د. شريفة العمادي المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة: عزوف الشباب عن الزواج أخطر من الطلاق
عزوف الشباب عن الزواج أخطر بكثير من مشكلة الطلاق.. وأتمنى راتبا شهريا لكل ربة بيت لأنّ التربية وظيفة أسرية سامية

أكدت د. شريفة نعمان العمادي المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة بمؤسسة قطر أن مؤسسات الدولة تعمل وتتكاتف من أجل إيجاد حلول جذرية لمشكلات الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج والتقليل من مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على الترابط الأسري.
وقالت في حوار بمكتبها بمؤسسة قطر إن المعهد يعكف على إعداد دراسات مستندة لإحصائيات وأبحاث ميدانية ولقاءات ينتج عنها سياسات أسرية موثقة تقدم للجهات المختصة ولصناع القرار للأخذ بها، ونبهت إلى ضرورة أن تسارع مؤسسات الدولة لدراسة ظواهر بدأت في الظهور، مثل عزوف الشباب من الجنسين عن الزواج، والتأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على الحياة الأسرية وعلى علاقات الزوجين، وتكاليف الزواج الباهظة التي تؤدي إلى فخ الديون والقروض وترهق كاهل الشباب، وحالات الطلاق المرتفعة، وغياب الحوار بين طرفي العلاقة الزوجية، وغياب مفهوم الثقافة الأسرية والزوجية عند الشباب، مؤكدة أهمية الإسراع في عمل دراسات لها بهدف إيجاد حلول مثمرة تقلل من مخاطرها وحدتها.
وأضافت أن قانون الأسرة يحتاج إلى إعادة نظر في بعض مواده ليتناسب مع تغير العصر، وضرورة إدراج منهج التربية الأسرية في المراحل المدرسية بعد أن أثبت نجاحه خلال فترة تجريبية في بعض المدارس ليساهم في تعريف الشباب والفتيات بأهمية الثقافة الأسرية والتوعية بقيم الحياة الزوجية والروابط الوثيقة التي تؤسس لمجتمع متوازن.
◄ منذ تأسيس المعهد في 2006 كيف تقيمون ما قدمتموه للمجتمع من دراسات وقضايا وندوات؟
لقد تم الإعلان عن إنشاء المعهد في السنة الدولية للأسرة في 2006 ويعتبر المعهد ذا بصمة مميزة ومتميزة على المستوى العالمي لأنه تنتج عنه سياسات تدعم النموذج الأسري والذي قلما يوجد في العالم، بينما المعاهد المختلفة في العالم تقوم بعمل دراسات تنتج عنها توصيات دون أن تكون لها سياسات قابلة للتطبيق.
والمعهد لا يخص المجتمع القطري فحسب إنما هو معني بالوطن العربي أيضاً ويقوم بعمل دراسات على مستوى الدول العربية وينتج سياسات تتعاون مع الجهات المختلفة حتى يقوم بمناصرة تلك السياسات التي تدعم التماسك الأسري في العالم العربي، فهو منبع ومصدر للمعلومات التي تخص الأسرة في العالم.
فالنموذج المميز الذي يقوم به المعهد يناصر الأسرة ككل، بينما المنظمات الدولية تركز على المرأة بمفردها أو سياسات تدعم الطفل بمفرده أو سياسات تدعم ذوي الإعاقة. نحن عندما ننظر إلى السياسات على انفراد سوف نغفل فئات مهمة مثل كبار القدر. ولكن المعهد اليوم وضع الأسرة ككل نصب عينيه في قالب واحد مهم لأن كل فرد مهم كعنصر له دوره في الأسرة الواحدة وهذا ما يميز المعهد الذي يدعم الكيان الأسري ككل.
• الدراسات مجرد أبحاث
◄ نعاني من قضيتين مع المعاهد والمراكز البحثية وهما: أن الدراسات الأسرية مجرد أبحاث توضع على الأرفف، وثانياً أن هذه المعاهد والمراكز لا تلامس قضايا المجتمع.. إلى أي مدى استطاع المعهد التغلب على هاتين المشكلتين؟
هذا التحدي الذي نسعى لإنجازه فالمعهد بدأ منذ تأسيسه في عمل سياسات تبنى على دراسات وليست سياسات فحسب واليوم ندرس المشكلة الموجودة في المجتمع وما هي السياسات المطلوبة وما هي أيضاً الدراسات التي تدعم للخروج بسياسات تخدم شرائح المجتمع وهذه هي الطريقة المختلفة التي نعمل بها.
