مقالات

خطاب الأمير ترجمة لنبض الشعوب

مثّل خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمام القمة الخليجية الرابعة والأربعين، ترجمة فعلية لنبض الشعوب الخليجية والعربية والإسلامية، تجاه ما يحدث في غزة، وما يتعرض له أشقاؤنا من حرب إبادة جماعية، وجرائم لم يشهد لها العصر الحديث مثيلا، في ظل صمت عالمي يتجاوز التواطؤ إلى المشاركة مع الكيان الإسرائيلي في ارتكاب هذه المجازر البشعة، التي رغم انكشافها، وخروج الاحتجاجات الشعبية في كافة انحاء العالم، إلا أنه ما زالت بعض الأوساط الرسمية تستكثر على الشعب الفلسطيني مطلب وقف إطلاق النار، كما قال سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه.

العدوان على غزة تصدر كلمة سمو الأمير المفدى، وجدول اعمال القمة الخليجية، وهو ما يشير إلى أن مجلس التعاون الخليجي ليس بمعزل عما يدور من أحداث وتداعيات في الإقليم وعلى مستوى العالم، ويؤكد على ان القضية الفلسطينية هي محور اساسي على الدوام بالنسبة للمجلس أو أعضائه.

لقد دعا سمو الأمير المفدى الى تحقيق دولي بشأن المجازر التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وهو مطلب شرفاء وأحرار العالم من دول وشعوب ترفض ما يجري في غزة وما يرتكب من جرائم، دون ان يكون هناك رادع للكيان الاسرائيلي.

سعت قطر، وبذلت جهودا جبارة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واستطاعت دبلوماسيتها الفاعلة، وما تتمتع به من مصداقية عالية، من إحداث اختراق من خلال نجاحها في تحقيق هدنة انسانية لمدة 7 ايام، تمكنت من خلالها تبادل عدد من الرهائن والسجناء بين الطرفين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس، مع ادخال كميات أكبر من المساعدات الانسانية والاغاثية والايواء والطبية والوقود وسيارات الإسعاف، وهو جهد قامت به قطر إيمانا منها بواجب الوقوف إلى جانب الأشقاء في غزة، وهم يتصدون للآلة العسكرية الإسرائيلية بصمود قل نظيره، وتضحيات قل وجودها.

حمل خطاب سمو الأمير المفدى رسائل واضحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، من بينها أنه لا يمكن تهميش قضية الشعب الفلسطيني، وأن زمن الاستعمار قد ولى، وأن الأمن غير ممكن من دون السلام الدائم، وأن كليهما لا يتحقق من دون حل عادل لهذه القضية.

لقد رأينا صمود أهلنا في غزة، ورفضهم التام التهجير، رغم كل الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، إلا أن الشعب الفلسطيني، وأهل غزة مستعدون للموت في الداخل على التهجير أو الخروج الى أماكن أخرى.

أزمات العرب حاضرة في القمة

إضافة إلى غزة والتضامن الكامل مع أهلنا فيها، والوقوف معهم، والسعي لوقف العدوان، كانت ملفات عربية أخرى حاضرة في قمة الدوحة الخليجية، من ليبيا إلى السودان مرورا باليمن وسوريا ولبنان والعراق، حيث أكدت القمة اهمية استقرار وأمن هذه الدول، من أجل شعوبها، فاستمرار الأزمات في بلدان عربية يشكل خطرا على السلام الاجتماعي ووحدة هذه الدول، وينعكس سلبا على أمن واستقرار الخليج، فلا يمكن اليوم فصل العالم وما يتعرض له من أزمات وصراعات، دون أن تنتقل تلك الأزمات إلى أقاليم أخرى.

لذلك فان الأحداث والمتغيرات الدولية المتسارعة، وما نشاهده من ازمات، تحتم على دول مجلس التعاون الخليجي، ليس فقط تشاورا مستمرا، ولقاءات دورية، بل يجب أن تتعزز هذه العلاقات بصورة أكبر، وتتطور عبر شراكات وتعاون وتكامل وتداخل في مختلف القطاعات، من أجل تقوية أركان هذا المجلس، وتوطيد عراه، ودعم مكتسباته، والحفاظ عليه من المخاطر المحدقة، وابعاده عن الصراعات، التي تحاول بعض الأطراف جر المنظمة الخليجية إلى الدخول فيها، واستنزاف المزيد من ثرواتها في حروب وصراعات نحن في غنى عنها.

