مقالات

الأمير في الأمم المتحدة 4-5 لا يجب تخيير المجتمعات بين الإرهاب والاستبداد

لا يمكن أن تنجح الحرب على الإرهاب إلا إذا اقتنعت الشعوب بأنها حربها.. الأمير:

“لكي تقف المجتمعات معنا في مكافحة الإرهاب يجب أن ننصفها، وألا نخيرها بين الإرهاب والاستبداد، أو بين الإرهاب والتمييز الطائفي، ولا يمكن أن تنجح الحرب على الإرهاب إلا إذا اقتنعت الشعوب بأنها حربها وليست حرباً من أجل تثبيت نظام يقمعها”.

بهذه الكلمات أرسى سمو الأمير المفدى في خطابه الشامل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قواعد حقيقية لمعالجة واقع مرير، تعيشه مجتمعات عربية منذ عدة سنوات، وأكد بما لا يدع مجالاً للشك في لغة واضحة، أن معالجة هذا الواقع يجب ان تشمل المجتمعات والشعوب المعنية، فبدونها لا يمكن التعامل مع ظواهر باتت تفتك بتلك المجتمعات، خاصة ما يعرف اليوم بظاهرة “الإرهاب” التي باتت تقلق الجميع على حد سواء.

إلا أن إشكالية بعض الأنظمة أنها تتحدث بلغة أخرى، بلغة القمع والقهر والقتل، (إما أحكمكم أو أقتلكم)، وهذا ما يحدث اليوم في سوريا، حيث أصبح الشعب السوري ضحية إرهاب نظامه بصورة بشعة، لم يعرف التاريخ الحديث مثيلاً لها، فعبر التاريخ الحديث كل الأنظمة القمعية والفاشية التي سبق أن قتلت شعوبها، ومارست بحقه الظلم والتشريد،  لم يصل بها الامر  أن استخدمت الصواريخ والطائرات والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة.. ضد شعوبها كما يحصل اليوم في سوريا.

اليوم توجد أنظمة عربية تخيّر شعوبها بين “القمع والاستبداد والتنكيل أو خيار الإرهاب”، وصور ذلك عديدة، فعند أي مطالبة بحق مشروع للشعب يواجه بالقمع، ويلوّح بأنه في حالة عدم استخدام هذا الأسلوب فإن مصير المجتمع مواجهة الإرهاب، ويتم الاستشهاد بمجتمعات كسوريا أو العراق أو ليبيا.

لم تعد تلك الأنظمة تنظر للمجتمعات المتقدمة والأكثر رقياً واستقراراً وتقدماً وازدهاراً وأمناً..، إنما تنظر للمجتمعات التي تعاني انفلاتاً أمنياً، وفوضى جراء أنظمتها القمعية.

في مصر بعد الانقلاب على شرعية الانتخاب، وشرعية صناديق الاقتراع، أخذ وزير الدفاع آنذاك، الذي قال إنه لن يترشح للرئاسة، الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، تفويضاً بالقتل من قطاع من الشعب ضد قطاع آخر من الشعب، بدعوى حماية المجتمع من “الإرهاب”، والسبب أن القطاع الآخر، أو النصف الآخر من المجتمع يطالب بالحقوق والعودة إلى خيار الشعب، وكان التصريح دائماً على ألسنة النظام أنه في حالة عدم استخدام الآلة العسكرية، والشدة والاعتقالات مع المطالبين بالحريات، فإننا سنصل إلى ما وصلت إليه سوريا أو لييا أو العراق..، وهي صورة غير حقيقية، فلماذا لا يتم القول انه في حال المشاركة الفاعلة لكل المجتمع في الحياة العامة وفق عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، وحريات مكفولة للجميع وفق القانون.. أن نصل إلى درجات تلك المجتمعات المتقدمة في الدول الغربية، التي أخذت بتلك الأسس وهي اليوم تفصلها عن مجتمعاتنا العربية مسافات شاسعة من التقدم والازدهار.. بفضل الدفع بجميع قطاعات المجتمع للمشاركة الفاعلة، دون إقصاء أو تهميش لقطاع أو مكون بسبب رأي أو توجه أو فكر…