والطريقة الثانية أن المعهد يضم خبرات قطرية من الجنسين عاشوا في المجتمع وعرفوا مشكلاته وقضاياه، وميزة المعهد أن هؤلاء الخبرات عملت في العلاج الأسري ولديهم خبرات تراكمية كبيرة، وكل هذه الكفاءات هي التي ستخدم السياسات الأسرية.
فمثلاً، ساعات العمل الطويلة اليوم مثلاً تؤثر على الأسرة.. وهذا شجعني على القيام بعمل الدراسات للخروج بنتائج حقيقية لتأثيرها على الزوجين وأبنائهما.
• تجاوب الجهات
◄ ما مدى تجاوب الجهات المعنية مع ما تطرحونه من دراسات وتوصيات.. هل يوجد تجاوب فعلي للحد من قضايا ومشكلات مجتمعية؟
على المستوى الدولي يرى الخبراء الدوليون أننا محظوظون في قطر لأننا نطرح دراسات وسياسات تخضع لمناقشة مع المسؤولين على مستوى الدولة، وبالتالي يأخذون بتلك التوصيات التي تجد طريقها للتطبيق بينما يرى خبراء دوليون أن الدراسات تأخذ لديهم سنوات طوالا قبل الأخذ بالتوصيات أو تطبيقها فعلياً.
وأدلل هنا على الدراسة الأيسلندية للوقاية من الانحرافات السلوكية التي شكلنا لها فريق عمل بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي لتنفيذها في عدد من المدارس ولما خرجت النتائج بشكل إيجابي تم الأخذ بها.
وتم تطبيق نتائج الدراسة الأيسلندية في برنامج وطني يسمى (تنشئة) ومن أثره الإيجابي، أخذت به دول الخليج والعراق أيضاً وهذا دلالة على تجاوب الدولة ومؤسساتها مع تلك السياسات والأخذ بها إضافة إلى أن صناع القرار يأخذون ما تم التوصل إليه من توصيات.
وهنا يكمن دور المعهد في أنه يقدم أدلة ويخرج بتوصيات ناتجة عن دراسات ثم القيام بعمل سياسات تطبيقية.
• تعاون وثيق
◄ ما طبيعة تعاون المعهد مع مؤسسات الدولة وإلى أي مدى هناك تعاون وتفهم لهذا الدور؟
هناك تفهم كبير جداً ودعم من كل الجهات، وكل الوزارات ومنها التربية والتعليم يعملون معنا في الدراسات إلى جانب مؤسسات العمل الاجتماعي وفق آلية عملية منظمة وعند الخروج بنتائج تخص الجهة المجربة والجهة المعنية يتم العمل بها فعلياً.
فمثلاً عملنا دراسة مع ديوان الخدمة المدنية بخصوص الإحصاء الأسري وكان العمل معنا بصفتنا الجهة المتخصصة في إجراء البحوث والدراسات وهذا التكاتف أنتج الاستراتيجية الوطنية للخصوبة مثلاً التي كانت نتاج عمل جهات متكاملة إلى جانب الاستئناس بجهات أخرى محلية مثل وزارة العمل وخارجية لتحقيق الفائدة والخروج بسياسات تمر على وزارات مثل العدل الذين يعرفون مسبقاً ما طرح من دراسات بحثية حول موضوع ما.
وميزة مجلس الشورى أنهم باستمرار يسعون إلى دراسة تلك الموضوعات من خلال الالتقاء بخبرات المعهد مثل الدراسات التي أجراها المعهد على الطلاق وقد طلبها مجلس الشورى للاطلاع عليها ودراستها ومن خلال تلك الدراسات خرجنا ببرامج المقبلين على الزواج والتوصيات التي أصدرها المجلس للخروج ببرامج المقبلين على الزواج.
وإنني مع زملائي الخبراء محظوظون لأن الدولة ووزارات الدولة ومؤسساتها يقفون معنا ويساندون دراساتنا.
