مرتبط في ذهنية الكثير من الموظفين أن أي تغيير في الإدارة العليا في أي جهة، يلزم لك تغييراً واستبدال قطاعٍ كبير من الموظفين، وأن المسؤول الجديد وزيراً كان أم رئيساً سوف يستقدم معه فريق عمل خاصاً به، ليطيح بالتالي بأعداد كبيرة من الموظفين الموجودين بالوزارة أو المؤسسة.
هذه الفكرة قائمة، وربما يدور الحديث الآن ـ في عدد من الوزارات والإدارات ـ عن أن تغييرات قادمة لا محالة، وأن وجوهاً سوف تختفي من هذه الوزارات، لتحل مكانها وجوه جديدة، بما في ذلك موظفون في درجات مختلفة، وليس فقط في الإدارة العليا أو المديرين.
في العموم هذا الأمر غير صحيح، فلا اعتقد أن هناك مسؤولاً ـ بمن فيهم الوزراء ـ يرغب بالتفريط بالكفاءات الموجودة في جهازه، أو يستغني عن أصحاب الخبرة ممن يشكلون عصب العمل في وزارته، ولديهم كفاءة إنتاجية تُقَدِّمُهم على غيرهم، وتسبق هذه الإنتاجية في العمل اسماءَهم، فالكل حريص على هذه الكفاءات، التي يبحث الجميع عنها، ويعمل الجميع على التمسك بهم، كونهم يمثلون كوادر منتجة لا يمكن الاستغناء عنها، إلا في حال إصرار هذه الكوادر على الانتقال الطوعي لبيئات عمل أخرى، ربما فيها من المميزات ما هو أفضل لها.
قد يقول البعض: إن هناك سوابق قد شهدت استغناءً عن العديد من الكوادر القطرية في فترات مختلفة، مع كل تغيير للإدارة العليا في عدد من المؤسسات والوزارات والأجهزة المختلفة، ويستشهدون بمن تم تحويلهم إلى التقاعد، وقبل ذلك بما عرف بالبند المركزي.
أتفق مع هذا الرأي، لكن في حالات استثنائية، وليس كظاهرة قائمة مع كل تعديل أو تغيير في جهاز يمكن أن يحدث نزوحاً أو استغناء عن كوادر، واستقدام كوادر أخرى محسوبة على المسؤول الجديد.
أؤمن دائما بأن الكفاءة هي التي تثبت وجودها، وتفرض حضورها في أي موقع، وأن الاستغناء عنها من قبل وزارة أو مؤسسة ما، إنما هو خسارة لهذه الجهة، وليس لهذه الكفاءة، التي يمكن ان تتلقفها أي جهة أخرى، وستقدم لها امتيازات أفضل مما كانت فيه، خاصة في مجتمعنا الذي يمثل العنصر القطري فيه عملة نادرة، في العديد من القطاعات، خاصة القطاعات الخاصة أو المختلطة، دون إغفال القطاع العام، الذي تتمركز فيه غالبية الكوادر القطرية، وأثبتت كفاءة عالية فيه.
فإذا حدث في فترة من الفترات مثل هذه الخطوات غير المدروسة، فإنها لا تشكل منهجاً أو سياسة متبعة لدى مختلف الوزارات أو المؤسسات، في حال قدوم مسؤول جديد إليها من الداخل أو الخارج.
كنت في جلسة مع أحد الوزراء الأفاضل الجدد، الذين يحسب لهم.. ويذكرون بكفاءة عالية، وكل الوزراء نحسن الظن بهم، وأنهم أهل للمسؤولية التي أوكلت إليهم، ونحن على ثقة في أنهم سيؤدون الأمانة على أكمل وجه، وكان مما دار من حديث قضية إشاعة الاستغناء عن بعض الموظفين، يقول هذا الوزير: كيف يمكن أن أستغني عن عناصر تعمل، وتتولى إدارة ملفات معينة، وتمسك بمهام معينة!! كيف يمكنني الاستغناء عن تلك العناصر؟ حتى لو أنها ليست على المستوى المطلوب، فإنني لا أستطيع أن أحكم عليها منذ اليوم الأول لدخولي الوزارة، بل لابد من معرفة العمل والإدارات والأداء العام للموظفين، ومدى إنتاجيتهم والتزامهم بالعمل: “لا أحمل قائمة تفنيشات كما يشيع البعض”.. هكذا يقول هذا الوزير الرشيد ذو الخبرة والكفاءة.
