مباشرة إلى رئيس مجلس الإدارة وليس إلى الرئيس التنفيذي لأن وحدات التدقيق تعمل تقارير عن الرئيس التنفيذي وهذا ما يسمى بحوكمة الشركات.. فنحن يجب أن نخضع مؤسسات الدولة ووزاراتها كذلك إلى شيء من هذا، فكلما اقتربنا من هذه الصورة أعطينا رئيس وحدة التدقيق حرية أكبر وكلما كان لديه القدرة على القيام بعمله بصورة صحيحة ونحن كذلك من طرفنا يكون بإمكاننا الاعتماد على التقارير التي تصدرها الوحدات، فنحن نتمنى ان تُعطى وحدات التدقيق الداخلي الصلاحيات وتكون قادرة على تقديم التقارير بكل حرية سواء إلى الوزير المخول أو إلى مجلس الوزراء.
◄ الدور الذي تقومون به بالنسبة للوزارات.. هل بالفعل هناك تفهم لهذا الدور أم يعتقدون أن ما تقومون به هو نوع من التدخل في صلاحيات الوزير؟
► نحن عملنا في ديوان المحاسبة بدأ منذ فترة طويلة منذ عام 1973، فكيف ينظر لديوان المحاسبة من الطرف الآخر؟ هذه هي المشكلة.. قد يكون ينظر إلى ديوان المحاسبة أنه ياتي ليفتش عن الأخطاء ويقوم بإثارة المشاكل، ولكن نحن من طرفنا دائما الرسالة التي نرسلها للآخرين أننا جزء مكمل حيث اننا نفترض أن ما يتم من هدر للمال العام هو بسبب أخطاء، لذا فنحن نوعيك لأخطائك وليس بسبب قصد السرقة او الهدر للمال العام وهذه هي وجهة نظرنا دائما نعمل على أساس أن ما يتم من اعمال يكون به اخطاء ونحن ننبه لهذه الأخطاء لاسترجاع المال العام، ولا أظن أن هناك طرفا لا يرحب بديوان المحاسبة إلا إذا كان يقصد هذه الأخطاء أما من لا يقصد هذه الأخطاء فيجد أننا مكملون له.
العمل والعراقيل
◄ هل وجدتم عرقلة لأدواركم في الوزارات والمؤسسات؟
► غالبا ديوان المحاسبة لا يجد عرقلة، وإذا حدث شيء يقوم الإخوة في الديوان بالرجوع لي، ويتم التواصل على مستوى أعلى، وتسير الأمور بشكل جيد.
◄ لكن أحياناً تحدث عرقلة؟
► ممكن تحدث لسوء فهم أو أسباب أخرى قد يكون الأخ المعني بمعلومات محددة غير موجود، أو في إجازة فيحدث تأخير وهذا يؤثر على برامجنا في مهماتنا اللاحقة، لذلك اتخذنا قراراً بأن يتم تواصل مع الجهات الخاضعة للرقابة في وقت مبكر قبل بدء المهمة، حتى يتم التجهيز لها بشكل جيد ولا يحدث تأخير.
◄ إشعار الطرف الآخر بأنكم قادمون للتفتيش هذا يمنحها فرصة لتصحيح بعض الأوضاع، بدلاً من التفتيش المفاجئ؟
► التفتيش المفاجئ يحدث في أوقات.. ويعتمد إذا كان لدينا معلومات معينة، فنحن نقدر هذا الأمر ففي بعض الاحيان نحتاج الى التفتيش المفاجئ بدون إشعار مسبق، ولكن غالبا في عملنا نحتاج معلومات، حيث نحتاج من الطرف الآخر أن يجهز لنا ملفاتٍ وأوراقاً ومستنداتٍ محددة، فلو جئت بطريقة مفاجئة قد لا تستطيع الوصول لهذه المعلومات بدون مساعدة، حيث تحتاج إلى تجهيز، ولكن لو شعرنا ان هناك مشكلة معينة أو وصلنا خبر من طرف او من آخر، فنحن مباشرة نتوجه إلى هذه الجهة بدون إشعار وهذا حدث مع اكثر من جهة.. حاليا في هذه السنة حدث أن توجهنا لبعض الجهات بدون إبلاغهم وفوجئوا بنا موجودين، ونريد ملفات محددة.