• المعلومات الرقمية
◄ ما مدى توافر المعلومات الرقمية والإحصائية من الجهات.. هل هناك إمداد أو تدفق للمعلومات؟
نعم عند عمل دراسات أسرية فإننا نلجأ للوزارات والإحصاء والجهات المختلفة للحصول على أرقام إحصائية لمساندة تلك الدراسات، ونحن نطلب من المجتمع عند عمل استبيان أو الإعداد له المشاركة أو التفاعل معنا، فإننا نواجه بتأخر في إنجازه أو تباطؤ في الإجابة عنه أو عدم المشاركة، علماً بأن الأفراد جزء من تلك السياسات، وكثيرون يترددون ويعزفون عن التعاون مع تلك الاستبيانات وأن البحوث اليوم تعبر عن آراء وأفراد لذلك نحتاج إلى مشاركين في السياسات المجتمعية وهذا ما نعاني منه، أي الحاجة لأفراد يعملون معنا في إنجاز الاستبيانات البحثية والسياسات.
• تقليص ساعات العمل
◄ تقليص ساعات العمل للمرأة.. كيف يمكن أن تكون ضمن الأولويات خلال المرحلة المقبلة حتى يتم العمل بها؟
لقد قمنا بعمل دراسة عن التوازن بين العمل والأسرة وكانت المشكلات ليست الطلاق فقط إنما التي تتعلق بالخلافات الزوجية ومشكلات التربية الوالدية وزيادة عدد الخدم في المنازل ونسبة الإنجاب قليلة وكلها ترتبط ببعضها بسبب التزامات الطرفين في أعمالهما.
والحل أن يكون هناك سياسات تدعم المرأة والرجل لتحقيق التوازن بين العمل والأسرة ففي 2019 كانت هناك مطالبات ودراسات بشأن هذا الموضوع وهي مطبقة في مؤسسة قطر حيث درسنا تلك الأوضاع والنتائج، فالمؤسسة تطبق كل السياسات الأسرية التي تدعم الرجل والمرأة وتحقق الإنتاجية.
ونحن ننادي بتقليل ساعات العمل في كل مؤسسات الدولة للمرأة وزيادة إجازة الأمومة بدلاً من 3 أشهر وزيادة عليها 3 أشهر أخرى حتى يكون لديها فرصة لتربية طفلها منذ الصغر، بالإضافة إلى إنشاء حضانات للأطفال في أماكن العمل لتتمكن المرأة الموظفة من إرضاع صغيرها، وهي ساعتان للرضاعة الطبيعية التي تأخذ من المرأة وقتاً عند الخروج من الدوام ثم الرجوع إليه مرة أخرى فهي لا تكفي لحاجة الطفل لذلك نطالب بزيادتها.
وأشير هنا إلى نماذج موجودة بالفعل حققت نتائج مثمرة منها حضانة أطفال في مؤسسة قطر وحضانة أخرى في جامعة قطر، وحققتا نتائج جيدة جداً زادت من إنتاجية المرأة في عملها إلى جانب الاهتمام بطفلها.
ونحن للأسف منذ فترة طويلة نطالب بحضانات للأمهات الموظفات في أماكن العمل التي توفر لها أجواء مريحة وآمنة للأطفال الرضع وما المانع أن تكون لدينا حضانات في كل الوزارات للتقليل من مشكلات الأطفال؟، وأيضاً لمن كان لديها كبير سن ترعاه، فهي بحاجة أيضاً لوقت لتقوم بواجبها نحوه، فكلما ركزنا على نفسية الموظفة حققنا إنتاجية أكبر وما المانع أن تكون هناك إجازة أبوة في مرحلة الولادة وهذا مطبق بالفعل في مؤسسة قطر وحقق فوائد جمة.
وأؤكد أنه إذا كانت لدينا سياسات أسرية تدعم نشر ثقافة الاهتمام بالاستقرار الأسري والعمل في الأسرة فهو يساند عملها في الوظيفة.
• الأسرة الممتدة
كما أثبتت الأسرة الممتدة وفق الدراسات التي تؤكد دورها في زيادة التماسك الأسري والترابط الوثيق بين الأفراد في البيت الواحد.
