فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق: قطر وقفت إلى جانب لبنان في جميع المراحل والمحافل
لست متحاملاً على حزب الله ولكن عندي انتماء لبلدي وللدستور.. وهذه مقترحاتي لخروج القضية الفلسطينية من مأزقها
ينفرد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة بشخصية جدلية ترك بصمة كبيرة على الساحة اللبنانية، وارتبط اسمه بحقبة تاريخية مهمة أصبحت محفورة في ذاكرة اللبنانيين. وعلى الرغم من خروجه من الحكم، لكنه احتفظ بدوره كقامة سياسية تلعب دورا محوريا لدى فريق المعارضة أو القوى السيادية. فهو جرئ حيث يتراجع الآخرون وصاحب لسان نقدي حيث يصمت الآخرون.
يتمسك السنيورة بركيزتين هما عروبة لبنان وسلطة الدولة وما دونهما قابل للتفاوض والمناورة السياسية في بلد متنوع الطوائف ومتعدد الأحزاب والولاءات السياسية. فهو يؤمن بأن توازن المكونات اللبنانية سر تفرد لبنان في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من ولاء السنيورة لعروبته وعدائه لإسرائيل لكنه لا يتوانى عن توجيه النقد اللاذع لحزب الله وحركة حماس اللذين اشعلا حربا غير مدروسة وغير محسوبة الكُلف الباهظة التي دفعها الشعبان اللبناني والفلسطيني. ولذلك يطالب بتحول حزب الله الى حزب سياسي لبناني، حيث إن السلاح فقد جدواه والمقاومة لم تحقق الردع المطلوب ولم تمنع العدوان الإسرائيلي من ارتكاب افظع المجازر والدمار. ويطالب حزب الله بالعودة الى كنف الدولة اللبنانية، معتبرا ان مقولة قوة لبنان في مقاومته سقطت مستعيضا عنها بعبارة قوة لبنان في وحدته الوطنية.
أما في الملف الفلسطيني فإن السنيورة يطالب بإعادة قراءة معمقة للقضية الفلسطينية لتي دخلت في مأزق صعب لم يعد ممكنا تجاهله والسكوت عليه. ويطرح السنيورة رؤيته لاخراج القضية الفلسطينية من مأزقها والتي تقوم على 3 مرتكزات أولها إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وثانيها استعادة عروبة القضية الفلسطينية باعتبار انها ليست سلعة للبيع والمتاجرة من قبل هذه الدولة الإقليمية أو تلك. وثالثها استعادة جوهر القضية الفلسطينية فالقضية ليست حركة فتح وحماس هي قضية فلسطين كل فلسطين وكل الشعب الفلسطيني وليست فصيلا أو منظمة.
ويجزم السنيورة بان العالم تغير ما عاد بالإمكان الاستمرار بالوسائل التي اثبتت فشلها وعدم جدواها. ملمحا بذلك الى عدم جدوى الكفاح المسلح. طارحا ان يكون البديل اعتماد دبلوماسية المقاومة لاعادة القضية الفلسطينية الى وجدان العالم والمجتمع الدولي.
وعلى الصعيد اللبناني يؤكد السنيورة أن الحل بانتخاب رئيس للجمهورية، حيث من غير الممكن ان تستمر الدولة بلا رأس وان يعود الجميع الى الدستور تحت سقف الطائف الذي يعتبر الحل النهائي والدائم للبنان.
وفي مجال العلاقات اللبنانية القطرية يستذكر السنيورة المواقف التاريخية لدولة قطر في دعم لبنان منذ عام 2006 لجهة دورها في القرار الدولي 1701 وصولا لمؤتمر الحوار الوطني والمساعدات الدائمة في الاعمار والإغاثة، ويقول قطر وقفت الى جانب لبنان في جميع المراحل وفي جميع المحافل. كما ان قطر تتمتع بتقدير على مستوى كل الفرقاء اللبنانيين على اختلافهم وهناك اجماع وطني لبناني على اهمية الدور الذي تلعبه قطر.
