مقالات

مخرجات التعليم .. بحاجة إلى تقييم

عام دراسي جديد بآمال عريضة

يبدأ العام الدراسي الجديد وربما الكثير من أولياء الأمور والطلبة مازالت عالقة في أذهانهم نتائج العام الدراسي الماضي، التي شهدت تراجعا كبيرا في نسب النجاح ليس فقط بين عامي 2013/2014 و 2014/2015، إنما حتى بين فصول العام الدراسي الماضي كان هناك تراجع في النسب المئوية للطلبة في نهاية العام مقارنة بالفصل الذي سبقه .

حتى أعيد للأذهان فإن نسب النجاح في الثانوية العامة العام الماضي بلغت 72.26%، فيما العام الذي سبقه بلغت 85.3% .

نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى وقفة تقييم جادة لمسيرة التعليم، وما إذا كانت مخرجات التعليم تمثل قبولا أم لا، خاصة بعد نحو 10 سنوات من إعادة هيكلة التعليم، وإدخال فكرة المدارس المستقلة، وهو ما يفرض وقفة جادة فعلية، وإن كانت هناك مراجعات قد تمت خلال الفترة الماضية، لكن من المهم ألا نكرر الأخطاء نفسها ونحن نعمل على تطوير منظومة التعليم في هذه المرحلة .

من المؤكد أن التعليم يمثل الملف الأبرز والأولوية لدى القيادة، بدليل ما يتم تخصيصه في الموازنة السنوية للدولة، فعلى سبيل المثال بلغت مخصصات الإنفاق على قطاع التعليم 26.3 مليار ريال في موازنة العام الماضي بزيادة قدرت بـ 7.3% عن مخصصات قطاع التعليم في العام الذي سبقه، وهذه الزيادة تأتي في الأساس لتعزيز الإنفاق على مشاريع النهوض بهذا القطاع الذي يمثل عصب النهوض بالدولة والمجتمع، جنبا إلى جنب مع قطاع الصحة، اللذين يمثلان مؤشر تقدم أي مجتمع على مستوى العالم .

قطر توفر اليوم أفضل بيئة دراسية .. أفضل المنشآت المدرسية .. أفضل المدرسين .. أفضل المخصصات المالية .. أفضل المختبرات .. وإذا لم تكن هي الأفضل فإنها لا تقل عن الدول المتقدمة في هذا المجال، لكن باعتقادي أن مخرجات التعليم لا ترقى إلى ما ينفق على هذا القطاع، وما يحظى به من أهمية لدى القيادة والحكومة، الذين لا يألون جهدا في توفير كل متطلبات التعليم .

هناك إشكالية نعاني منها، ربما في كثير من الأحيان نتحدث عن الإمكانات المادية، ونغفل جانبا مهما بالنسبة للعملية التعليمية، وهذه الإشكالية تتمثل في غياب الدافعية لدى الكثير من الطلاب بالتحصيل للعلمي، فهناك قناعة ترسخت لدى الطالب خلال السنوات الماضية أنه سوف ينجح، وأنه سوف يحصل على بعثة دراسية، وأنه سوف يحصل على وظيفة راقية، ومنصب إداري، وبالتالي لا داعي لبذل الجهد خلال الدراسة، إلا من رحم ربي من الطلبة .

وزاد الأمر سوءا أن هناك شريحة من أولياء الأمور لا تلتفت إلى واقع أبنائها في المدارس، ولا تعرف عن مستواهم الدراسي، وربما هي بعيدة وليس لها علاقة بالمدرسة التي ينتمي لها ابنها، وتحدث الصدمة ـ إذا صحت هذه الشريحة ـ عندما تظهر النتائج، كما حدث بنهاية العام الدراسي الماضي، الذي شهد تراجعا كبيرا في نسب النجاح بالنسبة للطلبة، ما أدار في المجتمع جدالا واسعا، وطرحت تساؤلات عن مكمن الخلل، ومطالبات بضرورة تقييم واقع التعليم .

نحن اليوم في بداية العام الدراسي، أطراف المعادلة التعليمية يجب أن يكونوا أكثر تفاعلاً في التعامل الجاد مع قضايا تطوير التعليم، بعيدا عن سياسة ” الترقيع “، وأن يكون هناك اعتراف بالأخطاء التي وقعنا بها خلال الفترة الماضية، على الرغم من الإيجابيات التي شهدها التعليم، لكن هناك سياسات خاطئة من المجلس الأعلى للتعليم وقع بها، ولا يمنع من الاعتراف بها بكل شفافية، وهذا ليس عييا، فمن يعمل طبيعي أن يخطئ، لكن القضية ليست في الخطأ بحد ذاته، إنما التمادي في الأخطاء، وعدم الاعتراف بها، والتغني فقط بـ ” إنجازات “، أعتقد هو أحد الأسباب التي دفعت إلى تراكم هذه الأخطاء .