مخالفات موثقة
◄ وما الذي اكتشفتموه نتيجة هذه الزيارة المفاجئة؟
► اكتشفنا بعض المخالفات الموجودة كما جاءنا الخبر، حيث وجدنا أكثر من 70 % منطبق على ما وصلنا من معلومات، ونحن نتفاعل مع المعلومات التي تأتينا من أي طرف ولا نتجاهل اي معلومة.
سرية المعلومات
◄ على ذكر المعلومات البعض يتخوف من الإعلان عن الجهة التي قد تمدكم بالمعلومات.. هل هناك حماية للأشخاص الذين قد يمدونكم بمستندات أو تقارير أو معلومات؟
► لا شك أننا نتعامل مع مثل هذه الموضوعات بسرية تامة، لأننا لا يمكن أن نوصل رسالة سلبية بأن من يقدم معلومة ويكون مخلصاً وأمينا بأن يتضرر من هذا العمل.. فنحن نتعامل مع المعلومة بكل سرية، وحتى لو وجدنا المعلومة غير دقيقة فنحن لا نحاسب صاحبها، لأن هذه المعلومات عادة ما يصعب التحقق منها من اطراف خارجية، ما لم يكون لديك قوة القانون، بأن تدخل وتفتش وترى كما لدى ديوان المحاسبة، فالآخرون قد يكون لديهم مشاهدات فقط، وملاحظات ويوصلونها إلى ديوان المحاسبة، ونحن نتأكد منها بسلطة القانون.
سلطة ديوان المحاسبة
◄ هل تستطيعون الدخول إلى أي مكان دون أن يكون لديكم خطوط حمراء، أو مناطق ممنوع عليكم الاقتراب منها؟
► نحن يحكمنا القانون، فما صدر في القانون عام 1995 من جهات خاضعة للرقابة، هو الذي يحكمنا، فلا نتجاوزه ولا نتغاضى أو نقصر عنه، فهذا كله من مسؤولياتنا أما الجهات التي لم تذكر في القانون وليست خاضعة لنا، فلا يمكن أن نخالف هذا ونتجاوزه. فكل المناطق المذكورة في القانون لا يمنع عنا منها شيء، بل بالعكس التوجيهات التي صدرت لنا مؤخراً، أنه لا يوجد شيء معفي، حتى ما كان معفياً في السابق حيث كانت بعض الجهات التي تشرف على بعض المشروعات الكبيرة كانت معفية، بسبب سرعة العمل، ولكن التعليمات التي جاءتنا أنه لم يعد هناك شيء معفي، والكل خاضع لرقابة الديوان، والجهات التي كانت تأخذ إعفاء لأسباب معينة لم يعد سارياً بشأنها هذا الأمر. ونحن الآن في ديوان المحاسبة نقوم برقابة مسبقة، والرقابة المسبقة آلياتها أن ترسل لنا الجهات العقود الخاصة بالمشروعات، التي تبلغ قيمتها 500 الف ريال فأكثر، قبل التوقيع، ونحن نقوم بالرد عليهم خلال أسبوع ولا نتأخر عليهم أكثر من هذا الوقت، فأصبحت حجة أن ديوان المحاسبة معطل أو يؤخر غير صحيحة، لأننا خلال أسبوع ملزمون بالرد عليهم.
◄ هل وجدتم في المشروعات الكبرى التي تنفذ مخالفات استوجبت إيقافها أو إعادة طرحها؟
► أحد المشاريع في هيئة الأشغال، أدخلنا معنا مكتباً استشارياً هندسياً، وكان لدينا عدة شكوك في أحد الطرق، وتم عمل تقرير فني عن الطريق واجتمعنا مع الإخوة وكانوا متعاونين جداً، وكانت توصياتنا إزالة الطريق وإعادته من جديد، وهيئة الأشغال أخذت بهذه التوصيات وكلفوا المقاول بأن يقوم بإزالته على حسابه لأن الخطأ كان منه، وهذا مما يذكر لهم ويشكرون عليه.