كثيرة هي الملفات السياسية الساخنة التي تحدث عنها دولة الرئيس فؤاد السنيورة بجرأة والتي ستكون موضع جدل بين القوى السياسية في لبنان والوطن العربي.
– في ظل ما تعرض له لبنان من عدوان كيف تسير الأمور؟
ما يشهده لبنان حزين ومؤسف حيث يتعرض بلدنا إلى اجتياح مجرم قاتل مدمر ومهجر يعاني أهلنا من العدوان ويتطلعون إلى تحقق الاستقرار والسلام ويطمحون أن يستعيد لبنان ألقه وازدهاره وتتوقف آلة القتل والتخريب. غير الحرب لا شك أن هناك مشكلات كبرى علينا أن نعمل من أجل تخطيها لتعزيز الوحدة بين اللبنانيين.
– قوة لبنان في وحدته
أعتقد أن الوحدة اللبنانية هي النقطة الحاسمة والمفصلية في الأزمة اللبنانية.. ألا تعتقد أن ما يدور في لبنان قبل العدوان وربما يكون مسببا لمطامع إسرائيل أو أطراف أخرى لأن تدفع بهذا العدوان. هل ترى أن مثل هذه الفرقة تخلف وتبرر عدوانا إسرائيليا على لبنان؟
دون شك إسرائيل تريد أن توقف الدور المميز الذي يقوم به لبنان بوصفة بلدا متنوعا يقدم ثراء وقدرة هائلة على أن يحتضن كل المكونات ويشجعها على تقديم أفضل ما لديها في العملية الوطنية. ومن الطبيعي إذا لم تتم إدارة التنوع بشكل سليم ينعكس سلبا على البلد وتنقلب النعمة لتصبح نقمة. على مدى سنوات لبنان سادت فيه نظريات معينة: منها أن لبنان قوته في ضعفه، ثم قوة لبنان في مقاومته. والحقيقة أن لبنان قوته في وحدة أبنائه وقدرتهم على أن يتضامنوا سويا في وجه كل اعتداء وفي كل محاولات تقزيم هذا الدور أو تعديله أو حذف هذا الدور الوطني والعربي الذي طالما قمنا به.
– الانجرار إلى الحرب
كيف تقرأ العدوان على لبنان وما تداعياته؟
في 8 أكتوبر قام حزب الله بعمل عسكري على الحدود وتحديدا على الخط الأزرق، وكان الهدف منه الإسناد انطلاقا من فكرة أهمية وحدة الساحات، غير أن فكرة وحدة الساحات يجب أن تكون شمولية وإلا ستكون فكرة فاشلة. العملية العسكرية كانت مخالفة للوعود التي قطعها حزب الله والسيد حسن نصر الله بألا يكون هناك أي عمل على الحدود وتحديدا على الخط الأزرق. وكان حزب الله قد قام بنفس العمل العسكري في عام 2006 وكرره في سنة 2023 دون استشارة اللبنانيين ودون إعلامهم وتم إقحام البلاد في حرب دون موافقتهم. وبعد معاناتنا من الحروب يمكننا الجزم بعدم إمكانية الزج بلبنان في الحرب. وهنا أود الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بتقصير لبناني بشأن القضية الفلسطينية، لبنان من أكثر الدول العربية التي التزمت بالقضية عن إيمان ودون ادعاء، لكن يجب ألا ننسى أن لبنان تعرض لسبعة اجتياحات إسرائيلية، وذلك 68 و78 و82 و93 و96 و2006.
