الجسـم الإداري للدولـة بحاجـة إلـى «رشـاقـة» أكثـر
حتى يتحرك بمرونة أكبر ويواكب متطلبات المرحلة بصورة أسرع
التوجه الحكيم الذي أعلن عنه سمو الأمير المفدى في خطابه امام افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى الثلاثاء الماضي بالنظر في إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وإزالة أوجه التعارض والازدواج بين الإدارات الحكومية المختلفة، لهو أمر في غاية الاهمية، ويواكب المرحلة المتقدمة التي تدخلها الدولة، ويعيشها المجتمع، في ظل النقلات النوعية التي حدثت بالمجتمع خلال السنوات الماضية، وهو ما يتطلب بين فترة واخرى اعادة النظر في مختلف القطاعات الحكومية منها والخاصة.
هذه المراجعة الدائمة للاداء العام، وهيكلية الجهازين الخاص والعام، ليس تقليلا من دورهما او ما قدماه، انما هي ضرورة تتطلبها كل مرحلة، قد تكون هذه الاجهزة مطلوب تواجدها في مرحلة ما، واستطاعت ان تقدم خدمات في اطار اختصاصاتها، وتنجز المهام المطلوبة منها، ولكن في هذه المرحلة قد يتطلب الامر دمجها مع اجهزة اخرى قائمة تؤدي نفس النشاط او قريب منه، حتى لا تكون هناك ازدواجية في الاداء بين هذه الاجهزة القائمة بذاتها او المنضوية تحت وزارات ومؤسسات مختلفة.
هناك بالفعل عدد من الوزارات والمؤسسات يمكن ايجاد تكامل فيما بينها، ودمج ادارات مع بعضها البعض، وضم اجهزة مستقلة حاليا تحت مسميات مختلفة مع جهات اخرى، حتى وان تطلب الامر تغيير مسميات المرحلة المقبلة بعد اعادة الهيكلة الادارية.
هناك قطاعات عدة بحاجة الى اعادة النظر في امكانية ايجاد تكامل مع جهات اخرى..
على سبيل المثال وزارة الثقافة والفنون والتراث جهاز مستقل، في حين هناك اجهزة اخرى انشئت قبل عدة سنوات وتقوم بأدوار مشابهة او قريبة من وزارة الثقافة، وهي الحي الثقافي وهيئة المتاحف وسوق واقف.. هذه الجهات لها فعاليات وبرامج متقاربة، يمكن التوافق فيما بينها بشكل كبير.
المجلس الاعلى للصحة، هناك اجهزة ومؤسسات في المجتمع تابعة لجهات اخرى تقوم بأدوار ايضا متقاربة، وتحديدا هناك مؤسسات تابعة للمجلس الاعلى للاسرة لها أدوار متقاربة مع اختصاصات المجلس الاعلى للصحة، من بينها حسب ما اعتقد مركز التأهيل الاجتماعي “العوين” القريب في الادوار والاختصاصات والمهام من الصحة.
وزارة الشؤون الاجتماعية، ايضا هناك مؤسسات قائمة في المجتمع تؤدي أدوارا يمكن لوزارة الشؤون القيام بها، كما هو الحال بالنسبة للمؤسسة القطرية للمسنين التابعة للمجلس الاعلى للاسرة، هذه المؤسسة يمكن ان تنضوي تحت الوزارة.
وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية منذ مدة هناك حديث عن دمج الوزارتين معا، وبالفعل تمت عدة خطوات في هذا المجال، الا ان الامر توقف، ثم عاد الحديث عن الدمج.. هذه الضبابية فيها خطورة كبيرة على الوزارتين والعاملين فيهما ايضا، فاما يكون الدمج أو يتم التوقف عن الحديث عن ذلك، بحيث يتم التركيز على العمل، بدلا من عدم الاستقرار الموجود حاليا بين اوساط الموظفين.
أجهزة حقوق الانسان الموجودة حاليا في أكثر من جهة، وهو أمر جيد، ويحسب لدولة قطر اهتمامها بهذه القضية، فهناك حاليا ادارة لحقوق الانسان بوزارة الداخلية، ومكتب لحقوق الانسان بوزارة الخارجية، اضافة إلى اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، هذه بالتأكيد لها أدوار ومهام، لكن السؤال: أليس بالامكان ايجاد مظلة رسمية حكومية واحدة؟.. دعونا من اللجنة الوطنية كونها من مؤسسات المجتمع المدني لحقوق الانسان تنسق الادوار، وتقوم بالمهام المطلوبة داخليا وخارجيا.
على مستوى التعليم، ايضا هناك حاجة الى توحيد الجهود من خلال توحيد الادارات والجهات المتقاربة في الاداء والمهام، والامر نفسه ايضا في وزارة الشؤون البلدية والتخطيط والعمراني، التي بحاجة إلى اعادة دراسة لاداراتها واقسامها، والامر كذلك في وزارات ومؤسسات اخرى، فما ذكر انما هي نماذج، فليس الهدف الحصر بقدر ما هو ذكر أمثلة لما هو قائم من إدارات متشابهة ومتشابكة في الوزارة نفسها، أو مع أجهزة وأطراف أخرى غير تابعة لها.
يمكن أن يكون هناك ضم ودمج لجهات مع بعضها البعض تحت مسميات حالية أو جديدة، وإذا ما تطلب الامر منح استقلالية ربما أكبر لبعض الجهات التي تلحق بالجسم الرئيسي أو الوزارة المعنية.
الجسم الاداري للدولة بحاجة إلى “رشاقة” أكثر، بحيث يتحرك بمرونة أكبر، ويواكب متطلبات المرحلة بصورة أسرع من ذي قبل، فكل مرحلة لها متطلباتها التي تختلف عن المراحل السابقة، وهذا أمر طبيعي، فربما في مراحل سابقة كنا بحاجة إلى اجهزة ووزارات لاغراض محددة، لم تعد اليوم الحاجة لها قائمة، وانتفت الحاجة إليها، وظهرت الحاجة لقطاعات اخرى، وهكذا هي الدول والمجتمعات، تعيد تقييم أداء مؤسساتها وأجهزتها بصورة دائمة.
وأعتقد أن المراجعة لا يجب أن تقف عند تشابه وازدواجية بعض الإدارات والأجهزة الحكومية، إنما أيضا المراجعة يجب أن تشمل المشاركات الخارجية للدولة في المعارض والمؤتمرات، ففي كثير من الاحيان نجد أن هناك أكثر من جهة حكومية تشارك في مؤتمر أو معرض دولي، وكل جهة كأنها “جزيرة معزولة” عن الجهة الاخرى، مما يسبب هدرا للمال العام، وتضييعا للجهود، في وقت نحن بحاجة إلى تنسيق هذه الجهود، والتكامل بين الجهات المشاركة، بدلا من انفرادية كل جهة بجناحها ومعروضاتها، مما قد يدفع لايجاد تضارب وتشابه في المعروضات، أو تقارب على الأقل، وفي الوقت نفسه قد يشتت الصورة الايجابية عن المشاركة القطرية.
هذا التوجه لهيكلة الجهاز الاداري للدولة يتماشى تماما مع التوجه العام في الاستراتيجية الوطنية لرؤية قطر 2030، الذي تعمل الدولة بقطاعاتها المختلفة لترجمتها على ارض الواقع، مما يتطلب العمل على إزالة أي ازدواجية او تعارض في أداء المؤسسات والأجهزة المختلفة.