• وظيفة ربة البيت
ونرى أن ربة المنزل هي وظيفة أيضاً لأنها تقوم برعاية طفل أو أطفال سيخدمون المجتمع مستقبلاً وهذا سيقلل من تأثيرات الخارج عليها وعلى أسرتها فقد عملنا دراسة نفذناها حول العائد عند تحقيق التوازن بين العمل والأسرة والتي أثبتت نتائج مبدئية وبينت أن السياسات التي تدعم التوازن بين العمل والأسرة قللت من التكلفة على الدولة كثيراً.
• الطلاق ومشكلاته الاجتماعية
◄ هناك أبرز القضايا التي كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة ارتفاع ظاهرة الطلاق في المجتمع.. ما دور المعهد وكيف تنظرون لهذه النسب المرتفعة؟
بما أننا في معهد الدوحة الدولي للأسرة بمستوى محلي وإقليمي، فإن ارتفاع نسب الطلاق ظاهرة عالمية ومنها دول الخليج توجد فيها نسب مرتفعة أيضاً، وقد لاحظنا أن نسبة 22% من حالات الطلاق قبل الدخول في فترة عقد القران (الملكة)، والذي يحسب من نسب الطلاق وأن الخطورة التي لاحظناها أن 46% من الحالات وقع الطلاق فيها قبل إكمال سنة من الزواج وعندما بحثنا في ذلك وفق إحصائية 2019 و2020 أن هذه الحالات ليست لديهم أطفال والمشكلة أن المطلقين بنسبة 66% في هذه الفترة، وهناك نسب طلاق لما بعد العام الأول من الزواج وبعد إجراء دراسات مع جامعة قطر، وكانت العينة من طلاب وطالبات الجامعة ذكرت الأغلبية في حديثها عن أسباب الطلاق عدم التوافق وعدم الانسجام بين شخصية كل من طرفي العلاقة، والاختيار غير الجيد، ودراسة أخرى كشفت عدم التوافق وعدم الاختيار الجيد للشريك وعدم وضوح المفهوم من العلاقة الزوجية في السنة الأولى من الزواج وكيفية التعامل بين الطرفين.
كما أن الأسرة اليوم لم تعد تركز على تثقيف الأبناء بمفاهيم الحياة الزوجية كما كان في السابق بسبب طبيعة العصر وسرعته وهذا يتطلب من الأسر والمؤسسات الأسرية والمراكز المعنية بالشباب توعية الأبناء في كيفية تكوين أسرة ووضع منهج عمل أيضاً للحياة الزوجية، لأن دورها هو النهوض بالمجتمع، وأنهم سيكونون في الغد نواة لأسر تخدم مجتمعهم.
وفي المعهد لدينا دراسات سابقة من مراكز استشارية وأسرية أن نسب الطلاق كانت قليلة جداً لدى الشباب ممن تلقوا دورات للمقبلين على الزواج.
ومن هنا فإننا نسعى لعمل منهج للثقافة الأسرية وسيتم تدريسه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ويبدأ من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث الثانوي. وبدأنا في تدريس هذا المنهج على المرحلة الثانوية كفترة تجريبية أولى في الفصل الدراسي الماضي وهذا بالطبع بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي وجاء بنتائج جيدة بعد تقييمه من قبل المشرفين عليه.
• التواصل مع الجهات المختلفة
◄ هل التواصل مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي أثمر في هذا الجانب؟
بكل تأكيد، لدينا تواصل كبير جداً مع الوزارة وأيضاً وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والوزارات المعنية مثل الأوقاف والصحة وغيرها، وكذلك جامعة قطر، فالثقافة الأسرية لابد أن تكون بأيدي خبراء وأخصائيين قطريين لديهم معرفة واضحة عن طبيعة الأسرة القطرية وخصوصياتها.
أما الدراسة التي أجراها المعهد على المجتمع العربي فقد توصلت إلى نتيجة مهمة وهي ضرورة وجود برامج للمقبلين على الزواج، وتم في تلك الدراسة تقسيم كل إقليم على حدة مثل المغرب العربي والمشرق ودول الخليج العربي بهدف الخروج ببرامج تتناسب مع ثقافة المجتمعات.
وأنوه هنا أننا قدمنا هذا المشروع لوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة ونأمل أن يرى النور قريباً.