أقول إنه لا يجوز الزج بلبنان في الحرب وهو يعاني من مشكلات كبرى ويعيش في أزمة وطنية سياسية. نحن لا نستطيع حتى هذه اللحظة أن ننتخب رئيسا للجمهورية لإعادة تكوين السلطات الدستورية وللتمكن من تأليف حكومة تكون مسؤولة ولديها الصلاحيات اللازمة لإدارة البلد. كما يعاني لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت به، الى جانب الكمية الكبيرة من النازحين السوريين (أكثر من مليون سوري). أضف إلى ذلك انحصار شبكة الأمن العربية والدولية التي كان يتمتع بها لبنان سنة 2006، كل هذه الأسباب تتطلب التروي والعمل من أجل معرفة الامكانات. كان بإمكان لبنان أن يدعم المقاومة سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا دون إقحامه في حرب لا قدرة له عليها.
– القرار اللبناني مختطف
هل تريد القول إن القرار اللبناني مختطف من قبل حزب الله؟
دون شك الأعمال التي وقعت في اخر فترة تسلط الضوء على هيمنة دور الأقلية على الأغليبة رغم أن الأنظمة الديمقراطية تقوم على أساس أن الأكثرية تحكم الأقلية غير مهمشة. لكن في لبنان اعتمدنا أسلوب ما يسمى بحكومات الوحدة الوطنية التي تعد ظاهرة طبيعية بالأنظمة الديمقراطية، ولكنها ظاهرة عرضية بحيث تدخل المعارضة إلى الحكومة وترفع “الفيتو باور”. هنا عمليا النظام الديمقراطي يصبح متعذرا بالنسبة للمحاسبة والمساءلة، بما ان المعارضة أصبحت ضمن الحكومة. ونعيش ما يسمى بتسلط الاقلية. وتم تخريب النظام الديمقراطي واختطافه في لبنان.
– لبنان بين الدولة والساحة
هل ترى أن لبنان لم يكتمل كدولة وأصبح ضحية تبادل الأدوار للجهات الاقليمية داخله، وبالتالي تحول إلى إحدى ساحة الصراعات الإقليمية.. هل نحن ندفع الثمن اليوم لهذا الصراع؟
لا.. لبنان اكتمل كدولة ولكن لبنان يقع في منطقة زلزالية ليس جيولوجيا بل سياسيا، حيث إن المنطقة متأججة من أجل القضية الفلسطينية بشكل أساسي وبسبب رغبة القوى الدولية أن يكون لها دور في المنطقة. لكن لبنان من أوائل الدول العربية التي أسست دستورا وحصلت على استقلالها وساهمت في إنشاء جامعة الدول العربية، وبالتالي اكتمل شكل النظام اللبناني كدولة ديمقراطية ولها دستور، لكن لبنان يقع في منطقة تعاني من عدة مشكلات وانقلابات. لبنان خلال هذه السنوات تحول إلى ساحة قتال وتحول إلى صندوق بريد، تصله رسائل دموية وهو ما يرفضه اللبنانيون.
– الاستقواء بالخارج
في لبنان لا نكاد نجد طائفة أو حزبا ليس له تبعية إلى الخارج، أهذه الولاءات انعكست على الساحة وأضعفت لبنان. حتى إن الأحزاب لم تتفق على انتخاب رئيس الجمهورية، بغياب سوريا كانوا في انتظار اللجنة الخماسية، هل هناك عجز عن اتخاذ قرار دون الخارج؟
صحيح، كل فريق في لبنان حاول أن يستقوي بالخارج على الداخل وفي هذا تضارب حقيقي مع جوهر وجود لبنان والقواعد التي يقوم عليها وهي قوة التوازن وليس على توازن القوى. وهو التفاهم بين المجموعات اللبنانية حتى تنضوي تحت لواء الوطن والدولة اللبنانية، وبالتالي تحل مشكلاتها بالداخل اللبناني وأن يعالجوا مشكلاتهم من داخل وطنهم وداخل مؤسساتهم، والاحتكام للدستور ولسلطة القانون والنظام، وهذا غير موجود في لبنان فكل طرف يحاول الاستقواء بالخارج.
