مقالات

للـه درك يا سـموّ الأميـر.. لقـد أتعبـت الرؤسـاء

زيارة غزة حدث استثنائي في مسيرة الأمّة العربية

 

كم أنت كبيرٌ وعظيمٌ يا سمو الأمير!.. كلماتك في نصرة غزّة إبان العدوان “الإسرائيلي” الغاشم عليها 2008 /2009 في عملية الرصاص المصبوب، التي استنهضت هِمم الأمة حينها في قمّة ناديت إليها بالدوحة “قمّة غزة”، مازالت ترنُّ في الآذان، ومازالت يتردّد صداها في الآفاق.. “إلا أن نصاب هذه القمّة.. قمّة غزة.. ما أن يكتمل حتى ينفض.. حسبي الله ونعم الوكيل”.. هذه الكلمات التي خرجت من القلب، دخلت قلوب الشعوب العربية، فردّد الجميع.. حسبي الله ونعم الوكيل على كلِّ ظالم ساهم في ضرب غزّة او تآمر عليها، او شارك في حصارها، وتجويع أهلها.

بين 2009 و2012 تغيّرت الموازين، وجرت المياه في المستنقعات “الآسنة”، وتطهّرت شعوب من أنظمة شاركت في حصار غزّة، وعملت على إفشال قمّة غزّة بالدوحة، ومنعت من إيصال أيّ دعم ومساعدة لأهلنا في غزّة، وعرقلت كلَّ المساعي الخيّرة لك يا سمو الأمير لنصرة غزة وأهلها الصامدين الصابرين…

لم تكسر الحصار عن غزّة يا سمو الأمير بهذه الزيارة التاريخية، بل كسرت كلَّ القيود التي يحاول البعض فرضها على الأمة، لقد انتصرت للأمة، وانتصرت للشعوب العربية، التي طالما رأت فيك مناصراً لها، ومنحازاً لقضاياها، ومدافعاً عن حقوقها…

أكّدت يا سمو الأمير بهذه الزيارة التاريخية التي لم يقم بها غيرُك، أن غزّة ليست وحدها في الميدان.. غزّة التي انتصرت لها في قمّة الدوحة، تعيش اليوم انتصاراً بحضورك وزيارتك، التي كسرت الحصار رغم أنف “إسرائيل” ومَن مشى في ركابها…

زيارة غزّة العزّة ليست غريبةً على قائد شهم وأصيل، ففي اغسطس 1999 كان سمو الأمير المفدَّى – حفظه الله ورعاه – أوّل زعيم يزور هذا القطاع، ويلتقي آنذاك بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والشهيد أحمد ياسين – زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس – وممثّلي الفصائل الفلسطينية، ففلسطين بالنسبة لسمو الأمير تمثِّل القضية المحورية، التي طالما دافع عنها في كلِّ المحافل، وترجم ذلك بالأفعال في كلِّ المراحل، وبشتى الطرق.. مشاريع تنموية.. مدارس تعليمية.. مؤسّسات صحية.. ثمّ توّج سموه ذلك بزيارة تاريخية تكسر كلَّ القيود المفروضة على غزة، لتحرِّرها من الحصار الخانق الذي ظلّ يعاني منه القطاع، ويعاني منه سكان غزّة البالغ عددهم أكثر من مليون ونصف المليون، وكأنهم في سجن كبير، لا يستطيعون الخروج منه، أو دخول أي شيء إليه.

في قمّة غزّة تعهّد سمو الأمير بالدفاع عنه عن غزّة، ونصرة أهله، وإعادة إعمار ما دمّره العدو الاسرائيلي، وحاول البعض عرقلة هذه الجهود، ومنع إيصال المساعدات القطرية، الا أن ذلك لم يثبّط من هِمم سمو الأمير، وواصل الليل بالنهار سعياً لرفع الحصار الظالم عن غزّة، وتكلّلت جهود سموه بإنارة ظلام غزّة بالوقود القطري، الذي مُنع من الوصول مرّات عدّة، ولكن بوجود إرادة قويّة، وتصميم حقيقي، أزالت كلّ العوائق، وأنار الوقود القطري على أهلنا في غزّة.

وواصلت قطر سياستها الرامية إلـــى دعم أهلنا في غزّة عبر مشـاريع حقيقـــيـــــة على أرض الواقع يستفيد منها سكان غزّة، وهو ما تــــــمّ تدشــــــــينه بالأمس، والتي وصل عدد المشـــــــاريع الحيوية فيها 18 مشروعاً، في مختلف القطــاعات، وليرتفع الدعم المخصّــــص من 250 مليـــــــــــون دولار إلى 451 مليــــون دولار، وهنــــــاك مشــــــاريع أخرى قامت قطر بتمـــــــــــويلها وافتـــتـــــــــاحها خـــــــــلال المرحلة الماضية.

سمو الأمير المفدى منحاز إلى قضايا الأمّة في كلّ مكان، وداعم للشعوب العربية والإسلامية، رأينا ذلك في أكثر من موقف وفي أكثر من بلد، فاذا كان سموّه اليوم يخترق حصار غزّة ليعلن دعمه للشعب الفلسطيني من على أرض فلسطين، فإنه أقدم على خطوات عظمى أخرى لتأكيد الدعم لقضايا الأمة العربية، فها هو يحطّ في الضاحية الجنوبية في بيروت بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان الشقيق عام 2006، ليكون أوّل زعيم يزور هذه المنطقة على الرغم من كلّ المخاطر التي تحيط بهذه الزيارة، إلا أن سموّه أصرّ على تأكيد وقوف قطر إلى جانب لبنان والشعب اللبناني الشقيق، وترجم هذا الموقف إلى دعم عملي عبر إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي بلبنان، وقدّمت قطر في ذلك الشيء الكثير، ليس مِنَّةً او تفضُّلاً إنما من باب الواجب، وهو ما تراه دائماً في كلّ الدعم الذي تقدّمه للأشقاء العرب.