◄ غير الهيئة العامة للأشغال.. هل هناك جهات أخرى استمعت وأعادت إما طرح أو أوقفت المشروع أو المناقصة؟
► هناك حالات كثيرة حقيقة، لأن هذا عملنا اليومي، ففي موضوع المناقصات لدينا حوالي 50 أو 55 لجنة مناقصات، اعضاؤنا يشاركون فيها، وهم بمشاركتهم يكونون عين الرقيب فأي مخالفة أو عدم شفافية أو عدم عدالة أو عدم التزام بمواعيد الفتح والإغلاق، دائما يكتب عنها تقرير، ونراسل الجهة المعنية ونصحح المسار.
◄ وسائل الإعلام أحياناً تتحدث عن مخالفات، وعن فساد، وعن إشكاليات في بعض المؤسسات.. هل تنظرون وتلتفتون إلى ما تنشره وسائل الإعلام؟
► نعم فنحن نتفاعل مع وسائل الإعلام دائماً وما يكتب، ونحن قد لا ننشر ماذا فعلنا، ولكن ما ينشر نتداوله.. ومؤخراً كتب عن إحدى الجهات، وذكر أن فيها فساداً، فمباشرة تفاعلنا مع ما نشر، وجئنا بآخر تقرير من عندنا وقابلنا هذه الجهة، وجئنا بتقرير المدقق الداخلي لها وعملنا مقارنات بين تقريرنا وتقرير المدقق الداخلي، ثم فحصنا ـ إذا ما صح التعبير ـ الملاحظات التي ُذكرت وقمنا بعمل تقرير كامل، وتم رفع نسخة من هذا التقرير إلى هيئة الرقابة الإدارية والشفافية للتحقيق في الموضوع، كونهم جهة تقوم بأعمال التحقيق.
◄ ماذا كانت أبرز ملامح التحقيق؟
► ما زال التحقيق جارياً، ولم يتم الانتهاء منه حتى الآن على حسب علمي.
◄ هل ظهرت صحة ما نشر؟
► نحن من طرفنا وفي حدود نطاق عملنا وما توافر لدينا من معلومات، وجدنا بأن أغلب ما نشر لم يكن دقيقاً، وقد يكون الجو العام غير صحي، ولذلك تنشر أمور ويبالغ فيها، ونحن لم نجد إلا ملاحظات بسيطة وأغلب الملاحظات لم تكن دقيقة.. والصحيح منها كان مبالغاً فيه وحتى في طرحه.
علاقة تكاملية
◄ هناك ضبابية في العلاقة بينكم كديوان للمحاسبة وبين هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، والبعض يرى أن هناك ازدواجية في الأدوار.. ما هي طبيعة العلاقة بينكما؟
► العلاقة هي علاقة تكاملية، فلو نظرت إلى قانون ديوان المحاسبة والقانون الذي صدرت به هيئة الرقابة الإدارية، ستجد أن الهيئة معنية بمتابعة ما ينشر، وتتلقى الاتصالات والشكاوى وتحقق فيها، وهناك مثل أحب أن أستخدمه؛ ففي مؤسسة حمد الطبية هناك عيادات متخصصة وهناك طوارئ.. الطوارئ تتعامل مع الحوادث التي تحدث حالياً، اما العيادات فهي تعمل على برامج وعلى مواعيد، ونحن هنا نعمل على برامج سنوية، وعلى الجهات التي تخضع لرقابة الديوان، ولكن ما يحدث ويكتب في الجريدة الآن تتفاعل معه أسرع هيئة الرقابة الإدارية، لاشك أننا نُعنى به أيضا، ونتعاون معهم، وقد يُطلب منا تقرير إذا ذكر في الجريدة أو برنامج إذاعي.