عودة إلى الوضع الحالي بعد انسحاب إسرائيل في عام 2000، وجدوا حجة ليبقى حزب الله، وبعدها وقع اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 والمطالبة بإنشاء لجنة تحقيق دولية وإنشاء محكمة دولية بعدها وصلنا إلى معرفة القتلة دون القبض عليهم. هذا الوضع ساعد حزب الله ليسيطر على الدولة اللبنانية، حيث استطاع القبض على فريق من اللبنانيين لخدمة مصالحهم الضيقة مثل ميشال عون أمن له حزب الله الغطاء للحصول على السلطة وقدم هو الضمانات للحزب للمحافظة على سلاحه وشرعيته.
ألست متحاملا على حزب الله؟
لا.. لست متحاملا على حزب الله أنا عندي انتماء لبلدي وللدستور وأؤمن بضرورة أن يكون الجميع منضويا تحت سلطة الدولة، وأن يعود الجميع إلى الدولة لكن بشروط قانونية.
نحن مع العدالة ولسنا مع الظلم، العدالة يجب أن تطبق على الجميع، دون تمييز بين فريق من اللبنانيين لصالح فريق آخر مما يعني الفرقة وهذا الارتهان إلى البيت الداخلي للبنان وللسياسية، نحن في حاجة إلى التضامن الداخلي الذي يولد الثقة في البلد ولذلك شهدنا خلال هذه السنوات الماضية صار هناك من يضغط من أجل التفرقة.
– ترتيب البيت الداخلي
تحدثت عن فقدان لبنان للإسناد العربي كيف تريدون الدعم الخارجي من الدول العربية وأنتم تعانون من التفرقة وعدم الاتفاق الداخلي.. أليس من الأهم ترتيب البيت الداخلي؟
حتما الحاجة إلى ترتيب البيت الداخلي ضرورة قبل طلب أي مساندة خارجية ولكن هناك أطراف خارجية سعت إلى إبعاد اللبنانيين عن دورهم الأساسي وحرصهم على بناء علاقات مع الدول العربية ولا سيما دول الخليج ومصر، طبعا كل الدول العربية أصدقاؤنا من المغرب إلى الخليج. ولكن هناك مجموعة من الاحداث ساهمت في تخفيف الإسناد العربي. ومنها أن حزب الله بعد عام 2011 أوكل له دور خطير في المنطقة من قبل إيران التي أرادت نقل المواجهات الخاصة بها الى المنطقة من خلال أذرعها المسلحة في لبنان وسوريا والعراق. وتحول حزب الله إلى جيش لقمع عمليات المعارضة والنتيجة أنه هجر السوريين الى لبنان وخلق مزيدا من الازمات في المنطقة.
– حزب لبناني بخدمة إيران
بهذه الرؤية أنتم تقدمون حزب الله كحزب لبناني أم إيراني؟
حزب لبناني بأعضاء اللبنانيين ولكن سياسته لخدمة إيران. وأنا لا أظلمه، السيد حسن نصر الله كان يقر علنا بأن كل أموال الحزب واحتياجاته ممولة من إيران. أنا ضد استقواء أطراف على الآخرين بسلاحها وبانتماءاتها. المطلوب الآن ليس صراعا مع حزب الله، ولا يجوز أن نعتبر حزب الله، انتهى، حزب الله هو حزب لبناني، يجب أن يرجع للبنان بشروط الدولة اللبنانية، وأن ينضوي تحت الدولة اللبنانية، هذا خيار صعب وتنفيذه ليس سهلا لكنه الخيار الأفضل لأن الخيارات الأخرى أصعب وتعني المواجهة بين اللبنانيين وهو أمر مرفوض ونتيجة كارثية لا نريد الوصول إليها. البعض يقول إن إسرائيل خلصتنا من حزب الله وهذا كلام خاطئ ولا يجب قوله وإسرائيل تخدم فقط مصالحها.
