حوارات

المفكر طلال أبو غزالة: التعليم سيصبح خارج المدرسة إذا استطعنا تأمين وسائل الاتصال

مبادرة الشيخة موزا للتعليم الرقمي ستنجح خلال الفترة المقبلة

في حوار شامل لـ الشرق تحدث إلينا الدكتور طلال أبو غزالة صاحب ومؤسس جامعة طلال أبو غزالة بالأردن وأحد أكبر خبراء الملكية الفكرية والتعليم الرقمي في العالم، حول المعرفة الرقمية والتعليم الرقمي والاقتصاد المعرفي ومستقبل العالم العربي في ظل التطور التكنولوجي الذي يمر به العالم من حولنا.

وهنا اعتبر أبو غزالة أن إحدى المشكلات التي تواجه التعليم في عالمنا العربي أن طالب الجامعة أكثر معرفة بتطورات العصر من أستاذه، وقال: “هي مشكلة يجب ان نقرها ونعترف بها”، فالاستاذ “المسكين ” يذهب الى بيته في المساء ولديه هموم الحياة والعمل، أما الطالب فطوال الوقت يجلس أمام الكمبيوتر أو الـ “آي باد” يبحث عن الحقيقة والمعرفة وينتقي المعلومات الجديدة في الوقت الذي تخصص فيه الدول العربية اقل المدرسين كفاءة بينما الحقيقة ان أكثر الطلبة تقدما هم الابتدائي في حين ان نسبة كبيرة من المدرسين لم يستعمل الانترنت أو يتعلم عنه شيئا

هنا أثنى أبو غزالة على مبادرة سمو الشيخة موزا بنت ناصر لتعليم ملايين الأطفال عبر الانترنت والنظام الرقمي وتوقع لها النجاح خلال المرحلة المقبلة.

ثم انتقد أبو غزالة التعقيدات الإدارية التي تفرضها الحكومات العربية على فكرة إنشاء المشروع التعليمي فيها وضرَّب بدولة الأردن مثالاً وقال:”.. حين تكون شروط تأسيس الجامعة في القانون الأردني أن تمتلك 400 دونم أرض و5ملايين دينار أردني، وهي شروط تعقيدية للغاية، وفي الأردن أيضاً تجد أن 80 % من موازنة الجامعة تنفق على العقار على خدمة المباني والحدئق والكهرباء والحراس”.

كما أشار أبو غزالة في حديثه إلى أن الدول الأكبر اقتصاداً في العالم هي التي تذخر بعدد كبير من السكان.

منوهاً إلى أن تقارير دولية أكدت أن أكثر ثلاث دول في المنطقة مرشحة للحاق بركب الدول المتقدمة اقتصادياً هي تركيا ومصر وإيران باعتبارها دولاً بها عدد سكان كبير وأن تحرر الاقتصاد في هذه الدول سيكون هو العامل الثاني في نهضتها بعد كبر عدد السكان”.

واختتم أبو غزالة حديثه حول الإعلام قائلاً:” على الإعلام أن يتطور ويتحول إلى رقمي لأن الشباب لا يقرأون صحفاً ورقية، وإذا لم يطور الإعلام نفسه فلن يجد من يقرأه”… وإلى الحوار

***

◄ كيف تنظرون الى مستقبل التعليم والتحديات الكبيرة التي تواجه هذه القضية الحيوية خلال المرحلة المقبلة؟

► التعليم في العالم العربي يواجه حاليا تسونامي التعليم الرقمي – اون لاين – بعد ان تحولت الجامعات العالمية الى هذا الفكر الجديد وأبرزها جامعة ستانفورد التي تعتبر من أهم 20 جامعة على مستوى العالم حيث قررت الاسبوع الماضي تحويل جميع برامجها الى اون لاين.. وتتجه معظم الجامعات نحو هذا الاتجاه حاليا.. فالتعليم لا يمكن أن يستمر بالأساليب الحالية سواء على مستوى التعليم الأساسي – المدارس – أو الجامعي.

فالمدارس لديها حاليا مشكلة أصعب من الجامعة وهي ان الطالب أحسن وأفضل من أستاذه وهي مشكلة يجب ان نقرها ونعترف بها، فالاستاذ ” المسكين” يذهب الى بيته في المساء ولديه هموم الحياة والعمل.

