مقالات

الأمن الغذائي لا يتحقق دون دعم المواطنين أصحاب المزارع

لا نريد أن نصحو على أزمات وخطواتنا تكون ردة فعل

 

لا نشك أبدا في الجهود الكبيرة التي يبذلها برنامج قطر الوطني للامن الغذائي، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختلفة بالدولة، والحرص على إيجاد البدائل في حال ما اذا تعرضت أي سلع لوقف تصدير من مصدرها، ولكن هل ننتظر لحين حدوث منع لسلع معينة من بلد المنشأ ومن ثم يتم التحرك أو البحث عن البدائل؟

اعتقد من الواجب قبل كل شيء تعزيز دور المنتج المحلي في كل القطاعات، والسعي الجاد لدعم المنتجين، سواء في القطاع الزراعي أو الثروة السمكية أو الثروة الحيوانية أو القطاعات الصناعية المختلفة، بحيث ندفع اصحاب هذه المشاريع والقائمين عليها نحو التوسع والتطور، بدلا من الانسحاب من الساحة، وهو ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية، في انسحاب العديد من القطريين من الاستثمار في المزارع أو الثروة الحيوانية أو صيد الاسماك، بعدما تكبدوا خسائر كبيرة، جراء غياب الدعم المقدم لهم، وهو ما ضاعف الاعتماد على الخارج، وبالتالي حدوث إرباك عند تعرض أي سلعة قادمة من الخارج للتوقف من التصدير في بلد المنشأ أو المصدر.

نعرف جيدا أن لبرنامج الأمن الغذائي جهوداً في فتح اسواق مختلفة، والاستثمار في عدد من الدول في مجالات الزراعة، وهو أمر يحسب لهذا البرنامج والقائمين عليه، لكن هذا ليس كافيا، فتعرض وصول الشحنات من الدول التي يتم الاستثمار فيها لتوقف تحت أي ظرف يمكن أن يحدث، وبالتالي لابد من البحث عن البدائل، وافضل البدائل ان يكون لنا في وطننا مساحات من الزراعة أو الثروات الاخرى، مع تشجيع المواطنين للاستثمار في ذلك، ودعمهم بكل الإمكانات المادية واللوجستية.

لابد من العمل في مسارين متساويين معا، الاستثمار الخارجي في الأمن الغذائي، جنبا الى جنب مع الاستثمار الداخلي، والعمل على تعزيز قدرات أصحاب المزارع، الزراعية منها والحيوانية والسمكية..، وتشجيعهم وتطوير إماكاناتهم بما يدفع نحو خلق منافسة بينهم.

قبل ايام كان حديث المجتمع عن توقف المملكة العربية السعودية الشقيقة عن تصدير أنواع من الخضراوات، وبالأمس كان الحديث عن توقف وصول الدجاج من السعودية، وفي كلتا الحالتين كان التخوف كبيراً من ارتفاع الأسعار، وهو ما حدث بالفعل بنسب متفاوتة لبعض الخضراوات.

لا نريد الانتظار لحين حدوث “أزمة” ومن ثم التحرك كردة فعل لتلك الازمة، إنما علينا أن نقود زمام المبادرة قبل حدوث أي إشكالية، أو التعرض لتوقف تصدير دول لمنتجاتها إلينا، فلا نستغرب أن نسمع بعد ايام عن توقف تصدير بعض الدول للاسماك الى قطر، فماذا ستكون ردة الفعل؟

اليوم المواطنون الذين مازالوا حريصين على البقاء في العمل بالزراعة أو لديهم “بقايا” مزارع، أو الذين في صيد الأسماك، ويكافحون للبقاء بها، يعانون من قلة الدعم، ويتساءلون عن تجاهل الدولة من الالتفات اليهم، والاستماع إلى متطلباتهم، وقبل ذلك مشاكلهم، والسعي لعلاجها، وتوفير الحلول المنطقية والجذرية لها، بدلا من حلول “ترقيعية” لا تسمن ولا تغني من جوع.

هؤلاء المواطنون بحاجة الى دعم فعلي، ووقفة حكومية جادة معهم، والالتفات الى قضاياهم ومشاكلهم واحتياجاتهم، قبل أن نصحو يوما ولا نرى أثرا لأي مواطن يعمل في القطاع الزراعي أو السمكي أو تربية الدواجن..