التعددية في المنظمات الدولية
◄ وهل هذا يستدعي إقامة هيئة مستقلة.. فأنت ضربت مثالاً بحمد الطبية، ولكن حتى العيادات التي بها مواعيد هي ضمن هيكلة حمد الطبية.. إليس بالإمكان بدلا من الازدواجية أن تكون هناك مظلة موحدة للمحاسبة وللمتابعة اليومية وللتدقيق، بدلاً من أن تكون هناك عدة هيئات؟
► هناك أكثر من مدرسة في هذا الموضوع، حتى في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ذكروا أنه على الدولة الطرف إنشاء هيئة أو عدة هيئات تعنى بمكافحة الفساد، فليست بدعة أن يوجد أكثر من طرف، خصوصاً أن هيئة الرقابة الإدارية والشفافية معنيتان بالرقابة الإدارية، بما يعني مراجعة اللوائح والقوانين والتأكد من الكفاءة، بالإضافة إلى الشفافية، والآن أصبح من مسؤولياتهم متابعة تطبيق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بعد أن تم ضم اختصاصات لجنة النزاهة والشفافية إلى هيئة الرقابة الإدارية.
تقارب لا تضارب
◄ ألا يوجد تضارب في الأدوار بينكم وبين الرقابة الإدارية والشفافية؟
► لقد عمل بحث لتوضيح مدى تقارب وتباعد المهام الخاصة بالجهتين، وخلصنا إلى أن أدوارنا متكاملة، ورفع إلى الجهات العليا، وهذا البحث شمل هيئة الرقابة الإدارية والنيابة العامة، فهناك مناطق نتعاون فيها تحتاج إلى تنسيق، وهناك أمور أخرى هي اختصاص أصيل كالرقابة المالية للجهات الخاضعة لرقابتنا، فهي اختصاص أصيل لنا كديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، لن تقوم برقابة مالية ممنهجة، فليس من اختصاصها هذا الأمر.
عمل مشترك
◄ وماذا عن العلاقة مع النيابة العامة وكيف تسير؟
► العلاقة مع النيابة العامة قديمة، فمنذ إنشاء النيابة العامة، وديوان المحاسبة يتعامل معها خاصة مع نيابة أموال الدولة، فنحن عندما نكتشف مخالفات نطلب من الوزير المعني أن يقوم بتحويل هذه المخالفات، إذا تم اكتشافها ووضح أنه بها استغلال للمال العام نطلب من الجهة أن تقوم بتحويل القضية إلى النيابة العامة، فنحن لا نقوم بتحويل القضايا إلى النيابة العامة كديوان المحاسبة.. والنيابة العامة تقوم بالتنسيق مع ديوان المحاسبة فيما يخص آخر التقارير التي صدرت، والتقرير الذي تم على ضوئه التحويل إليها، وقد يطلب سعادة النائب العام فحص ملفات أخرى إضافية، حيث قد تنطوي الأمور على أشياء متعددة، وقد يطلب من ديوان المحاسبة عناصر يدخلون في فريق عمل لزيادة الفحص، وقد يطلب ممثل الديوان للشهادة إذا ما رفع الأمر للقضاء.
* هل شكلتم فرق عمل موحدة بينكم وبين النيابة العامة فى التحقيق فى قضايا معينة؟
ــ نعم.. حدث ذلك فى أكثر من قضية بان اشتركنا مع النيابة العامة، ولدينا فريق متخصص للعمل والتنسيق مع النيابة العامة لاعداد التقارير المطلوبة.
قضايا الفساد
◄ لماذا لا يتم الاعلان عن حالات الفساد التى يتم اكتشافها.. والى أى مدى يمكن تطبيق هذا الأمر؟
► دعنا أولا نتفق على تعريف الفساد، فنحن فى ديوان المحاسبة معنيون بالمال العام، ولكن كلمة الفساد أشمل من هذا فالمخالفات قد تكون كثيرة.. ونحن لا نعلن الحالات أو الأسماء لأن أى قضية فساد تبدأ من عندنا تكون فى البداية شبهة أو ترتقى الى تهمة ولكن هذه بداية السلسلة لأنها بعد ذلك قد تنتقل الى النيابة العامة ثم قد تنتقل الى القضاء وهناك تحسم القضية ويصدر فيها الحكم، لهذا فأنت لاتستطيع هنا أن تعلن أن شخصا ما أو جهة ما مدانة ما لم يكون هناك حكم وتم حسم الأمر، الأمر الثانى لا تستطيع بمجرد أن خرج تقرير تم العمل عليه أن تقوم بنشره قبل أن يتم التحقيق فيه واصدار أمر القاضي، ولكن ما عدا ذلك ترسل التقارير بملاحظات الديوان الى الجهات الخاضعة لرقابته فاذا تم الاتفاق بيننا وبين هذه الجهات على الملاحظات تقوم هذه الجهات بتصحيح الاخطاء واستعادة الاموال التى صرفت بغير وجه حق ويتم الطلب من تلك الجهات التحقيق فى بعض المخالفات التى تنطوى على شبهة وموافاة الديوان بنتيجة التحقيقات وقد يحول الموضوع الى النيابة العامة فى بعض الاحيان.