لمسنا في قمة الدوحة الخليجية روحا جديدة تتعزز نحو تدعيم مسيرة العمل الخليجي، ورؤية لمستقبل أكثر حرصا على تقوية وتفعيل المنظومة الخليجية ومؤسساتها، وليس لبقائها فقط.

هناك تفاؤل كبير في الخليج على أن المرحلة المقبلة ستشهد تعاونا اكبر، وتنسيقا أعلى، ان كان ذلك على صعيد المنظومة الخليجية، او على الصعيد الثنائي لأعضاء هذه المنظومة، التي دخلت عقدها الخامس.

وهناك خطوات عملية لمزيد من التنسيق والتكامل الخليجي، من ذلك مشروع المنفذ الواحد بين قطر والمملكة العربية السعودية، وبالأمس شهدت الدوحة اجتماعا للمجلس التنسيقي القطري السعودي برئاسة سمو الأمير المفدى وأخيه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية، والذي تم خلاله التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، تصب جميعها في تعزيز العلاقات الثنائية.

وهناك مشروع خليجي كان قد اقره وزراء الداخلية فيما يتعلق بالتأشيرة السياحية الموحدة، وهو بذلك يخلق المزيد من التحريك والانعاش للقطاع السياحي والاقتصادي الخليجي، ويوظف الامكانات والبنى التحتية في الخليج بصورة جيدة.

الانفتاح على تركيا

القمم الخليجية التي شهدتها الدوحة ـ 7 قمم بما فيها قمة الأمس ـ شكلت منعطفات مهمة في مسيرة العمل الخليجي، وأضافت ابعادا جديدة في علاقات المجلس ككتلة موحدة، أو في علاقات دوله مع اطراف ودول في الاقليم، كما هو الحال مع الشقيقة تركيا.

المبادرة التي قادتها قطر، المتمثلة بدعوة سمو الأمير المفدى بالتوافق مع اخوانه، للرئيس رجب طيب أردوغان لحضور القمة الخليجية كضيف، ستفتح آفاقا جديدة من التعاون مع تركيا، وهي دولة مركزية في الاقليم وعلى المستوى العالمي، وتربطنا معها علاقات تاريخية، ومشتركات عديدة.

حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سينعكس ايجابا على العلاقات الخليجية التركية، والطرفان بحاجة إلى بعضهما البعض بصورة متزايدة، في ظل احداث وازمات وصراعات متعددة في الإقليم، فالتكامل بين الطرفين، الدول الخليجية وتركيا سيعود بالنفع عليهما بصورة كبيرة، ليس فقط اقتصاديا، إنما سياسي وعسكري وأمني..

تركيا والرئيس أردوغان تحديدا منفتح على علاقات أكثر تداخلا وتكاملا، وهو ما أشار اليه في الكلمة التي القاها بالقمة عندما قال: « إن حضورنا معكم هذه القمة هو انعكاس لإرادتنا المشتركة في تطوير علاقاتنا، وأنا مؤمن بأننا نستطيع ان نعزز علاقاتنا وتعاوننا المشترك « مؤكدا ما توليه بلاده من اهتمام كبير لتعزيز تعاونها مع دول المجلس، مشيرا الى أهمية التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين الجانبين.

كل الشواهد التي نراها اليوم تقول إنه لا خيار أمامنا في الخليج إلا التمسك ليس فقط بوجود هذه المظلة الخليجية، انما تفعيل أدوارها على كل الأصعدة، وفي مختلف المجالات، والمضي قدما نحو مزيد من التكامل الخليجي، وتوحيد الصف، والتأكيد على المصير المشترك، فالتحديات كثيرة، والمخاطر متعددة، ومن يسعى للنيل من دول الخليج كثر، وهناك من يحاول زعزعة الأمن والاستقرار في هذه البقعة الجغرافية المهمة من العالم، لذلك علينا جميعا، ليس فقط على مستوى الدول، بل حتى على مستوى المواطن الخليجي، الذي هو شريك اساسي في الحفاظ على أمن واستقرار دولنا الخليجية، فنحن جميعا أسرة واحدة، تكون قوية بتماسكها وتعاضدها وتآزرها، وسيظل خليجنا واحدا بإذن الله على الدوام، فنحن جميعا في مركب واحد.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x