• حلول للطلاق
◄ الحلول المطروحة لظاهرة ارتفاع نسبة الطلاق.. إلى أي مدى عالجت هذه المشكلة؟ أم مجرد أطروحات وحلول نظرية لم تلامس حتى اليوم لب القضية الأساسية؟
هناك نقطة مهمة جداً أود التركيز عليها، إن نتاج عملي كباحثة سابقاً في مركز الاستشارات العائلية من 2004 فإن الزيادة الملحوظة كانت في نسب الطلاق تدريجية والأسباب أيضاً حدثت بشكل تدريجي ومن ثمّ فالحلول لن تكون اليوم فهذا يستغرق وقتاً لتظهر تلك الحلول في الأجيال القادمة.
وعند عمل منهج التربية الأسرية في المراحل التعليمية مثلاً فإن نتائجها لن تظهر اليوم إنما على المدى البعيد، ولن يكون حل مشكلة ارتفاع نسب الطلاق بعصا سحرية فلابد من التخطيط لحل تلك المشكلة.
فمثلاً التوعية ضرورية حول اختلاف طبيعة الزوجة خلال فترة الحمل والولادة يؤثر على الزوج، وهنا لابد أن يعرف الزوج ثقافة الحمل والإنجاب عند المرأة وتقلب حالتها المزاجية والنفسية وهذا ما نسعى لعمله وهو إعطاء دورات تثقيفية لتوعية المقبلين على الزواج بضرورة الاستعداد لتلك المرحلة قبل أن تبدأ، وكذلك طبيعة الزوج عندما يكون متعسراً أو يواجه ظروفاً مادية مقلقة فلابد أن تستوعب الزوجة طريقة التعامل معه.
• الكلفة المادية للأعراس
◄ نبدأ بالحديث عن مشكلة ارتفاع نسب الطلاق من موضوع الكلفة المادية غير المنطقية لتكاليف العرس والزواج، وهذا سبب الكثير من حالات الطلاق بسبب القضايا المالية؟
هذه نقطة مهمة جداً، فعند النقاش مع الشباب المقبلين على الزواج عن أسباب تلك التكاليف الباهظة تكون الإجابة أن هذه طلبات أسرهم من العرس الكبير والهدايا الفخمة فهي طلبات أسرة الطرفين، لذلك يتطلب توعية للأسر التي ترهق كاهل أبنائها بديون وقروض من أجل إقامة حفلات زواج وهدايا ومجوهرات تكون لائقة اجتماعياً أمام الآخرين.
وقد قمنا في المعهد بإجراء دراسة خلال فترة الكورونا والذين تزوجوا كثيراً خلال هذه الفترة والتي شهدت حفلات بسيطة وتكاليف أقل بسبب إجراءات الكورونا التي كانت وقتها.
كما أن الدولة وفرت للمقبلين على الزواج قاعات كبيرة والتي تقام فيها أعراس الرجال أما أفراح النساء فهي تقام في الفنادق وهي بالتالي زيادة تكاليف باهظة على الطرفين وتسبب الكثير من المشكلات، ولها دور أيضاً في ارتفاع نسب الطلاق.
وأرى أن الديون والمشكلات تتسبب في الكثير من حالات الطلاق.. ولكن هناك مشكلة أكبر من ذلك نغفل عنها وهي عزوف الشباب عن الزواج.
• استقلالية مالية للزوجة
◄ استقلالية الزوجة مالياً وقدرتها على إدارة حياتها من الجانب الاقتصادي.. فهذا قد يتسبب في اتخاذ قرار الطلاق عند أول مطب في الحياة الزوجية.. هل هذا قائم في إشكالية الزواج؟
إن الدراسات الاجتماعية اليوم لم تثبت أن استقلالية الزوجة مالياً هو سبب من أسباب الطلاق، وعلينا أن نقارن مع سنوات سبقت كانت المرأة تتخرج من الجامعة ثم تتزوج ويبدؤون حياتهم بإنجاب أطفال يبنون المجتمع ولم يكن السبب المادي موجوداً انطلاقاً من الوضع الاجتماعي الجيد للطرفين.
فاليوم الأسرة تمنح أبناءها وبناتها كل الإمكانيات المريحة في البيوت فلماذا يتزوجون، لأن الحياة المريحة متوافرة للفتاة والشاب في محيطهم الأسري وبالتالي فإن أرباب الأسر لم يعلموا أبناءهم ثقافة الحياة الزوجية.