اليوم مجلس التعليم مطالب بإجراء دراسة ميدانية، تلامس الواقع، من قبل جهات متخصصة، وعلى دراية كافية، لمعرفة سبب تدني مخرجات التعليم .

خلال السنوات الماضية كان هناك طلبة يحصدون نسبا مئوية عالية في الثانوية العامة، وعندما يرسلون إلى جامعات خارجية القليل منهم يجتاز العام الدراسي الأول بتفوق، والكثير منهم يعود أدراجه أو يغير تخصصه أو جامعته، بحثا عن مكان أو جامعة أو بيئة تعليمية الجهد العلمي فيها أقل . هذا الأمر يجب أن يتوقف عنده المجلس الأعلى للتعليم، وأن يبحث ذلك بكل جدية، بعيدا عن المجاملات .

حتى التعليم في القطاع الخاص، هو الآخر بحاجة إلى وقفة جادة، وتقييم فعلي للتحصيل العلمي الذي يحصل عليه الطلاب في المدارس الخاصة، التي تحول الكثير منها إلى مدارس تجارية، همها بالدرجة الأولى الربح المادي، وهو ما يدفعها إلى فرض زيادات سنوية على رسوم التدريس فيها، وللأسف بموافقة من قبل المجلس الأعلى للتعليم، دون أن يبحث عن الأسباب التي تدفع نحو فرض هذه الزيادات السنوية، ودون أن يكون هناك تطوير فعلي لبيئات التعليم في هذه المدارس.

علاقة المجلس مع المدارس والمدرسين هل هي علاقة صحية، أم يشوبها التوتر، وفرض سياسات تعليمية دون وجود مشاركة حقيقية في رسم هذه السياسات، واتخاذ قرارات إدارية تخص العاملين في الميدان دون التواصل معهم، أو الاستئناس بآرائهم  .

هناك قضايا متعلقة وعالقة بين الجانبين بحاجة إلى تواصل وتشاور، بعيدا عن سياسات تتخذ قد لا تتناسب مع القائمين على العملية التعليمية في الميدان .

المدارس هي الأخرى مطالبة بتطوير أداء معلميها، التفاعل أكثر مع أولياء الأمور، والتشارك مع الطلبة بصورة حميمية ..، فالمدرسة ليست جدرانا أو ملصقات هنا وهناك، أو تزيين لتلك الجدران ..، إنما عملية تعليمية تفاعلية، وليس مجرد ” حشو ” للأذهان .

اختيار المدرسين والمناهج والمختبرات .. جزء مهم لإكساب الطالب المهارات، وليس فقط من أجل النجاح في آخر العام، إنما النجاح في الحياة، مع أهمية البحث عن السبل الكفيلة التي تحبب الطالب في المدرسة والمدرسين، وأنه ـ الطالب ـ يأتي إلى المدرسة عن حب ورغبة، وليس رهبة .

أولياء الأمور غائبون ـ إلا من رحم ربي ـ عن التواصل مع المدرسة، وللأسف إنهم الضلع الأضعف في العملية التعليمية، فقليل من أولياء الأمور من يتواصل مع المدرسة، ويعرف مستوى ابنه التعليمي والأخلاقي، دون أن يكون هناك استدعاء لغياب ابنه أو تراجع مستواه الدراسي .

ما الذي سنخسره إذا ما خصصنا في الشهر مرة نزور المدرسة ونجلس مع مدرسي أبنائنا، ونعرف واقعهم التعليمي، ونقف على تحصيلهم العلمي، وقبلها السلوكي والأخلاقي  .

عام دراسي بدأ، ونحن نتطلع إلى بناء جيل جديد، يقع على عاتقه بناء وطن يعانق السماء، وهذا لن يتأتى دون تعليم راق، وهذا التعليم الراقي لن نحصل عليه إلا إذا تشاركنا جميعا في إيجاده .. الدولة والجهات المعنية بالتعليم والمدارس وأولياء الأمور والطلبة ومؤسسات المجتمع .. حتى نحصل في نهاية الأمر على مخرجات للتعليم نفتخر بها، ويُعتمد عليها في بناء الوطن.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x