أما الطالب فطوال الوقت يجلس امام الكمبيوتر أو الـ آي باد يبحث عن الحقيقة والمعرفة وينتقي المعلومات الجديدة في الوقت الذي تخصص فيه الدول العربية اقل المدرسين كفاءة بينما الحقيقة ان اكثر الطلبة تقدما هم الابتدائي في حين ان نسبة كبيرة من المدرسين لم يستعمل الانترنت أو يعلم عنه شيئا.. ومن هنا تأتي مبادرة سمو الشيخة موزا بنت ناصر لتعليم ملايين الاطفال.

والمبادرة ستنجح من خلال التعليم اون لاين – الرقمي – فخلال الفترة القادمة لن يستطيع الوطن العربي بناء مدارس كافية وتزويدها بمعلمين اكفاء للتعليم بالاسلوب التقليدي الساري حالياً.. أما خلال السنوات العشر القادمة فكل طفل في العالم حتى الدول الفقيرة سيكون لديه جهاز كمبيوتر في ظل انخفاض أسعار أدوات الاتصال.. وسيأتي يوما يصبح فيه جهاز الاتصال سواء كمبيوتر أو آي باد أو لاب توب في متناول كل إنسان.

فاذا استطعنا تأمين وسائل الاتصال سيصبح التعليم الأساسي خارج المدرسة ويصبح الاستاذ دوره افتراضيا ليس دوره التعليم وانما تسهيل التعليم فليس هناك استاذ يمكن ان يلم بكل ما هو موجود في عالم المعرفة وانما يستطيع ان يرشد الطالب الى كيفية اجراء الامتحانات.

وهناك سؤال مطروح بقوة حاليا وهو: لماذا يظل الطالب حتى سن الـ 19 حتى يدخل الجامعة؟.. فاذا كان الطالب يستطيع ان ينجح في متطلبات الدخول الى الجامعة قبل هذه السن فلماذا لا نساعده حتى لا نضيع عليه سنوات عمره في التعليم.

وهناك مثال في قطر وهو وجود طالبة عمرها 11 عاما لاجئة من المخيمات الفلسطينية تدرس الطب في إحدى الجامعات القطرية وبالتالي ليس هناك ضرورة حاليا للتعليم في المدرسة..وانما التعليم الرقمي الذي يناسب عصر المعرفة والتكنولوجيا فليس هناك طفل حاليا ليس لديه حساب على الفيس بوك او اتصال على الانترنت، وهناك مثال اخر وهو بيل جيتس صاحب اكبر شركة تكنولوجيا في العالم – مايكروسوفت —- فهو لم يكمل تعليمه او يتخرج من الجامعة فقد اكتشف انه يستطيع التعلم خارج المدرسة

◄ هل الدول العربية مهيأة للدخول في هذا التحول العالمي نحو التعليم الرقمي؟

► كون الدول العربية مهيأة أو غير مهيأة ليس له قيمة فالمهيأ هو الطفل فعصر المعرفة لا يتطلب دولا وإنما فرد يدخل على الانترنت ويبحث عن المعرفة والدولة في هذه الحالة ليس لديها دور ولا تستطيع ان تمنع الفرد.. فالأطفال الصغار حتى سن 7 سنوات لا يتعلمون في المدرسة او من المجتمع وانما يتعلمون من بعضهم وبالتالي فالحكم على هذه القضية يجب ان يكون من منظور الأطفال اقل من 10 سنوات.

ورغم عدم جاهزية الدول والوزارات المختصة بها إلا أن الطفل العربي جاهز.. فنحن قضينا عمرنا في الوطن العربي نتحدث عن الفجوة مع العالم المتقدم سواء فجوة رقمية أو تعليمية أو اقتصادية وكلها تهدف إلى الحديث غير المجدي.

فيجب ان نعرف ماذا سيكون العالم عليه في 2020 أو 2050 وعلينا ان نكون هناك وليس الركض وراء العالم وانما أريد ان اقفز حيث سيكون العالم.. ففي عام 2020 وفقا لأحدث تقرير فان 80 % من الجامعات بأمريكا ستلغي الحرم الجامعي ولن يكون هناك رسوم لذلك.