– السيناريوهات المطروحة
ما أسوأ السيناريوهات المطروحة وأفضل السيناريوهات المتوقعة؟
السيناريو الذي يجب أن يكون تركيزنا عليه هو تطبيق القرار 1701 الذي أقر في عام 2006 وأقر بالإجماع من قبل أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين.
لكن حزب الله قام بكل الأعمال، خلافا للقرار 1701، وعلى الجانب الآخر إسرائيل من يوم 12 أغسطس 2006 أمطرت لبنان في الجنوب بعشرات الألوف من القنابل العنقودية وبعدها استمرت في عدم تطبيق القرار. كان على حزب الله تطبيق القرار1901 ويكون اللبنانيون معه بالكامل دعما في مواجهة إسرائيل اليوم تطالب بتقديم ضمانات تتعدى على السيادة اللبنانية.
– الخروج من الأزمة
هناك من يتوقع أن لبنان يحتاج لعشر سنين حتى يتمكن من الخروج من هذه الأزمة.
ما نمر به ليس أمرا سهلا، ما نواجهه يتطلب عملا وجهدا وطنيا طموحا وكبيرا لكن الخيار الاخر هو إبقاء لبنان في حالة فوضى تجر كل الشرور، التي يمكن أن تتأتى بنتائج وخيمة. هناك حاجة الى اعادة الدولة وان تكون صاحبة القرار وأن تكون مجمعة لكل اللبنانيين. يجب الارتقاء إلى مستوى ما توليه المصلحة اللبنانية والوطنية ويجب ان يرجع لبنان إلى حضن العرب وعلى كل العرب مساعدته والتضامن معه.
– إسرائيل عدو بكل المصطلحات
هل تثقون بإسرائيل وهي تحمل مشروعا توسعيا لشرق أوسط جديد؟
إطلاقا. ولو جمعت كل ما تحتويه قواميس العالم من مصطلحات لن تكفي لوصف عدوانية اسرائيل. اسرائيل عدو ونقطة على السطر. وما تقوم به يحتاج الى تضافر الجهود لمقاومته وهناك وسائل عديدة. وانا اعتبر أمضى سلاح وأقوى سلاح لمواجهة إسرائيل هو وحدة لبنان الداخلية. في عام 2006 نجح لبنان في تجاوز الخلافات ومواجهة العدوان بالوحدة الوطنية بين اللبنانيين. وبفضل هذه الوحدة ألزمنا إسرائيل بالقرار 1701 وفرضنا عليها الانسحاب إلى الخط الأزرق. ونحن الآن عندنا خيار الدولة. حتى نستعيد علاقات لبنان العربية وعلاقات لبنان مع العالم.
– مشروع وطني لنزع السلاح
موضوع نزع سلاح حزب الله لا يمكن أن يتم بالقوة، يحتاج الى مشروع وطني، حتى الآن لم يتبلور من قوى السيادة مشروع وطني يمهد الى صيغة تعطي تطمينات لصعوبة نزع هذا السلاح بالقوة. ما المشروع الوطني الذي يوفر الضمانات المطلوبة؟
المشروع الوطني موجود، الدستور موجود بلبنان، اتفاق الطائف موجود، وقد رسم هذا الاتفاق الخريطة للحكم اللبناني واستعاد الدستور واستعاد عروبة لبنان، لبنان عندما تأسس عام 43 وبالتالي ما ذكر في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الشهيد رياض الصلح أن لبنان عمليا يقوم على سلبيتين: “لا للوحدة مع سوريا ولا استمرار الانتداب الفرنسي”. جاء اتفاق الطائف ليستبدل السلبيتين بإيجابيتين. حيث نص على عروبة لبنان ونهائية الكيان. لبنان بلد نهائي لا زيادة ولا نقصان، لبنان صغير حتى يقسم وكبير حتى يبتلع، وبالتالي اتفاق الطائف أوجد نظاما ديمقراطيا. واوجد تلبية لحاجات المواطنين لأن الدستور اللبناني اطلع على اللبنانيين بصفتهم أفرادا وجماعات. المواطن ماذا يريد؟ يريد مدرسة وكهرباء وماء وخدمات وتعليما وصحة. هذا الامر يحله مجلس النواب، اما بخصوص الطوائف والجماعات تم تكوين مجلس الشيوخ بحيث يحرص على ألا يُسار الى تهميش أي جهة.
