مقالات

قطر وسيط نزيه وليست أداة ضغط

لماذا هذه الهجمة العدوانية على قطر والإساءة إليها على خلفية الجهود التي تقودها للتوسط بين حماس و “إسرائيل”؟

سؤال يتردد في كثير من الأروقة والحوارات التي تدور عبر القنوات والمنصات الإعلامية المختلفة، وفي النقاشات العامة، على خلفية هجوم نتنياهو وعدد من المشرعين في الكونجرس الأمريكي على دولة قطر ووساطتها بين حماس وإسرائيل .

في البدء، هذا الدور الكبير والمهم الذي تقوم به قطر في تبني الوساطة ليس وليد اليوم، أو تجربة محدودة، بل هي تزيد على ربع قرن من العمل الجاد، والمساعي الخيّرة، والوساطات الناجحة في ملفات الكثير منها شائك ومعقد، إقليميا ودوليا، وبالتالي تمتلك قطر تجربة ثرية وغير تقليدية على صعيد الوساطات، وربما النموذج القطري في الوساطات هو الأكثر نجاحا ونجاعة، لأسباب كثيرة ربما ليس المجال لذكرها في هذا المقال.

حتى على صعيد الملف الفلسطيني – الفلسطيني، وبين حماس والكيان الإسرائيلي، فقد سبق أن قامت قطر بجهود أثمرت نجاحات وتهدئات في أحداث وحروب مختلفة طوال الأعوام الماضية وكانت المصداقية هي العنصر الأبرز في تحقيق قطر لنجاحات واختراقات أفضت الى توافق بين المقاومة وإسرائيل.

تعنت نتنياهو

* ما الذي جرى في الوساطة الحالية؟ وما سبب الهجوم على قطر من قبل بعض المشرعين في الكونجرس الأمريكي ومن قبل نتنياهو وعدد من وزرائه ومسؤوليه في الكيان الإسرائيلي؟

قطر تولت ملف الوساطة منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كوسيط،

واستطاعت رغم تعنت نتنياهو وسياساته في تحقيق هُدن تمخض عنها الإفراج عن رهائن إسرائيليين عند حماس وسجناء فلسطينيين عند الكيان الإسرائيلي، بعد توقف العدوان لأيام، والسماح بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة.

حلول جذرية للأزمات

نزاهة الوساطة القطرية ومصداقيتها أزعجت نتنياهو وبعض المشرعين في الكونجرس الأمريكي، الذين يريدون انحيازا تاما لسياسة إسرائيل، والتحول من وسيط نزيه وموثوق فيه، إلى أداة ضغط على طرف، وهذا لن يحدث، ولم يُعهد عن قطر هذا الأمر في كل الوساطات والأدوار التي قامت بها، وحققت نجاحات، أفضت لإيجاد حلول جذرية للعديد من الأزمات والملفات التي تولتها.

الإساءة إلى قطر غير مقبولة

* كما أشار معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وهو ما دعاه للإعلان عن أن هناك تقييما للوساطة التي تقوم بها قطر، في ظل هذا الهجوم غير المبرر، الذي وصل إلى حد الإساءة إلى قطر والطعن بجهودها، وازدواجية بعض الأطراف في تصريحاتهم في الغرف «المغلقة» والأخرى «العلنية».

نتنياهو المأزوم

نتنياهو المأزوم بعد 7 أشهر من جرائمه في غزة وحرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيشه، دون تحقيق أي هدف من أهدافه، يسعى لإفشال الجهود القطرية، طالما لم تتناغم مع تطلعاته ورغباته المحمومة في تركيع غزة، والاستفراد بالمقاومة، التي لم يستطع إيقاف قوتها، أو الوصول إلى قادتها، أو إخراج الرهائن الإسرائيليين بالقوة وهو ما وعد به الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي هي اليوم تطالبه بما وعد به، أو التوصل إلى اتفاق مع حماس.