وبالتالي ليس هناك قدرة لأي جامعة في العالم ان تستمر بما فيها جامعات الصف الأول بالأسلوب التقليدي الحالي فالتعليم يتطلب حاليا تأشيرات للدول وهي أصبحت مستحيلة كما ان 90 % من سكان العالم لا يستطيعون السفر سواء بسبب التأشيرة او المصاريف وبالتالي فالقضية حاليا هي جودة التعليم وليس الحصول على تعليم لا يصلح للعمل في محل وغير معترف به ولا تتيح له العمل ونحن نريد ان نحول التعليم الى معترف به عالميا من خلال مشروع جامعة طلال ابو غزالة وهو مشروع عالمي ونحن نوقع اتفاقيات مع الجامعات العالمية الأولى في العالم – 500 جامعة الاعلى في العالم – وتوقيع اتفاقيات معها لإدارة برامجها وامتحاناتها بحيث يستطيع الطالب في أي دولة التقدم الى امتحان في جامعة هارفارد مثلا والحصول على شهادة منها بدون السفر لذلك على الجامعات العربية ان تتحول الى هذا النظام أو تغلق أبوابها.. فاذا كانت الجامعة تخرِّج طالبا غير متعلم وغير معترف بشهادته فهذا ” حرام ” ومضيعة للجهد والمال.

 

ثورة في التعليم

◄ ألا تعتقد أننا بحاجة ماسة لإجراءات تمهيد لهذه الثورة في التحول بالتعليم؟

► أعتقد أن الأمور خرجت من سيطرة الدول في كل الدنيا، وأنت لست بحاجة في عصر المعرفة إلى أي موافقة من أي جهة لتقوم بأي عمل، فإذا أردت أن تدرس أون لاين مع جامعة هارفارد فلا تحتاج لموافقة الدولة ولا تحتاج إلى اعتمادها.

وهنا المعيار أن من يذهب بحثاً عن وظيفة بشهادة حصل عليها من جامعة هارفارد، هل بالضرورة أن تقوم الجهة التي سيعمل بها طالب الوظيفة أن ترى هذه الشهادة معترف بها من حكومة قطر أم لا، أبداً انتهى الأمر.

وما نقوم به في جامعة طلال أبو غزالة بعيدا عن هذه التعقيدات، والاعتراف الذي يهمنا هو الإعتراف التقني وليس الإعتراف السياسي، وهذه هي قوة عصر المعرفة، والإعتراف الذي يحدث سببه أننا لا نتعامل إلا مع الجامعات المعترف بها أصلاً.

كما أن هذا الأمر من إختصاصي لأنني أرأس المنظمة العربية للجودة تحت مظلة الجامعة العربية وهي معنية بتطوير معايير الجودة في العالم العربي وتأهيل الجامعات لتصبح معترفاً بها دولياً.

◄ حتى تصل هذه الجامعات إلى ضمن قائمة الـ مائة جامعة هي بحاجة إلى دعم وإنفاق وتطوير مناهج وقدرات.. أليس كذلك؟

► سأحدثك عن الأردن كمثال.. حين تكون شروط تأسيس الجامعة في القانون الأردني أن تمتلك 400 دونم أرض و5ملايين دينار أردني، وهي شروط تعقيدية للغاية، وفي الأردن أيضاً تجد أن 80 % من موازنة الجامعة تنفق على العقار على خدمة المباني والحدائق والكهرباء والحراس، فضلاً عن العنف الجامعي واعتداءات الطلبة على بعضهم البعض.

نحن الآن أمام تسونامي يواجه التعليم، فالجامعات البريطانية اليوم تقاسي من أمور مالية لأن الحكومة البريطانية وضعت قيوداً على التأشيرة فأصبح الطالب القادر على الدفع من الوافدين إليها من دول مختلفة لا يأتي بها، كما أنها وضعت على قائمتها السوداء الاشتباه في كل من اسمه “خان” وهنا تجد أن ملايين من الباكستانيين والهنود القريبين من الحدود من باكستان ومن إيران وغيرها اسمهم فيه ” خان” حتى أن أحد أصدقائي العاملين بالأمم المتحدة اسمه فيه خان، وكلما مر عليهم أوقفته الأجهزة الأمنية للتحقيق معه.

