مقالات

الأمير في الأمم المتحدة 2-5 لا نقبل أن تعتبر أي مجموعة ذات خلفية إسلامية أنها إرهابية

في رؤية واضحة وتوصيف بالغ الدقة .. الأمير:

{في بعض البلدان تعتبر أي مجموعة ذات خلفية إسلامية مجموعة إرهابية، ونحن لا نقبل بذلك، كل ذلك مرده لأسباب سياسية .. أعتقد أن بعض البلدان ترتكب خطأ كبيرا إذا ما اعتبرت أي حركة إسلامية تختلف معها في العقيدة حركة متطرفة، والمتطرفون والمجموعات المتطرفة معروفون جيدا}..

بهذه الرؤية الواضحة، وهذا الطرح المستنير، وهذا الحديث البالغ الدقة في التوصيف، تحدث سمو الأمير المفدى خلال لقائه مع قناة “سي إن إن” عن بعض المغالطات والمفاهيم الخاطئة التي يحاول البعض تعميمها على الحركات والتنظيمات الإسلامية بصورة عامة، ووصمها بأنها “إرهابية” دون التمييز فيما بين من هو معتنق لفكر إرهابي بالفعل، وبين من يتم وصمهم بالإرهاب لمجرد الاختلاف الفكري أو الأيديولوجي معهم، وهو ما يحدث في العديد من البلدان، خاصة تلك التي تصادر الرأي الآخر، وتعتبر كل من يبدي رأيا مخالفا لرأيها متطرفا أو إرهابيا، وهو ما عانته العديد من المجتمعات في عالمنا العربي .

التشخيص الذي قدمه سمو الأمير في لقائه مع ” سي إن إن ” أو في الكلمتين اللتين ألقاهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، كانت شديدة الوضوح في تعريف الإرهاب، وكيف يمكن التعامل مع التنظيمات التي ظهرت، وكيف ظهرت، والظروف التي دفعت البعض للانخراط فيها، والمعالجات الحقيقية لمثل هذه الظواهر الخطيرة التي تهدد العالم أجمع بصورة عامة، وخاصة المجتمعات التي ظهرت بها فإنها أكثر اكتواء بنارها .

اليوم في الغرب يصفون كل الحركات ذات الخلفية الإسلامية بأنها إرهابية، وهو أمر في غاية الخطورة، وغير مقبول حقيقة، فهناك حركات تحرر وطني ذات توجه إسلامي، كما هو الحال مع حركة حماس، التي لم يصدر عنها إرهاب أبدا، وظلت تحصر معركتها مع العدو المحتل للأرض الفلسطينية، ولم يعرف عنها أنها صنعت لها عدوا آخر، بل إنها دخلت المعركة الانتخابية في 2006 في غزة بطلب أمريكي عندما تحدث الأمريكان مع سمو الأمير الوالد لحث حماس على المشاركة في الانتخابات التي جرت في فلسطين، وبالفعل شاركوا، وعندما فازوا بالانتخابات أدار العالم لهم ظهره وفي مقدمتهم أمريكا، التي انقلبت وشركاؤها الغربيون على الديمقراطية، التي طالما “صدعونا” بها، ثم وصموا حركة حماس بالإرهاب، كونها تمارس حقها في الدفاع عن وطنها المحتل .

وإذا ما كان القياس أن كل حركة تحرير وطني “إرهابية” فإن الفرنسيين أيضا كانوا إرهابيين عندما شكلوا مجموعات لتحرير وطنهم من الاحتلال الألماني.

وليس هذا فقط، ففي الشهر الماضي قام الرئيس الفرنسي هولاند بتكريم من حمل السلاح لمواجهة ألمانيا في الذكرى السبعين لتحرير باريس من قبضة ألمانيا النازية، فبمَ يمكن أن نسمي المقاومة الفرنسية؟، وهكذا بالنسبة للعديد من المقاومات الغربية في فترات تاريخية مختلفة عندما كانت مجتمعاتها محتلة، فلماذا يحللون لأنفسهم ما يحرمونه اليوم على المقاومة في فلسطين مثلا ؟!

لقد كان موقفا عظيما من سمو الأمير المفدى عندما حيا صمود المقاومة في غزة من على منبر الأمم المتحدة وأمام قادة العالم أجمع، وهو ما يحدث لأول مرة من قِبل زعيم عربي يتحدث بآمال وآلام أبناء أمته العربية والإسلامية، فدافع عن القضية الفلسطينية وما تتعرض له من ظلم بيّن، وعدوان دائم، وانتهاك للحرمات للمقدسات من قبل الدولة المحتلة، فكان مما قاله سمو الأمير: “إن غطرسة القوة لن تقهر مقاومة الشعب الفلسطيني، وإنني أحيي صمود مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة في مواجهة الاحتلال والإصرار على استعادة كافة حقوقه المشروعة، وأحتسب عند الله أرواح شهدائه”.