◄ اذا ما تم اغلاق ملف مخالفات أو فساد فى احدى المؤسسات دون أن تتم معاقبة الجهة أو الأفراد الذين قاموا بذلك… هل يتدخل ديوان المحاسبة اذا ما ُعلم بمثل هذه الأمور؟
► طبعا فنحن نصدر تقاريرنا بحيث نصل الى نتيجة فى النهاية ونرجع المال العام الى محله، فلا يستطيع أيا كان أن يغلق هذه الملفات فى داخل أى وزارة أو أى مؤسسة الى أن يأخذ مجراه ويصل الى الجهات القضائية ويصدر القضاء فيه قراره، وذلك أن ديوان المحاسبة ليس لديه الصلاحية أن يتنازل عن المال العام.
ارتفاع حجم الانفاق
◄ فى ظل التصاعد الكبير فى موازنة الدولة والتى تضاعفت بأرقام كبيرة منذ عام 1995.. كيف يمكن مراقبة هذه الموازنات كلها بحيث تستطيعون أن تحصروا أماكن الهدر والمخالفات المالية وحتى الفساد بتعريفه الواسع وأيضا القيام بالرقابة المسبقة التى أشرت لها سابقا؟
► لا شك أن التطور الذى حدث وحجم الانفاق شكل تحديا كبيرا لديوان المحاسبة حيث تعددت النشاطات وأصبح هناك استثمارات فى الداخل والخارج ومشاريع بنية تحتية عملاقة، ولذلك قمنا بعدة اجراءات لمواجهة هذا التحدى واحد من هذه الاجراءات هو تنشيط العمليات الداخلية باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية فى التدقيق والمراقبة، وكذلك أقمنا برنامج متابعة المشاريع بحيث حولنا الديوان الى مؤسسة مبنية على المشاريع فأصبحت هذه المهمات مشاريع فأصبحت كلها مرتبطة ببرنامج واحد تستطيع من خلاله متابعة المهمات كلها واذا كان هناك أى تأخير فى مهمة تستطيع أن تكتشفه بسرعة.
وكذلك لدينا خطة استراتيجية لبناء قدرات ديوان المحاسبة، وادخلنا مؤخرا الارشفة الالكترونية فى سعينا للوصول الى مؤسسة صديقة للبيئة تعمل بدون ورق.. نعمل كذلك على برنامج التوأمة بيننا وبين أجهزة الرقابة المتقدمة لنقل الخبرات فى مجالات كثيرة، والهيكل المقترح الجديد سيعمل فى هذا الاتجاه لزيادة القدرة الاستيعابية للديوان.. فهناك الكثير من الاجراءات التى نعمل عليها بوعى لاننا نعلم أن هناك تحديات ومجالات أوسع وأشمل.
الذمة المالية
◄ بعض الدول لديها ما يعرف باقرارات « الذمة المالية « عندما يتولى شخص منصب أو مسؤولية معينة.. هل هذا الأمر ضمن مطالباتكم فى القانون الجديد بأن هناك اقرارا للذمة المالية؟
► انا على الصعيد الشخصى بالعكس أرى بان هذا شيء ضرورى بأن يكون اقرارا للذمة المالية لكل مسؤول وهناك فى بعض الدول الخليجية يوجد اقرار للذمة المالية حتى مستوى مدير الادارة، ولكن ما نريد أن ننتبه له أيضا هو ازدواجية المنصب والتجارة حيث يجب أن تختفى هذا الظاهرة لأنها من الظواهر التى تؤدى الى هدر المال العام وتضارب المصالح عندما يكون هناك مسؤول فى مكان ما ويكون لديه تجارة وقد تكون فى نفس مجال المؤسسة التى هو مسؤول عنها فهذا لا شك أنه لا يعطى صورة جيدة.