التقيت رئيس جامعة هارفارد ذات مرة وجدته يشكي ويقول إن الطلبة الوافدين من الخليج هم الذين كانوا يدفعون القسط الكامل وهم الذين يدفعون أموالا في استئجار العقارات ويجلبون أسرهم للمعيشة معهم، ولكننا حرمنا منهم وأصبحت لدينا مشكلة.

◄ لكن ماذا عن التعليم خارج أسوار المدرسة.. كيف نضمن أن التعليم ما يكون خارج أسوارها ولايهرب الطالب من التعليم؟

► مسئولية الأب ومسئولية المراقب أن نتأكد من الطالب يتأهل لإجتياز الامتحان، فإذا اجتازه فلا نريد منه شيء، وعملياً الآن أصبح التعليم كله خارج أسوار المدرسة، وهنا يجب ألا نتحدث عن أجيالنا نحن الآباء والأجداد، بل علينا أن نتحدث عن الأولاد والأحفاد تحت العشر سنوات من العمر يعلمون أنفسهم بأنفسهم عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة.

التعليم الآن أصبح عدوى ينتقل بين الأطفال، وأصبحت لغة التواصل بينهم مختلفة عن أجيالنا، حتى أنه في أحد المؤتمرات التي حضرتها لبيل جيتس مؤسس وصاحب شركة مايكروسوفت فسأله أحد الحاضرين وقال: لكن هذه الطريقة ستلغي العلاقة الانسانية بين الناس؟ فرد جيتس وقال: وهل كنا انسانيين أكثر حين كنا نعيش مع بعضنا البعض في الكهف!؟.

ونحن الآن نجد عشرة آلاف طالب يدخلون يومياً على صفحتنا على الفيس بوك ويسألون عما يريدون، ولولا التكنولوجيا والتواصل بهذه الطريقة ما استطعنا أن نلتقي بهم أو نسمع منهم، لأنه من المستحيل أن تلتقي بعشرة آلاف طالب يومياً. نحن في عالم تغير ومعاييره تغيرت.

 

الهوية التعليمية

◄ على ضوء ذلك.. ما مصير الهوية التعليمية العربية والاسلامية؟

► خلال السنوات العشر المقبلة سيصبح الاتصال في العالم عبر “برود باند” وهذه الطريقة ستصل إلى كل شارع وزاوية وقرية وبأسعار تقترب من المجانية، كما أن الذي يريد أن يدرس ليس بالضرورة أن يتوافر في بيته الـ “wi — fi “، لكن هناك الكثير من البدائل في الجامعات في النت كافيه وفي غيرها.

في الثقافة العربية نحن كمسؤولين عن الثقافة والمعرفة متضايقون مما هو موجود على موقع الويكيبيديا موقع التعريفات الشخصية والمعلومات العامة لأن أغلب محتواه غير مفيد وغير صحي، وجزء كبير منه مكذوب فمثلاً اذا بحثت عن كلمة القدس ستجدها مدونة على أنها عاصة اسرائيل وليس فلسطين وإذا بحثت في اسم النبي “محمد” ستجده يصف النبي بأنه الذي تزوج من 9 أو من 11 امرأة وليس فيه جملة مرضية، وكأنه اختزل النبي في أنه رجل مزواج، وقس على ذلك الكثير من المعلومات غير الصحيحة لأن كل شخص يستطيع أن يضيف إلى الموقع المعلومات التي يريد إضافتها دون تحقيق في صحتها، وبالتالي تشوه الثقافة والحضارة العربية.

مجموع ما هو موجود من محتوى على الويكيبيديا في اليوم الواحد 180ألف معلومة، لذا نحن لدينا مشروع جديد نطلقه في مارس 2013 ليس كالويكيبيديا بل مختلف عنه لأنه لايمكن لأحد أن يدخل على الويكيبيديا إلا المواد الصحيحة والمدققة والموثقة ولا مسيئة لا لدين ولا للسياسة ولا لكرامات الناس ولا غيرها.