المشكلة أن أمر تنفيذ اتفاق الطائف بعد عام 89 أُوكل الى الشقيقة سوريا، وبالتالي الأمور صارت تطبق حسب ما تريده الشقيقة سوريا.
والنظام السوري كان يحرص على جعل لبنان ساحة من اجل تحقيق امور اخرى، وسوريا كانت تريد ان تكون هذه الساحة عوضا عن اشعال ساحة الجولان وان تكون هذه الساحة لمواجهة اسرائيل وبالتالي يصبح لبنان ساحة للرسائل الدموية وغير الدموية. وبذلك تم تحميل لبنان الهم العربي والهم السوري والهم الفلسطيني وكلها احمال تنوء بها الجبال.
– العرب وفلسطين
ربما الحديث عن لبنان يطول لكن ايضا الوضع العربي ليس بأفضل حال.. كيف تقرؤون هذا في هذه المرحلة الصعبة اسرائيل تسرح وتمرح من فلسطين الى لبنان الى مناطق مختلفة الى اليمن تضرب هنا وهناك، كيف تراقبون الوضع الآن؟
يقول الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت آحادا
وهناك عبارة تقول: قف حتى الناس تحسبلك حسابا. اذا لم تفرض نفسك على الاخرين ما أحدا سيحمل قضيتك.
على الصعيد العربي وعلى الصعيد الفلسطيني: يقول الاخطل الصغير:
أأنا العاشق الوحيد لتلقي تبعات الهوى على كتفي؟
نحن مثلنا مثل غيرنا ولكن ليس وحدنا في لبنان من يحمل ويتحمل الهم العربي والفلسطيني. القمم العربية اتخذت مجموعة لا تنتهي من القرارات كما صدرت قرارات دولية بينما اسرائيل لم تطبق ولم تلتزم وكل يوم تضغط لنتنازل من مكان الى مكان. لنعترف ان هناك المبادرة العربية للسلام التي قررتها القمة العربية في بيروت عام 2002 وهي مبادرة شجاعة وخاطبت العرب ودول العالم. لكن ماذا فعلنا لإقناع العالم بها؟ لم نبذل مجهودا دبلوماسيا مضاعفا لإقناع الرأي العام بأهمية إحلال السلام في الشرق الأوسط.
دائما نميل الى تحميل الآخرين المسؤولية (الحق عليهم) والحق علينا كمان، قضيتنا يجب ان نحملها، لابد أن يرى الناس اننا حريصون على مصالحنا.
هناك أيضا قرارات مهمة صدرت عن مؤتمر القمة العربية الإسلامية 23 نوفمبر 2023.. ماذا حصل؟
لم يحصل شيء، شكلوا لجنة من وزراء الخارجية وقالوا لهم اجتمعوا مع الدول الكبرى وبالتالي لم يحصل شيء كل يوم نعيش على خبر جديد وكل خبر يقتل الخبر الذي قبله كان الخبر الصادم سقوط 10 قتلى ثم جاء خبر سقوط 20 وبعده خبر سقوط و100 قتيل حتى اعتدنا على ان نكون ضحايا وقتلى.