وحتى لا نلقي اللوم على الأسرة إنما عندما يتزوج الشاب والفتاة فإن الحياة تسير كما كانت في السابق فكل منهما له حياته الخاصة مع أصدقائه أو الفتاة مع صديقاتها، أو يسافر كل طرف مع معارفه فقط. وهذا يشير إلى غياب مفهوم الارتباط الزوجي والثقافة الأسرية ومن هنا لابد من أن تكون هناك تربية تركز على قيمة الحياة الزوجية والأسرة وهي مسؤولية أيضاً الآباء والأمهات وكذلك المناهج المدرسية التي كانت تعلم الفتيات التدبير المنزلي من طبخ وخياطة والاقتصاد الأسري، والشباب تعلهمهم أصول الثقافة الأسرية. ولم تعد موجودة.
وأنصح المقبلين على الزواج بضرورة أن يقدم كل منهما تضحياته للآخر. وهذه دلالة رحمة ومودة وعلاقة وثيقة تعزز عرى الارتباط الأسري، وأيضاً الحوار الأسري ضروري جداً لأن كثيرين يشتكون من غياب الحوار بين الأزواج الذي يعبر عن الود والعاطفة والرحمة بينهما.
• راتب شهري لربة البيت
◄ ما تصوركم أن تجلس المرأة في البيت تراعي أطفالها مقابل راتب شهري؟
أتمنى ذلك. لأن الأم تربي أطفالها فالأسرة هي الأساس وهذه وظيفة أسرية سامية ونبيلة تتطلب راتبا شهريا يوفر للمرأة الأم وربة المنزل التي تفي باحتياجاتها لتربية أبنائها، ومدى تأثيرها النفسي والاجتماعي والتربوي على الأبناء على أن تكون مقننة ووفق شروط وضوابط يتم قياسها بشكل دقيق.
• التكامل بين الأدوار
◄ التكامل في الأدوار بين كل الجهات المعنية.. إلى أي مدى يتحقق سواء في دراسة مشكلة الطلاق أو في حل مشكلة العزوف بين الشباب عن الزواج؟
الجهات المعنية والتربوية والمجتمعية والجامعية تعكف باستمرار على دراسة تلك المشكلات ونحن في المعهد نقوم بعمل دراسات بحثية مستمرة وهناك تواصل وتعاون وثيق بين تلك الجهات.
كما أن كل الجهات بالدولة وكذلك مجلس الشورى الموقر تطلب التعاون والتكامل مع المعهد لإعداد دراسات تخص الأسرة ليكون لهم دور في هذه المشكلة. وإنني آمل من وسائل الإعلام تسليط الضوء على هذه المشكلات وكيفية إيجاد حلول لها، وأيضاً المساهمة في توعية أسرية.
• إعادة نظر
◄ في قانون الأسرة.. إلى أي مدى عالج هذه الظواهر السلبية وهل نحن بحاجة إلى إعادة نظر في مواده؟
قانون الأسرة اهتم بالأسرة فعلياً ولكنه يحتاج إلى إعادة النظر فيه وهناك مطالبات سابقة من مجلس الشورى ونحن أيضاً كخبراء أسرة متخصصين نأمل إعادة النظر بقانون الأسرة بما يتوافق مع تطور الحياة العصرية.
• معاهدات دولية
◄ ما حقيقة أن هناك قوانين وإجراءات ناتجة عن معاهدات دولية يسعون لتطبيقها على مجتمعنا الذي لا توجد فيه تلك المشكلات التي يعاني منها العالم؟
أنوه هنا أنه عند مناقشة القوانين مع مؤسسات المجتمع المدني وهذا موجود لدينا وفي كل دول المنطقة توجد قوانين دولية لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا وبالتالي يتحفظ المجتمع القطري على اتفاقيات ومعاهدات معينة لأنها تمس العادات والتقاليد والقيم المجتمعية وهذا ليس كلاماً إنما وفق دراسات ناتجة عن لجان تضم ممثلين عن وزارات الدولة.
• عزوف الشباب
◄ عزوف الشباب عن الزواج.. هي ظاهرة استجدت على مجتمعنا.. هل بالفعل تحولت إلى ظاهرة؟
في رأيي مشكلة العزوف عن الزواج أخطر بكثير من مشكلة الطلاق لأن الدراسات الميدانية والإحصائية بينت أن حالات الطلاق التي وقعت في السنة الأولى من الزواج أو بعد عقد القران تعود للزواج مرة أخرى وهذه نقطة إيجابية جداً، لأنهم يبدؤون حياة زوجية جديدة وهذا أمر إيجابي بكل تأكيد.