كما أننا خصصنا للمشروع 50 باحثا للتحقق من صحة المواد المنشورة وفريق آخر يعتمد إدخالها فتصبح لدينا معلومة موثقة والآن أصبح لدينا 400 ألف مقال وموضوع مصحح، ونتوقع في نهاية العام أن يصل المحتوى إلى نصف مليون، وفي نهاية 2013 نصل إلى مليون وعندما نحقق هذا الرقم تصبح اللغة العربية إحدى أربع لغات أولى على الإنترنت كله، وبمعلومات موثقة وصحيحة مفيدة كما أنه سيكون مجانيا لكل فئات المجتمع.

الآن نحن العرب ترتيبنا الـ 28 في المحتوى الرقمي ومجموع ما هو على الإنترنت من محتوى عربي يعادل المحتوى العبري، فكيف لعشرة ملايين أو أكثر أن يكون محتواهم على الإنترنت يعادل محتوى 400 مليون عربي لهم آلاف السنين من الحضارة؟ هل هذا كلام مقبول؟ بالطبع لا وهذا ما دفعنا لإقامة هذا المشروع.

وما يميز هذا المشروع أنه لا يصح أن تقوم عليه دولة حتى لايفقد حياديته بل يجب أن تقوم عليه مؤسسة خاصة حيادية ولديها تقنية المعلومات ولديها قدرة على البحث وقدرة على الاستثمار.

◄ ثورة التعليم التى أشرت إليها إذا حاولت الدول العربية أن تواكبها كم ستكلفها؟ وما سيكون مصير الجامعة إذا ما استغنينا عن الحرم الجامعي كما أشرت قبل قليل؟

► الجامعات ستصبح جامعات كما هي بدلاً من أن تكون شركات عقارية، ومصيرها لمصلحتها، سيتخفف عنها العبء المالي والعبء الاداري وتترك العقار وتوفر ما تنفقه عليه وتشغلها في مشروعات أخرى.

كما أن في الجامعات معدل الإداريين ثمانية أضعاف الأكاديميين، المدير والحارس والكهربائي والسائقون وغيرهم، أعرف إحدى الجامعات في العالم العربي بها 18 سائقا ولايوجد سوى سيارة واحدة فقط فيها، في المقابل نجد الجامعات الكبرى في العالم تخلصت من كل هذا الترهل الزائد واستفادت من تقنية المعلومات والاتصالات في التعليم.

كما أن الدول العربية الفقيرة هي التي تستعمل البنية الاقتصادية أكثر، هل تعرف أن أكبر نسبة معرفة رقمية في الوطن العربي بدولة فلسطين وهي تحت الاحتلال، إذا المشكلة ليست مشكلة فقر بل هي مشكلة قرار.

ونحن في مؤسسة طلال أبو غزالة سنتيح الاتصال الدولي لطلابنا بأي دولة في العالم فقد اشترينا كابلا وخط انترنت خاصا بنا لنسهل الأمر على طلبتنا، فضلا عن أن الانترنت سيصبح خلال العشرين سنة المقبلة مجانيا في كل الدنيا ولن تكون هناك أية مشكلة في ذلك وسيصبح حق استعماله كحق استعمال الشارع العام.

 

الاقتصاد المعرفي

◄ إذا تناولنا الاقتصاد المعرفي.. هل العالم العربي فكر في الأمر؟

► أنا كلفت من قبل القمة العربية الاقتصادية في شرم الشيخ بأن ننظم أول مؤتمر معرفي للشباب المعرفيين أو قمة معرفية يقعد فيها الشباب مكان قادتنا في قاعة القمة بالجامعة العربية ليخططوا لمستقبل المعرفة في الوطن العربي، وحين تقرر في قمة الكويت توفير 3 مليارات دولار لتنفق على المجتمع المعرفي بما فيها الاقتصاد المعرفي ولم يحصر المبلغ، فقلت لهم اننا لسنا بحاجة له، فقط اعطوني اختراعا معرفيا واحدا يغطي كل ميزانية الأمة العربية، فميزانية شركة آبل لصناعة الالكترونيات تعادل ميزانية 5 دول عربية، وميزانية موقع “جوجل البحثي تعادل ميزانية 18 دولة من الدول الناجحة.