بريطانيا كانت تضع يدها على قلبها، خوفاً من إقدام الاسكتلندنيين على الانفصال، وخرجت ملكة بريطانيا ورئيس وزرائها بتصريحات يتمنيان فيها بقاء اسكتلندا ضمن التاج الملكي البريطاني، لم يمنعا أولا إجراء هذا الاستفتاء الذي يجري رغماً عن “أنف” النظام الحاكم، ثانياً لم تأمر ملكة بريطانيا أو رئيس وزرائها الأسطول البريطاني الجوي أو البحري أو القوات البرية بالتحرك نحو اسكتلندا لمنع إجراء الاستفتاء بالقوة، ثالثاً لم تقم بـ “تزوير” هذا الاستفتاء من أجل بقاء اسكتلندا ضمن التاج الملكي البريطاني، على الرغم من أن استقلال اسكتلندا كان بمثابة “كارثة” لبريطانيا على أكثر من صعيد.

ثم بعد الاستفتاء وظهور النتائج التي تنحاز لبقاء اسكتلندا ضمن بريطانيا، لم تقم الأجهزة الأمنية البريطانية بملاحقة الذين صوتوا مع الانفصال، وتشكيل دولة مستقلة، بل على العكس من ذلك أعلن رئيس وزراء بريطانيا كاميرون منح المزيد من الصلاحيات لإقليم اسكتلندا، والتعامل مع القضية بأسلوب حضاري.

ما يحدث في العالم العربي من قبل بعض الأنظمة مغاير لذلك تماماً، وربما خير مثال على ذلك ما يتعرض له الشعب السوري اليوم من قتل، علماً أن كل مطالباته كانت تنحصر في إصلاحات بسيطة تتمثل بهامش بسيط من الحرية حتى يبقى الشعب على قيد الحياة، فما كان من النظام إلا أن واجه ذلك بالقمع والقتل والمطاردات والاعتقالات والاغتيالات..، والصورة نفسها تكررت في عواصم عربية أخرى، إن كانت ليبيا أو مصر أو اليمن..، ولم نجد رقياً في التعامل مع المطالبات الشعبية، التي من المؤكد أنها في بداية الأمر لم تكن تستهدف الإطاحة بالأنظمة، إنما المطالبة بالإصلاحات، إلا أنه حتى هذه الإصلاحات البسيطة لم يكن مسموحاً بها من قبل تلك الأنظمة التي منعت ” الكهرباء والماء ” عن شعوبها.

من بين المقولات التي تنسب لهتلر أنه كان يردد ” إذا أردت أن تسيطر على شعب أخبرهم بأنهم معرضون للخطر، وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنية من يعارضك “.

هذه السياسة هي التي انتهجتها بعض الأنظمة القمعية في العالم العربي، بعد أن سقطت في الغرب، وقبرت هناك، عاد من يرددها في عالمنا العربي، وعاد من يحييها من قبل النظم الاستبدادية التي تحاول السيطرة على شعوبها عبر التخويف والتخوين، وعبر تخييرها ما بين القبول بالاستبداد أو الارهاب.

تجربة الاستبداد في عالمنا العربي تتجاوز 60 عاماً، وعندما حاولت بعض الشعوب ان تقول “كفى”، كان الرد سريعاً ” إما أحكمكم أو أقتلكم “، فما كان من هذه الشعوب إلا ان رفضت الحكم القائم على الاستبداد الممتد لعقود من الزمن، والذي يمثل موتاً بطيئاً، واستعبادا لأجيال من هذه المجتمعات.

