دعونا نتوقف عند هذه الخطوة، وهل تخدم العملية التعليمية، وتخدم تربية الأبناء الذكور؟ وما هي الأسباب التي دفعت إلى استبدال المدرسين في المدارس الابتدائية بنين بالمدرسات؟ وهل التدريس النسائي هو الأمثل للمرحلة الابتدائية في مجتمعنا؟…
من المؤكد أن الجميع متفق على أن المرحلة الابتدائية تمثل الأهم بالنسبة للتعليم، وكذلك بالنسبة للأطفال، كونها تمثل مرحلة التأسيس تربوياً وعلمياً، وكلما كان التأسيس مبنياً على أسس سليمة، كان ما يأتي بعده سهلاً بالنسبة لهؤلاء الأطفال.
هذا لا يعني بالتأكيد التقليل من أداء الأخوات المدرسات، أو أداء المرأة في هذه المرحلة، لكن القضية هي الفروقات المتعلقة بالبنين في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه الحرج الذي قد تقع فيه المدرسة خلال تأدية مهامها التدريسية في أكثر من مجال.
المفترض أن المرحلة الابتدائية الدارسون فيها تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة، لكن هناك أعماراً أكبر توجد في مدارسنا الابتدائية بسبب الرسوب، بمعنى ان هناك من قد يصل عمره إلى 14 أو 15 عاما، وهو لا يزال في المرحلة الابتدائية، والبعض منهم قد يصل الى مرحلة المراهقة في هذه المرحلة الدراسية، والكثير منهم أيضا تكوينه الجسماني يكون شبه مكتمل في هذه المرحلة الدراسية كذلك، وغيرها من الأمور التي تتطلب وعياً كبيراً في التعامل مع هؤلاء الطلاب الذكور، وفي نفس الوقت حزماً كذلك، كونها مرحلة التمرد أو الرغبة في الخروج عن المألوف في السلوك أو التصرفات أو الألفاظ..، فهل في ظل هذه المتغيرات يمكن للمرأة أن تتعامل بدرجة عالية مع الطلاب؟.
أجزم بأن الكثير من الأخوات المدرسات يتعرضن للإحراج في التعامل مع طلاب تجاوزوا في أعمارهم الـ “12” عاما، والكثير منهن يلتزمن الصمت في النقاشات الخاصة بالتكوين الجسماني للطالب، ويسعين جاهدات إلى تقديم ما يطلب منهن من دروس فقط، فالمدرسة في نهاية الأمر لن تستطيع التفاعل بصورة كبيرة مع الطالب في الحصص الدراسية أو خارجها، فالأمر لا يخلو من حرج.
وغير ذلك أن الكثير منهن يقعن في إحراج سواء في اللبس أمام هؤلاء الطلاب، فالبعض من هؤلاء الطلاب ليسوا أطفالاً بالمعنى الطفولي، أو حتى بالألفاظ من قبل الطرفين المدرسات والطلاب.
أضف إلى ذلك فإن أطفال اليوم من هم في عمر 12 عاماً لديهم من الانفتاح والاطلاع مايتجاوز أعمار من هم فوق ذلك خلال العقود الماضية.
القضية الأخرى، في مرحلة دراسية تمتد في أقلها “6” سنوات، وفي بعض الاحيان تتجاوز ذلك عند العديد من الطلاب الذين يتعرضون إلى كبوات الرسوب وإعادة العام الدراسي، فإن الطالب يتعلم الألفاظ الانثوية في تعاملاته داخل المدرسة، وتعتبر المدرسة هي القدوة بالنسبة له، فيأخذ منها سلوكيات خاصة بالفتاة، ويعتقد أن هذه السلوكيات أو التصرفات هي التي يفترض على الشاب القيام بها أو تطبيقها في المجتمع، بل حتى المصطلحات تجد هذا الطفل يستخدم كلمات عادة يتداولها خلال وجوده في المدرسة في خارجها، سواء في البيت أو الشارع او الأماكن الاخرى.