ورأينا مواقف سمو الأمير المفدّى النبيلة في السودان الشقيق، وفي دارفور ودول الجوار السوداني والصومال..، وصولاً إلى بلدان الثورات العربية، التي وقفت قطر داعمةً لهذه الشــعوب، ومنحـــــــــازةً إلى مطـــــالبها المشروعة.

لقد سبقت أفعال الأمير أقواله في كثيرٍ من المواقع، ولم ينتظر سموه جزاءً أو شكوراً من أحد، وكلّ الوثائق تؤكّد أن قطر وحدها من يلتزم بالتعهُّدات التي تلتزم بها، ووحدها تفي بما تقطعه على نفسها من عهود، وإعادة إعمار غزّة خيرُ شاهد، وأكبر دليل على ذلك، وما سبقه أكبر وأكثر.

أينما كان ميدان الشرف والكرامة والعزّة تجد سمو الأمير المفدّى.. نعم هكذا هو سمو الأمير.. في مقدّمة الصفوف، وأوّل المُبادرين، بل هو مَن يقود هذه المبادرات التي تصبّ في صالح الأمّة وقضاياها المختلفة.

في هذه المرحلة التي نعيشها يتمّ تمحيص الرجال.. زمن الرجال.. بل ليس الرجال فحسب، إنما أولو العزم من الرجال، وسمو الأمير المفدّى – حفظه الله ورعاه – في مقدّمة أولي العزم من الرجال، الذين لا يخشون في الله لومة لائم، فها هو يتقدّم الصفوف، ويتصدّر المواقف، ويقود المبادرات النوعية التي تخدم الأمة وشعوبها…

إن زيارة غزّة في هذه المرحلة من التاريخ، وفي ظلِّ هذه الظروف والمتغيِّرات الدولية، وفي ظلِّ الحصار المفروض على غزّة وشعبها، لتعدّ فتحاً مبيناً لأهلنا في غزّة الصامدة، التي رفضت أن تركع، ورفضت أن تبيع كما باع الآخرون الأرض والعرض والمقدّسات…

يحقّ لغزّة أن تزهو بالنصر المؤزّر اليوم بهذه الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الأمير المفدّى، الذي أعاد للقضية الفلسطينية روحها وحيويتها ومركزيتها..، بعد أن كان يُراد لهذه القضية ويُدبَّر لها ليل نهار أن تموت كما ماتت الأندلس…

زيارتك سيدي سمو الأمير أحيت في الأمة الأمل، وأعادت لأهل غزّة البسمة والفرحة، ورفعت عنهم ما يعانونه من آلام، وبثّت فيه الروح من جديد في أنهم جزءٌ من هذه الأمّة العربية الكبيرة، التي لن تخلو من قائد عظيم مثل سموكم.

زيارتك سيدي سمو الأمير لقطاع غزّة العزّة حدث استثنائي في مسيرة هذه الأمة في هذه المرحلة الحسَّاسة والصعبة، وما تواجه من تحدِّيات جسام…

لقد كسرت بزيارتك هذه سيدي سمو الأمير حصاراً سياسياً واقتصادياً مفروضاً على أهلنا في غزّة، وحقّقت الانتصار.

وفتحت نوافذ الأمل بغدٍ مشرقٍ لهذا الشعب المُجاهد والمُصابر والمرابط..، ولم يعد أمام العرب حكاماً ومسؤولين عذرٌ في مواصلة الطريق على خطاك المُباركة.

عذراً سيدي سمو الأمير مهما سطَّرت الأقلام من كلمات، ومهما قِيل من كلام وأشعار..، فلن يوفيك كلّ ذلك حقّك ولو جزءاً بسيطاً ممّا تبذله من أجل هذه الأمة وشعوبها وقضاياها.. فمواقف سموكم، ومبادراتكم، أكبر من أن نوفّيها حقّها، وأكبر من أن نُحصيها، ولكن عزاؤنا أنك أكبر من كلّ الكلمات، ومن كلّ الإشادات، فقناعات سموكم تنطلق من قوله تعالى:

“إِنَّمَا نُطْعِمُكُـــمْ لِوَجْهِ اللَهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا”.

 

لله درُك يا سمو الأمير.. لقد أتعبت الرؤساء والزعماء العرب.. بل أحرجتهم في مبادراتك النوعيّة، ومواقفك التاريخيّة، التي ستظلّ راسخةً في التاريخ، ومحفورةً في أذهان الأجيال تتناقلها جيلاً بعد جيل. ليست غزّة وحدها تفخر بمقدمك يا سمو الأمير، وتكبر خطواتك نحوها.. ليست غزّة المحاصرة وحدها رفعت رأسها وابتسمت لحضورك، بل الشعوب العربية، التي طالما انحزت لها، وتألّمت لآلامها، وفرحت لفرحها.. هي الأخرى ابتسمت وسعدت بخطوتك وانتصارك لانتصار غزة.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x