الانسان عدو ما يجهل.. حقيقة نعيشها في حياتنا اليومية، وتعاملاتنا البينية بين الافراد، او مع الجهات الاخرى ان كانت مؤسسات او وزارات او ما إلى ذلك.
ففي كثير من الاحيان يقف الانسان اما رافضا او معترضا او مستاء.. على اشياء عديدة، لكن سرعان ما يتبدد هذا الرفض اذا ما اتضحت له الامور بصورة جلية، بل غالبا ما يصبح داعما لما كان يرفضه أو يعترض عليه بالأمس.
اقول ذلك لما اشاهده واتابعه من استياء من قبل شريحة لا يستهان بها في المجتمع على قضايا ومشاريع متعددة، واعتقد ان السبب الرئيسي في هذا الاستياء يعود بالدرجة الاولى لضبابية المعلومات المتوافرة للرأي العام عن هذه المشاريع، ان لم تكن غياب المعلومات بالكامل، وهو ما يجعل الناس تتذمر حيال تلك المشاريع التي في كثير من الاحيان يعلن عنها مع بدء التنفيذ فيها، وهو ما يخلق نوعا من البلبلة.
اضرب لكم امثلة على ذلك لتقريب الصورة.. حاليا هناك الكثير من المشاريع التي تنفذ على ارض الواقع، والغالبية العظمى من الرأي العام لا يعرف تفاصيل عن هذه المشاريع، سواء فيما ستحققه من ايجابيات وتطور في المجتمع، او المواعيد الخاصة بالانجاز والمراحل التي سيمر بها.. وانتهاء بمراحل التسليم…
قد يقول البعض من المسؤولين وما علاقة الرأي العام باطلاعهم على هذه الخطط والمشاريع، والمواعيد والبرامج الخاصة بالجهات التي يتولونها..؟.
سؤال منطقي، لكن أليس هذا الجمهور وهذا المجتمع ومن فيه هو الشريك وهو الذي تنفذ من اجله هذه المشاريع؟ أليس من الاولى اشراكه في القرارات والمشاريع والبرامج.. التي تعتزم هذه الجهات تنفيذها في خطط واستراتيجياتها المستقبلية..؟ أليس من الاولى بدلا من جعل الرأي العام مجرد متفرج، ومستاء في كثير من الاحيان من هذه المشاريع لعدم معرفته الكاملة بها، ان يكون شريكا وداعما لتلك الجهات..؟
على سبيل المثال مشاريع اشغال واغلاقات الطرق وتنفيذ مشاريع البنية التحتية الخاصة بهذه الجهة، في كثير من الاحيان يصحو الرأي العام على شوارع مغلقة، وفي احسن الاحوال يتم الاعلان عن الاغلاق في اسطر عدة قبل البدء بالعمل بها بيوم او يومين، دون ان يخرج مسؤول من اشغال ويتحدث للرأي العام بوقت كاف عن هذه المشاريع، والاسباب التي تدعو للاغلاق، وما هي الصورة النهائية التي ستكون عليها، ومواعيد الانتهاء منها..، بدلا من جعل الجمهور ينتقد اشغال، علما بانها تقوم بأعمال جبارة، ومشاريع كبيرة، لكن غياب الصورة الكاملة امام الرأي العام يخلق هذه الضبابية.
منذ عدة اسابيع، والمواطنون والمقيمون ينتقدون ادارة مطار الدوحة في اغلاق المواقف الخاصة بقاعة الوصول، والعمل بها في هذا التوقيت بالتحديد، وما الذي يدفع بهذا الامر..، ولم نسمع تصريحا وافيا عن الاسباب التي تدفع لذلك، إلا بالامس عندما ارسل بيان صحفي من القائمين على المطار يشير الى ان الاغلاق هو من اجل انشاء محطة مترو ضمن مشروع ” الريل “، اين كنتم من بداية الامر لماذا لم يسمع الرأي العام مثل هذه الشفافية..؟ ولماذا لم يخرج علينا مسؤول ليقول هذه الحقيقة؟ فالغالبية كانت تتحدث عن الاسباب التي تدعو لانشاء مواقف امام صالة القادمين وهي التي يفترض انها ستزال مع بدء العمل بالمطار الجديد، أي ان هناك موازنة قد خصصت لانشاء هذا المشروع ” المؤقت “، في وقت هناك مشاريع اخرى اولى بها.