أنا على ثقة أن كل الوزراء يبحثون عن الكفاءات، بل إن الأولوية في المرحلة المقبلة ستكون للكفاءات القطرية، وما إنشاءُ وزارةٍ للتنمية الإدارية، يتولى سعادة الدكتور عيسى بن سعد النعيمي حقيبتها، وهو واحد من الكفاءات التي نفخر بها ونعتز، مع بقية إخوانه الوزراء إلا دليل على الاهتمام بالكوادر القطرية، وتأهيلها وتطويرها، وهو ما تؤكده وتشدد عليه قيادتنا الرشيدة على الدوام، وما خطاب سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وقبْله خطاب سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلا تأكيد على هذا النهج، في الاهتمام بأبناء الوطن، علماً وتأهيلاً وتدريباً.. من أجل تولي المناصب القيادية في مختلف القطاعات.
هذا التوجه وهذه السياسة تفرض على الكوادر القطرية مسؤوليات على أن يكونوا على قدر التحديات في المرحلة المقبلة، فليس هناك توظيف لمجرد التوظيف، دون أن يكون هناك حاجة فعلية للموظف، ودون أن تثبت هذه الكوادر كفاءتها، وجدارتها في تولي المناصب، وأجزم بأن شبابنا على قدر هذا التحدي، وأنهم سيكونون أهلاً للمسؤوليات التي ستناط بهم، وسيركزون على الأداء المتميز، والإنتاجية العالية في العمل، وسيكونون أكثر حرصاً على إثبات وجودهم، كما أثبت ذلك العديد من الكوادر القطرية التي تتولى اليوم مناصب في الداخل والخارج، وبكفاءة عالية، ويشار إليهم بالبنان، ويفخر الوطن بهم.
حتى الذين تركوا مواقع عمل معينة في وزارة أو مؤسسة، لا يعني ذلك الابتعاد عن العمل نهائياً، فلربما في مرحلة ما، قد لا تتوافق إمكانات هذا الشخص مع متطلبات العمل في هذه الجهة، ولكن هذا لا يمنع أن يكون مبدعاً في مكان آخر.
وهذا يقودنا للتذكير بأهمية التطوير الذاتي لإمكانات الموظف، سواء من قبل الموظف نفسه أم من قبل المؤسسة أم الوزارة التي يعمل بها، وأن يكون الموظف أيضا مبادراً، لا ينتظر التكليفات التي قد ترد إليه من قبل مسؤوله المباشر، فالإبداع ضرورة تفرضها المرحلة، ويفرضها العمل، بحيث لا يتحول الموظف إلى مجرد آلة ينفذ ما يوكل إليه، ويكون عمله بالأمس كما هو اليوم، وكما سيكون عليه بالغد.
روح المبادرة يجب ألا تختفي من حياتنا في العمل، ففي غيابها يختفي التطوير والإبداع، ونحن مطالبون ـ اليوم ـ أكثر من أي وقت مضى، بتقدير أهمية الإبداع والإتقان في عملنا، دون انتظارٍ لأوامر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً.. أن يتقنه”، فهذا الإتقان يفرضه ديننا، وواجبنا كذلك تجاه وطننا، بحيث لا نكون سبباً في الانتقاص من الوطن، أو تقديم صورة غير حضارية عن الإنسان القطري المبدع، والمتقن لعمله، والمبادر في تطوير ذاته وبيئة عمله..
أنا على ثقة في أن الكوادر القطرية هي على رأس اهتمام قيادتنا، وفي مقدمة أولويات معالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، الذي يحرص على تبني الكفاءات، ودعمها، وتطويرها، وهو ما شهدناه خلال السنوات الماضية، كما أن مختلف الوزارات والوزراء يحرِصون على استقطاب هذه الكفاءات والكوادر القطرية المميزة، فلا يمكن التفريط بالعناصر ذات الكفاءة، وفي حال خروجها من أي جهة، فإن الجميع سوف يسعى لاستقطابها، ومنحها امتيازات عالية.