التعليم.. «إرباكات» مع بداية العام الدراسي
بداية نهنئ الأخوة بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، قيادات وعاملين ومنتسبين، بتدشين الإستراتيجية التعليمية 2024 /2030، التي نعوّل في أن تكون مصدرا نوعيا لمواصلة تطوير مسيرة التعليم بكل قطاعاته ومساراته، واحداث نقلة نوعية في قطاع يتصدّر اهتمامات قيادة الوطن وحكومته الرشيدة، وهو ما أثمر عن تحقيق قفزات على صعيد التعليم النوعي، جعل من دولة قطر تحتل المركز الأول في مخرجات جودة التعليم عربياً والرابعة عالميا، وهو ما يجعل المجتمع يتمسك بهذه المكتسبات.
ونرى أن شعلة التعليم قد تم ايقادها من سنوات، بفضل الاهتمام الكبير الذي أولته القيادة الحكيمة لدولتنا، وبفضل ذلك تحققت انجازات كبرى على هذا الصعيد، وباتت قطر ينظر إلى تجربتها في مجال التعليم بكثير من الاعجاب والاكبار، ورأينا وفودا زارت الدوحة للاطلاع على هذه التجربة، التي حققت نجاحات، وبالطبع نتطلع إلى اكمال هذا الطريق بنجاحات قادمة.
نعم ، قضية التعليم ليست فقط مسؤولية وزارة التربية، ولا ينبغي القاء كل تبعات ذلك على الأخوة بالوزارة وأجهزتها المختلفة، انما نحن جميعا شركاء في تحمّل مسؤولية تدعيم قواعد التعليم، وترسيخ ركائزه، فحلقات دائرة التعليم متعددة، وينبغي أن تكون متصلة ببعضها البعض، بحيث لا تعمل الجهات المعنية بعيدا عن التعليم كجزر منفصلة.
وطالما أن المجتمع شريك أساسي في العملية التعليمية، فيحق لأفراده ابداء ملاحظات والتساؤل عن سير ومستقبل التعليم، وربما سمع الكثير منا أصواتا ارتفعت تبدي ملاحظات وصلت لشكاوى مع بداية العام الدراسي، ولازالت هذه الشكاوى قائمة، من ذلك ازدحام المدارس وعدم وجود شواغر، مما استدعى نقل طلاب لمناطق بعيدة عن أماكن سكنهم.
لماذا ارتفعت الشكوى من هذه القضية هذا العام تحديدا بدرجة عالية ؟
باعتقادي هناك سببان:
الأول ما يتعلق بتحديد موعد اختبارات الدور الثاني بالتزامن مع فتح باب التسجيل والنقل، فطلبة الدور الثاني يشغلون مقاعد في صفوفهم باعتبار أنهم غير ناجحين، ولازالوا مسجلين بالنظام بصفوفهم، وفي نفس الوقت هناك أولياء أمور يدخلون على نظام التسجيل والنقل ولا يجدون أماكن شاغرة، فلماذا لم يتم فصل موعد اختبارات الدور الثاني عن فترة التسجيل والنقل، بحيث تكون بينهم فترة زمنية يتم تحديث اعداد الطلبة الناجحين، وبالتالي خلو مقاعدهم بعد انتقالهم للمستوى الأعلى، مما سيجعل النظام يتعامل مع الطلبات الجديدة، بدلا من الاشكالية التي حدثت.
الأمر الثاني ما يتعلق بنظام التسارع الذي فتح على « مصراعيه « لجميع الطلبة قطريين ومقيمين، بعد أن تم تخفيض نسب القبول الى 85% بعد ان كانت 90%، وهو ما أربك باعتقادي الصفوف الدراسية، فلو افترضنا مثلا ان هناك 7000 آلاف طالب وطالبة في الصف الأول الإعدادي تقدموا لنظام التسارع ونجح منهم 5000 طالب وطالبة وانتقلوا للصف الثالث الإعدادي مباشرة، فهل اعداد الصفوف بمرحلة الثالث الإعدادي كانت مستعدة ولديها القدرة لاستيعاب هذا العدد، مع اعداد الطلبة المنتقلين بالنظام الطبيعي إلى الصف الثالث الإعدادي ؟
من المهم جدا الوقوف على الطاقة الاستيعابية لكل مرحلة ولكل مستوى دراسي، اذا ما أردنا الاقدام على خطوات أو قرارات مثل نظام التسارع، وأن يكون هناك تنسيق وتكامل بين جميع الاطراف والأجهزة بالوزارة.
ليس فقط على صعيد الطاقة الاستيعابية في الفصول الدراسية، والتي تم رفعها لتتجاوز 30 طالبا بعد ان كانت 25 طالبا، انما ايضا يترتب على ذلك أعداد المدرسين والاداريين ووسائل النقل…
مشروع أو نظام التسارع قد لا نختلف عليه، إنما من المهم أن تتم دراسة كل الجوانب التي تعقب هذه الخطوة، بحيث نبعد العملية التعليمية عن اي ارباك ونحن في بداية العام الدراسي.
كذلك من المهم أن تكون لدى صناع القرار بالوزارة سيناريوهات متعددة اذا ما حدثت إشكاليات أو عوائق، بحيث تكون الخطط البديلة جاهزة، وعدم الاعتماد على نظرية « كل الأمور تمام «، فلو أن هناك 10% مثلا مخاطر أو تحديات قد تعترض أي نظام أو مشروع جديد، فلابد ان نكون جاهزين للتعامل، وقادرين للتعاطي مع المشكلة، ولدينا الحلول المسبقة، مع مرونة في اتخاذ القرارات، ومنح مزيد من الصلاحيات ـ دون الاخلال بالتنظيم الاداري ـ للمديرين والمسؤولين، لكون نشوء « أزمات « طارئة تحتاج الى قرارات سريعة، لايجاد معالجات عاجلة.
قبل بداية العام الدراسي ظهرت مشكلة الدارسين في المدارس الخاصة بالنظام البريطاني ( آي جي )، وكانت محل قلق الكثير من أولياء الأمور، الذين ابدوا استياءهم مما حدث لنتائج أبنائهم الطلبة، وهم بالمناسبة ارقام لا يستهان بها من الطلبة الدارسين في هذه المدارس.
ابداء الملاحظات لا يعني التقليل من الجهود الكبيرة التي يقوم بها الأخوة والأخوات في وزارة التربية والتعليم، ولكننا جميعا في مركب واحد، ومن المهم ان تصل هذه الملاحظات الى صانع القرار بالوزارة، ونحن على ثقة بأن كل ما يصدر من ملاحظات أو شكاوى تؤخذ على محمل الجد، ليس فقط في وزارة التربية، انما في كل وزارة أو مؤسسة بالدولة، وهو أمر يحسب للجهات المختلفة، التي تتعاطى مع ما يكتب بروح من التعاون وتقبل الانتقاد البناء والموضوعي.
نتطلع إلى أن تلامس الإستراتيجية الجديدة لوزارة التربية والتعليم قضايا المجتمع، وتواكب متطلبات الدولة واحتياجات المجتمع بما يعزز من المكانة التي وصلنا اليها، ويدفع نحو تحقيق المزيد من المكتسبات على صعيد قطاعات التعليم ومساراته المختلفة.