وطالما الحديث عن ” الريل “، هذا المشروع الجبار، الى الآن اعتقد ان الغالبية من الجمهور لا تعرف الكثير عن هذا المشروع سوى انه يفترض انجازه في 2019، لكن مراحل التنفيذ واماكن المحطات والمسارات التي سيتخذها.. وغيرها من الامور الى الآن غامضة، وهو ما يدفع الناس للتساؤل عن امكانية الالتزام بالمواعيد المحددة لهذا المشروع.
مشاريع مؤسسة قطر والمدينة التعليمية.. هذا المشروع العلمي والتعليمي والبحثي العظيم، لا يعرف المجتمع عنه الكثير، بل ان هذا التوسع بحاجة الى تثقيف وتوعية الرأي العام، وهو ما لا يحدث بصورة متكاملة وواضحة.
التعليم.. لماذا كل هذا الاستياء من المشاريع الخاصة بهذا القطاع.. لان هناك فجوة بين المجتمع وبين المجلس الاعلى للتعليم او وزارة التعليم، وليس هناك اشراك حقيقي للمواطنين واطلاعهم على الخطط المستقبلية، سواء كانت بنى تحتية او خططا وبرامج مختلفة.
والامر نفسه مع القطاع الصحي، الذي هو الآخر بحاجة الى مزيد من التواصل الحقيقي قبل تنفيذ المشاريع، وليس عندما تبدأ او عندما يحدث فيها التأخير في التسليم، وهو ما ينطبق على عشرات المشاريع في الدولة المتأخر انجازه حسب المواعيد المحددة التي سبق الاعلان عنها، ثم حدث فيها تراجع اكثر من مرة.
واعتقد ان احد الاسباب الرئيسية التي تجعل البعض من المسؤولين يتحفظون على ذكر تفاصيل المشاريع قبل البدء فيها، واطلاع الرأي العام عليها، هو ما يتعلق بمواعيد البدء في هذه المشاريع ومراحل سير المشروع، وانتهاء بتواريخ الانتهاء منها، حيث يحدث التأخير في كثير منها من البداية حتى النهاية، وهذه احدى اشكاليات هذه المشاريع، وما يحيط بها من غموض.
اجزم بانه لو كانت هناك صورة واضحة لما سيترتب على هذه المشاريع التي تنفذها الدولة اليوم بكافة اجهزتها من قفزة نوعية في المرافق والمنشآت والخدمات المقدمة والبنى التحتية.. لما قرأنا وسمعنا كل هذا الاستياء، ولانخفض الاحتقان لدى الجمهور الى درجات متدنية جدا، ولرأينا تفاعلا جماهيريا وتأييدا كاسحا لتنفيذ هذه المشاريع، ولربما سمعنا عن افكار خلاقة من قبل الرأي العام..، ولكان هناك حديث بايجابية عن انجاز هذه المشاريع، وانها ستحدث نقلة نوعية في قطر المستقبل.
نريد من المسؤولين الانفتاح اكثر على المجتمع وعلى الرأي العام، واشراكه في الخطط والمشاريع المستقبلية والاستراتيجيات التي توضع..، لانه في نهاية الامر هذه المشاريع من اجل هذا المواطن ومن اجل مزيد من التطور لهذا المجتمع، وبالتالي لا معنى لـ ” سرية ” تنفيذ المشاريع.
الرأي العام فقط يريد ان يعرف هذه المشاريع قبل تنفيذها، وتطرح بصورة متكاملة، بعيدا عن نشر معلومات بـ ” القطارة ” كما يقولون، لأنه كلما كانت هناك رؤية واضحة لما نحن مقدمون عليه، كلما كان هناك تفاعل ايجابي، وتقبل لما يترتب على تنفيذ هذه المشاريع في كثير من الاحيان من اعباء متعددة.
طالما غابت المعلومة امام الرأي العام، سيظل الاستياء من تنفيذ المشاريع خاصة تلك التي لها ارتباط واحتكاك يومي مباشر بحياة الناس، لذلك من المهم على المسؤولين العمل على تدفق المعلومات وبكل شفافية للرأي العام.
.. ولنــا كلمة