والأمر لا يقتصر على حركة حماس، التي تعد حركة مقاومة وتحرير وطني، فهناك تنظيمات وحركات في العالم الإسلامي قوبلت بالإقصاء والملاحقة لمجرد أنها تختلف فكريا أو لا تساير الأنظمة، فما كان من هذه الأنظمة إلا أن وصمتها بالإرهاب، وصادرت حقها في التعبير، وزج بقيادتها ومنتسبيها والمتعاطفين معها في السجون، فلا يعقل على سبيل المثال أن تكون حركة قد اكتسحت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والدستورية  قبل شهر ..، ثم تتحول بين يوم وليلة إلى حركة “إرهابية” كما هو الحال مع حركة الإخوان المسلمين، حيث تمارس سلطات الانقلاب في مصر إجراءات قمعية واستبدادية ضدهم، علما أنهم وصلوا إلى سُدة الحكم عبر الآليات المتفق عليها عالميا، وهي الانتخابات عبر الصناديق، فدخلوا المعركة وفازوا بها، وإذا بالعالم يقبل الانقلاب العسكري على خيار الشعب المصري، ثم تتهم الحركة بالإرهاب، ويطالب الجميع بالانسياق في هذا الاتجاه، وهو أمر غير مقبول، وعندما تبدي دولة رأيا آخر يقال إنها تدعم “إرهاب” هذه المجموعة، وهو حقيقة انقلاب فكري حقيقي .

اتهمت قطر بأنها تدعم الإخوان المسلمين، وهو اتهام عارٍ تماما من الصحة، صحيح قطر لا تعادي هذه الحركة، وليس من مصلحتها خلق عداوات مع أي طرف، فهي تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، والمنصفون يذكرون جيدا كيف وقفت قطر مع الشعب المصري الشقيق، وقدمت كل الدعم والمساندة لهذا الشعب ولثورته في 25 يناير 2011، ولم يكن آنذاك في المشهد أي “رائحة” لحركة إسلامية، إنما كانت ثورة شعبية، بل إن سمو الأمير الوالد حفظه الله عندما كان أميرا للبلاد كان أول زعيم عربي يزور مصر بعد الثورة في مايو 2011 وكان آنذاك ممسكا بالحكم المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي، وفي الشهر الذي أعقبه، يونيو من العام نفسه، قام سمو الشيخ تميم عندما كان وليا للعهد بزيارة مماثلة إلى مصر والتقى بطنطاوي، وكل الاتفاقيات الخاصة بدعم الشقيقة مصر وقعت مع عصام شرف الذي كان رئيسا للوزراء، ولم يكن في المشهد آنذاك القوى الإسلامية، فضلا عن الإخوان.

واستمرت قطر في دعمها للشعب المصري الشقيق بعد إجراء الانتخابات وفوز الإخوان، ومن الطبيعي جدا أن تتعامل قطر مع حكومة الإخوان كونهم خيار الشعب المصري، وتواصل الدعم القطري خلال هذه الفترة، وقدمت قطر 5 شحنات غاز مجانا للشعب المصري في عهد الرئيس المنتخب مرسي، سلم منها ثلاث خلال فترة رئاسته، ثم حدث الانقلاب عليه، أو بالأصح الانقلاب على خيار الشعب، وبالرغم من ذلك واصلت قطر إيصال ما تبقى من شحنات الغاز إلى مصر في عهد الانقلاب، ولم تمتنع عن ذلك، لأنها تؤمن بأن مساندة ودعم الشعب المصري واجب أخوي .

هذه هي الحقيقة التي تحاول أطراف عدة القفز عليها، والسعي إلى طمسها، بل تشويه الموقف القطري من مصر ومن حركة الإخوان المسلمين، الذين لجأوا إلى قطر فرارا من القمع والملاحقات الأمنية التي تعرضوا لها، فأتوا إلى قطر، واستقبلتهم قطر، وهم يعرفون أن من واجبات الضيافة عدم الإساءة إلى الآخرين، أو ممارسة العمل السياسي، وبالمناسبة ليس الإخوان المسلمون وحدهم الضيوف الأعزاء في قطر، فهناك إخوة كرام من الجزائر وموريتانيا والعراق وحماس .. وغيرهم ممن ضاقت عليهم الأرض، فجاءوا بحثا عن الأمن والأمان، واستقبلتهم قطر بكل ترحاب، وهذه هي عادة هذا البلد .