أحد أولياء الامور يقول إن ابنه الذي يدرس في المرحلة الابتدائية في كثير من الأحيان يناديه بـ “ابلة”، وهي الكلمة الدارجة لدى هذا الطفل في تعامله طوال يومه الدراسي الممتد من الساعة السابعة صباحا إلى الواحدة والنصف بعد الظهر، فعندما يذهب الى المنزل من الصعب استبدالها بكلمة اخرى إلا بصعوبة، أو تعنيف من قبل الأسرة.
الطفل في هذه المرحلة يبحث عن القدوة في كل مكان، سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع، وهو بحاجة ماسة إلى تعويده على أسلوب رجولي، وترسيخ سلوكيات الرجال فيه منذ نعومة اظفاره، وهذا لن يتأتى إلا بوجود بيئة تساعد على ذلك نظرياً وعملياً.
اليوم ظهرت العديد من السلوكيات الخاطئة والمنحرفة لدى الأطفال، وهي في كثير من الاحيان نتاج بيئات تربوية غير سليمة، ونتاج تقليد كل جنس للطرف الآخر، بمعنى أن هؤلاء الأطفال يقومون بتقليد مدرساتهم في اللبس أو في استخدام أدوات التجميل أو في الكلام او المشي..، وغيرها من السلوكيات الخاصة بالفتاة أو المرأة، ولا تتناسب أبدا مع الأطفال أو الشباب، ولا تتفق مع أصول التربية في هذه المرحلة العمرية المهمة.
وتصحيح هذه السلوكيات قد يتطلب جهداً كبيراً في حال النجاح بذلك، اضافة الى ان العبء التربوي سيكون شاقا على المدارس الاعدادية التي سينتقل إليها خريجو المدارس النموذجية، خاصة في ما يتعلق بتقويم بعض السلوكيات والتصرفات الوافدة مع هؤلاء الطلاب القادمين من مدارس ابتدائية نموذجية.
تجربة المدارس النموذجية بحاجة الى إعادة تقييم، ما لها وما عليها، ويجب على القائمين على العملية التعليمية دراسة الواقع بتجرد وموضوعية وتأن قبل المضي بها، وعدم ترك خيار العودة إلى نظام المدارس الابتدائية بنين المتعارف عليها، والتي يقوم بالتدريس فيها مدرسون.
أكرر هذا ليس تقليلا من الجهد الكبير الذي تبذله اخواتنا المدرسات الفاضلات، اللاتي دورهن أكثر تميزا في مدارس البنات، وهو أمر طبيعي، بينما أدوارهن في مدارس البنين قد تصاحبها ظروف تمنع من التميز في الأداء كما هو الحال في البيئات التعليمية الخاصة بالبنات.
لا ينبغي أن يكون ايجاد وظائف للمتقدمات بالمجلس الاعلى للتعليم اذا كان الامر كذلك من خلال تحويل التدريس في المدارس الابتدائية للبنين من مدرسين رجال، الى مدرسات نساء، يقمن بالتدريس للأطفال، أو الشباب بمعنى أصح.
الامتيازات الموجودة بالتعليم اليوم يفترض انها باتت بيئة جاذبة للكوادر القطرية للانخراط بالتدريس، وحتى اذا لم يكن الامر كذلك حتى الآن، فإنه من الواجب البحث عن تلك الكوادر وتأهيلها وتشجيعها واستقطابها للعمل في التعليم، إدارة وتدريساً.
إنني ادعو الى فتح نقاش حول هذه القضية.. المدارس النموذجية ما لها وما عليها.. واتمنى من الاخوة الأفاضل بالمجلس الاعلى للتعليم، والذين بالتأكيد أحرص منا على مسيرة التعليم، وعلى أبنائنا الطلاب، ان يناقشوا هذه القضية بكل شفافية وموضوعية، من كل جوانبها، ومخرجاتها كذلك.
التوجه الذي يجري تنفيذه حاليا في ما يتعلق بالمدارس الابتدائية، هو تحويلها إلى نموذجية، بمعنى أن القائمين على العملية التعليمية والإدارية في المدارس الابتدائية الخاصة بالبنين هم من المدرسات والإداريات، ولا توجد حاليا مدارس ابتدائية بنين، انما نموذجية، باستثناء مدرستين حاليا، هما مدرسة مسيعيد وسميسمة، وباقي المدارس الابتدائية التدريس يتم من خلال المدرسات