والآن أكبر تاجر في العالم هو بائع المعرفة وليس بائع الخدمات، وهو الثروة في المستقبل، فأغنى أغنياء العالم اليوم، ليسوا أصحاب شركات النفط ولا العقارات ولا البنوك، بل هم من صناع المعرفة من أمثال بل جيتس وغيره.

◄ هل هناك مؤشرات على تحول الدول العربية إلى الاقتصاد المعرفي؟

►  نعم، فهناك جولة الاستثمار في الابداع نظمتها مجموعتنا بالاشتراك مع الإسكوا وتدور على الدول العربية لتبحث عن المبدعين العرب في المعرفة وتربطهم مع المستثمرين، وقمنا بهذه الجولة في عدة دول، في مصر والأردن ولبنان وسنواصل، ووجدنا قدرات هائلة في الإنتاج الفكري وربطنا بعضهم مع مستثمرين.

كما أن مشكلتنا في العالم العربي ليست هي الإبداع بل تحويله إلى منتج تجاري، وفي الغرب نجد شركات متخصصة في الاستثمار في الابداع وتبني الأفكار وتحولها إلى منتجات.

هل تذكرون اختراع “التليكس” الذي كان من أهم الاختراعات وقتها من شركة سيمنس، وكانت هذه الشركة بها عالم يشتغل بالأبحاث اخترع الفاكس، وعرضه على شركته وقال لهم إنه سيكون أسرع وأنجع من التليكس، فقالوا له اسكت ولا تعطل سيطرتنا على الأسواق العالمية، فباعه لشركة يابانية فصنعته وقضت على التليكس وأصبحت هذه الشركة اليابانية التي تحكم العالم بالفاكس لأن هناك من لديه القدرة على أن يفكر بأهمية المشروع وفرض سيطرته يوماً ما.

◄ هل ستقوم جامعة طلال أبو غزالة بربط طلابها بمعامل أبحاث عالمية وفتح خطوط تواصل مباشرة مع الشركات من هذا النوع؟

► المنظمة التي أرأسها مختصة بهذا الأمر، ولكن ما يحزنني أن المشروع ممول من الاتحاد الأوروبي وليس تمويلا عربيا، فقد فعلها الأوروبيون لربط جامعاتنا بجامعاتهم ليعرفوا مالدينا من أفكار فيطورونها ويستثمرونها.

وهنا أذكر دولة فنلندا التي تأسست فيها شركة نوكيا لصناعوة الهواتف المحمولة، وبسبب هذه الشركة أصبح الدخل القومي لفنلندا 266 مليار سنوياً، لكن الأردن دخلها القومي مثلاً 30 مليار وكلا البلدين متساو في عدد السكان.

السعودية تنفق 20 % من ميزانيتها على بناء القدرات وهي أعلى نسبة في العالم يتم انفاقها لكن الأهم هو أن نطور من أنفسنا ومن نظرتنا لهذا الأمر نحن الآباء والأجداد.

 

دول متقدمة

◄ لك تصريح صحفي قلت فيه ان بعض الدول العربية ستصبح يوماً كالدول المتقدمة في اقتصادها.. لماذا؟

► هنا تكلمت عن مصر، وكنت أتحدث من منطلق علمي، وفي تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، يتوقع أن الاقتصادات الأكبر في العالم والتي ستحكم العالم هي الأكبر في عدد السكان، فمن بعد الصين والهند وأمريكا والبرازيل وروسيا وغيرها تأتي مصر وتركيا وإيران.

وذات مرة التقيت وزيرة خارجية أمريكية سابقة في إحدى المناسبات وقالت لي لديكم في المنطقة 3 دول مهمة هي تركيا وإيران ومصر لأن عدد سكانها كبير ولها تاريخ طويل وحضارة، فسألتها عن بقية الدول فقال هي دول لكنها ليست الأساس، وقالت ان هذه الدول الثلاث الكبيرة قادرة على الاكتفاء الذاتي، كما يضاف إلى هذه الدول مجلس التعاون الخليجي ككتلة مترابطة، لكن عليها أن تفكر فيما بعد النفط لأنه وضع لن يستمر إلى الأبد وهذا يأتي بتحويل السوق الداخلي إلى سوق كبير يستوعب الصادرات والواردات، لذا قلت ان مصر ستصبح من أصحاب الاقتصاد المهم ومن الدول العشرين الكبرى في العالم باقتصادها.