أعود للقضية .. في سوريا تتهم مجموعات بأنها “إرهابية” ولا يتهم النظام بالإرهاب، وهو الذي أقدم على أفظع الجرائم، وهو الذي دفع ثورة الشعب السوري إلى اللجوء إلى السلاح بعد أن اتخذ النظام قرارا من اليوم الأول بالخيار الأمني للتعامل مع مطالبات شعبية بالإصلاح والكرامة وحرية التعبير، فما كان من النظام إلا أن واجه هذه المطالبات بالقمع والقتل والاعتقال..، لنصل اليوم في العام الرابع من الثورة إلى هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري، وما أفرزته هذه المأساة من “دمّل” و”قيح” و”صديد”، والسبب هو النظام العالمي، والمجتمع الدولي، الذي ظل يتفرج إلى هذه اللحظة على مأساة الشعب السوري، الذي لم يجد دعما حقيقيا لإزاحة النظام القمعي، وبناء سوريا الجديدة، وقامت حركات وطنية في سوريا تقاوم هذا الإجرام، لكن قوبلت بوصمها بالإرهاب، وهو أمر غير مقبول .

لا يمكن أن يتم وصم كل من يحاول مقاومة الظلم بهذه الصفة، والأدهى أن صفة الإرهاب لا تطلق إلا على أعمال تقوم بها جهات منتسبوها ينتمون إلى العالم العربي والإسلامي، ففي  تفجير أوكلاهوما الذي وقع في أبريل 1995 وقام به الأمريكي المتعاطف مع حركة ميليشيا تيموثي ماكفي، وأسفر عن مقتل 168 من بينهم 19 طفلا وأكثر من 680 جريحا، هل وصفت هذه الحركة بالإرهاب أو أطلق عليها أنها إرهاب “مسيحي” مثلا ؟ .

لم يحدث ذلك، ولم يتم وصف هذا العمل الإرهابي المدان بصفة دينية أو قومية، إنما حصر في تصرف فرد، والأمر نفسه أيضا في أعمال إجرامية كثيرة ترتكب ضد المسلمين، ولا يتم وصف من قام بها بالديانات التي ينتمون إليها، فعلى سبيل المثال تعرض المسلمون في إفريقيا الوسطى لحملة تطهير وإبادة من قِبل منظمات وحركات مسيحية، إلا أن هذه الحركات لم يتم وصمها بالإرهاب.

في بورما قتل الآلاف من المسلمين في حملة تطهير وإبادة ولم نسمع من العالم ومنظماته توجيه كلمة إرهاب لمن قام بهذه الحرب التي استهدفت المسلمين، فلماذا صفة الإرهاب فقط تطلق على جماعات أو حركات أو تنظيمات أو أفراد قاموا بأعمال مرفوضة أخلاقيا وإنسانيا وإسلاميا، لكن يتم لصق كل ذلك بالإسلام، ويتم تعميم ذلك على كل الحركات والتنظيمات في العالم العربي والإسلامي دون تفريق بينها، بما فيها تلك التي تقاوم من أجل تحرير وطنها من الاحتلال أو الحصول على الحرية والكرامة، وحصرت معركتها مع المغتصب أياً كان.

لماذا لا يتم التفريق بالفعل بين هذه الحركات ؟ ولماذا تلصق صفة الإرهاب بالإسلام لمجرد قيام فرد أو تنظيم بعمل لا يتفق مع قيم الإسلام السمحة أصلا ؟ .

هناك محاولات لتشويه صورة الإسلام وإلصاقه بكل ما هو قبيح أو مجرَّم إنسانيا، والبعض يسعى إلى أن يجعل الإسلام هو العدو للإنسانية، لذلك كان من المهم تصحيح الصورة.

 

حفلت مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله، باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخطابا سموه امام الجمعية العامة ومجلس الامن، والمقابلة الخاصة التي اجرتها «سي ان ان» مع سموه، اضافة الى اللقاءات الجانبية مع قادة ورؤساء الوفود، بحضور لافت لسموه، الذي كان بحق الصوت الهادر بالحق، والناقل الامين لقضايا الامة، والمدافع عنها بكل وضوح، امام العالم وقادته في هذا المحفل الدولي، واضعا النقاط على الحروف في كل القضايا التي لامست الجرح، ان كان ذلك على صعيد القضية الفلسطينية، ومرارة الاحتلال، والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وما تعانيه غزة الصامدة.. مرورا بالمقاومة في غزة التي حياها سموه، وهو ما يحدث لأول مرة ان يقوم قائد عربي بمثل هذه الخطوة، اضافة الى ما يعانيه الشعب السوري من قمع وقتل واستبداد في عامه الرابع، وما يمارسه النظام السوري من ارهاب حقيقي.. واحداث العراق وليبيا وتونس واليمن.. وما يشكله الارهاب من خطر على العالم، استوجب تحالفات جديدة بالمنطقة، ولكن كيف يمكن معالجة ذلك، وهل الارهاب فقط من تنظيمات، ام انه نتاج القمع والاستبداد الذي تمارسه انظمة بالمنطقة تجاه شعوبها…

في سلسلة مقالات سوف اتوقف عند عدد من القضايا التي طرحها سمو الأمير خلال هذه المشاركة، والمواقف التي رسخها سموه، والسياسة التي تنتهجها قطر حيال مختلف القضايا الاقليمية والدولية، والتي كانت محل اهتمام الرأي العام العالمي..

 

ولنا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x