تحصين المجتمع بالوعي
◄ ألا تعتقدون أن المجتمع بين عامة أفراده وليس فقط فى قطاع النخبة بحاجة الى ثقافة لمكافحة الفساد والتوعية بها؟
► بلا شك هناك حاجة شديدة الى الوعى بثقافة مكافحة الفساد لأننا نتحدث عن الموظف العام وخصوصا العامل فى مجال المشتريات أو المناقصات فاذا لم يكن عنده وعى بمداخل الفساد سيكون هناك قصور، فاليوم هناك أكاديميات تدرس وتعطى دورات لمكافحة الفساد تثقف الموظف العام لأن الطرف الاخر ذكى جدا ويدخل عليك بمداخل متعددة والمعلومة بالنسبة لهم لها قيمة،.. لذا فان ملاحظاتى دائما أن نسبة كبيرة من شواهد الهدر فى المال العام واستغلاله تنبع من قلة الوعى فعدم الوعى يخلق بيئة صالحة لممارسة الفساد.
◄ هو دوركم فى هذا الأمر؟
► ديوان المحاسبة ليس معنيا بالتوعية.
◄ ولكنه فى نهاية الأمر ينعكس عليكم بشكل ايجابي؟
► صحيح أن التوعية لا يوجد شك فى أنها تنعكس علينا بشكل ايجابى فى حال وجودها او فى شكل سلبى فى حالة عدم وجودها، ولكن أتصور أن هيئة الرقابة الادارية وخصوصا بعد أن ضمت لها اللجنة الوطنية للنزاهة والشفافية أصبحت معنية بالتوعية فى المقام الاول.
المؤشرات الدولية
◄ قطر حققت مراكز متقدمة فى عدد من المؤشرات الدولية والعالمية.. ما هى أبرز هذه المؤشرات وماذا عن مؤشر الشفافية؟
► هناك مؤشر التنمية البشرية الذى ذكره سمو الأمير فى خطابه فقطر تقدمت وأصبحت 36 بدلا من 37 العام الماضى من بين 187 دولة وهو يعد مؤشر الرفاهية اذا صح التعبير، ولكن اذا أخذنا مؤشرا له علاقة بالفساد فهو مؤشر مدركات الفساد الذى تصدره منظمة الشفافية الدولية وهذا المؤشر يجمع الكثير من المؤشرات يحتويها هو فى نتائجه حيث له عدة مكونات تدخل فى مؤشره منها مؤشر البنك الدولى ومؤشر منتدى الاقتصاد العالمى ومؤشر التنافسية الدولية ومؤشر بنك آسيا للتنمية وأيضا مبادرة نفاذ القانون.
وبالنسبة لمؤشر مدركات الفساد ويرتب الدول الأقل فسادا فقطر منذ 5 سنوات هى الأولى على الدول العربية واحتلت مراكز متقدمة على المستوى العالمى فقد وصلت فى عام 2010 الى المركز 19 وتراجعت العام الماضى الى 22 والسنة الحالية الى 27 بسبب تغير بعض المعايير، ولكن هذا المؤشر الحقيقة ليس فقط المهم فيه الترتيب ولكن أيضا النقاط حيث حصلت قطر على 7.7 نقطة، وأنا أتصور أن وجود قطر فى هذا المكان المتقدم ليس لأن جهة واحدة عملت أو اجتهدت ولكن بسبب أن هناك توجها صادقا لدى القيادة انعكس على مؤسسات الدولة فهناك جهود مختلفة من الداخلية والنيابة العامة وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الادارية وكل هذه الجهود صبت فى هذا الاتجاه.
رؤية للمستقبل
◄ هل انت مستبشر بالمستقبل لتحقيق نتائج أفضل؟
► مستبشر جدا وأستند الى لقاءاتى مع المسؤولين ومع الوزراء فى الحكومة الجديدة سواء من معالى رئيس الوزراء الى جميع الوزراء الذين التقيت معهم ولمست منهم التعاون مع ديوان المحاسبة والمصداقية والجدية فى مكافحة الفساد بدون هوادة، لذا انا مستبشر.