– مأزق القضية الفلسطينية
هل تعتقد أنه بهذه الحالة القضية الفلسطينية أصبحت في مأزق حقيقي؟
طالما أن القمم العربية والإسلامية لم تنتج شيئا أنا أقترح هذه الفكرة لنضعها على الطاولة ولا سيما بعد المتغير الكبير الذي جرى بعد طوفان الأقصي والمتغير الكبير الذي جرى الآن بعد انتجاب ترامب وما يعنيه ترامب، فبالتالي أصبح من الضرورة أن نبحث كيف ننقل قضيتنا لتكون في وجدان الغالبية من سكان العالم، وهذا يقتضي التحول إلى المقاومة الدبلوماسية كونها الخيار الأفضل في ظل تعثر واخفاق جميع الوسائل والأدوات الأخرى. ومن لديه مقترح آخر افضل فليطرحه. نحن لدينا قضية عادلة لكن ليس لدينا محامون جيدون للدفاع عنها.
أزمة القضية الفلسطينية متشعبة ومتعدد الوجوه. بيوم 6/10/2023 كانت الفصائل الفلسطينية تتقاتل بالمدفعية في مخيم عين الحلوة. فإذا كان الفلسطينيون يتقاتلون مع بعض كيف يتم الدفاع عن هذه القضية التي تعتبر اشرف قضية بالدنيا.
تحتاج القضية الفلسطينية للخروج من المأزق الى ثلاثة أمور:
1- إعادة ترتيب البيت الفلسطيني
2- استعادة فلسطينية وعروبة القضية الفلسطينية. فلسطين ليست سلعة للبيع والابتزاز والمتاجرة حتى كل دولة تأخد منها حصة.
3- استعادة جوهر القضية الفلسطينية فالقضية ليست فتح وليست حماس هي قضية فلسطين كل فلسطين وكل الشعب الفلسطيني وليست فصيلا او منظمة او حركة او حزبا.
آن الأوان ان نواجه انفسنا بهذه الحقيقة. العالم تغير، ما عاد بالإمكان ان تلجأ لوسائل ثبت فشلها وعدم جدواها. يقول اينشتاين: ان تلجأ الى نفس الادوات التي استعملتها بالسابق وتتوقع ان تأتي بنتائج مختلفة فذلك الجنون بعينه.
– تقدير للدعم القطري
هناك أيضا الكثير من المكرمات والمبادرات الأميرية لمساعدة لبنان منها المساعدات العاجلة والمستشفيات الميدانية وقت تفجير المرفأ ثم دعم الجيش اللبناني لوجستيا وماديا للحفاظ على استمرارية عمله كمؤسسة أمنية ضامنة للاستقرار في لبنان؟
بعد الانهيار الاقتصادي والمالي الذي جرى بلبنان وقفت قطر الى جانب لبنان هناك محطات عديدة. تظهر سمو الموقف القطري الداعم للبنان، الصديق وقت الضيق، لذلك هذا الأمر شاهدناه وقت تفجير المرفأ وفي الأزمة الاقتصادية كانت قطر من اوائل الدول الى وقفت الى جانب لبنان، تتمتع قطر بتقدير على مستوى كل الفرقاء اللبنانيين على اختلافهم، فهناك إجماع على اهمية الدور الذي تلعبه قطر.
– هل ممكن 2008 يتكرر 2024 في المصالحة الداخلية؟
الآن تغيرت القصة، نحن اليوم امام تداعيات عدوان، وأصبحت هناك تدخلات إقليمية ودولية، اظن ان قطر قادرة على المساهمة في جمع الفرقاء اللبنانيين تحت سقف الدولة خصوصا انه لم يعد بالإمكان العودة الى ما قبل 6 أكتوبر.
– الخماسية مظلة أمان
هل تبقى اللجنة الخماسية هي مظلة الأمان الوحيدة؟
نرحب بكل جهد يؤدي الى اخراج لبنان من الازمة، القضية الاساسية هي (إنقاذ لبنان) واللجنة الخماسية يجب ان تستمر في دورها في موضوع انتخاب رئيس جمهورية وهذه نقطة في غاية الاهمية، لم يعد ينفع استمرار بلد بلا رأس، الدستور واضح يجب دعوة النواب الى جلسة في مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية لم يعد بالإمكان ان تستمر الدولة بلا رأس، وحكومة تصريف الاعمال لا تستطيع ان تملأ الفراغ، ولذلك نعلق الامال على جهود اللجنة الخماسية.