لا نريد الاعتماد فقط على جهودنا ومساعينا الخارجية، والاستثمارات التي يقوم بها برنامج الامن الغذائي في الخارج، وهي جهود مقدرة بالتأكيد، وعمل مطلوب، لكن في نفس الوقت لا ينبغي نسيان الداخل على حساب الخارج.

قد تكون الأحداث الأخيرة قضايا بسيطة، لكنها يجب أن تمثل بالنسبة لنا جرس انذار، وان نأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات المستقبلية، بحيث يكون لدينا البديل، خاصة في الامن الغذائي، الذي لا مزاح فيه، وهناك صراع عالمي اليوم على ذلك.

على سبيل المثال فإن عدد مزارع الدواجن لا يتجاوز 3 مزارع حسب معلوماتي، اثنتان ملكية خاصة، والاخرى تابعة للدولة، وهذا الرقم قليل جدا مع احتياجات المجتمع الآخذة بالتزايد.

من المهم جدا أن تكون هناك خطط واضحة، واستراتيجية تعتمد، بحيث يدرج من خلالها على سبيل المثال انه خلال السنوات الخمس المقبلة يكون لدينا 4 مزارع دواجن، إضافة لما هو موجود، وزيادة إنتاج الفواكه والخضراوات إلى سقف معين…، وهكذا بالنسبة للقطاعات الأخرى، وهذه الخطط يتم الالتزام بها، والتقيد بالعمل على انجاز المشاريع الخاصة بها.

نريد أن نصل الى اكتفاء ذاتي من المواد الغذائية، بل يكون لدينا طموح بالتصدير الى الخارج، سواء دول الجوار أو ما هو أبعد من ذلك، لماذا لا، فقطر لديها الامكانات التي تمكنها من تنفيذ مشاريع تنموية عملاقة في الداخل كما هو الحال في الخارج، تحقق استراتيجية الامن الغذائي، وفي الوقت نفسه تدفع بالدولة لتصدير الفائض للخارج.

العالم اليوم يبحث عن أمنه الغذائي اكثر من بحثه عن أمنه العسكري، وحديث المنظمات العالمية في كثير من مؤتمراتها عما قد يواجه العالم من نقص غذاء إذا لم يتم البحث عن موارد جديدة، وهو ما يدفع بنا لوضع استراتيجية نتلافى من خلالها ما قد يتعرض له العالم من ازمات غذائية في المستقبل، ويكون لدينا كل البدائل لتجاوز هذه الأزمات.

مسار الداخل في قضية الأمن الغذائي لا يجب جعله في المرتبة الثانية في الأولويات، بل جنبا إلى جنب مع جهود الدولة في الاستثمار الخارجي المتعلق ببرنامج الأمن الغذائي، الذي توليه الدولة اهتماماً خاصاً.

مسار الداخل لا ينفك أيضا من تقديم كل الدعم، وتوفير كل الإمكانات للمواطنين الذين يستثمرون في القطاعات الزراعية أو الثروات الحيوانية والسمكية.. والقطاعات الصناعية الأخرى، للنهوض بهذه القطاعات من جديد، مع السعي لاعتماد مشاريع أخرى جديدة تعزز من جاهزية الدولة للتعامل مع أي أزمة غذائية مستقبلية قد تتعرض لها.

◄ آخر كلمة

فاتورة المواد الغذائية لدول مجلس التعاون الخليجي تكلف 72 مليار دولار سنوياً .. أليس من الواجب البحث عن بدائل لهذا الاعتماد على الخارج؟

 

خلال الأيام القليلة الماضية ارتبك المجتمع لمجرد الحديث عن توقف وصول بعض أنواع الفواكه والخضراوات والدجاج من إحدى دول الجوار، وتخوف الكثيرون من ارتفاع الأسعار في هذه السلع التي توقف وصولها، وهو ما يطرح سؤالا عن مدى جاهزية الجهات المعنية سواء برنامج الامن الغذائي أو الجهات الاقتصادية الأخرى، للتصدي لمثل هذه المواقف في حال حصولها، دون تعرض المجتمع لهزة، أو استغلال البعض من التجار في رفع الأسعار.

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x