◄ هل نتوقع تشريعات وقوانين تدعم هذا التوجه؟
► انا أتوقع هذا وأنه سيكون هناك اعادة دراسة لعدد من القوانين والتشريعات وهذا شيء طبيعي، ودائما الدول عندما يكون هناك مستجدات أو تطورات تقوم بمراجعة قوانينها وتحاول أن تتطور بناء على المستجدات، وانا أتصور أن الوقت مناسب لنعيد النظر فى تشريعاتنا التى لها علاقة بمكافحة الفساد.
◄ ما هى رؤيتكم لدور ديوان المحاسبة فى المستقبل؟
► أولا من ناحية المهنية ومهنة المحاسبة نحن نطمح أن يكون ديوان المحاسبة بيت خبرة للمحاسبين وللجهات المسؤولة عن التدقيق، ونعمل على أن نوفر الدورات التدريبية المتخصصة ونشرك فيها أيضا اخواننا من الجهات الخاضعة لرقابتنا لنصل كلنا الى فهم مشترك وقنوات مفتوحة تساعدنا وتساعدهم على أداء عملهم وأن نكون أقرب، وسيكون لنا لقاء قريب مع مختلف وحدات التدقيق الداخلى بمختلف قطاعات الدولة لاعطاء ورش عمل متخصصة فى مجال المحاسبة خصوصا أن ديوان المحاسبة يتميز بحالات عملية تمر علينا ففى كل شهر هناك حالة تستحق الدراسة والنقاش.
عزم على محاربة الفساد
◄ هل تتوقع أن تقل حالات المخالفات خاصة فى المشاريع المليارية التى يجرى العمل فيها الآن؟
► أنا أتوقع أن تقل بشكل كبير فى المرحلة القادمة فلن يكون هناك مجال، وكما ذكرت لك هناك عزم من الحكومة لمحاربة الفساد فى كل نواحيه، الدعم الذى يحصل عليه ديوان المحاسبة واستفادتنا من التجارب السابقة جعلنا أقوى فى اكتشاف الأخطاء وتلافيها.
◄ التقارير والاجراءات التفتيشية التى قام بها ديوان المحاسبة هل تسببت فى اعفاء مسؤولين من مناصبهم نتيجة وجود مخالفات أثبتها الديوان فى اماكن عملهم؟
► نعم.. طبعا ليست تقارير المحاسبة منفردة تؤدى الى تلك النتيجة ولكن هناك جهودا من أطراف أخرى مثل النيابة العامة والقضاء أدت فى النهاية الى الاعفاء من المنصب وأحيانا من أى منصب فى المستقبل.
◄ وعلى أى مستوى كان هذا المسؤول؟
ــ على مستويات مختلفة.
الاستثمارات الخارجية
◄ ذكرتم أن هناك تزايدا فى الاستثمار فى الخارج.. فهل الدور الرقابى لديوان المحاسبة يقتصر على متابعة الاستثمارات الداخلية أو المال العام فى الداخل وليس له سلطة على مراقبة المال العام أو الاستثمارات فى خارج قطر؟
► حاليا نحن نقوم بأعمال التدقيق والمراجعة على جهاز قطر للاستثمار وقريبا سالتقى مع أخينا أحمد السيد وسنقوم باستعراض خططهم فى الاستثمار، وما أن ينتهى الفريق من التدقيق على الجهاز سيخرج بتوصيات بناء على المخاطر الموجودة ونبدأ بوضع خطة عملنا قد يكون من بينها مراجعة بعض المشاريع أو الاستثمارات فى الخارج، فالاستثمارات فى الخارج خاضعة لرقابتنا بالاضافة الى السفارات والمكاتب الطبية.
* هل تبحثون مشاكل المكاتب الطبية فى الخارج حيث ان كثيرا من الناس يشتكون من هذا الأمر؟
ــ نعم — فقد قمنا منذ عدة سنوات بمهمة مراجعة للمكاتب الطبية فى الخارج وندرس الآن امكانية القيام بذلك مجددا.