– العودة إلى الدستور
بعد وقف العدوان. ما المخرج من المأزق في لبنان؟
العودة الى الدستور، العودة الى اتفاق الطائف، لا خيار اخر سوى العودة الى الدولة.
كل الفرقاء المشاركين في الحرب اصبحوا مأزومين وكل يحتاج الى وسيلة للنزول عن الشجرة ووقف النار. ان ما يهمني الآن ان يعود إلينا كلبنانيين وعرب إيمانا بقضيتنا وتصميمنا على أن نتبع كل وسيلة تؤدي الى تحقيق هذا الغرض، لا احد سوف يدافع عنا نحن من يجب أن يدافع عن مصالحنا وقضيتنا، لأن الآخر قد يقف معك في مرحلة لكنه لن يبقى معك في كل المراحل. ما أحد سيحترمنا إذا لم نحترم أنفسنا.
– عرقلة المسار اللبناني
من يعارض أو من يعرقل لتصحيح المسار في لبنان؟
لنفهم سيرورة الأحداث يجب أن نفهم الأزمات المتعاقبة على لبنان. بعد اتفاق الطائف في عام 1989، أقر الاتفاق في المجلس النيابي ونص على سحب كل الأسلحة الموجودة في لبنان لكل المليشيات حتى تكون سلطة الدولة واحدة. وقتها الظروف أملت على لبنان الاستعانة بسوريا من أجل تجاوز حالة العصيان الذي قام بها ميشال عون لغاية90 بالتالي دخلت سوريا إلى لبنان.
وتم تكليف سوريا بتطبيق عملية اتفاق الطائف وبعد تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة وانتخاب رئيس الجمهورية تم صرف النظر عن سلاح حزب الله، بسبب أن إسرائيل كانت لا تزال تحتل مساحة كبيرة من لبنان، بعد سنة 2000 انسحبت إسرائيل من لبنان وكان من المفروض سحب السلاح من حزب الله، وعودة السلطة اللبنانية الممثلة بقواها الشرعية الجيش، قوة الأمن الداخلي. كان هناك رأي يقول إنه ما زال هناك أراض لبنانية محتلة لإيجاد حجة لبقاء سلاح حزب الله. ومن هذه الفترة ونحن نعيش كل هذا التجاذب الذي أوصلنا إلى الوضع الذي نعيشه اليوم.
– العلاقات القطرية – اللبنانية
كيف تنظر إلى العلاقة اللبنانية القطرية في بعدها الأخوي وكيف تستشرفون مستقبلها؟
أنا أرى سمو هذه العلاقة والمحبة التي نشعر بها وأراها بادية على كل القطريين، يجب أن نعززه دائما، وفي شواهد كثيرة على هذه العلاقة المميزة والحافلة بالكثير من المحطات البارزة، أذكر منها في عام 2006 تولى الشيخ حمد بن جاسم رئاسة الوفد العربي لوزراء الخارجية وسافر إلى نيويورك وكان يفاوض دفاعا عن لبنان وكنت على تواصل معه ساعة بساعة، وكانت قطر وقتها العضو غير الدائم في مجلس الأمن ولعبت دورا كبيرا للوصول الى القرار الدولي 1701. وبعد ذلك شاركت في اخراج لبنان من ازمته وساهمت في اعادة اعمار قرى اساسية في جنوب لبنان والضاحية وساهمت بدعم الكثير من المشاريع التعليمية والصحية في مختلف المناطق اللبنانية. والمواقف القطرية الداعمة للبنان كثيرة وكذلك يوم استضافت الدوحة مؤتمر الحوار الوطني اللبناني عام 2008 والذي انتهى باتفاق الدوحة، موقف قطر كان دائما موقفا عربيا مقدرا. وكانت قطر إلى جانب لبنان في جميع المراحل وفي جميع المحافل.