سوق العمل.. دراسات غائبة!
.. وجامعاتنا الوطنية والخاصة تحتفل بتخريج دفعات جديدة من الطلاب والطالبات، من المهم التوقف عند هذا الأمر، والحديث عن متطلبات واحتياجات سوق العمل في هذه المرحلة، خاصة السوق المحلي الذي ينظر بكثير من الترقب للبحث عما يحتاجه من كوادر بشرية مؤهلة وذات أفق واسع، ويضخ دماء جديدة في مسارات عمله المختلفة.
هناك قضية أود التطرق إليها بإيجاز، تتمثل في:
مدى قرب مؤسسات التعليم العالي باحتياجات سوق العمل.. وهل هي فقط المسؤولة عن ذلك؟
ثم في ظل الثورة التقنية والتكنولوجية وما يعرف بالذكاء الاصطناعي.. أين جامعاتنا من هذا الأمر؟ وما تأثيره على مستقبل الحياة العملية بقطاعاتها ومجالاتها المختلفة؟
الحديث عن متطلبات سوق العمل في هذه المرحلة متشعب، وهو غير مرتبط فقط بالجامعات، بمعنى أن مسؤولية إيجاد كوادر تلبي احتياجات سوق العمل أكثر من طرف يتحمّل مسؤوليتها، منها وزارة العمل، وجهاز الإحصاء وغرفة قطر، والجامعات بالطبع في مقدمتها، ولا يمكن كذلك إغفال دور الأسرة في كيفية خلق حالة من الوعي لدى أبنائها بمتطلبات سنوات قادمة، فهناك قول مأثور «ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم».
نتمنى أن يكون هناك عمل مشترك يجمع أطراف المعادلة الخاصة بسوق العمل، وأن تكون هناك دراسات ميدانية لسوق العمل ومتطلبات المؤسسات والوزارات والقطاعات المختلفة، لما هو مطلوب من التخصصات، وما هو فيه فائض.
هناك تخصصات بها «تُخمة»، وسنويا يتم تخرّج الآلاف من الطلبة والطالبات منها، وتظل فرص عملها في تخصصها محدودا، والكثير منهم يعمل بعد التخرج في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم، والبعض يبحث عن «واسطة» لكي يحصل على عمل مناسب، وآخرون يضطرون لإعادة تأهيل عبر أخذ دورات تدريبية في مجالات جديدة لكي يتمكنوا من الحصول على فرصة عمل.
في المقابل هناك تخصصات مطلوبة في المجتمع لكن بها «نُدرة» كبيرة، رغم أن الكثير من مؤسسات القطاعين العام والخاص بحاجة ماسة لها.
لذلك السؤال: هل لدينا دراسات توضح ما هو المطلوب من التخصصات لسوق العمل خلال السنوات المقبلة؟.
هل لدينا خطط واستراتيجيات لكيفية تغطية متطلبات سوق العمل والقطاع الحكومي من تخصصات غاية في الأهمية، كما الأمن السيبراني مثلا، الذي بات لا يمثّل مجرّد وظيفة، بل إنه أصبح يشكّل أمناً للدولة والمجتمع بمؤسساته المختلفة، وباتت دول تستعين به أكثر من الاستعانة بالطائرات الحربية أو الصواريخ والدبابات.
هل لدينا دراسة تقول إننا بحاجة من القطريين حتى 2030 – وليس 2050 – عدد كذا من الأطباء والمدرسين والمهندسين والمبرمجين والفنيين والاجتماعيين والإعلاميين والإداريين والمحاسبين … سواء في وزارات الدولة أو القطاع الخاص؟.
ثم إن العالم اليوم يتحدّث عن تلاشي آلاف وملايين الوظائف خلال سنوات قليلة قادمة، فهل نحن بمؤسساتنا الرسمية (وزارات الدولة) ومراكزنا البحثية ومؤسساتنا الجامعية وقطاعنا الخاص، أعددنا للأمر عدته، وبدأنا نجهز البدائل حتى نواكب هذه التطورات..؟
ينبغي علينا في قطاعاتنا المختلفة تشكيل منظومة عمل واحدة، بعيدا عن «الجزر» وتضارب الأدوار، وبعثرة الجهود، بحيث يتم وضع الخطط لقضايا استراتيجية وحيوية، بعيدا عن العمل الفردي أو الاجتهادي، والذي يظل دوره محدودا.
هذا لا يعني التقليل من الجهود التي تبذل، إنما نريد لهذه الجهود أن تنظّم وتوظف بصورة أكثر جمعا، حتى تكون نتائجها أكبر وأكثر تأثيراً، وملموسة بالواقع العلمي والعملي.
فهناك تحديات كبرى أمامنا فيما يتعلق بالتنمية الشاملة وسوق العمل، والذي يشهد يوميا دخول أنماط ومبتكرات جديدة، وثورة تقنية عالية، والتي من بينها الذكاء الاصطناعي، وكيفية مواكبته والتعامل معه، بصورة أكثر احترافية.
قطر واحدة من أكثر الدول في العالم العربي التي تنفق على الأبحاث العلمية، وهو ما يجعلنا نتساءل عن الاستثمار الأفضل لهذا الإنفاق، بحيث تكون له عوائد عالية على المجتمع.
سررت كثيرا عندما سمعت من د.حسن الدرهم رئيس جامعة قطر أن تطوير تقنية تبريد ملاعب كأس العالم خرجت من جامعة قطر، وهذا أمر نفخر فيه ونعتز به.
إعداد الأجيال لخوض معارك الحياة أمر في غاية الأهمية، فهذا الأمر لا يعني الشباب فحسب، إنما يعني المجتمع والدولة، فكلما كانت الأجيال لديها الجاهزية لخوض التحديات، وجدت مجتمعا مواكبا وعلى قدر كبير من التطور والازدهار والتقدم.
السنوات القليلة القادمة أسواق العمل ستحتاج إلى تسلح علمي نوعي، ومهارات جديدة، وقدرات مبتكرة، وهو ما يحتم على الجميع التعاون والتكامل لإنجاز متطلبات النجاح لأبنائنا ومجتمعنا ودولتنا.
نحتاج الى توعية أبنائنا منذ الصغر للتخصصات والمهن والوظائف، وألا يكون سقف طموحهم الحصول على الشهادة فقط، دون أن يكون لهم دور فاعل في التنمية والنهوض بالمجتمع.