ثقة عربية وعالمية بجهود قطر وحكمتها السياسية
لم يكن أسبوعاً عادياً مر على الدوحة، في ظل برنامج مكثف قاده حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، «حفظه الله ورعاه»، الذي استقبل في خمسة أيام فقط « 4 « رؤساء دول شقيقة، حضرت معهم أبرز القضايا والملفات العربية والإسلامية، على المستويين الرسمي والشعبي.
هذا الحضور البارز واللافت هو نتاج للمكانة التي باتت تتبوأها دولة قطر، بفضل قيادتها الواعية والحكيمة في تعاطيها مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية، والثقة التي اكتسبتها بفضل عقلانية تعاملها مع مختلف القضايا، حتى باتت قبلة تقصدها الكثير من الدول لمعالجة أزمات تعيشها، على مستوى الخلافات الداخلية أو أزماتها مع دول في محيطها أو الإقليم والعالم.
يعرف العالم وقادته مدى صدقية القيادة القطرية، ومواقفها الواضحة دون مواربة، وهو ما رسخ مكانة قطر على مستوى الدول والشعوب، حتى أولئك الذين يختلفون معها في السياسات، لا يمكنهم إلا احترامها، ولا يمكنهم في الوقت نفسه تخطيها، أو عدم الاعتراف بحضورها المؤثر والفاعل على الساحتين الإقليمية والدولية، فهي باتت تمثل « قلعة « للوساطات، ومنبرا للحوار الجاد والمثمر.
تكمن أهمية الدور القطري الذي حاز ثقة العالم أن قطر تتصرف بحكمة وموضوعية وتقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، كونها خارج الصراعات والمنافسات، ولا تعمل وفقاً لأجندات خاصة، إنما تعمل من منطلق مبادئ وقيم أخلاقية تحرص قيادتنا الرشيدة على التمسك والالتزام بها، ومن منطلق الحرص على الأمن والسلم الدوليين، واستقرار وازدهار المجتمعات، وإبعاد الشعوب عن الصراعات قدر الإمكان.
في هذا السياق فإن المتابعين للمشهد السياسي في الدوحة، يجمعون على أن قطر تنفرد بكثير من المزايا التي تؤهلها للعب دور ناجح في الوساطة وحل النزاعات بالطرق السلمية، فهي تساهم ولا تنافس أحداً، وهي تبادر وتمد يد العون والمساعدة للأشقاء والأصدقاء للوصول إلى تفاهمات لحل النزاعات بالطرق الدبلوماسية، وتسهيل الأمور بصدق وإخلاص للوصول إلى حلول جذرية للأزمات بين الفرقاء، وليس مجرد « مسكنات « وقتية سرعان ما تنفجر وتتجدد الأزمات.
خلاصة هذا المشهد تُرجم في هذا الأسبوع بشكل واضح، حيث تحولت الدوحة إلى منارة للعمل السياسي والدبلوماسي بأبعاده الإقليمية والدولة.
فمن أقصى العالم الإسلامي وأكبر دوله سكاناً، حط الرئيس الإندونيسي ضيفاً على أخيه سمو الأمير المفدى، في زيارة رسمية، لتؤكد أن قطر في قلب العالم الإسلامي، وأنها ملتصقة بالوجدان مع شقيقاتها الدول الإسلامية وإن كانت بعيدة جغرافية.
مباحثات مهمة كانت لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع ضيفه وأخيه الرئيس الإندونيسي، وتؤكد قطر مجدداً وقوفها دعماً واسنادا للأشقاء، فكان أن أعلن عن تأسيس صندوق استثماري مشترك بين البلدين بقيمة 4 مليارات دولار مناصفة بين البلدين الشقيقين، دعماً للتنمية في إندونيسيا.
وإذا كانت إندونيسيا أكبر دولة إسلامية سكاناً كانت في قطر، فإن أكبر دولة عربية سكاناً وتاريخاً وهي مصر العزيزة علينا كانت حاضرة برئيسها عبدالفتاح السيسي الذي أجرى مباحثات مهمة مع أخيه سمو الأمير المفدى، ركزت على مسارين مهمين بالدرجة الأولى: تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين، وترجم ذلك عبر ضخ استثمارات قطرية جديدة في مصر تبلغ 7.5 مليار دولار، دعماً لمصر وشعبها العزيز، ثم مسار القضية الفلسطينية، وتحديداً وقف العدوان على قطاع غزة، وهو الجهد الذي يقوم به البلدان عبر وساطة بدأت منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي الوحشي على أهلنا في قطاع غزة، واستطاع البلدان رغم كل العراقيل والعقبات التي وضعتها « إسرائيل « أن يحققا نجاحات في مراحل عبر هدن تم التوصل إليها، ثم اتفاقا لوقف إطلاق النار، انقلب عليه المجرم نتنياهو وحكومته المنفلتة والموغلة في الإجرام.
ثم كانت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي كانت الأولى للدوحة منذ تولي إدارة الحكم والرئاسة، وكان لقاؤه بسمو الأمير المفدى لقاء مميزا، وحظي باهتمام بالغ، لما لسوريا الثورة والحضارة وشعبها العظيم من مكانة في قطر، ويكفي الأمر للدلالة على ذلك أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كان أول زعيم عالمي يحط في دمشق بعد سقوط نظام الأسد الذي أجرم بحق شعبه بصورة بشعة، وهو الأمر الذي رفضته قطر، وانحازت للشعب السوري وثورته العظيمة، وظلت على مبادئها دون التخلي عن دعم الشعب السوري خلال الثورة، وأكدت بعد انتصارها أنها ستواصل دعمها لسوريا وشعبها، حتى تتجاوز كل التحديات والعقبات، وأقرنت قطر ذلك بالخطوات على الأرض عبر دعم أخوي ووقوف صادق مع الشقيقة سوريا.
وقد تزامنت زيارة الرئيس السوري مع زيارة لرئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة العماد جوزاف عون الذي استقبله سمو الأمير المفدى، في اجتماع قمة تناولت الملفات اللبنانية المتشابكة مع الملفات الإقليمية، وجرى التأكيد على بسط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية وانسحاب إسرائيل من الجنوب وتنفيذ القرار الدولي 1701.
ووجه سمو الأمير المفدى حرصا على أمن واستقرار لبنان الشقيق باستمرار الهبة القطرية لدعم رواتب الجيش اللبناني بمبلغ 60 مليون دولار، إضافة إلى 162 آلية عسكرية لتمكينه من القيام بمهامه الوطنية للحفاظ على الاستقرار وضبط الحدود على كامل الأراضي اللبنانية.
ويظل لبنان رغم كل العواصف التي تعرض لها، له مكانة خاصة عند قطر وأهلها، فترددهم على لبنان يمتد لعقود مضت، ولا يمكن نسيان ما لهذا البلد من حضور بارز في مراحل متعددة قبل التعرض إلى هزات أثرت في مساراته المختلفة.
هذا الحراك النوعي الذي شهدته الدوحة طول الأيام الخمسة الماضية ـ عدا عن زيارات لمسؤولين دوليين، كمبعوث الرئيس الفرنسي للبنان، ومؤتمر « الإيكاو « الذي شاركت فيه 190 دولة ـ يؤكد مجددا مكانة قطر وثقة المجتمع الدولي بقيادتها، ودورها المؤثر إيجاباً في مسار الأحداث بالإقليم والعالم.