كفاءات خليجية بحاجة إلى استثمار
الخليج ليس فقط غنياً بـ «الأموال» وثروات النفط والغاز..، بل قبل ذلك غني بالعقول والكفاءات والثروات البشرية في مختلف القطاعات.
هذه العقول، وتلك الكفاءات التي تمتلك خبرات ورصيداً واسعاً من التجارب، للأسف الشديد «مغيبة» في كثير من الأحيان، ولا يُستَفَادُ منها بالقدر المطلوب، أو توظيفها بما يتناسب وإمكانياتها.
مناسبة هذا الحديث مرور 42 عاماً على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، الذي يصادف في هذا الشهر من عام 1981، هذه المنظومة التي ظلت ـ ولاتزال ـ صامدة بوجه كل التحديات التي مرت بها المنطقة، وتجاوزت الأزمات التي تعرضت لها داخلياً، لتبقى اليوم التكتل العربي الوحيد ـ إذا استثنينا الجامعة العربية ـ الذي ظل متماسكاً طوال هذه السنوات.
بقاؤه واستمراريته أمر جيد، ودليل على رغبة سياسية أكيدة، ومن صنّاع القرار بأهمية وجود هذا الكيان، وإن كان ما تحقق لا يرتقي لتطلعات الشعوب الخليجية، التي تعتقد أنه يمكن تحقيق مكاسب وإنجازات أكثر بكثير مما تحقق، لكن ربما ما تعرضت له المنطقة منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي من حروب وصراعات وأزمات، كانت سبباً لـ «محدودية» الإنجازات التي شهدتها مسيرة 4 عقود من عمر المجلس.
أعود للكفاءات والعقول الخليجية التي نحن بأمس الحاجة للاستفادة منها على المستوى الخليجي لتدعيم مسيرة المجلس، خاصة تلك التي تمتلك تجارب ثرية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية..، فلماذا لا يكون لها دور فاعل ـ وليس شكلياً ـ في اللجان والهيئات والمنظمات المنبثقة من المجلس؟.
منذ سنوات أُنشئِت الهيئة الاستشارية الخليجية التي يفترض مرجعيتها لقادة المجلس، ولكن للأسف الشديد ظلت «تراوح» مكانها، وظل أداؤها «شكليا»، تجتمع على فترات دون أن يكون لها تأثير فعلي في صناعة القرار الخليجي.
هذه الهيئة يمكن أن تلعب أدواراً مهمة في تقديم الاستشارة والنصح لصانع القرار الخليجي.
اليوم والمنظومة الخليجية تواجه تحديات جمة على مختلف الأصعدة، بأمس الحاجة إلى هيئات استشارية ـ وليس هيئة ـ بشرط أن تكون هيئات فاعلة، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان أعضاؤها يتم ترشيحهم من قبل دولهم من باب الأفضل من الكفاءات، وليس لمجرد «الوجاهة».
لدينا في دول المجلس قامات ـ ولا أريد تسميتها ـ سياسية واقتصادية وثقافية..، ولكن للأسف غير مُستَثْمَرَة، في وقت يتم الاستعانة بخبرات غير خليجية، إن كان ذلك على مستوى دول المجلس، أو على مستوى المنظومة ككل.
أليس من الأولى والأجدى أن تتم الاستعانة بالخبرات الخليجية في رسم الاستراتيجيات ووضع الخطط للتعامل مع الأحداث والتطورات بالمنطقة والعالم؟.
هذه الشخصيات متخصصة ولها تجارب ثرية كلٌ في مجاله، وعاصرت أحداثاً، وتمتلك سجلاً حافلاً بخبرات مميزة، مما يستوجب الاستفادة منها، بدلاً من عدم الالتفات إليها.
السنوات القادمة في مسيرة مجلس التعاون بحاجة إلى تكاتف الجهود، على كل المستويات، صانع القرار الرسمي.. هيئات ومؤسسات المجتمع المدني.. هيئات ولجان الأمانة العامة للمجلس.. رجال الأعمال والتعليم والثقافة والإعلام.. وفي الوقت نفسه الاستعانة بالشخصيات وبيوت الخبرة الخليجية.
نحن نتحدث عن شخصيات ـ في مختلف المجالات ـ لعبت أدواراً مهمة في مسيرة العمل الخليجي، ولها بصمات واضحة، لكنها اليوم «غائبة» عن المشهد، ولازالت في قمة العطاء، ويمكن أن تساهم في بلورة رؤى لعمل خليجي يخرج من «عباءة» البيانات الرسمية، إلى ملامسة قضايا الواقع، ومتطلبات المرحلة، وتستشرف المستقبل بتحدياته وآماله وتطلعات مواطنيه.
هذه العقول وهذه الكفاءات آن الأوان أن تُستَثْمَرَ، وأن تُسْتَدْعَى لأخذ رؤاها عبر منصات أو هيئات، وأن يُتْرَك لها المجال لطرح رؤاها بكل شفافية وموضوعية ومصداقية، وإن كان ذلك يخالف توجهات صانع القرار الرسمي.
دعونا نستمع لوجهات هذه النخب والكفاءات حيال قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية..، وليس بالضرورة أن يكون رأياً واحداً أو مطابقاً لما تراه المؤسسة الرسمية الخليجية بصورة كاملة.
مسيرة العقود الأربعة الماضية من مجلس التعاون الخليجي يجب أن تعلمنا دروساً سواء في العلاقات الخليجية – الخليجية، أو في علاقات المجلس مع الأطراف الخارجية، ورسم استراتيجيات المرحلة المقبلة بصورة أكثر واقعية.
ما حققناه من إنجازات يُبْنَىَ عليه، وما تعثرنا فيه نتجاوزه، ونعمل على معالجته بصورة صحيحة وحقيقية، حتى لا تتكرر أخطاء هنا وهناك.