◄ ماذا عن الملكية الفكرية بالوطن العربي وما الانعكاس الاقتصادي على هذا الموضوع؟

► حتى نكون منصفين لأمتنا، مستوى حماية الملكية الفكرية في الوطن العربي هو على أعلى المستويات الدولية، لاتوجد دولة عربية ليس فيها قانون لايتفق مع المعايير الدولية.

نأتي للتطبيق، هذا أيضاً بقدر كبير متوافر في صورة لوائح، لكن المشكلة تكمن فقط في الرقابة على التنفيذ وفي الأحكام القضائية، لأننا أحياناً نجداً نصاً قانونياً يغرم الذي يتسبب في ضرر مؤسسة ما بمبلغ عشرة آلاف ريال مثلاً، في نفس الوقت الذي تسبب فيه بأضرار للجانب الآخر بعشرين مليونا مثلاً هنا تجد الشخص المعاقب لا يمانع من إيقاع الضرر على الغير.

لذا لابد من تغيير القانون وإلغاء الحد الأقصى على أن يتحدد وفقاً لحجم الضرر الذي تسبب فيه للغير.

 

الربيع العربي

◄ في ظل المتغيرات التي يمر بها الوطن العربي.. كيف ترى المستقبل الاقتصادي له؟

► حين وقع الربيع العربي قلت ان ما يحدث ليس سوى نهضة، فعندما قامت النهضة الأوروبية بعض الدول احتاجت عشرين عاماً لتنهض وبعضها احتاجت لمائة عام كاملة مثل فرنسا إلى أن انتقلت لعصر الازدهار.

قلت سابقاً اننا أمامنا عشر سنوات حتى نصل إلى هذه المرحلة، وهذه المرحلة تتـراوح أهميتها وأثرها وحسناتها بين دولة وأخرى، لكن بشكل عام لا يمكن أن ينتج في النهاية سوى الأفضل.

وهنا أشير إلى أنه لا يمكن أن يبنى سوق حر بوجود الاحتكار بل بالمنافسة على الجودة وعلى السعر وهذا لمصلحة الاقتصاد، وفي مصر مثلاً لو ألغي الاحتكار وحده سينهض اقتصادها، لأن الفساد فيها كان منظماً وممنهجاً وليس فردياً.

لذا فرضت رياح التغيير الحرية ولن يستطيع أحد أن ينتزعها من الناس، وستفرز هذه الأيام تطور النظام من أحسن إلى أحسن، فإذا فشل النظام الحالي في إدارة الدولة لن يختاره الناس وسيختارون من هو أفضل، وحتى يتحقق ذلك علينا أن نصبر لأن الأمر يحتاج إلى وقت، ولا أقول اننا بالثورات حققنا كل ما نريد، لكننا في بداية التغيير.

◄ حدثنا عن التحول الرقمي في الإٌعلام.. متى وكيف؟

► الإعلام يواجه نفس المشكلة التي يواجهها التعليم، فإذا لم يتغير لن يجد من يقرأه، فطلاب الجامعة الآن لايقرأون الصحف الورقية كما كنا نفعل في الماضي.

والمشكلة هي كيف تستطيع أن تحول هذا المشروع إلى رقمي وممول بربح، ويحب أن تحدد له صيغة ربحية أو صيغة لتبادل المعلومات من خلال اشتراك مالي.

فلا مستقبل لشيء في الدنيا إلا للمعرفي فقط، سواء كان صاحب جريدة أو صحفيا أو طابعا أو ناشرا، يجب أن يتحول إلى إنسان معرفي. والإيميلات حين ظهرت قضت على مهنة البوستجي لكن تم توظيفه في عمل آخر فكان أفيد له وللبلاد.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x