* يعتقد نتنياهو وداعموه في الكونجرس الأمريكي أن ما لم يستطيعوا تحقيقه في الميدان العسكري في غزة، يمكن تحقيقه عبر قطر كأداة للضغط على حماس وفصائل المقاومة، وهذا لن يحدث.

وسيط نزيه

* قطر عُرفت كوسيط نزيه وموثوق فيه، سواء من الدول التي تعاملت معها، أو المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يرون في قطر أنها تتمتع بمصداقية عالية، ولديها إدارة عالية القدرة لتفكيك الأزمات، وحنكة سياسية في إدارة الحوار، وتوفير المناخ المناسب لعقد الاتفاقيات، وما النجاح الذي حققته قطر في تحقيق اتفاق تاريخي بين أمريكا وحركة طالبان في أفغانستان، إلا خير دليل على ذلك، عدا عشرات الملفات والأزمات التي حققت فيها قطر نجاحات تُحسب لها بفضل تمسكها بمبادئ الوساطة بين الأطراف المتنازعة وإلمامها بتفاصيل موضوع النزاع والحكمة في إدارة الأزمة محل الوساطة والوقوف على مسافة واحدة من أطراف النزاع.

قطر لا تفرض نفسها

* وهنا لابد من الإشارة إلى أن قطر لا تفرض نفسها على الأطراف المتنازعة المعنية، بل لا يمكن أن تتولى الوساطة إلا إذا طلبت منها تلك الأطراف ذلك، وهو ما حدث في كل وساطاتها ، بما فيها الوساطة الحالية التي تقوم بها بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي، والذي تم التوافق على قيام قطر بذلك، ويريد نتنياهو وداعموه في الداخل الإسرائيلي وبعض المشرعين في الكونجرس الأمريكي إفشالها، تهربا من استحقاقات السلام، الذي لا يخدمه أبدا، سواء لدى جمهوره أو الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث تنتظره محاسبات ومحاكمات عدة في قضايا مختلفة، لن يفلت منها، وبالتالي هو – نتنياهو – ليس من مصلحته إتمام صفقات سلام دائم واستقرار، لذلك بعد أن فشل في تحقيق أي من أهدافه في غزة، يريد اليوم توسيع دائرة الصراع، وإشعال حروب إقليمية، بهدف جر دول كبرى إليها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

* يريد نتنياهو المأزوم إخراج الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، لكنه لا يريد أن يدفع ثمنا لذلك، بل يريد من الوسيط أن يلعب دور «الأداة» الضاغطة على حماس وهذا لن يحدث، وإن تطلب الأمر قيام قطر بإعادة النظر في دورها كوسيط، وتقييم ذلك بصورة جدية، ما إذا كانت تستمر أو لا، فقطر لن تقبل بخسارة سمعتها ومصداقيتها المعهودة عنها في أدوار وساطاتها.

الهجوم على قطر من قبل «لوبي» نتنياهو مرده إفشال أي مسعى يمكن أن يحقق سلاما حقيقيا، وإبقاء المنطقة بحالة عدم استقرار، وإكمال مخطط القتل والتهجير والتدمير في قطاع غزة، وهي أهداف تتوافق مع رغبات نتنياهو، الذي من المؤكد أن يمثل السلام الحقيقي تناقضا مع تطلعاته العدوانية.. نتنياهو والسلام لا يلتقيان.

قطر ستخرج منتصرة

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها قطر لهجوم غير مبرر ، وتحامل غير منطقي ، ومحاولة إلصاق تهم غير حقيقية لها ، والإساءة لها دون وجه حق ، وفي كل مرة تخرج منتصرة ، وتخيب أمنيات الذين يقودون التآمر ضدها، وتنكسر موجات التحامل على صخرة الصمود، والتعامل الواضح والصريح الذي تتبناه قطر، وتكسب المزيد من المصداقية وثقة المجتمع الدولي، دون أن تخضع لضغوط ، أو تقبل إملاءات من أي طرف كان.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x