ولكن الخطورة تكمن في العزوف لأنه بالفعل لا توجد لدينا مشكلة عنوسة بين الفتيات إنما يوجد عزوف من الجنسين عن الزواج، فكل منهما يختار ألا يتزوج، وأسباب ذلك تعود إلى طبيعة العصر الذي نعيشه بكل ما فيه من كماليات ووسائل رفاهية.
نحن اليوم نحتاج إلى غرس الثقافة الأسرية والزوجية لدى الجنسين وهذا جرس إنذار ولابد أن تركز كل البرامج المجتمعية اليوم على أهمية الارتباط الزوجي.
• إحصائيات زوجية
◄ هل توجد نسب إحصائية يمكن الاستناد إليها؟
الإحصائيات الزوجية وحالات الطلاق موجودة لدى الجهات المعنية بالإحصاء والتي تبين أن نسب الطلاق في ارتفاع مستمر.
• تعاون ضعيف
◄ تحدثت عن التعاون الضعيف من الأفراد مع الاستبيانات والأبحاث الأسرية.. كيف يمكن تغيير هذه الثقافة الفردية إلى التوجه لإحداث تغيير إيجابي؟
نحن جميعاً نسعى لإحداث سياسات أسرية جديدة منها تثقيف المجتمع بضرورة إيجاد حلول أسرية وأنني كفرد لا يمكن عمل شيء لذلك نحن نحتاج إلى تعاون أفراد وأصوات أكثر للخروج بتوصيات يحتاجها المجتمع المحلي.
ولابد أن المجتمع يعمل إلى جانبنا من خلال دراسات واستبيانات وأبحاث أسرية ومجتمعية هادفة.
وبالتأكيد فإن وسائل الإعلام يقع عليها دور مؤثر في إحداث تغير فعلي.
• إستراتيجية المعهد
◄ ما إستراتيجية المعهد للعام المقبل 2026 خاصة في القضايا الملحة؟
استراتيجية المعهد لا تختلف عن الاستراتيجية الوطنية إنما تركز على الأسرة بشكل أساسي وسيتم خلال السنوات الخمس المقبلة تجديد تلك الاستراتيجية التي تتماشى مع استراتيجية مؤسسة قطر تجاه الأسرة والذي يعتبر من أولوياتها وتركز عليها بشكل كبير جداً وأيضاً استراتيجية التنمية الوطنية التي سيكون للمعهد دور فيها بإذن الله.
واليوم مع قرب رؤية قطر 2030 فإن المعهد يركز على موضوعات الزواج والطلاق وعزوف الشباب عن الزواج والخصوبة والسلوكيات بين الشباب ودور المعهد في هذه الجوانب سيكون مغذياً لتلك الدراسات بالمعلومات والإحصائيات التي تحقق النجاح.
أما عن طريقة عمل المعهد نقوم بعمل دراسات مجتمعية ينتج عنها توصيات والتي تؤسس لسياسات تقدم لصناع القرار وللجهات المختلفة للأخذ بها ودراستها من قبل الجهات المختلفة.
فمثلاً دراسة تنشئة الأطفال ودراسة عن الإدمان الإلكتروني ودراسة عن تأثر الأسر بالإنترنت وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على التماسك الأسري وسياسات التوعية المختلفة والبرامج الموجهة للأسر.
• أولويات المعهد
◄ ما أولوية معهد الدوحة الدولي للأسرة اليوم؟
أولوياتنا اليوم التركيز على كيفية عمل تلك الدراسات وتنفيذها خلال العامين المقبلين.
وأشير هنا إلى نقطة مهمة جداً وهي ما يطلقه المجتمع الدولي علينا وهو أننا مناصرون للأسرة ونقوم بتحفيز الجهات للنهوض بالأسرة وأن التماسك الأسري يساهم في تماسك الدولة ويدفعها للنمو.
• رسالة أخيرة
◄ ما رسالتك الأخيرة للأسرة؟
أركز على أهمية الحوار الأسري بين الآباء والأمهات والأبناء للنهوض بالاستقرار الأسري الذي سيؤدي إلى تعزيز دورها.