عندما لا تجد الشعوب التنفس قد تلجأ الى خيارات اخرى، والبحث عن طرق ربما غير مشروعة لأخذ نفس لكي تبقى على قيد الحياة، وهو ما دفع الى حدوث هذه الثورات في العالم العربي.

إننا اليوم في العالم العربي نعيش على مفترق طرق على أكثر من صعيد، ربما أحدها ما يتعلق بالحريات ورفع القبضة الأمنية المسلطة من قبل بعض الانظمة على شعوبها، واستبدال ذلك بشراكة حقيقية، وعدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية، وهو ما يضمن نهضة لمجتمعاتنا العربية التي تعاني تراجعا وتخلفا عن الركب العالمي، وهو امر لا يمكن قبوله من قبل الشعوب العربية، حتى وان رضيت بهذا الأمر لفترة، فإنها لن تقبل بوضع هو ليس فقط يخالف الفطرة الطبيعية للنفس البشرية، هو ايضا يخالف السنن الكونية، والمسار التاريخي للشعوب.

الشعوب العربية تتطلع إلى مستقبل جديد، تعيش بكرامة وحرية، كما هو حال الشعوب الاخرى، وهي ترى تلك المجتمعات وما حققته من تقدم وازدهار، في حين مجتمعها يعيش تراجعا وتقهقرا، على الرغم من كل الإمكانات والثروات التي تمتلكها.

ثم إن هذا الفضاء المفتوح لم يترك المجال أمام الانغلاق أو منع ما يحدث في الدول من معرفته بالخارج، في ظل التكنولوجيا الرهيبة في عالم الإعلام، حيث بات كل مواطن يمثل مؤسسة إعلامية متكاملة.

عقلية الاستبداد انقرضت في العالم أجمع إلا في العالم العربي، الذي لاتزال هذه العقلية تسيطر في بعض هذه الدول، حتى في افريقيا، التي كان يقال عنها إنها “متخلفة” هي اليوم تسابق الزمن لإقامة الحكم الرشيد، ومنح هامش من الحريات لشعوبها، فيما بعض الأقطار العربية تهيمن عليها العقلية الاستبدادية، التي ترفض الحوار مع الآخر، وتصر على أنها “وما أريكم إلا ما أرى”.

 

حفلت مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله، باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخطابا سموه امام الجمعية العامة ومجلس الامن، والمقابلة الخاصة التي اجرتها «سي ان ان» مع سموه، اضافة الى اللقاءات الجانبية مع قادة ورؤساء الوفود، بحضور لافت لسموه، الذي كان بحق الصوت الهادر بالحق، والناقل الامين لقضايا الامة، والمدافع عنها بكل وضوح، امام العالم وقادته في هذا المحفل الدولي، واضعا النقاط على الحروف في كل القضايا التي لامست الجرح، ان كان ذلك على صعيد القضية الفلسطينية، ومرارة الاحتلال، والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وما تعانيه غزة الصامدة.. مرورا بالمقاومة في غزة التي حياها سموه، وهو ما يحدث لأول مرة ان يقوم قائد عربي بمثل هذه الخطوة، اضافة الى ما يعانيه الشعب السوري من قمع وقتل واستبداد في عامه الرابع، وما يمارسه النظام السوري من ارهاب حقيقي.. واحداث العراق وليبيا وتونس واليمن.. وما يشكله الارهاب من خطر على العالم، استوجب تحالفات جديدة بالمنطقة، ولكن كيف يمكن معالجة ذلك، وهل الارهاب فقط من تنظيمات، ام انه نتاج القمع والاستبداد الذي تمارسه انظمة بالمنطقة تجاه شعوبها…

في سلسلة مقالات سوف اتوقف عند عدد من القضايا التي طرحها سمو الأمير خلال هذه المشاركة، والمواقف التي رسخها سموه، والسياسة التي تنتهجها قطر حيال مختلف القضايا الاقليمية والدولية، والتي كانت محل اهتمام الرأي العام العالمي..

 

ولنا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x